استهدافُ الصعوباتِ المتعلقة ببرامج تأكيد الذات
هذا الشخص غير واسع الاطّلاع حول حقائقِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ، فهو يَقُولُ ما يَعتقدهُ، وقد يكون ما يقوله هو الشيء الصحيح، ولكن في الوقتِ الخاطئ. على سبيل المثال: زوجكَ يُخبرك بمشاكل يومه الفظيع في عمله، منتظرا أن تواسيه وتشدين من أزره، وأن تشعريه بمشاركتك له آلامه في العمل من أجل تحقيق المطالب الأساسية لأسرته، ولكنك في الرَدِّ عليه تخبريه أنك كنت في زيارة لأختك اليوم، وزوجها رجل الأعمال واسع الثراء، قد اشترى لها طقما من الألماس يذهب العقل، ونفسك يشتري لك زوجك طقما مثله!!، وطبعا يصاب زوجك بالإحباط، فأنت في وادٍ و هو في وادٍ آخر، أنت قَدْ تَكُونين منفتحَة وصادقةَ، ولكن الطريقَة الطفولية الساذجَة وغير الناضجَة التي تكلمت بها مع زوجك تُؤدّي وبلا جدال إلى صعوباتِ عديدة في التواصل معه، ولو كان ذلك هو أسلوبك في العمل أيضا فستفقدين العديد من صديقاتك وزميلاتك؛ ولذا فلا تَقُولُين الشيءَ الخاطئَ في الوقتِ الخاطئِ، ولا حتى الشيء الصحيح في الوقت الخاطئ، فلكل مقام مقال، وهذه المهارة لابد وأن يتعلمها من يريد أن يؤكد ذاته، فلا تترك نفسك وكأنك تستغل الآخرين وتؤذيهم، وتتنازل عن بعض الحساسية اللازمة لالتماس بعض الأعذار للآخرين، وبالتالي يمكنك أن تتجنب السلوكِ المتُمَركَز حول الذات في أغلب الأحيان، والذي هو مظهر من مظاهر الشخصية النرجسية، فتهمل حاجاتِ زملاءِ العمل، والأصدقاء، والعائلة.
السؤال: كيف تدفع مكروه بقول؟
الجواب: عليك باختيار القول السليم في الوقت السليم!.
سأذكر فيما يلي خمسة أمثلة تدلل على أهمية العبارة المنتقاة والمختارة بعناية في الأوقات الحرجة والعصيبة، وسنلاحظ أن العبارة الجميلة الرشيقة الذكية المناسبة تنقذ صاحبها، وقد تنقذ مجموعة كبيرة من الأشخاص معه، بل قد تنقذ أجيالا كما سنرى في أحد تلك الأمثلة:
المثل الأول:
يُحكى أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، أمر بضرب عنق رجل خرج عليهم، وناصر أعداءهم، فقال له الرجل: ما كان هذا جزائي منك يا أمير المؤمنين!، فسأله الخليفة: وما جزاؤك؟!:
قال الرجل: والله ما خرجت عليكم مع فلان إلا لمصلحتكم، وذلك أني رجل مشئوم، فأنا ما كنت مع رجل قط إلا غُِلب وهُزِم، وقد بان لك صحة ما ادعيت وكنت لك خيرا من مائة ألف معك!؛ فضحك الخليفة عبد الملك وعفا عنه.
المثل الثاني:
حُكي أن رجلا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل هجرته إلى المدينة، فقال: يا محمد أغثني فإن خلفي من يطلب دمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امض لوجهك لأصد الطلب عنك، ثم قام عليه السلام وجلس بعد نفوذ الرجل، فإذا قوم يتعادون بالسيوف، فقالوا يا محمد هل مر بك رجل هارب من صفته كذا وكذا؟ فقال عليه السلام أما منذ جلست فلا، فصدقه القوم وانصرفوا في غير ذلك الطريق.
المثل الثالث:
وحُكي أن خالد بن الوليد لما حارب حنيفة بأرض اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب (مدعي النبوة) حتى صار إلى حصن لبني حنيفة، فخرج إلى خالد رجل من الحصن فأسلم على يده ثم قال له إن في الحصن ضعفاء ونساء وصبية فأعطهم أمانا ليخرجوا إليك، فليس فيهم غلام بالغ. فأخذ أمانا من خالد للجميع، ثم أخرجهم، فخرج فيهم رجال كأنهم الأسد. فقال خالد: لم أعطك لهؤلاء أمانا، إنما أعطيتك للضعيف. قال الرجل: فهم كلهم ضعيف لأن الله عز وجل يقول "وخُلِقَ الإنسانُ ضَعِيفاً" -سورة النساء– آية 27 0 فكتب في ذلك إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأجاز الأمان على خالد.
المثل الرابع:
وحُكي أن سابور ذا الأكتاف (وسُمي ذا الأكتاف لأنه كان يمثل بمن يقتُلهم فيقطع أطرافهم من الأكتاف)، وكان يكثر غزو العرب وقتلهم وطلبهم فغزا مرة بني تميم، وذلك في حياة عمرو بن تميم. وكان قد بلغ عمره مائة وعشرين سنة، فلما بلغ بني تميم إقبال سابور نحوهم، هموا بالهرب منه والتنحي عنه، فقال عمرو لبنيه وقومه: اجعلوني في زنبيل وعلقوني على شجرة وارحلوا عني، فلعلي أكفيكم أمره. فوضعوه على شجرة كيلا تأكله السباع، وأعطوه قوتا من الطعام والشراب، فلما ورد سابور منازلهم لم ير أحدا، ورأى الزنبيل معلقا فأمر به فنُزٍل. فإذا شيخ مثل القفة فقال من أنت يا شيخ ومن أين أتيت؟ قال أنا من الذي تطلب، أنا عمرو بن تميم بن مرة!، فقال إياكم أطلب؟. ولم تخلفت عن قومك؟ قال لأسألك عن قصدك للعرب وأنك لا تزال تغزوهم وتطلبهم ولا ذنب لهم إليك. قال سابور: لأنه بلغني أنه يخرج منكم رجل يكون زوال ملكنا على يده. فقال له عمرو: والله لئن كنت على يقين من ذلك وكان ما أُخبرت به حقا، فإنه لينبغي لك أن تعلم أنه لو لم يبق من العرب إلا رجل واحد لما قدرت على ذلك الواحد حتى ينتهي الله فيه إلى ما تتخوف وقوعه، ولئن كان هذا شيء تظنه ظنا فما ينبغي لك أن تقتل على الظن قوما براء لا ذنب لهم إليك. فقال سابور: ويحكم أين كنتم عن هذا الرأي قبل اليوم؟ فو الله لو علمت به ما غزوتكم. ثم انصرف بجيشه عنهم، ولم يعد إلى غزوهم مرة أخرى.
المثل الخامس:
حكي أن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في الشام والذي انتزع الخلافة من إبراهيم بن الوليد، وكان مروان جلدا صبورا فلُقِّب بالحمار. حكي أنه طلب العباسيين لما ابتدأ أمرهم يشتهر ويرتفع، ووقعت البيعة سرا لإبراهيم بن محمد والمعروف باسم إبراهيم الإمام، فلم يجدهم فوجه رجلا من قواده يقال له العكي في أربعة آلاف جندي على الخيل، وأمره بأن يتتبع آثار بني العباس وأين سلكوا؟، ويقتل كل من وجد منهم. فخرج العكي لما أمر به، وخرج بنو العباس هاربين إلى العراق، وهم إذ ذاك ومن معهم من أتباعهم ومواليهم سبعون رجلا، فبينما هم يسيرون إذ نظروا إلى غبرة عسكر العكي، فتشاوروا بينهم، فقال بعضهم نقاتله، وقال بعضهم نجحد أننا من بني العباس، فقال لهم عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس (أحد علماء بني العباس وقد ولد في مكة وسكن بغداد، وهو عم السفاح والمنصور، وكان ناسكا معتزلا لأعمال الدولة فلم يتول أي عمل رسمي. حيث قال عنه الرشيد كان عيسى بن علي راهبنا وعالمنا).
قال لهم عيسى أما القتال فليس لقتال سبعين رجلا على دواب ضعاف وحمير ضد أربعة آلاف من الفرسان المدربين على القتال على خير وجه، وأما الجحد لأنسابنا فإن هذا لا ينكتم والقتل خير منه، ولكن دعوني وإياه فقالوا: أفعل؟. فحرك دابته فلما بلغ عسكر العكي فسأل عنه فخبٍر به فلقيه فقال له عندي نصحية، فأخلين، فخلا به، فقال إن الكذب شر ما استعمل، وهذه بنو العباس خلفي وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيملكون، فو الله لو لم يبق منهم إلا واحد لملك!!، ومنا قوم بالعراق وقوم بالحجاز، فإن صفحت فجزاك الله خيرا أولا، وجازيناك بعد ثانيا، وإن لم تصفح فها هم أولاء ولا يد بينك وبينهم إلا يد الله. قال العكي، لا والله ما كنت لأخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله بالقتل. فامض إلى أصحابك آمنا وهم آمنون. وقال لأصحابه إن هذا الرجل خبرني أن بني العباس أخذوا في طريق غير هذا الطريق فامضوا بنا نعارضهم، فصرف أعنة خيله، فلما ولي بنو العباس الأمر بلغوا بالعكي مبلغا جميلا من الإحسان!. وبعد تلك الأمثلة من اللباقة واللياقة والشجاعة والإقدام أذكر هذا البيت الحكيم للمتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يُفقــــِرُ والإقـــدام قتـــــال
ويتبع >>>>>>>>>>> صعوبات التواصل: تأكيد الذات المشقوق