التقيت بأخي وائل أبو هندي في الشهر الثالث من هذا العام وكتب عن هذا اللقاء على الموقع. كان اللقاء هو الأول رغم أني أتواصل مع أخي وائل كل أسبوع وأحيانا كل يوم منذ ما لا يقل عن خمسة أعوام. إن سافر فسأكون أول من يعلم وإن سافرت أعلمته قبل ما لا يقل عن أسبوع من رحلتي.
شهر يوليو في لندن غير شهر مارس وتزدحم عاصمة بريطانيا بالسواح من جميع أنحاء العالم وخاصة من العالم العربي. تسمع الموسيقى العربية هنا وهناك وترى جميع الجنسيات العربية وتسمع مختلف اللهجات في الباص وقطارات الأنفاق وهناك شارع في وسط غرب لندن وهو شارع إيجور Edgware التي يلتقي بشارع أكسفورد ويمتد ما يقارب الميل يزدحم بالعرب طوال العام. في هذا الشارع لا تسمع أحيانا سوى اللهجات العربية ويزدحم بالمطاعم العربية وكان هذا الشارع هدفنا الأول لتناول الطعام في مطعم له سمعته الجيدة ويدعى مطعم السليمانية.
السليمانية ثاني أكبر مدينة كردية في شمال العراق وفي إقليم كردستان العراق المستقل إداريا أو فيدراليا عن بغداد. لكن قائمة الطعام عربية وكردية وفيها الكباب العراقي والذي يسميه البعض الكفتة. ولكن من يعمل في المطعم؟ هناك الكردي العراقي والمصري العربي والعربي العراقي وغيرهم. وحدة الأقوام التي تسكن العالم العربي أكثر وضوحا في لندن من أية عاصمة عربية. تسير في هذا الشارع وترى الشباب العربي من ذكور وإناث وهناك السافرة والمحجبة والمنقبة ولكن لا يثير انتباهك تحرش الذكور بالإناث وهذه ظاهرة لا تراها في جميع أنحاء بريطانيا والجميع يلتزم بقاعدة غض البصر وتسأل لماذا لا تشاهد ذلك في العواصم العربية؟ لا يوجد رجال أمن في الشوارع ولا توجد مواعظ دينية تحث البشر على الالتزام بسلوك حضاري. لا أظن أني سمعت يوما أن هناك بوليس آداب إلا في الأفلام العربية.
حديث الاقتصاد
كان الحديث في مطعم السليمانية عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم العربي من بطالة الشباب وتدهور سعر العملة المحلية وأسعار النفط والإنتاج المحلي الكلي. الحقيقة هي أن ما ينتجه المواطن العربي أحيانا يعادل ضعف دين الدولة لكل مواطن. نترجم ذلك أن إنتاج جنيه واحد للفرد يعادل دين جنيه ونصف للفرد عن طريق الدولة. لا أحد يعرف ماذا ينتظر العالم العربي وكيف ستكون خريطته الجغرافية التي وضع تصميمها سايكس بيكو قبل قرن من الزمان.
وحديث الاقتصاد هذا دفعني ووائل إلى التوجه نحو ما تسمى مدينة لندن City of London.
مدينة لندن
مصطلح مدينة في بريطانيا يتم استعماله لوصف منطقة فيها كاتدرائية ودون ذلك تسمى بلدة رغم أن الأخيرة قد تكون أكبر من الأولى وعاصمة مقاطعة بأكملها. الكاتدرائية الموجودة في مدينة لندن هي كاتدرائية القديس بولس St Paul’s Cathedral وهي واحدة من أشهر مقاصد السواح في لندن وتحيط بها المؤسسات الاقتصادية المالية والمصرفية العالمية. هذه المدينة توظف ١٠٪ من خريجي الجامعات البريطانية وفي مقدمتهم طلبة الاقتصاد Economics .
في هذه المدينة توجد أقدم مستشفى في بريطانيا وهي مستشفى القديس بارثلميو St Bartolomeo’s Hospital تم جمع كلية طب هذه المستشفى مع كل طب لندن الملكية في شرق لندن والتي فيها أكبر مستشفى في أوربا وهي لندن الملكية Royal London يؤدي خريجو هذه الكلية القسم الطبي في كاتدرائية القديس بولس.
انقر الصورة لترى حجما أكبر
وائل وخلفه كاتدرائية القديس بولس St Paul’s وتمثال الملكة فيكتوريا
تزدحم المدينة صباحا مع قدوم العاملين وأوقات الغذاء والساعة الخامسة عصرا، وما بين هذه الساعات تسير فيها وتسأل لماذا هي خالية من السكان. أعلمت وائل بأن ما يجذبني إلى هذه المنطقة هو محل الفول والطعمية الذي لا يفتح إلا من يوم الاثنين إلى الجمعة. الصراحة هي أن مطعم بيل بال Pil Pal يقدم ألذ الفول وطعمية في بريطانيا وربما في العالم كله ولكن لا يفتح إلا ما بين التاسعة صباحا والسادسة مساءً.
انقر الصورة لترى حجما أكبر
وائل وخلفه يافطة مطعم بل بال Pil Pal للفول والطعمية
ثم استمرت المسيرة في المدينة وترى هناك العديد من التماثيل لمن خدم المدينة من المهندسين وغيرهم.
كان الحديث خلال تجوالنا في المدينة عن الأقليات الدينية الإسلامية في لندن وفي مقدمتها الإسماعيلية والأحمدية. الطائفة الإسماعيلية لها محافلها في لندن ويصلون جماعة فقط ومن شعائرهم وجوب الاستحمام يوميا. لهم طقوسهم وزعيمهم الأغا خان وما تسمى بالطائفة الإسماعيلية اليوم تنحدر من الطائفة النزارية الإسماعيلية التي انقسمت عن التيار الفاطمي في القاهرة قبل سقوط الدولة الفاطمية. ثم هناك الأحمدية وهي طبقة تنحدر من شبه القارة الهندية ورغم عداء أهل باكستان لهم فهم لا يختلفون عن التيار الإسلامي المعروف في شعائرهم ولا علاقة لهم بالتيار الصوفي الذي سمعنا عنه الكثير في يوليو مع الحديث عن أتباع فتح الله غولن (غول) مع أحداث تركيا.
تشعب الحديث عندها عن الاستشارات الدينية التي تصل الموقع حول وسواس الوضوء والطهارة وعدد الركعات وغير ذلك. الطقوس لها وظيفتها في حياة الإنسان وممارستها تساعد الإنسان على عزل القلق والضغوط النفسية جانبا. إن لم يمارس الإنسان طقوسا دينية فهو بلا شك يمارس طقوسا أخرى في حياته. في الوقت الذي تساعد الطقوس الإنسان في السيطرة على إيقاع حياته تراها تتحول إلى مصدر لارتباك هذا الإيقاع وولادة الأفكار الوسواسية من جراء القلق وعدم التوازن الاجتماعي. وما هو العلاج الأفضل؟
حرص الكثير من القدماء والمعاصرين من رجال الدين بأن لا مكان للاستجابة للأفكار الوسواسية مع ممارسة الطقوس الدينية. بعبارة أخرى لا يوجد سوى عدم الاستجابة للوسواس مهما كان ويمضي الإنسان في وضوئه ولا يكرره ويمضي في صلاته ولا يعيد الركعة. إن شك بين الأولى والثانية فيمضي وكأنه دخل الثانية ولأن ذلك هو الاكثر احتمالا ويمضي في الثالثة إن شك بين الركعة الثانية والثالثة ويمضي ويسلم مع الرابعة إن شك بين الثالثة والرابعة. لا مكان للأفكار الوسواسية مع الطقوس ولا فائدة من ممارستها روحيا ونفسيا إن استجاب الإنسان لشكه أكثر من مرة.
واستمرت المسيرة ودخلنا وقت العصر ولا نزال في المدينة.
ويتبع>>>>>>> : حديث لندن وقت العصر
واقرأ أيضاً:
قريبا ألتقي سدادا... جمعا في لندن! / ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن