الفصل التاسع
ولد ونشأ بالبادية على مشارف الرياض، وتعرض في طفولته إلى العديد من الحوادث والتي أثرت في تكوينه وجعلته أشد صلابة وقدرة. حيث تعرض للدغة عقرب هو وشقيقاته، وجاءوا بطبيب شعبي وربط على إصبعه خرزة لم تكن لتشفيه، ثم تعرض لمرض السعال الديكي حتى كان يفقد الوعي أحياناً للحظات من شدة السعال!، وفي مرة ظنت والدته أنه توفي ولكن الله منً عليه بالشفاء.
وفي مرة أخرى حضر ضيف إلى أبيه فذبح له الأب كبشا، وأعطي الابن الساق فأكل الصبي الساق مع الظلف دون أن يشعر فحصل انسداد له في الأمعاء وجاء كل الأطباء الشعبيين لعلاجه فزادت الحالة سوءا، ثم حضر طبيب فقام بعلاجه على الوجه الصحيح فمنً الله عليه بالشفاء، وأخيرا الحادثة التي غيرت مجرى حياته كلها، وكانت أن كسرت ساقه، واضطر الأهل إلى إرساله لمدينة الرياض للعلاج بإحدى المستشفيات المتخصصة بصحبة أخيه بعد أن فشل المجبراتي في علاجه، ويومها قرر الصبي المكسور في نفسه أن يعمل طبيبا وأن يعيش في تلك المدينة الكبيرة!.
ووجد الشقيق الأكبر للصبي أنه لا بد أن يلتحق شقيقه الصغير بإحدى المدارس بعد أن ألح الصبي عليه طالباً ذلك، وبالفعل ألحقه بإحدى مدارس الرياض وأقام الصبي عند عم له هناك، ولام الناس الشقيق الأكبر على وضعه شقيقه الصغير في المدارس بعيداً عن والديه وأسرته، ولكنهم بعد ذلك عرفوا خطأهم حينما وجدوا هذا الصبي تتفتح مداركه على كل شيء، وظهر نبوغه والتحق بكلية الطب ثم التحق بإحدى الكليات العسكرية وسافر إلى الخارج لاستكمال دراسته ونبغ حتى وصل إلى منصب مدير إحدى المستشفيات الكبرى في مدينة الرياض.
أوناسيس والمليون دولار الأولى
يقال أن المليونير اليوناني الشهير أوناسيس، والذي كانت أمه تغسل في المنازل لتنفق عليه، كان حلم حياته هو أن يجمع مليون دولار قبل أن يصبح عمره واحدا وعشرين عاما، وجد أوناسيس واجتهد منذ طفولته المبكرة ليجمع المليون دولار الأولى، لدرجة أنه كان لا يأكل إلا وجبة وحيدة خفيفة يوميا، وذلك كي يجمع هذا المبلغ الضخم جداً، والذي كان من الصعب جمعه جدا في ذلك الوقت البعيد، ولكنه حقق حلمه وهدف عمره وفي الوقت الذي تمناه وحدده من عمره، لقد جعل من الحلم بعيد المنال حقيقة وواقع ثم توالت عليه الملايين بلا عد ولا حصر بعد ذلك؛ وذلك لكي يصبح من أغنى الأشخاص على مستوى العالم بأسره في عصره!.
من يُُحْرَم من الحب صغيرا
يصْعُب عليه الانتماء كبيرا
إن أعلى وأطول شجرة في العالم لابد أن تضرب جذورها في الأرض حتى يمكنها أن تشمخ نحو السماء.
كانت هناك امرأة تحب عملها حبا جما وتفنى فيه تماما، حتى أنها كانت تظل في المكتب عدة ساعات إضافية بعد مغادرة جميع العاملين، حتى يجبرها عاملوا النظافة بلطف إلى مغادرة المكتب. لم تكن تشعر بالانتماء إلى بيتها لدرجة أنها بعد خروجها من العمل تتسكع في شوارع المدينة. كانت تقول لنفسها أنها لا تحتاج إلى وجود رجل في حياتها، وقد كانت غير محظوظة مع الرجال الذين ارتبطت بهم، ولم تتمكن من معرفة الكيفية التي تمكنها من التعرف على الرجال الذين ترغب في الارتباط بواحد منهم، حتى أنها دخلت على أحد مواقع الانترنت ليكون نصيبها التعرف على رجل من يوغوسلافيا، كان جل اهتمامه التعرف على أمريكية ليتزوجها ليحصل على الإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية.
المهم أخيراً رأت بغيتها في إعلان بمجلة وجدت فيه كل المواصفات التي ترغبها في الرجل، وتم تحديد موعد معه لمقابلته ولكنها حينما ذهبت إلى بيته وسألها من هي أجابت بأنها التي حددت موعد معه فأوصد الباب في وجهها. رجعت بذاكرتها إلى الوراء حينما كانت أمها تفضل شقيقتها الصغرى عليها، وأيضا والدها كان يداعب الصغيرة ولا ينظر إليها، فلم تشعر بالانتماء إلى أسرتها منذ ذلك الحين.
وفي ذلك لابد أن نعرف أن العائلات الكبيرة العدد توفر التربة الخصبة التي تنمو فيها روابط تقي أفراد العائلة من القلق والوحدة في هذا العالم. إن الأزهار المقطوعة لا تعمر طويلا وحتى أقوى وأكبر الأشجار لا تستطيع الاستمرار في الحياة لدى اقتلاعها من الأرض. إن العائلة التي توفر الأساس لجذور عميقة ممتدة فإنها بذلك توفر التربة الخصبة التي تنمو فيها النفس.
إن جميع العلاقات التي نرتبط بها مع الآخرين في حياتنا الاجتماعية تتحول في نهاية الأمر إلى العائلة التي نعيش في كنفها والتي تعتبر أولى الصلات التي نرتبط بها في حياتنا. نحن جميعا بحاجة للشعور بالارتباط مع عائلتنا الأصلية (مهما كانت الخلافات التي تمزقها)، فالعائلة هي أول مكان نشعر فيه أننا في موقع ثابت راسخ.
إن التجارب الحياتية للعائلة تترك بصماتها في نفس الفرد، وقد تكون هذه التجارب تفاعلات عادية، تحفل أحيانا بالخلافات والنزاعات والغيرة والحسد والتنافس، وقد تكون أحيانا أخرى شنيعة وقذرة. وتذكرني قسوة الوالدين في تلك العائلة ببيت رائع من الشعر لطرفة بن العبد ألا وهو:
وظلمُ ذوي القُربى أشدُ مضاضةً على النفسِ مِن وَقعِ الحُسَامِ المُهَنّدِ
وما حدث مع تلك المرأة هو نموذج صارخ لعدم الانتماء مما جعل شعورها بالغربة يزداد. ويؤكد كل علماء النفس والفلاسفة أن على الإنسان أن يكون "كائناً" قبل أن ينتمي، لكن الكينونة والانتماء يعتمد كل منهما على الآخر. فالكينونة ليست حالة سكونية، إنها تتطور باستمرار، والإنسان لا يحرز سوى درجات من الكينونة. فالانتماء يتداخل ضمن نسيج عملية صيرورة ومآل الإنسان بحيث يصعب الفصل بينهما.
عندما يبدأ الطفل في النمو تحدث الولادة النفسية، فهو يبدأ بالتحول من الانتماء الأمومي إلى كائن مستقل ويشرع بإنشاء علاقات مع الآخرين مثل الأب والأخوة والأقارب والجيران وغيرهم. في البداية يتمتع الطفل بالحب دون أن يبذل أي جهد من جانبه، ويتم تقديمه للمجتمع دون أن يُطلب منه سوى الحد الأدنى من التصرفات المقابلة –ابتسامة صغيرة مثلا- وعندما يصل إلى سن الالتحاق بالمدرسة، فإن من حوله يتوقعون منه أن يسعى للمشاركة الفعلية وذلك للمحافظة على وضعه كعضو ضمن المجموعة. هنا يبدأ الطفل في الارتباط بالمدرس وأصحابه وعليه المشاركة في الأنشطة التي تجرى خارج المنهج الدراسي!.
والانتماء فاعلية، فهو يتطلب وقتا وطاقة والتزاما. فكما يقول المثل: إذا أردت أن يكون لك أصدقاء فكن صديقا. هناك البعض يظل أسيراً للتحفظ، فهم يخشون مكامن القصور لديهم ويعتقدون أن الآخرين سيكتشفون مواطن ضعفهم أو حماقتهم!، لكن هذا الموقف يتحول في النهاية إلى توقع يحقق نفسه بنفسه ألا وهو: "رفض الآخرين لهؤلاء الأشخاص".
إن افتراض وجود إعاقة داخل النفس ينطوي بداهة على كمال الآخرين. إننا جميعا نعاني من مكامن قصور (كلٌ بطريقته الخاصة). فحينما تقول تلك المرأة لنفسها أنها ليست بحاجة إلى أصدقاء، إنما هو وهم دفاعي شائع يدل على سوء التكيف، فلا يمكن حتى لأنجح الزيجات أن تتجاوز أزمة عزلة من هذا النوع. نحن بالفعل في حاجة للأصدقاء وبحاجة للعلاقات الأقل حميمية مثلما نحن بحاجة لأكثر العلاقات حميمية، لأن كل نوع من العلاقات يخدم درجة مختلفة من الانتماء.
فحتى لو وجدت تلك المرأة الرفيق الكامل، وأنجبت منه أطفالا فإن ذلك لن يمنحها ما تتوق إليه. حيث تؤكد الدراسات أنه –رغم أن أية صداقة لا تكفي للتعويض عن فقدان إنسان تربطنا به صلة وثيقة وعن فقدان الحميمية العاطفية– إلا أن العلاقات الخاصة لا تستطيع وحدها إضفاء معنى على حياتنا.
إن تلك المرأة تعتقد بأهمية الجنس عند المرأة، ورغم حاجتها الشديدة لوجود رجل في حياتها، إلا أنها لم تكن ترضى بالزواج من أي شخص، وهذا لأنها فقدت الانتماء لأسرتها منذ الصغر، وهي غير مستعدة أن يعيش أبناؤها في المستقبل –إن تزوجت– حالة البغض والكراهية مع عدم الانتماء التي عاشتها منذ صغرها؛ لكل هذا فضلت أن تعيش بدون زواج باقي حياتها.
الفروق بين الصداقة الحقيقية والأخرى غير الحقيقية
يقول البعض إن لديه عددا كبيرا من الأصدقاء، ولكن إذا طلبت منهم تحديد نوع تلك العلاقات تكتشف أنهم لا يشركون هؤلاء الأصدقاء في أفكارهم ولا في عواطفهم، حتى تجد أنهم لا يشعرون بالاشتياق لرؤيتهم، كما تكتشف أنهم لا يفرحون لفرح أصدقائهم ولا يشعرون بالألم لآلامهم. لذا فإن ذلك يسمى تعارف وليس صداقة، وهؤلاء معارف وليسوا أصدقاء.
فالصداقة غير الحقيقية أن يتصور كل طرف لدى الآخر ما ليس لديه هو. فإنهما يجتمعان ليسرق كل منهما الآخر. يظلان سوية إلى أن يعتقدا أنه لم يعد هناك ما يمكن سرقته، ثم يتركـــــان بعضهما. أما الصداقة الحقيقية فهي أن تنطلق من مقدمة مختلفة، حيث ينظر كل طرف إلى داخل نفسه فلا يجد أي نقص، فيقوم بتوسيع مدى ذاته عن طريق الارتباط بشخص آخر كامل النفس مثله تماما.
ولو أن تلك المرأة حافظت وحاولت أن تبني صداقات ونمتها لما شعرت بالحاجة الماسة للرجل، والواقع أن تلك الصداقات كانت ستزيد من فرص عثورها على رجل. لكننا نرى لسوء الحظ أن إلحاح المجتمع وأجهزة الإعلام دون هوادة على العلاقات الرومانسية قد أدى لنشوء نوع من علاقات الحب الزائف وذلك على حساب الصداقة.
إن التأكيد المفرط على فلسفة ترتكز على الذات يتعارض مع الانتماء، كما أن التعبير المفرط عن فلسفة تقوم على الارتباط مع الغير يصادر الفردية. علينا أن نٌبقي الأمرين ضمن الحدود المعقولة. إن في أعماقنا جميعا رغبة بالانتماء عبر أساليبنا الفردية والثقافية.
في حكاية تركية قديمة يقال: إن جحا كان رجلا مسنا ومريضا ويحاول زرع شجرة برتقال، فمر به رجل ونظر إليه برهة ثم قال: لماذا تزرع شجرة لن تعمر لتأكل من ثمارها؟ فأجاب جحا: نعم هذا صحيح، لكن الأصح هو أنني أكلت كثيرا من ثمار أشجار كان آخرون قد زرعوها.
يحمل كل منا في تركيبه الوراثي نزعة الأنانية ويؤدي أسلوب تفكيرنا أحيانا إلى تشويه هذا المبدأ الوراثي، وعندها لا نكتفي أن نتصرف وفق مبدأ الفرد من أجل ذاته فقط، بل نتوقع أن يكون التصريف هو الجميع من جل الفرد، مما يؤدي إلى إتلاف القالب الأصلي لمبدأ التبادلية الذي يعتبر أساس الوجود.
يخسر الشخص الأناني من حيث يربح، لأن الربح الذي يرتكز على استنزاف الآخرين يؤدي بطبيعته إلى طريق مسدود، فالأنانية تدمر أساس الحياة، وهو ما يُلحِق الأذى بالفرد نفسه. وفي رواية عن الزعيم الوطني الهندي "المهاتما غاندي" تقدم مثالا عن هذا المبدأ. كان المعروف عنه أنه عندما يستقر في قرية ما يبدأ مباشرة بخدمة سكان القرية، وعندما سأله صديق له إن كانت دوافعه لخدمة الفقراء هي إنسانية محضة، أجاب غاندي: أبدا أنا هنا لأخدم نفسي فقط، لتحقيق ذاتي عبر خدمة الآخرين. إن التعاطف الحقيقي الذي نشعر به تجاه الكائنات البشرية الأخرى يسدي لنا في الوقت نفسه خدمة كبيرة، إنه علاج نتبادله مع الآخرين، ولكي يعتبر كرم النفس هذا رحيما وأخلاقيا يجب أن يتسع ليشمل كل شيء، لا مجرد الناس الآخرين فحسب. وصدق من قال: "التعساء هم الذين سعوا إلى سعادتهم الشخصية، والسعداء هم الذين سعوا إلى سعادة الغير".
إن الإيمان هو الشعور بوجود معنى يمتلك وجود الفرد ويتحول إلى نموذج لأسلوب حياته. والشخص المتدين –من جهته– يقدم مثالا جاهزا، كما دعم المهاتما غاندي فقراء بلده، وبالذات طائفة المنبوذين في الهند، إن وجود رؤية شاملة مشتركة تسهل إيجاد هوية لإنسان ما تتجسد فيها القوة الروحية للمجموعة، وكان بالفعل هناك مؤازرين لفكر غاندي في مقاومته -بالمقاطعة الكاملة للاحتلال البريطاني- من أمثال نهرو وأبي الكلام إيزاد وغيرهم، ولا يمكن سوى لفرد مر بعملية تحول من حبه لذاته إلى عشقه لأمته بكل طوائفها المختلفة، هذا النوع لا يميز نفسه عن المجموعة المحيطة به أبداً، بل قد يراه الآخرون أقل مالاً وسلطة ممن يحيطون به!!!.
لدى قيام المجتمعات بإعادة تشكيل سلطتها عبر المنظومات الدنيوية تلعب العقائد دور المادة اللاصقة للمجتمع، أي دور لمنظومة معتقدات مشتركة تؤمِّن تماسك العلاقات. يقول هارولد كوشنر: "يتردد الإنسان إلى المعابد ويردد صلواته سعيا للعثور على تجمع ديني، وعلى أناس يستطيع مشاركتهم في الأمور التي تعني الكثير بالنسبة له".
الحاجة للانتماء تضرب جذورها عميقة حيث يكون من المستحيل إشباع هذه الحاجة في الحيـــاة الدنيا. فمشاعر التوق والانتماء المطلقة تعني التوحد مع الكون. ويجري تصوير نمو شجرة الكابالا بشكل تنمو معه الفروع في السماء. إذن لا يمكننا أن ننمو باتجاه الأعلى قبل أن ننمو باتجاه الأسفل.
أنت الشخص الوحيد الذي يمكن أن يحبك بالفعل
أخبرتني إحدى مريضاتي: أنها بعد قضائها فترة في المستشفى زارتها صديقة قديمة منذ أيام الدراسة للاطمئنان عليها، وترى كيف تسير أمورها، وشرعا في تذكر الأيام الجميلة والأوقات الممتعة التي قضوها سويا، وبعد رحيل صديقتها فكرت في مدى السعادة التي كانت تشعر بها في تلك الأيام، وكيف أصبحت حياتها بائسة ومليئة بالأحزان!، وقد أدركت أن الأمر متروك لها في أن تجمع شتات نفسها وترفع تقديرها الذاتي لمستوى جيد وصحي.
لقد كتبت لي قائلة "لقد سمحت لهذا الكابوس المزعج أن يستمر لفترة طويلة حتى بدا أنه من المستحيل أن أتوقع حياة مليئة بالسعادة . كان ذلك قبل أن أقرأ عن "تأكيد الذات" عندما قررت أن أكف عن المعاناة والحزن اللذان سيطرا على حياتي وعزمت على إدخال تغييرات في حياتي سواء شاء زوجي أم لا........ المهم أن أكون على وفاق مع ذاتي لأحقق سعادتي....
ويتبع >>>>>>>>>>> أعظم حب في الحياة