الفصل العاشر
لكي تتحدث عن قصصك فإنك بحاجة لأن تفوض الآخرين؛ كي يتبعون طريقتك في العمل. دعهم يختبرون هذا الطريق من بدايته حتى نهايته، وليس من نهايته إلى حيث يأخذك. دع الآخرين يرون خبرتك من منظورك بدءاً من الحقائق التي لديك، وبذلك فإنك حيث تتحدث عن نفسك من البداية وحتى النهاية، فسوف يفهمون السبب وراء ذلك. أبدأ بالحقائق، ثم القصة، وبعد ذلك تأكد وأنت تشرح قصتك من أنك تقصها كما لو كانت احتمالية، وليست حقيقة ثابتة. واستمع معي إلى الحكم التالية:
"الحقيقة التي تحتاج إلى برهان هي نصف حقيقة".
"الحقيقة مصباح تشع ضوءاً على مر الأيام".
"من صبر غنم، ومن حاسب نفسه ربح، ومن نظر في العواقب نجا، ومن غفل عن نفسه خسر، ومن أطاع هواه ضل، ومن لم يعلم ندم، ومن لم يفكر تاه".
وبعد هذه الحكم الجليلة تعالوا معاً نقرأ تلك المحاورة الحاسمة المبنية أساساً على الحقائق:
هشام منذ أن بدأت العمل هنا، طلبت مني أن تجتمع بي مرتين كل يوم، وهذا أكثر من أي زميل آخر!!. كذلك طلبت مني عرض أفكاري عليك قبل تضمينها في أي مشروع [الحقائق].
حسن ماذا تقصد بالضبط؟
هشام لست على يقين من أنك تنوي نقلي من هذا المشروع إلى عمل آخر، ولكنني بدأت أتساءل عما إذا كنت لا تثق بي؟!. قد تعتقد أنني غير مؤهل لهذا العمل، أو أنني سوف أسبب لك متاعب. هل هذا ما يحدث؟! [القصة المحتملة]. حسن في الواقع لقد كنت فقط أحاول إعطاءك فرصة لتعرف رأيي قبل أن تمضي أكثر في طريقك نحو إتمام المشروع؛ إن الزميل الذي سبقك في العمل كان دائما ما يصل بالمشروع إلى قرب نهايته قبل أن أكتشف أنه أهمل عناصر أساسية فيه. إنني فقط أحاول تفادي المفاجآت.
عليك دائماً بالحصول على حق إشراك الآخرين في قصتك بالبدء بالحقائق التي لديك، فهي تمهد الطريق لكل ما يلي ذلك من محادثات حساسة.
أروِي قصتك
إن إشراك الآخرين في قصتك يمكن أن ينطوي على خدعة!، فحتى لو بدأت بالحقائق فإن الشخص الآخر يمكن أن يظل على موقفه الدفاعي عند انتقالك من الحقائق إلى القصص، وعلى الرغم من كل شيء فإنك تشركه في استنتاجات وأحكام يحتمل ألا تنطوي على رياء أو تملق!؛ وكما قيل: "الحقيقة تتسكع وراء الكذب".
لماذا تشرك الآخرين في قصتك في المقام الأول؟ لأن الحقائق منفردة نادرا ما تســـتحق أن تذكر. إن الحقائق مضافا إليها الاستنتاجات هي التي تتطلب المحادثة وجهاً لوجه، فضلا عن أنك إذا ذكرت الحقائق فقط، فقد لا يدرك الطرف الآخر مدى حدة تداعيات الموقف، والمثال التالي قد يوضح ذلك.
أحمد: "لقد لاحظت أنك تحتفظ في حقيبتك الخاصة ببرامج حاسوب الشركة؟!".
محمد: "نعم، هذا هو الجميل في الاسطوانات المدمجة أنه يمكن حملها".
أحمد: "ولكن هذه البرامج بالذات تمثل ملكية للشركة محظور حيازتها أو حملها معك لمنزلك".
محمد: "لم أكن أعلم ذلك!؛ معك حق، إن مستقبل شركتنا يتوقف عليها!" .
أحمد: "سامحني، أردت أن أنبهك فقط ولمصلحتك".
محمد: "شكراً جزيلاً لنصيحتك الغالية؛ فتصرفي هذا قد يعرضها للسرقة أو الضياع!".
الأمر يتطلب الثقة
لكي تكون أمينا، فقد يكون من الصعب إشراك الآخرين في الاستنتاجات السلبية والأحكام الصارمة؛ (على سبيل المثال: "أتساءل إذا ما كنت لصا"). إن الأمر يتطلب ثقة لإشراك الآخرين في قصة متأججة كهذه!. يقول هوراس: "الواثق بنفسه يقود الآخرين"؛ ولذا إذا اتبعت الطريق الصحيح بالتفكير في الحقائق الكامنة وراء قصتك فستدرك أنك تخرج فعلا باستنتاج عاقل ورشيد ومهذب يستحق أن يُسمع؛ فحين تبدأ بذكر الحقائق تكون قد مهدت الطريق، وبالتفكير من خلال الحقائق والسير على هداها، فإنك على الأرجح ستمتلك الثقة التي تحتاجها لإضافة معنى متميز، وذي أهمية حيوية لمن تتحدث إليهم. يقول جوتة: "إذا كنت واثقاً من نفسك؛ فإنك ستلهم الآخرين الثقة".
لا تدع المشكلات تتراكم
يقولون: "مَن لا يمتلكُ الشجاعةَ عليه أن يمتلكَ ساقَين". نفتقد أحياناً الثقة اللازمة للتعبير عن آرائنا بصراحة، ولذلك نترك المشكلات تتراكم لمدة طويلة، وبذلك نترك المجال للاستنتاجات الخادعة لتتكاثر وتتزايد، وتصبح كترسانة من المشكلات المتراصة. على سبيل المثال: أنت على وشك الدخول في محاورة حاسمة مع معلمة ابنتك –التلميذة بالصف الثاني– التي تريد إعادتها من الصف الثاني الدراسي إلى الصف الأول، وأنت تريدين لابنتك أن تستكمل تعليمها مع أقرانها بالصف الثاني ممن هم في نفس سنها، لذا تدور هذه الأفكار في رأسك.
"لا أستطيع أن أصدق هذا بالمرة!، هذه المعلمة التي تخرجت لتوها من الكلية تريد أن تؤخر ابنتي في دراستها؟!، لكي أكون صريحة مع نفسي، فإنني لا أعير ذلك الأمر اهتماما لكون ذلك سيمثل وصمة لابنتي، ولكن أسوأ ما فعلته تلك المعلمة هي أنها استندت إلى توصية الأخصائي النفسي الخاص بالمدرسة في هذا القرار!. إنه شخص أحمق، لقد التقيت به من قبل ولا أثق فيه بالمرة!. لن أسمح لاثنين من البلهاء أن يؤثرا على مستقبل ابنتي!".
تلك أفكارك، أي من استنتاجاتك أو أحكامك الشخصية، والتي لا يمكنك أن تدعي الآخرين ليشاركونك فيها؟!؛ بالتأكيد لن تشركي أحداً في هذا المزيج من القصص والاستنتاجات والأوصاف البشعة. في الواقع إنك ستحتاجين إلى إعادة التفكير في قصة المدرسة والأخصائي النفسي، والتي قمت بتأليفها مع نفسك، وذلك قبل أن يراودك أي أمل للدخول في حوار صحي معهما ومع المسئولين بمدرسة ابنتك، وبعد أن تفعلي ذلك، قد تتحول قصتك لتبدو على هذا النحو (لاحظي الحرص في اختيار المصطلحات، فهي رغم كل شيء قصتك أنت وليست حقائق):
"عندما استمعت أول مرة إلى توصياتكما كان رد فعلي المبدئي أن عارضت قراركما، ولكن بعد الإمعان في التفكير أدركت أنني قد أكون مخطئة، لقد أدركت أنني لا أملك من الخبـرة ما يكفي لاختيار الأصح لابنتي في هذا الموقف، ولكنني أخشى من الوصمة التي ستلحق بها بسبب تأخرها هذه السنة. أعرف أنها قضية معقدة؛ لذا أود أن نتناقش معا بصورة أكثر موضوعية لتقييم هذا القرار".
أبحث عن الإحساس بالأمان
راقب التأثيرات السلبية على الإحساس بالأمان خلال إشراكك للآخرين في قصتك. فإذا ما بدأوا في اتخاذ موقف دفاعي أو شعروا بالإهانة، فاخرج من نطاق المناقشة ولا تعد إلا بعد استعادة الشعور بالأمان مستخدما في ذلك أسلوب المغايرة. وإليك مثالا لتوضيح كيفية استخدامه:
"أنا على يقين من أنك تولين اهتماما كبيرا بابنتي، وكلي ثقة أنك مدربة بشكل جيد على هذه الأمور، ليس لدي أي قلق من هذه الناحية، فأنا أعرف أنك تريدين الأنسب لابنتي، وهـــو ما أريده أنا أيضاً، إن قلقي يتمثل في أن هذا القرار محير وغامض فيما يتعلق بتداعياته وتأثيراته على كل جوانب حياتها في المستقبل!!".
أحرصي على ألا تبدي أي اعتذار عن وجهة نظرك، وتذكر أن هدف المغايرة ليس تجميل رسالتك، وإنما التأكد من أن الآخرين لا يسمعون أكثر مما انتويت أن تنقله. تحلِّي بقدر من الثقة يكفي لتشركي الآخرين فيما تريدين أن تعبري عنه بالفعل.
أطلب آراء الآخرين
لقد ذكرنا من قبل أن مفتاح المشاركة في الأفكار ذات الحساسية العالية هو هذا المزيج من الثقة بالنفس والتواضع. إننا نعبر عن الثقة بإشراك الآخرين في حقائقنا وقصصنا بشكل صريح، ونبدي تواضعنا بدعوة الآخرين لإبداء وجهات نظرهم.
يقول الشاعر:
تواضع إن رغبت إلى السمو وعدلاً في الصديق وفي العدو
لذا بمجرد أن تشرك الآخرين في وجهة نظرك –وكذا حقائقك وقصصك– ادع الآخرين للقيام بنفس الشيء. إذا كان هدفك هو المعرفة، لا إثبات صحة رأيك، واتخاذ القرار الأفضل بدلا من فرض آرائك، فسيصبح لديك الاستعداد لسماع وجهات نظر الآخرين، وإبداء استعدادك للتعلم، مع إظهار تواضعك في أبهى صوره. وفي ذلك يقول سيدنا الإمام علي: "ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك؛فإن عليه ممرك".
اسألي نفسك مثلا: "ما الذي تعتقده المعلمة؟!"، واسأل نفسك: "هل رئيسك في العمل يقصد فعلا التدخل في كل شيء؟!".
لكي تكتشف وجهات نظر الآخرين حول أمر ما؛ عليك أن تشجعهم على إبداء الحقائق والقصص والمشاعر الخاصة بهم، ثم أنصت بعناية إلى ما يقولون، وعلى نفس القدر من الأهمية، لابد أن يكون لديك الاستعداد لاستبعاد أو تعديل قصتك كلما ظهرت معلومات جديدة في إطار تبادل الأفكـــار أثناء النقاش.
ويتبع >>>>>>>>>>> المهارات الخاصة بكيفية إبداء آرائنا