الفصل الثامن عشر
وأشار الخبراء في الدراسة التي نشرتها مجلة "الطب النفسي والجسدي" أن الإجازات وأوقات الفراغ قد تضر بالناس الذين لا ينجحون في الاسترخاء فيتسبب التوتر الذي يصيبهم جراء ذلك بانهيار الجهاز المناعي في أجسامهم.
ويرى علماء النفس أنه من الصعب على الشخص النشيط أن يسترخي تماما مثلما أنه من الصعب على الشخص الكسول أن ينشط. وينصح العلماء بالتعود على الحصول على إجازات أسبوعية وسنوية مهما كانت ضغوط العمل حتى لا يتحول الفرد إلى مدمن عمل.
حذر الخبراء من أن تكريس المرء وقته في العمل دون إعطاء نفسه قسطا من الترويح والتسلية يمكن أن يُصيب المرء بالمرض حيث أن الإدمان البدني على العمل يُحدِث عدداً كبيراً من المشاكل الصحية المميتة!، وقالت الطبيبة النفسية (باربرا أكلينفر) مؤلفة كتاب (إدمان العمل والمدمن المحترم): إن إدمان العمل يؤثر على ملايين الأمريكيين، ويُسبِب اعتلالاً في الصحة؛ مثل الإرهاق المزمن وضعف التفكير والسكتة الدماغية.
وقالت: إن إدمان العمل بجانب تسببه في حالات طلاق كثيرة فإنه يُعتَقد بأنه وراء اضطرابات الأكل والنوم وأمراض القرحة والقلب والشعور بالاكتئاب.
وأوضحت الدكتورة (باربرا) أن عشرة في المائة من حالات الوفاة بين العاملين في اليابان تعود إلى الإجهاد في العمل.
وتقول الدكتورة (دياني فاسيل) مؤلفة كتاب (تشغيل أنفسنا حتى الموت) إن إدمان العمل لا يعني فقط قضاء ساعات طويلة في العمل وإنما له آثار إدمان تجعل المرء يعود للمزيد من العمل، وقالت: إن المتهم في هذه الحالة هي مادة الأدرينالين التي تفرزها الأبدان عندما نكون تحت ضغوط نفسية أو جسدية، وأكدت على ذلك بقولها أن عمل الشخص فوق طاقته يجعل الجسم يفرز هذه المادة ويُعطي الإنسان شعوراً بالاكتئاب.
غير أن الخبراء يقولون بأن الشخص يكون مدمن عمل إذا كانت تنطبق عليه حالات منها:
- أنه لا يأخذ أيام إجازة من العمل.
- كثيرا ما يعمل أكثر من أربعين ساعة في الأسبوع.
- دائم التفكير في العمل.
ويقول الخبراء أيضا بأن الشخص يمكن أن يتجاوز إدمان العمل إذا فعل أشياء منها:
- مغادرة مكان العمل ونسيان كل ما يتعلق به عندما يكون الشخص بعيدا عنه.
- النوم ست ساعات على الأقل ليلا.
- المشي بانتظام مسافات معقولة وممارسة هوايات أخرى.
لذلك فنحن بحاجة إلى اللعب، وكلما زاد الجهد الذي نبذله في العمل كلما ازدادت أهمية حاجتنا إلى اللعب، أما المقصود باللعب في هذا السياق فهو ممارسة أي نشاط غير ضاغط، ويبعث على الاسترخاء، ويسمح لنا بالإبداع والاستمتاع، إن ممارسة التمرينات العنيفة في صالة الألعاب قد تخلصك من الكثير من الضغوط، ولكنها ليست لعباً؛ لأن الأنشطة التي يطلق عليها اسم اللعب يمكن أن تشمل الآتي:
- مشاهدة عرض كوميدي.
- قراءة كتاب ليست له أي علاقة بالعمل.
- اللعب مع الأطفال.
- القيام ببعض الألعاب أو ممارسة بعض الهوايات القديمة.
- عدم فعل أي شيء بالمرة، والاكتفاء بالجلوس، والاسترسال في استرجاع بعض الذكريات المرحة والسعيدة.
إننا لسنا دائماً في وضع يسمح لنا بالسيطرة الكاملة على جدول أعمالنا، أو حجمها، وعلى الرغم من ذلك يبقى من الضروري أن تنتهز أية فرصة لكي تقتطع أكبر وقت ممكن للعب، يجب أن تدرك أنك تعاني من مشكلة، إن لم تعد تشعر بالرغبة في تخصيص أي وقت للعب، أو أن ينتابك الشعور بالعصبية في أوقات الفراغ حتى أنك تعجز عن التعرف عما يمكنك عمله خلال هذا الوقت، هذا هو ما يطلق عليه إدمان العمل، وهو ليس صحياً بالنسبة لك، كما أن الفترات الممتدة من العمل تعتبر مدمرة لصحتك النفسية.
قد تكون ممن يزداد نجاحهم تحت وطأة الضغوط، ولكنك إن واصلت الإفراط في العمل حتى في أوقات مرضك فسوف توقع نفسك بذلك في مشاكل خطيرة على المدى الطويل.
إيحاءات نفسية للحد من:
ــ سوف أسمح لنفسي باقتطاع أوقات الاستراحة؛ فمن حق عقلي وجسدي أن يحصلا على قسط من الراحة.
ــ بدأت شيئاً فشيئاً أتعامل مع العمل بشيء من الاسترخاء.
ــ بدأت أعمل بطريقة أكثر هدوءا.
ــ أستطيع أن أتعلم التعامل مع العمل بهدوء؛ فلقد بدأت الآن أملك زمام الأمور في عملي على نحو هادئ وأكثر تركيزاً، وبدأ سير أفكاري يمضي على نحو يتسم بالمزيد من التؤدة والثقة في نفس الوقت، كما أن تفكيري بات أكثر وضوحاً وتركيزاً.
ــ بدأت أشعر كيف أنه من الممتع أن تعمل بفعالية على نحو أكثر هدوءاً، كما أنني بدأت أستعيد سيطرتي، أشعر بأنني في حالة جيدة وأنا أعمل، وأنتقل بسرعة أقل، وأسمح لنفسي باقتطاع فترات للاستراحة.
ــ بات بوسعي أيضاً أن أسمح لنفسي بمغادرة العمل في الوقت المحدد، وهو أمر لا بأس به. بدأت أعيد اكتشاف قدرتي على اللعب والاستمتاع بهذه الأوقات، رباطة جأشي الداخلية تساعدني على العمل بشكل أكثر هدوءاً وفاعلية، كما أنني أصبحت أكثر تركيزاً وتوازناً.
ــ أتصوّر نفسي وأنا أعمل في مقر عملي بتؤدة؛ أتصور أنني أتفحص كل ما ينبغي علي عمله في هدوء ودقة، ثم أجلس لأنجز عملي في مناخ هاديء، وأنا مسترخ ٍ.
نقاط مهمة للعلاج المعرفي من إدمان العمل:
سل نفسك عن سر استحواذ العمل عليك؟.
هل أنت بحاجة للسيطرة على الآخرين؟
هل تريد أن تهرب من شيء ما في حياتك لا ترغب في مواجهته؟
هل تريد أن تثبت لنفسك أو للآخرين أنه بوسعك أن تفعل ذلك؟
هل أنت واقع تحت ضغوط تملي عليك توفير مستوى معيشي أفضل لأسرتك؟
مهما كان السبب؛ يجب أن تدرك أن استحواذ العمل عليك سوف يعزلك عن الآخرين من حولك، وسوف يسلمك في النهاية إلى الوحدة، هل الأمر يستحق كل ذلك؟
هل استحواذ العمل عليك يملأ فراغاً في حياتك؟
إن كان الحال كذلك؛ فيمكنك أن تتخذ خطوات لملء هذا الفراغ على نحو بناء وأكثر إشباعا.
اشرع في الحد من ساعات عملك بشكل تدريجي حتى لا تنتابك حالة من الفزع، والتي تصيب الشخص عادة عندما يتغير نمط حياته بشكل جذري وبسرعة فائقة.
قلل عدد ساعات عملك الأسبوعية قدر ساعتين أو ثلاث ساعات في البداية.
أحرص على أن تكون لديك خطط جيدة لملء أوقات الفراغ، أذهب إلى السينما، أو مارس مجرد الاسترخاء في المنزل.
إن كنت تعمل سبعة أيام في الأسبوع؛ فيجب أن تمنح نفسك يوماً للعطلة.
إن كان لديك شريك حياة أو أسرة أو أبناء فسوف يقدرون وجودك معهم.
لا تقبل أية أعمال إضافية.
قاوم إغراء ملء أوقات الفراغ الجديدة بالمشروعات الجديدة.
ولقد ذكرت ظاهرة إدمان العمل في بعض الدول المتقدمة مثل اليابان مثلاً حيثُ يُجبر العاملون هناك على الاستراحة من العمل والاسترخاء التام (مع دفع الإدارة رواتبهم كاملة لهم) في بعض المصحات لمدة ثلاثة أسابيع متتالية، ولا يسعني هنا بالنسبة لشباب أمتنا إلا أن أطلب منهم إخلاصاً في أعمالهم رجاء المثوبة والأجر من الله عز وجل قبل الأجر المادي والراتب الشهري المُنتظر من أعمالهم، لا أقول لهم أن يكونوا مدمنين لأعمالهم كاليابانيين؛ فيفضلون أعمالهم على أي شيء آخر، ويُضيعون أُسرَهُم وهواياتهم وعباداتهم وشئون حياتهم الأخرى في سبيل إدمانهم لأعمالهم!؛ ولكن أطلب منهم أن يوأدوا أعمالهم بإتقان، كما أمرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، وكما قيل: خير الأمور الوسط.
ولكن وللأسف الشديد فإن واقعنا أليم ومرير في نطاق العمل، لا أقول أن كل أبناء أمتنا مُقصِّرون في أعمالهم، ولكن الأغلبية العظمى من أبناء أمتنا يعيشون حياتهم متفننين في كيفية التهرب من أعمالهم ووظائفهم -وبالذات في نطاق الأعمال والوظائف التي تمتلكها الدولة أو يمتلكها أناس آخرين- وتضييع أوقاتهم في اللغو، والقيل والقال، والغيبة والنميمة، إلى آخره من سلوكيات عمل قميئة ومكروهة.
يتبع >>>>>>>>>>> المعاناة من إهمال العمل في مجتمعاتنا