من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذُل
الفصل الثامن عشر
يقول المثل: "المثل العليا كالنجوم تهتدي بها ولا تراها وجها لوجه".
يعتقد البعض أن نقيض العمل هو النوم, ويقول آخر: إن ما يأتي بين العمل والعمل هو التأجيل والتسويف، وهو ما يعني أنه بالنسبة لمنظمي الأعمال الذين يعتبرون العمل حياتهم كلها, فإن أي شيء آخر هو استطراد أو توقف عن السعي وراء الهدف السائد والوحيد معا، ومع ذلك الرد القاطع لأحدهم أن نقيض العمل هو الموت.
إن أخلاقيات العمل لدى منظمي المشروعات تتلخص في هذه العبارة المقتضبة: كيف تستفيد من نفسك؟، وكم تستفيد من نفسك في عملك؟!، إن العمل الشاق ليس هو ما يجمع بين منظمي المشروعات، فالبعض منهم يكدحون للغاية, والبعض الآخر لا يفعل ذلك، بيد أن الكل يتقاسم أخلاقيات العمل لأنها بمثابة المبادئ التي توجهك كيف تقوم بنصيبك من العمل في حياتك.
إن أخلاقيات العمل تحدد لك كم تكرس نفسك, فهي تمنعك من الانحراف بعيدا عن أهدافك, وتجعلك تحتفظ بالسيطرة على حياتك العملية، إن بذرة أخلاقيات العمل موجودة في كل الناس, بمن فيهم أنت, ويشكلها حشد من الناس تحس بتأثيرهم، وبالطبع فأنت الذي يقبل هذا التأثير أو يرفضه, ومن ثم يتعين عليك في النهاية أن تتحمل مسئولية أخلاقياتك في العمل، وبصفة عامة, فإن أخلاقياتك في العمل تتشكل في مرحلة مبكرة جدا من حياتك وقد تطبقها لسنوات, وبطرق تختلف عما يفعله منظمو المشروعات, لكن ذلك لا يغير جوهر أخلاقيات العمل لديك, بل يغير تطبيقها فحسب، ومن تجارب الآخرين مقولة تحث على أنه ينبغي لك أن تعمل كالمحموم بصورة أكثر جدية وأن تكون أفضل كثيرا من الآخرين بنسبة 25% على أقل تقدير، وبالنسبة للبعض, تحث أخلاقيات العمل على مجرد القيام بما يلزم للحصول على المراد, وعند الآخر تجد أخلاقيات العمل تتطلب كل ما هو ضروري أيا كان للتقدم إلى الأمام.
وأياً كانت أخلاقيات العمل فإن الشيء المهم الذي ينبغي أن تعرفه هو أنك تستطيع أن تغير أخلاقياتك بالعمل؛ لتجعلها أكثر اتساما بطابع منظمي المشروعات، وفي بعض الأحيان يوجد شيء ما غرسه أحد والديك بداخلك, مثال: وصل أحدهم إلى المنزل قادما من المدرسة ذات يوم وقال لأمه: (أسمعي, أنا الثاني في فصلي)، فردت أمه: (كف عن التباهي مثل الطاووس!!، مازال أمامك شخص لتهزمه!)، فلو قدم لك والداك أخلاقيات العمل تلك, فإن كل ما يتعين عليك عمله هو أن تتبعها (وإن كانت أخلاقيات أنانية مكروهة، فليس من المُفترض أبداً أن يكون الناس كلهم أوائل!!، فالأول إلى العاشر جميعهم من المتفوقين، ولا يُعقل أن نثير الحقد والحسد في نفوس أبنائنا ليحققوا جميعاً المركز الأول!؛ فهذا لن يتحقق!، أما الذي يتحقق فعلاً فهو تنامي الضغينة والحقد والحسد بين أبنائنا، وبدلاً من أن نعلم أبناءنا التعاون والعمل بروح الفريق مع زملائهم نحن نعلمهم الأنانية والأثرة والغل والحقد على الزملاء المتفوقين!!).
لكن ماذا ستفعل إذا لم يكن لديك والدان يقدمان لك بذور أخلاقيات العمل تلك؟!، عندئذ يتعين عليك أن تستحدثها, وهو أمر ليس بصعب إن كنت تعرف ما تفعله، إن البذرة الأساسية لأخلاقياتك في العمل قد يكون زارعها هو أحد والديك, ولكن مع تعهدك لنمو البذرة بالرعاية فإن أخلاقيات العمل التي ستثمر سوف تخصك أنت.
إن منظمي المشروعات لن يعملوا أبدًا من أجل العمل، إنهم يعملون لتحقيق أهداف محددة جدا, فالصورة الشائعة عن منظمي المشروعات هي أنهم أصحاب سبع صنايع مشمرين عن سواعدهم مسخرين كل القواعد لما يريدون وينطبق عليهم القول بأن (الشاطرة تغزل برجل حمار) ليحققوا كل ما يريدون، ويبدو هذا لمعظم الناس مثل إدمان العمل, ويفترضون أن إدمان العمل جزء من أخلاقيات عمل منظمي المشروعات.
تأثير العمل ليلاً على أجساد العاملين:
وجد فريق من الباحثين في جامعة ميلان أن القلب لا يستجيب للعمل الجاد في منتصف الليل كاستجابته أثناء النهار ويعود السبب في ذلك إلى أن الجسم قد صمم كي يتباطأ في الليل، وأن التغيرات التي تطرأ على أنساق النوم لا تترك أي تأثيرات على طبيعة عمل القلب أو الجسم، وقد وجد الباحثون أن حركة الأعصاب التي تسرع عمل القلب هي أبطأ عند الأشخاص الذين يعملون في الليل منها عند نفس الأشخاص حينما يعملون نهارا.
ويقول كبير الباحثين في الفريق الدكتور رافائيلو فورلان إن مقاومة النظام الطبيعي للجسم أو ما أسماه بساعة الجسم الداخلية، للتغيرات التي تفرضها طبيعة العمل المناوب تشير إلى أنه من الصعب على الناس التكيف للعمل المناوب ليلا، ولهذا السبب فإن الأشخاص الذين يعملون عملا مناوبا، في الليل ثم النهار، ويضيف الدكتور فورلان أن المناوبين لا يستطيعون التكيف لنسق معين من العمل لأنهم لا يستقرون على نمط واحد، بل يناوبون بين العمل في الليل والعمل في النهار، وهذا يفسر إصابتهم ببعض التوعكات الصحية؛ فقد قام فريق الدكتور فورلان بقياس نشاط الأعصاب التي تسيطر على حركة القلب عند اثنين وعشرين عاملا في مصنع للحديد يتناوبون على ثلاثة أنماط مختلفة للعمل.
قراءات نبض القلب:
وقد أعطي العمال جهازا لقياس حركة القلب بعد مهلة أمدها يومان للتكيف لنمط العمل الجديد، وأُخذت القياسات على مدى أربع وعشرين ساعة، فلا حظ الباحثون أن نبضات القلب تتغير باستمرار، كما فحص فريق الباحثين عينات من الدم والبول بهدف قياس التغيرات الكيميائية في الجسم التي يمكن أن تؤثر على عمل القلب وبقية الأعضاء الأخرى.
وقد لاحظ الباحثون أن إشارات الأعصاب لا تتغير طبقا لتغير أوقات العمل بل تتبع نمطاً واحداً دائماً، مما يعني أن العمل ليلا في وقت يعمل فيه القلب وباقي الأعضاء والهرمونات ببطء سوف يعرض العمال المناوبين للإصابة بأمراض القلب في المستقبل.
وقد وجد الباحثون أن الإشارات التي تطلقها الأعصاب والهرمونات التي تسيطر على نشاط القلب، تتبع نمطا منتظما على مدى الأربع والعشرين ساعة في اليوم، وهذا النمط لا يتأثر بتغيرات أوقات العمل، على سيبل المثال لا يتغير مستوى هرمون الكورتيزول الذي يحفز نبضات القلب ويساعد على تسهيل عمل الجهاز الهضمي والتنفسي ووظائف الجسم الأخرى، وهذا يعني أن القلب ليس مكيفا أو مجهزا للضغوط التي تسببها أنماط العمل المناوب، ويقول الدكتور فورلان إن فريقه لا يعرف بالضبط الآلية التي تتم بها مثل هذه التأثيرات لكنهم يعرفون أن العمل المناوب المستمر يؤثر سلبا على القلب وأن أمراض القلب بين العمال المناوبين قد ازدادت، كذلك كشفت دراسات أخرى أن العمال المناوبين في الليل مثل سائقي الشاحنات يشعرون بالنعاس؛ ولذلك يتسبب هؤلاء السائقين في عد كبير من حوادث الطرق.
وقال متحدث باسم مؤسسة أمراض القلب البريطانية إن من الممكن أن يكون هناك علاقة بين الضغوط النفسية وتزايد مخاطر الإصابة بأمراض القلب، وأن تفاوت أنماط النوم يعتبر نوعاً من أنواع الضغوط العصبية أو النفسية.
كما تعتبر التغيرات في أنماط النوم غير صحية للجسم ومضرة بحياة المرء لأنها قد تجعل الفرد يلجأ إلى تعاطي التدخين أو الكحول، وهو في نفس الوقت فإنه لا يجد الوقت الكافي للنشاط الجسدي الذي يساعد على تنظيم عمل أعضاء الجسم.
يتبع >>>>>>>>>>> إرشادات لتجنب التوتر الناجم عن العمل