وسواس الشك التحقق القهري و.ش.ت.ق العلاج2
تعديل التحيز المعرفي:
ينطوي التحيز المعرفي اندماج الفكر-الفعل (أ.ف.ف) أو TAF وهو أحد أشكال التفكير السحري على الخلط والتداخل بين أفكار الإنسان والأحداث الخارجية (Shafran, & Rachman, 2004). ومنه نوعان هما أ.ف.ف الاحتمالي Likelihood TAF وأ.ف.ف الأخلاقي Moral TAF وفي النوعين يتعلق الأمر بقوة الأفكار والمعاني وقدرتها على التأثير المباشر في أحداث الواقع وفي الأشياء وعلى المسؤولية المفرطة عنها كذلك، وهو ما يعني أن على الم.س.م أن يقنع ويدرب العميل على أن يستكشف قوة الأفكار الحقيقية... وقدر مسؤولية الإنسان الواقعية عن أفكاره.
ويستخدم التمييز بين التفكير في حدوث حادث/خطأ وحدوثه الفعلي لتوضيح الشكلين الشائعين من أخطاء التفكير ذي السمة السحرية، ففي ظروف معينة يكون لدينا ميل إلى المبالغة في تقدير احتمال وقوع حوادث/أخطاء، وفي حالات التحقق القهري هناك ميل إلى المبالغة في تقدير احتمال حدوث سوء حظ بشكل خاص إذا كان العميل في موقع المسؤولية: "سيحدث ذلك لأنني المسؤول". وبالعكس فإن نفس العميل سيقدر احتمالية أقل لوقوع حادث/خطأ إذا كان غيره يتحمل المسؤولية في نفس الظروف، وينطبق ذلك لا فقط على مسؤولية منع وقوع ضرر للذات أو الآخرين وإنما كذلك تجد العميل يشك في قدرته على الأداء السليم مقارنة بالآخرين ويتوقع من نفسه أخطاء أكثر.
اندماج الفكرة/ الفعلة أ.ف.ف الاحتمالي:
هناك ميل للشعور والاعتقاد بأن التفكير في شيء سيء (مثلا حادث يصيب أحد الأقارب) يزيد في الواقع من احتمال وقوع ذلك الشيء. وهذا ما يسمى باندماج الفكر/ الفعل (أ.ف.ف) الاحتمالي أي القناعة أو الاعتقاد بأن مجرد التفكير في حالة افتراضية (مثلا حادث سيارة) يعزز احتمال حدوثها في الواقع، أي أن التَفكير في حدث 'سيئ' سَيَجْعلُه على الأرجح يحدث! وهذا هو مفهوم اندماج الفكرة الحدث (أ.ف.ح) Thought Event Fusion أو TEF فالتفكير في حدث ما أو النطق بفكرة حدث ما يعني إما أن الحدث وقع أو سيقع، ومن الممكن أن يتعلق أ.ف.ف الاحتمالي بالذات أو بالآخرين، وأمثلة ذلك متعددة، مثلا حين يتعلق الأمر بالذات: إذا فكرت في أن مكروها سيحصل لي أو لغيري فسوف يحصل، وربما في حالات الخوف الوسواسي من الموت نجد قناعات مثل ما دمت فكرت أني سأموت فسأموت إلا إذا فعلت كذا أو تحاشيت كذا!... وعندما يتعلق الأمر بالآخرين من الناس فربما تكون الأمور أسوأ إذ يمكن أن تصل بالموسوس إلى حد أن يعتبر نفسه نحسا على الآخرين، وأحيانا لا يجد لنفسه مفرا من اعتزال من يحب، لكن غالبا ما يجد المريض مهربا بفعل قهري ما يمكنه أن يوقف النحس! سواء كان ذلك بالتحاشي أو الأدعية، ويؤدي أي من هذين النوعين من التحيز المعرفي إلى زيادة الأهمية التي يعطيها الموسوس لأفكاره أو تخيلاته وبالتالي زيادة الضيق والخوف والتوتر والذنب والرداءة ...إلخ لدى الموسوس ويفاقم الرغبة في اللجوء إلى الفعل المحيد أو الفعل القهري مثلا طلب الطمأنة أو طلبا للغفران، ومما يزيد المعاناة في مثل هذه الحالات أن توجد أيضًا مفاهيم مثل القناعة بالقدرة على أو بضرورة السيطرة على الأفكار.
وغير بعيد عن هذا مفاهيم مثل الحسد المذموم والعين، فما يحدث هنا هو القناعة باندماج الفكرة الشيء(أ.ف.ش) Thought Object Fusion أو TOF أو عند المؤمنين بالحسد والعين هو قدرة الفكرة أو الرغبة الشريرة على التأثير السلبي في الشيء المحسود، وبينما يقف مفهوم الاندماج كما وصفته مجموعة جويليام سنة 2004 عند حد انتقال صفة ما من شخص إلى شيء أو العكس(Gwilliam, et al., 2004) (وهو ما يفيد في حالات انتقال النجاسة لشيء أمسكه أو ألمسه أثناء تخيل أو فكرة جنسية وفي حالات تحاشي متعلقات الميت.. إلخ)، فإن قدرة الفكرة على التأثير في الشيء أو الشخص قد تمثل بعدا مختلفا للمفهوم نرصده هنا، ونجد بين المرضى الموسوسين في مجتمعاتنا العربية كثيرين يعانون من وسواس الحسد والعين فيخاف أحدهم من أنه يحسد ويبذل قصارى أفعاله القهرية في تحاشي ذلك، بما يصل ببعضهم إلى حد الانعزال عن العالم فضلا عن الإسراف في قول "ما شاء الله تبارك الله" بشكل الفعل القهري المرضي الواضح، ومن هؤلاء كثيرون يلجئون إلى التحقق من أنهم لم يحسدوا الشخص مثلا بمراقبته أو الاتصال به أو السؤال عنه...إلخ.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أ.ف.ف الاحتمالي يرتبط مباشرة بإحداث العرض الثاني من أعراض الوسواس القهري وهو الفعل القهري أو الفعل المحيد مقارنة بـ أ.ف.ف الأخلاقي (Rassin, et al., 2000) الأكثر ارتباطا بالعرض الأول للوسواس القهري وهو الحدث العقلي التسلطي سواءً كان فكرة أو صورة أو نزوة...إلخ، ولعل هذا سبب ما نراه من أن الشعورَ بالذنب يعذبُ مريض اضطراب الوسواس القهري على المستوى المعرفي ربما أكثرَ مما يعذبُ مريض اضطراب الاكتئاب الجسيم فمريضُ الوسواس القهري يضخمُ من عواقب أفكاره السيئة إلى حد بعيد كما أنهُ يرى أن عليه معادلة أو تحييد هذه الأفكار بأفكار أخرى طيبة (Shafran et al.,1996) وهكذا نجد مفهوم التفكير الخرافي أو السحري متداخلاً مع مفهوم أ.ف.ف.
ونحتاج للعلاج في حالات أ.ف.ف الاحتمالي إلى فك الارتباط بين فعل أو قول أو حدث عرضي ما وبين ما يرتبط به في ذهن المريض ويخشاه ويتم ذلك من خلال إقناع المريض عبر أساليب العلاج المعرفي المختلفة بضرورة إجراء التجارب السلوكية المناسبة التي تختبر قناعته تلك، وعادة ما يكون البدء بالتجارب المتعلقة بالأمور الأقل خطرا أو تهديدا وصولا إلى الأخطر فالأخطر:
- هل إذا فكرت في أنك ستفقد الخاتم أو الساعة أو المفاتيح فسوف يحدث ذلك ؟ دعنا نجرب!
- هل إذا فكرت في أن المصباح سينطفئ أو ينفجر فسوف يحدث ذلك ؟ دعنا نجرب !
- هَلّ بالإمكان أَنْ تَجْعل الحافلة تَجيءُ أو المترو إذا فكرت فيه؟ دعنا نجرب
- هل إذا فكرتَ بأنني (أي المعالج) سأنزلق وتكسر قدمي أو تخيلتني بهذه الصورة فإن هذا سيحدث؟ هل يمكن أن نجرب ذلك؟
- هل إذا خرجت يوم الأربعاء(أو غيره من الأيام حسب قناعة المريض) فلابد سيحدث لك مكروه ؟ دعنا نجرب ذلك !
- هل إذا مررت بطريق تعرف أن فيه قطة سوداء أو كلبا أسود فإن مكروها سيحدث بالتأكيد دعنا نجرب ذلك ونرى.
- ثم أخيرا : سجّلْ النِسبَة الدقيقةَ: "كم شيء نفكر فيه وبعد ذلك يَحْدثُ، مقابل كم شيء نفكر فيه ولا يحدث؟؟؟؟؟
اندماج الفكر/الفعل أ.ف.ف الأخلاقي:
فلدى الشخص قناعة بأن التخيل أو التفكير في شيء محرم في دينه أو في شيء لا أخلاقي يعادل أو يساوي فعل ذلك الشيء، وأيضًا التفكير السيء يأتي في عقل الشخص السيئ أي أن الأفكار تنبئ عن صاحبها، وينتج عن هذا شعورٌ مفرط بالذنب حين يوسوس الشخص مثلا بأفكار أو صور تجديفية أو جنسية مع محارمه أو مع شيخه أو قسيسه أو أستاذه أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله أو مريم العذراء عليها السلام أو سيدنا عيسى عليه السلام في المسيحيين... وللتخفيف من ذلك كثيرا ما يلجأ المريض إلى قهور التحقق الاستبطاني للتأكيد على رفض الفكرة فضلا عن قهور التحاشي وطلب الطمأنة (قهور الاستفتاء) وقهور التحييد أو الاستغفار...
وللتعامل مع ذلك نجد لدى المسلمين أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم توضح عفو الله سبحانه عن الإنسان في ذلك كما سيرد عند الحديث عن الأفكار الكفرية أو التسلطية دينية المحتوى وفي كثير من الأحيان يصبح الأمر سهلا بعد سماع تلك الأحاديث ويشعر كثيرون من المرضى بما يشبه إزاحة الغمة عن صدورهم بعد معرفة حكم الشرع في ذلك، إلا أنه تبقى لدى بعض المسلمين مثلما نجد مع غير المسلمين حاجة ليس فقط لمعرفة أن هذا معفوا عنه وإنما أيضًا لمعرفة الرد على سؤال لماذا تحصل هذه الأفكار أو الصور لي وما معنى هذا? ويمكن بعد التأكيد على كون تلك الأفكار طبيعية الحدوث (بغض النظر عن محتواها كما أقر بذلك حوالي 90% من الناس الطبيعيين (Rachman & de Silva, 1978)) أن يكون مفيدا وكافيا لتقليل الشعور بالذنب إرجاع الفكرة لمصدر خارجي عن العقل فيصبح مصدر الفكرة هو الوسواس (أو الشيطان)، إلا أن ذلك لا يكفي في بعض الحالات خاصة عندما يطلب المريض عدم خلط المفاهيم الدينية بالعلاج.
يكون من المفيد لبيان الفرق بين التفكير في الشيء وعمله، وبيان مدى حقيقة سوء الشخص الذي يفكر فكرة سيئة، أن تطرح أفكار مثل فكرة المتصل (Hyman & Pedrick, 1999) مثلا بين من هو أفضل شخصِ على الإطلاق إلى أسوأ شخصِ على الإطلاق: أين تضع فلان؟ وفلان؟ ويكونان على النقيض بالنسبة للأخلاقيات بشكل عام، ثم نسأل المريض أين تَضِعُ نفسك؟ ثم نسأل ماذا عن فلان…؟ مثلا: أين تضع إسحاق شارون؟ بنيامين نتنياهو ؟ إسماعيل هنية ؟ محمود عباس؟
- أين تضع سفاح الأطفال مقابل الأم الحديثة المحرومة من النوم التي يخطر بوعيها أن تؤذي طفلها؟
- أَو أين تضع الشخص المنحل جنسيا مقابل الشخص الذي يُفكّرُ بشأن الجنسِ لكن لا يَعمَلُه؟
- أين تضع المذيع المحبوب الذي يكذب على شاشات الإعلام مقابل الأم التي تكذب على ابنها ليأكل؟
وهذا النوع من التفكير يثير قلق الشخص ويضخم مخاوفه شعوره بالذنب والمسؤولية، ورد الفعل المشترك بين أغلب المرضى هو تحييد تلك الأفكار. ربما بالتحقق من الأمان أو طلب الطمأنة، و/أو التحقق الاستبطاني. وهذا الشكل من أشكال أ.ف.ف يسمى أ.ف.ف الاحتمالي (التفكير في شيء يزيد احتمال تحققه) وأما الشكل الثاني من أ.ف.ف فهو أ.ف.ف الأخلاقي ويعني القناعة بأن وجود تفكير غير مقبول عن شخص آخر (مثلا إلحاق الأذى به، أو التفكير به جنسيا) يعادل فعل ذلك واقعيا (إيذائه أو مقاربته جنسيا) أو على الأقل وجود الرغبة في ذلك، وعادة ما يتبع الشخص هنا سلوكات التحاشي و/أو التحقق. كلا الشكلين من أشكال أ.ف.ف يسببان شعورا جياشا بالذنب.
يتم شرح ظاهرة أ.ف.ف مع أمثلة إكلينيكية ويتم تشجيع المرضى على الانتباه لتلك العلاقة السحرية الاندماجية وتحديدها ثم رفضها ويتم جمع الأمثلة المحددة المقدمة من المريض والعمل عليها أثناء العلاج.
وهناك خطأ معرفي آخر ذو صلة، وإن كان أقل شيوعاً، ينشأ من فرط الشعور بالمسؤولية وهو شعور المرء بمسؤوليته عن المصائب التي لا يتحكم فيها أحد على الإطلاق، حتى الأحداث التي تحدث على بعد أميال أو حتى قارات بعيدة. وكما هو الحال مع جميع التحيزات أو الأخطاء المعرفية، يتم جمع الأمثلة الشخصية والعمل المعرفي المشترك لإثبات عدم صحتها. وغالباً هنا تكون التجارب السلوكية مفيدة للغاية، بما في ذلك التجربة للتأكد مما إذا كان العميل / المريض يمكن أن يسبب مصائب صغيرة أو كوارث بعيدة بأفكارهم أو أفعالهم.
الشك الذاتي في الذاكرة
وتشمل جلسات للتدرب على كيفية التعامل مع الشك الذاتي في الذاكرة… شرحا مفصلا لمنشأ الشك الذاتي في الذاكرة وكيف أنه ينتج عن التحقق المتكرر وكيف أنه كلما زادت مرات التحقق كلما تعاظم الشك في الذاكرة حيث يشرح ذلك للمريض كما تجرى تجارب سلوكية تظهر للمريض أن تكرار التحقق يؤدي به إلى حالة من فقدان بؤرة التركيز وتقليل القدرة على تنظيم الأفكار فضلا عن التردد الشديد، وقد أثبت حديثا أن تكرار التحقق الظاهر وتكرار البحلقة يسببان الشك في إدراكات الشخص وكل هذا يزيد الوضع تعقيدا (van den Hout et al., 2009) فإذا تخيلنا مريضا بـ و.ش.ت.ق لا يثق في ذاكرته أنه لم يدهس أحدا ولابد يذهب لتفحص الطريق الذي قاد فيه سيارته لتوه ليتحقق أنه لم يدهس أحدا، ثم يفقد التركيز أثناء أداء قهور التحقق.... ويحدث كل هذا الخلل كل مرة على خلفية من قناعة وجوب التمتع بأداء معرفي كمالي…
ويضاف إلى ذلك عدد من الأسئلة السقراطية مثل ما هي الأفعال التي يكون الخطأ فيها ممكنا؟ فليس كل شك في الذاكرة جديرا بالاهتمام، وأن هناك أعمالا نكاد نؤديها ونحن نيام !! مثل الوضوء والصلاة وإغلاق باب ونوافذ البيت أو السيارة إلى آخره كما ينصح المريض بأن لا ينزلق في قهور التحقق الاستبطاني كي لا تختلط عليه المشاعر والذاكرة.
تقليل فرط اليقظة.
المرضى الذين يعتقدون أنهم يتحملون مسؤولية خاصة ومحورية في منع الضرر/الخطأ الذي يلحق بالآخرين و/أو أنفسهم، غالباً ما يشعرون بأنهم مجبرون على المراقبة، وأن يكونوا أكثر حذراً من التهديدات المحتملة. فهم يرون تهديدات في مواقف تبدو غير ملحوظة للجميع. مثلا ذلك المدرس الذي كانت ترعبه فكرة سقوط أحد الأطفال في بلاعة ! ويحمل نفسه مسؤولية منع ذلك ما استطاع فكان بمجرد دخوله إلى مكان عام لا سيما الحدائق العامة أو الأماكن الأخرى التي يتجمع فيها الأطفال ينخرط في مسح تفصيلي مكثف ومتكرر للمنطقة فكان يفتش خلف الأشجار وفي الأركان وتحت أي شيء قد يكون يغطي بالوعة مفتوحة.
وفي هذه الحالة كما هو الحال في حالات أخرى، يجري استرجاع معرفي للتاريخ الشخصي بهدف البحث عن منشأ هذا الشعور المفرط بالمسؤولية غالبا في الطفولة أو في وقت لاحق، ويعقب ذلك التحليل يقدم وصف لطبيعة الانتباه الانتقائي: نحن جميعا قادرون على درجة من الاختيار المتعمد في اختيار الانتباه أو عدم الانتباه إلى محفزات محددة؛ في أوقات أخرى ينطلق الانتباه دون توجيه أو هدف متعمد. وخلال فترات التهديد، يصبح الاهتمام شديد التركيز على مصدر التهديد المتصور، فإذا كان التهديد غير واضح أو غامض أو متغيّر فإن الشخص يولي الانتباه بشكل متكرر محاولا التحقق.
من أجل الحد من حاجة هؤلاء المرضى المفرطة والمستمرة إلى توخي الحذر الشديد يستخدم تكتيك في الخدمة خارج الخدمة، يتم تعليمهم كيفية السماح لأنفسهم بفترات خارج الخدمة أو خارج الدوام إذ يأخذون هدنة يستريحون فيها عمدا من مشاعر المسؤولية. واستعارة العاملين بوحدات التحكم في حركة المرور الجوي مفيدة هنا (Radomsky, et al., 2010) عندما تكون في الخدمة، يجب أن تكون مركزا بشكل كامل ومتيقظا في جميع الأوقات. وبما أن هذا قد يكون متعباً للغاية، فمن الشائع أن يعمل المتحكمون لمدة ساعتين، ثم يأخذون استراحة لمدة ساعة، وهكذا دواليك. وهم يتحولون من أقصى درجات التركيز والانتباه أثناء الخدمة إلى الحد الأدنى من اليقظة خارج الخدمة طوال اليوم. وأثناء فترات العمل خارج الخدمة يبقى بإمكانهم سماع هبوط الطائرة ومغادرتها، لكنهم لا يهتمون بها ولا ينتبهون لها. ثم عند عودتهم إلى وضع الخدمة، فهم مرة أخرى في منتهى اليقظة والانتباه والتركيز. يتم إعطاء وصف تكتيك "في الخدمة خارج الخدمة" للعملاء/المرضى ويطلب منهم عمل مجموعة من التمارين البسيطة للتدرب على التحول من وضعية في الخدمة إلى وضعية خارج الخدمة، وبالعكس عندما يكون المتحكمون في المواصلات الجوية في الخدمة عليهم أن يعيروا اهتماما كاملا لشاشاتهم، للتركيز على عمليات المسح والإجراءات الأساسية الخاصة بهم. وبسبب الجهد الفائق، فإنهم يعملون بشكل عام لمدة ساعتين ثم يحصلون على راحة لمدة ساعة واحدة، تليها فترة ساعتين أخرتين في الخدمة، وما إلى ذلك. أثناء فترة خارج الخدمة تراهم يقومون بالاسترخاء في مكان آخر في المطار. ورغم أنه لا يزال بإمكانهم سماع الطائرات فوق رؤوسهم، وعمليات الإنزال والإقلاع، فإنهم لا يولون أي اهتمام، فهم خارج الخدمة. بدلا من ذلك، يدردشون أو يقرأون أو يكتبون الشعر، وعندما يعودون إلى الخدمة، ينصب اهتمامهم مرة أخرى بشكل كامل. عندما تمارس تدريباتك في الخدمة/خارج الخدمة فكر في كيف يمكنك أيضًا أن تصبح "مؤهلاً لتبديل انتباهك بتحويل بؤرته أو إيقافه".
في البداية تمارس تدريبات في الخدمة خارج الخدمة أثناء الجلسات، وبمجرد أن يدرك العميل الفرق ويتعلم كيفية التبديل من وضعية في الخدمة إلى وضعية خارج الخدمة، يُطلب منه ممارسة التدريبات لمدة تصل إلى 10 دقائق في كل مرة أولا في بيئة العيادة الخارجية: "ضع نفسك بعيداً عن العمل لمدة 10 دقائق ثم تجول في المستشفى." على النقيض من ذلك: "ضع نفسك في الخدمة - أبقِ عينيك مفتوحتين لأي مشاكل أو تهديدات محتملة للسلامة أو أخطاء، عليك البقاء في الخدمة طوال مسيرتك لمدة 10 دقائق حول المستشفى"، وبمجرد أن يعرب العميل عن النجاح في التقاط الفرق في منطقة المستشفى، يشجع على ممارسة التدريبات في بيته.
وعادة ما يتقدم العميل النشيط بشكل مطرد في إطالة مدد خارج الخدمة لمدة ساعة أو ساعتين حتى أيام الراحة بالكامل. ويطلب منه تسجيل تقدمه في استخدام تكتيك في الخدمة خارج الخدمة في منازلهم مع تقدم الجلسات. وهذه التمارين يمكن أن تكون فعالة للغاية، إذا اتسم العميل بالصبر والمثابرة وهو عندما يكتسب مهارة التحول في الخدمة/خارج الخدمة حسب الاقتضاء، فإن مستواه من التوتر ينخفض بشكل عام، وكذا مشاعر المسؤولية. ويجب على الشخص تذكير نفسه أنه في حالة خارج الخدمة لا حاجة للبحث عن المخاطر المحتملة، أو تذكرها، أو اتخاذ إجراء، أو التدخل.
وفي النهاية فإن علاج و.ش.ت.ق قد تطور تطورا معتبرا باستخدام التجارب السلوكية والعمل على مفهوم المسؤولية وآلية التحفيز الذاتي وكذلك في ضوء الاكتشافات العلمية التي أوضحت الأثر السيء لتكرار التحقق على الذاكرة، وتبين التجربة العملية أن التجارب السلوكية التي تظهر للعميل الأثر العكسي للتحقق فبدلا من أن يزيد الثقة نجد أنه يقللها وبدلا من أن يقوي الذاكرة للفعل أو المهمة نجد أنه يضعفها، هذه النوعية من التجارب حين تؤدى بنجاح يكون لها أثر واضح في تقوية الدافع لدى المريض وتحميسه لمقاومة الرغبة في التحقق، بما يساعد في التخلص من الإعاقة الكبيرة التي تسببها حالات و.ش.ت.ق.
المراجع :
1- Shafran, R., & Rachman, S. (2004). Thought-action fusion: A review. Journal of Behavior Therapy and Experimental Psychiatry, 35, 87-107.
2- Rassin E., Muris P., Schmidt H. & Merckelbach H. (2000). Relationship between thought-action fusion, thought suppression and obsessive- compulsive symptoms: a structural equation modelling approach. Behavior Research and Therapy 38: 889-897.
3- Shafran, R., Thordarson, D. S., & Rachman, S. (1996). Thought-action fusion in Obsessive Compulsive Disorder. Journal of Anxiety Disorders, 10, 379-391.
4- Rachman, S. J. & de Silva, P. (1978). Abnormal and normal obsessions. Behaviour Research and Therapy, 16, 233–248.
5- Hyman B.M & Pedrick C. (1999). The OCD Workbook: Your Guide to Breaking Free from Obsessive-Compulsive Disorder by Bruce M. Hyman. New Harbinger Publications
6- van den Hout, M. A., Engelhard, I. M., Smeets, M., Dek, E. C. P., Turksman, K., & Saric, R. (2009). Uncertainty about perception and dissociation after compulsive-like staring: Time course of effects. Behaviour Research and Therapy, 47, 535-539.
7- Radomsky A. S., Shafran R, Rachman S and Coughtrey A. E.(2010). Cognitive-behavior therapy for compulsive checking in OCD. Cognitive and Behavioral Practice. Volume 17, Issue 2, May 2010, Pages 119-131
7- وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) نحو فهم متكامل للوسواس القهري، البابُ الثالث، الفصل الثاني: بعض السمات المعرفية للموسوسين، سلسلة روافد 138, تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
واقرأ أيضًا:
وسواس النجاسة التطهر التطهير القهري2 / وسواس الطلاق والخلع والزواج / ........ و.ش.ت.ق : مقدمة