تأكيد الذات ما لم يراعه واطسن مشاركة11
الفصل التاسع عشر
السرقة هي إحدى قضايا الأمانة التي ظهرت في معظم العائلات التي تم عمل دراسات عليهم، مثلها مثل الكذب، لابد من التعامل معها بقفاز "الأبناء" حيث اكتشف العديد من الآباء والأمهات أن الأطفال يسرقون أحيانا بين سن الثامنة والثانية عشر لكنهم لم يُشعِروا أبناءهم بالخزي والعار، ولم يخبروهم أن تصرفاتهم هذه مشينة لعدم الأمانة، بل كان رد فعلهم مختلفا تماما عن هذا، ما فعلوه هو أنهم وضعوا سرقات الطفولة هذه في حجمها الطبيعي ونظروا إليها على أنها كبوات خلقية وليست نذيرا لجنوح خطير لحدث.
قد يسرق الأطفال الصغار لأنهم بحاجة لأن يشعروا بشيء من السطوة والقوة، أو لأنهم يشعرون باستياء من شيء آخر ويريدون أن يرفعوا من معنوياتهم بأن يسرقوا ممتلكات أشخاص آخرين؛ فقد يكون هناك نوع من اكتئاب الطفولة يعاني منه الطفل، أما الأطفال الأكبر سنا فقد يفعلون هذا لأنهم يريدون أن يستحوذوا على انتباه رفاقهم، لذلك فهم يسرقون ملابس أو أشياء أخرى من هذا القبيل يشبعون بها هذه الاحتياجات، قد يشعر الأبناء أنهم مهملون من قبل والديهم ولا يلقون اهتماما، لذا يشعرون برغبة في أن يُقبَض عليهم في محاولة يائسة لجعل أي شخص ينتبه إليهم، أو يسرقون للانتقام من بعض الأشخاص المكروهين.
ما يجب عليك أن تفعله عند حدوث مثل هذه الحوادث هو أن تحاول تحديد مصدر هذا السلوك غير المقبول، قد تكون هناك مشاكل عويصة عظيمة الشأن ربما أكثر من تلك الأشياء المسروقة، إذا كان التجاوز الذي حدث هو مجرد خطأ طفولة، وعادة ما يكون كذلك، لذا يجب أن تتخذ الترتيبات اللازمة، فمثلا إذا سرق ابنك كتابا من المكتبة وخبأه تحت فراشه لأنه يحب الصور، فهذه جريمة، ولا بد له أن يشعر ببعض المعاناة من فعلته، عليه أن يعلم أن هذا سلوك غير مقبول ورد الفعل يجب أن يكون هكذا: اجعله يعيد الكتاب المسروق إلى أمين المكتبة (لا أن يضعه في صندوق الكتب الواردة) مع الاعتذار لأمين المكتبة بأن يدفع الغرامة من حصيلة مدخراته، وليس من نقودك أنت كوالد أو ولي أمر، أسوأ شيء يمكنك أن تفعله في حالة كهذه هو أن تقلل من أهمية سلوك السرقة غير المقبول؛ وذلك بأن تختلق الأعذار لابنك؛ فهذا يدل على عدم نضج بشخصيتك أنت كولي أمر!!.
التواضع:
كيف يمكن أن نغرس فضيلة التواضع في نفوس أبنائنا في عالمنا المتنافس، والذي لا يرض إلا بالنجاح الصارخ في الماديات، هذا العالم الذي يمجد الفخر بالإنجازات؟، يمكننا أن نفعل ما فعله آباؤنا وهو أن نذكٍر أبناءنا الذين يتصرفون وكأنهم مركز الكون أن مساعدة الآخرين لها الأولوية، وذلك قبل تحقيق رغباتهم الشخصية الثانوية.
استخدمت إحدى الأمهات هذا الأسلوب مع ابنتها ذات العشر سنوات من عمرها، والتي عندما وصلت للصف الخامس أصبحت مشغولة تماما بشعبيتها وشهرتها وتأثيرها على الآخرين، يمكنك أن تغرس في أبنائك هذه الأقوال: هناك أشياء أكثر أهمية في هذا العالم مني، لكن إذا كنت لا أنظر إلا لنفسي فقط فلن أستطيع أن أرى الآخرين أبدا، لذا يجب عليك تهذيب ابنك وأن تجعله يشعر بأنه مركز لكل شيء، لا مركز نفسه فقط؛ وأن للآخرين حقوق مثل حقوقه وعليه أن يؤدي حقوق الآخرين عليه قبل أن يطالب بحقوقه، لأنك إن لم تفعل ذلك فسوف يبدأ طفلك في الاعتقاد بأنه هبة السماء للأرض!!، وأنه أفضل من الآخرين، وأنه محور الكون، وهذا كله غير صحيح، وغير واقعي، ولن يجلب له إلا كره الناس له كشخص؛ لذا حاول أن تجعل ولدك يشعر بحجمه الطبيعي بين الناس في المجتمع.
العطاء:
إن معظم الناس قادرون على التبرع بقدر قليل جدا من المال، إلا أنهم لا يزالون مصرين على شراء هدايا كثيرة لأبنائهم المتخمين بالفعل بالهدايا، هؤلاء الأبناء لا يحملون أنفسهم مشقة الذهاب لوضع نقود في صندوق مخصص حصيلته للفقراء أو للأيتام، وهذه طريقة جيدة لتعليم أبنائنا حب العطاء، والأفضل أن يذهب الطفل لزيارة مؤسسة أو ملجأ للأيتام، وأن يقضي نهارا معهم، وأن يستمع إليهم، ولا مانع أن يصادق واحدا منهم أو أكثر.
إذا كان أغلب الناس لا يستمتعون بمشاهدة برامج التلفاز الرائعة الخاصة بجمع التبرعات ولا يحركون حتى مقاعدهم كي يجروا مكالمة هاتفية يشاركوا فيها بأي تبرع (90% من المشاهدين لا يتبرعون)، فأي رسالة تلك التي ينقلونها لأطفالهم الجالسين بجوارهم؟، وحينما يسأل أحد الأطفال أمه هل سنقوم بإرسال عدة جنيهات تبرعا لمستشفى السرطان بالقاهرة مثلا؟، تكون الإجابة لا نحن لا نقدر على ذلك لا بد من الاقتصاد!!.
شجع ابنك على أن يشرك غيره في أشيائه المفضلة والتي يحبها كثيرا، وليس تلك الأشياء التي فقد اهتمامه بها؛ لأن هذه الأشياء تشعره بالسعادة، وبأسلوب لطيف اقترح عليه أن يتقاسم هذه السعادة مع أطفال آخرين وأخبره كم سيكون رائعا أن يساعدهم على الشعور بهذا الإحساس. ركز على نتيجة العطاء حتى لا يشعر ابنك أنه خسر بتصرف كهذا، أظهر حماسا لمقاسمة أشياءك الخاصة مع رفاق ابنك وبيِّن له إلى أي حد قد أسعدك هذا التصرف.
العلم:
الله تعالى عليم بكل شيء، لم يسبق معرفته جهل ولا يعدو عليها نسيان ولا يمكن أن تخالف الواقع. فعلم الله محيط بالأمس واليوم والغد والظاهر والباطن والدنيا والآخرة، والإنسان عاجز تماما عن معرفة كل شيء أو حتى القليل من أي شيء، لكن الله وحده يحصي أعمالنا الماضية ساعة ساعة ويسجل أحوال العالم لحظة بلحظة وحادثة بحادثة.
"قالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى* قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى"(طه:51،52)، إنه علم يشرق على كل شيء فيجلي بواطنه وخفاياه ويكشف بداياته ونهاياته ويكتنه ذاته وصفاته، يقول تعالى: "إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ" (فصلت:47)، فعدد ما في صحارى الأرض من رمال وعدد ما في بحار الدنيا من قطرات وعدد ما في الأشجار من ورقات.... الخ، وما يطرأ على هذه الأعداد الكثيرة من أحوال شتى، وما تحتاج إليه في وجودها من قوى متجددة وما يعتريها من أوصاف متغايرة، ذلك كله يستوعبه شعاع واحد من أشعة العلم التي لا تدري عقولنا من كنهها إلا قليلا: "وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"(الملك:13، 14).
وهذا العلم من خصائص الذات المقدسة.
وما وصل إليه البشر من ذلك مقرر ومعروف، وما أوتوا إلا القليل من العلم. أما الله عز وجل فكما قال في كتابه الكريم:
"وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" (الأنعام:59).
يتبع >>>>>>>>>>> التعليم