الخوف في وقت الخطر شعور تكيفي طبيعي يؤدي وظيفة الاستعداد لمواجهة الخطر إما بتفادي مصدر الخطر أو مواجهته، وهو يحافظ على سلامة الإنسان وبقائه إذا كان في الحدود المعقولة لذا يجب أن نحترم خوفنا الطبيعي ونقدره، أما إذا زادت حدته وتحول إلى رعب أو هلع فإنه يصبح هو نفسه خطر، وإذا أخذنا جائحة الكورونا كمثال، فإن الجسم حين يستشعر دخول الفيروس فإنه يطلق ملايين الخلايا المناعية لمهاجمة الفيروس ومحاصرته والقضاء عليه، فإذا كان الإنسان في حالة رعب وهلع فإن الجسم يطلق شلالات من الكورتيزول (هورمون الضغوط) تخنق خلايا المناعة وتضعفها، وبالتالي يصبح الشخص أكثر قابلية لتوحش الفيروس حيث يتوغل في خلايا الرئتين على وجه الخصوص ويوجه النواة لإنتاج بروتين مماثل لشفرته الجينية وهنا تتحول الخلية لمصنع هائل لإنتاج الفيروس تنتشر بسرعة هائلة في أجزاء الجسم.
ووباء الكورونا هو أشد وباء ألم بالبشرية ونجح في وقف مظاهر الحياة في كل أرجاء العالم، وأصبح يهدد حياة ملايين البشر، ويهدد أيضا بالانهيار الاقتصادي في العالم كله، ويضع البشر جميعا أمام انتظار المجهول. وإذا طال أمد الأزمة فإن الكورتيزول يؤثر في نسبة ناقلات عصبية في المخ فيؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، والاكتئاب أيضا هو من أشد أعداء جهاز المناعة في الجسم.
ومع هذا نرى الناس مشغولين بإجراءات غسل اليدين بالماء والصابون وتنظيف الأسطح بالكلور المخفف، واستخدام المطهرات للتعقيم، وارتداء الكمامات، وإجراءات العزل الاجتماعي، وكل هذا مهم جدا للوقاية من الفيروس، ولكنهم جميعا ينسون خط الدفاع المهم وهو جهاز المناعة والذي تقتله حالات الخوف الشديد التي تصل لدرجة الهلع. وهذا الهلع يساعد على انتشار الكورونا في العالم كله ويساعد على زيادة حالات الوفاة.
والناس يختلفون في قدرتهم على مواجهة الضغوط، وأيضا في قدرة جهاز مناعتهم أن يعمل وقت هذه الضغوط، ووجد أن تعرضنا لضغوط كثيرة وصدمات في فترة الطفولة يجعلنا أكثر قابلية للتأثر بالضغوط، كما أن تقديرنا للضغوط ودرجة توازن مشاعرنا تؤثر إلى حد كبير في استجابتنا لها.
وهناك استراتيجيات لتخفيف حالات الهلع والعودة إلى حالة الثبات الانفعالي والصمود النفسي الذي يعتبر من أهم العوائق أمام انتشار الكورونا أو أي وباء آخر :
1 – قوة الفصل : هي القدرة على أن تفصل دائرة المشاعر والانفعالات المولدة لحالة الخوف الشديد، وذلك بإغلاق مصادر الخوف من المتابعة اللحظية للأخبار والشائعات على شاشات التليفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي، والاستراحة في مكان هادئ، وأخذ نفس منتظم وهادئ وعميق، والعمل على استرخاء العضلات المحيطة بالعين وعضلات الكتفين. هذه الآلية تنزعك من دائرة الخوف الشديد وتعيد ترتيب الجهاز النفسي والعصبي بشكل أفضل، ويبدو فيها الشخص وكأنه انفصل عن هذه الدائرة وأصبح ينظر إليها من عل.
2 – الوعي باللحظة الحاضرة: وهذا ما نسميه "العلاج باليقظة الذهنية"، فمعروف أن العقل الإنساني تجتاحه من 60000 إلى 80000 فكرة في اليوم الواحد، وأغلبها أفكار سلبية إما متصلة بالماضي أو بالمستقبل، والوعي باللحظة الحاضرة ينزع الإنسان من هذه السيالات من الأفكار وتعيده إلى الوعي بذاته وبجسده وبما يحيط به من بشر ومن أشياء يدركها ويتقبلها بوعي ممتلئ، فينجو من عبء الماضي والمستقبل، وهذا يهدئ العقل والجهاز العصبي والجسد، وتبدأ الحواس في استقبال تفاصيل المكان المحيط بالشخص بما يحويه من ألوان وأصوات وروائح واستقبال كل ذلك بدرجة عالية من العمق، وهذا ينزعنا من مخاوفنا المبالغ فيها ويجعلنا نستقر على أرض ثابتة رغم وجود الخطر.
3 – العودة لمشاعر القلب الأصلية: فنحن أمام الخطر نعيش مشاعر رد الفعل مثل القلق والخوف والتوجس والهلع والرعب، وهذا يأخذنا من مشاعر القلب الأصيلة مثل الحب والتراحم والتكافل والتفاؤل والصبر والرضى والرحمة والشعور بالآخرين، وهذه المشاعر القلبية الأصيلة تساعد على تنشيط جهاز المناعة وزيادة قدرته على المواجهة.
4 – قدم المساعدة للآخرين: وهذا ينشط شبكة التواصل الاجتماعي في مراكز المخ، وتجعل وظائفه تعمل بشكل أفضل وبطريقة متناغمة، فالإحساس بـ "أنا" يجعل مراكز المخ تعمل بشكل منعزل، في حين أن الإحساس بـ "بنحن" يجعل مراكز المخ تعمل بشكل تعاوني تآزري توافقي، وهذا يزيد من حالة الحصانة النفسية والصمود النفسي.
5 – قم بعملية مصالحة مع نفسك ومع الناس ومع الحياة ومع الله، وهذا يقلل من صراعاتك التي تستنزف طاقاتك وتجعلك في حالة وهن جسدي ونفسي.
6 – قم بعملية مراجعة لنمط حياتك قبل الأزمة، وقم فورا بعمليات تصحيح لما يستدعي التصحيح، فالمحنة تعتبر فرصة ذهبية لتحسين نوعية وجودنا بعد أن تنقشع الغمة.
7 – قم بعملية تطهر روحي، بالتوبة عن الأخطاء السابقة، ورد المظالم لأصحابها، وتحسين المسار السلوكي، والارتقاء في مدارج الروحانيات والتواصل مع السماء.
8 – احرص على أخذ وقت كاف من النوم، وفترات راحة بعد العمل، ولحظات ترفيه بعد العناء، مع ممارسة الرياضة البدنية بشكل منتظم.
9 – تواصل مع الطبيعة بالتأمل في السماء وفي البحار وفي النباتات وفي الحيوانات، واستشعر أنك جزء من هذا الكون الجميل.
10 – تأكد أن الأوبئة والأزمات والكوارث لا تدوم، فهي دائما وكما أثبتت أحداث التاريخ تكون نوبات طارئة وتزول.
11 – كن إيجابيا في مواجهة الأزمة حسب ما تتيحه لك الظروف للعمل على إنهائها، وكن مبدعا في التكيف مع ظروفها الصعبة.
واقرأ أيضًا:
نوبات الهلع / فقه الأزمات وإصلاح النفوس / الحالة النفسية في مواجهة كورونا