"رأيتُ المنايا خبطَ عشواءٍ، مَن تُصِبْ
تُمتهُ، ومَنْ تُخطِيءْ يُعمّر فيهرمِ"
في زمن الكورونا يحضرني هذا البيت الشعري من معلقة زهير بن أبي سلمى، وفيه وصفٌ دقيقٌ لديناميكية السلوك البشري وتفاعل الموت معنا.
الموت الذي يصيبنا بخبطة عشوائية ويهرسنا هرسَ أعمى يسعى بيننا، ومَن يمسكه يعيده إلى أصله الترابي ميتاً.
فالبشر يبدو كجسيمات متحركة بعشوائية، وكلٌّ ينال مصيره دون معارضة أو مقاومة وكما تمليه عليه إرادة العشوائية الفاعلة في أمره.
فكورونا أعادتنا إلى قوافل الحياة الحقيقية، وأيقظتنا من سبات الغفلة والهوس بالرغبات وعدم الاعتبار من النكبات والشعور بالآخر من حولنا.
فما نشاهده على شاشات التلفزة من صور موجعة بلّدَت أحاسيسنا وشلّت قدراتنا العاطفية وأماتت ضمائرنا حتى أصبحت مآسي الآخرين وفواجعهم لا تهمنا، وكأنهم أرقام ونحن البشر الذي ينظر إليهم ويحسب أنهم ليسوا من بني البشر.
فكورونا ربما أعادت إلينا وعينا، وجددت أحاسيسنا ومشاعرنا، وجعلتنا نصغي لصرخة طفل أهالوا بيته على عائلته ونجا لوحده بأعجوبة أو لصرخة جائع يموت من العطش وانعدام الطعام.
كورونا قالت لنا بصوت واضح "أيها البشر استعيدوا إنسانيتكم ووجودكم الآدمي ولا تغرنكم الثورة التكنولوجية والتقدم المادي الذي أعمى بصائركم"
كورونا تعلمنا مبادئ الحياة الأصيلة، وترشدنا إلى سواء السلوك والتعقل والتفكر والتبصر والإدراك الحقيقي لمعنى وجودنا ومسيرتنا من المهد إلى اللحد.
كورونا رأينا المنايا وجالسنا الموت وعرفنا أنه يحوم حولنا وأن الحياة رحلة قصيرة ونحن ضيوفها فوق التراب وسنتوطنه جميعا!!
فهلْ سنعتبر أم أنها كباقي العِبَر الخالية من الاعتبار؟!!
*خبط عشواء: يُقال يخبط خبط عشواء، أي يتصرف في الأمر على غير بصيرة، وهي مأخوذة من خبط البعير برجليه أي وطأ وطأً شديداً.
واقرأ أيضاً:
الأمة المؤرهبة / الأسلوبية الجامدة / السلوك الأصولي