محاكمة المعتقلين الفلسطينيين في السجون السعودية بتهمة الإرهاب، وتمويل كيان إرهابي والانضمام إليه، لهو جريمةٌ نكراء وفعلٌ مشينٌ، وعملٌ غير أخلاقي مهينٌ، وفعلٌ مستنكرٌ غريبٌ، لا يقبل به الأحرار، ولا يسلم به الشرفاء، ولا يوافق عليه السعوديون الأطهار، ولا يشجع عليه أصحاب الهمم العالية والأخلاق الرفيعة، والشيم العربية الموروثة، والنخوة الأصيلة، وقيم النبل والشجاعة والأخوة والكرم.
إنه عملٌ مخزي ما جاء بمثله السابقون، ولا تجرأ على القيام به الأولون، ولا يجاهر به إلا الضالون الفاسدون، المعادون الكارهون الحاقدون، الذين يتنكبون للقيم، ويتبرأون من الشيم، ولا ينتصرون لروابط الأخوة وأواصر المحبة، ولا يغارون على الحق وأهله أو يثورون من أجله، بل يلتفتون إلى الدنايا فيرتكبونها، وإلى المخازي فيأتونها، وإلى العيوب فيصرون عليها ويتمسكون بها، ولا يهمهم الشرف ولا تعنيهم الكرامة، ولا يؤمنون بما دعا إليه الإسلام وحرض عليه القرآن، وأوصى به رسول الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
إنها محاكمة جائرة باطلة، لا تقوم على أسس الحق العربية، ولا على قواعد العدل الإسلامية، ولا على موروثات الشعوب الإنسانية، فلا العرب يوافقون على جلد ذاتهم ومحاسبة أنفسهم، والإساءة إلى قيمهم والتنكر لمفاهيمهم، ولعن تاريخهم والبراءة من ماضيهم، وإعلان الحرب على إخوانهم، والانقلاب عليهم وطعنهم في الظهر تارةً والغدر بهم في الصدر والوجه أحايين أخرى، إرضاءً لعدوٍ لا يرضى، طماعٍ لا يشبع، ظالمٍ لا يعدل، قاتلٍ لا يتوب، معتدي لا يتوقف.
ولا الإسلام العظيم بقيمه وشمائله، وقرآنه وآياته، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقبل بالظلم والعدوان، ورد الجيرة والتخلي عن الحق والانقلاب عليه، ومناصرة الباطل وممالأة العدو، فديننا الإسلامي ينصف المظلوم، وينصر الضعيف، وينبري للدفاع عن الحق، ويأوي إليه من استجاره وطلب حمايته، ويعيب على من يخذل الضعيف ويكسر قلب المحتاج، ويعاتب من يعبس في وجه صاحب الحق وأهل المسألة، فإن كان لا يقوى على الانتصار له بالقوة، فلا أقل من أن يدعو لهم بالخير، ويأمل بالرجاء، ويكف يد من أراد الإساءة وبادر بالإهانة.
ستبدأ يوم غدٍ الاثنين في العاصمة السعودية الرياض، محاكمة العشرات من المعتقلين الفلسطينيين، ومنهم ممثل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" السابق في المملكة العربية السعودية، د. محمد الخضري "أبو هاني"، الذي عاش نيفٍ عن ثلاثين سنةٍ في مدينة جدة السعودية، عرفه خلالها السعوديون، الأمراء والحكومة والسلطات الحاكمة، وعامة المواطنين والوافدين والزوار، فما شهدوا عليه وهو الطبيب المسن، الباش الوجه الطلق المحيا، إلا طيب الأخلاق وحسن المعشر، وصدق الكلمة وشرف الوعد، وما عرفوا عنه إلا حبه لوطنه فلسطين وإخلاصه للسعودية التي عمل فيها وعاش في ربوعها، وشَرُفَ بالانتساب إليها والتعامل مع مواطنيها، الذين أحبهم وأحبوه، وأكرموه وأعطوه لفلسطين وأهلها، لثقتهم فيه وإيمانهم به.
عشراتٌ أمثال د. محمد الخضري ومعهم ولده، يمثلون أمام المحاكم السعودية، وتهتمهم التي أدينوا بها، هي انتماؤهم إلى فلسطين وطناً، وانتسابهم إلى حماس حركةً، وتأييدهم للمقاومة منهجاً، وعطاؤهم لأهلهم ومساعدتهم لشعبهم، وإحساسهم بمعاناتهم، ودعوتهم للتخفيف عنهم والوقوف إلى جانبهم، وعدم التخلي عنهم في محنتهم التي يعيشونها في ظل الاحتلال الذي لا يرحم، والعدوان الذي لا يتوقف، والقتل الذي لا ينتهي، والعذاب الذي يتجدد، والحصار الذي يشتد، والظلم الذي يتنوع ويتشكل.
باسم الفلسطينيين جميعاً نتوجه إلى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بضرورة التدخل العاجل لإنهاء هذه الأزمة، ووقف هذه المهزلة، وإصدار عفوٍ عامٍ عن جميع المعتقلين وتكريمهم، وتعويضهم عما لحق بهم ونزل فيهم، فهذه المحاكمة مخزية، وهذا الاعتقال مرفوضٌ، وهذه الاتهامات مدانةٌ، وهذا الخطاب التحريضي ضدهم مستنكرٌ ومستغربٌ، فليست السجون والمعتقلات في بلادنا العربية هي مقام الفلسطينيين ومستقرهم، بل إن مقامهم عالي بقضيتهم، ومنزلتهم سامية بوطنهم، وشرفهم رفيعٌ بمقاومتهم وصمودهم، ورأسهم مرفوعٌ بثباتهم وصبرهم، فهلَّا جلالة الملك صححت الخطأ، وصوبت الاتجاه، وحكمت بعدلٍ يفرج عنهم، وخلقٍ يعتذر لهم، وقانونٍ عادلٍ يكرمهم ويعوضهم.
بيروت في 4/10/2020
واقرأ أيضا:
أفراحٌ إسرائيليةٌ ومكاسبٌ أمريكيةٌ وخيباتٌ عربيةٌ / القضية الفلسطينية بين الولاء الإسلامي والتخلي العربي