وسواس اللااكتمال التكرار القهري و.ل.ت.ق العلاج
قدمنا للكمالية بمقال نشر على الموقع منذ 2010 تحت عنوان: الكماليةُ (فرطُ الإتقان) وعدمُ الاكتمال كانت دراسة اللااكتمال وقتها في بداياتها، ولذا فالمقال في أغلبه اهتم بتشريح مفهوم الكمالية، ورغم ذلك لم نشر آنذاك إلى تعريف شافران ومجموعته (Shafran, et al., 2002) لما سمَّوه الكمالية الإكلينيكية Clinical Perfectionism فضمن نموذجهم السلوكي المعرفي للكمالية عرفوها بأنها "الاعتماد المفرط للتقييم الذاتي على السعي الحازم للمطالبة الشخصية بمعايير مفروضة ذاتيًا في مجال واحد -على الأقل- بارز للغاية في حياة الشخص بالرغم من العواقب السلبية لذلك السعي"، وأرادوا بذلك أن يقصروا اهتمامهم البحثي على الظواهر ذات العلاقة بالممارسة الإكلينيكية للطبيب النفساني، والواقع أن لسمة الكمالية آثار مهمة على تلك الممارسة لأنها واضحة الدور في تطوير وإدامة مجموعة من الاضطرابات النفسية بما في ذلك اضطراب الاكتئاب الجسيم واضطرابات القلق المختلفة واضطراب التشوه الجسدي وهي كذلك ترتبط بالانتحار. وايذاء النفس، كما ترتبط بالأرق والرهاب الاجتماعي واضطرابات طيف الوسواس القهري واضطرابات الأكل... أي أنها سمة عابرة لتشيخيصات الطب النفساني، إلى حد أنها ينظر إليها كتفسير للتواكب المرضي بين الاضطرابات االنفسية (Lloyd, etal., 2015) باعتبار وجودها يؤهل الشخص لأكثر من اضطراب، وأخيرا من المعروف أيضًا أنها السمة التي تعيق العلاج الناجع لاضطرابات الاكتئاب واضطرابات القلق واضطرابات طيف الوسواس القهري.
يتسم الكماليون Perfectionists بالخوف من الإخفاق وهو ما يقوض تقدم العلاج النفساني ويعيقه بشكل واضح. إذ يعتقد الكماليون بقوة أنه يجب تحقيق النجاح ويجب تجنب الإخفاق بأي ثمن. ولديهم بالفعل خوف من الرداءة ويعتقدون أنهم يجب أن يكونوا مثاليين لأن التخلي عن السعي لتحقيق الكمال وأن يكونوا أقل من مثالي قد يجعل الحياة بلا قيمة. وفي سياق العلاج يمكن أن يؤدي الخوف من الإخفاق والتردي إلى مقاومة كبيرة عندما ينتج عنه عدم الرغبة في تجربة مهام جديدة، وكما أشار ألبرت إليس (Ellis, 1985)، يصبح العميل خائفًا من أن محاولات التغلب على الخوف من الإخفاق ستشمل التعرض لمواقف محرجة (Flett, & Hewitt, 2007).
ومن المهم أن ننوه بداية إلى أن الكمالية سمة دائمة نسبيًا؛ وبالتالي، سيظل بعض أصحاب الكمالية يقاومون العلاج وقد تظل المستويات الإجمالية للكمالية مرتفعة نسبيًا حتى عند تحقيق تحسن كبير، وعادة ما يكون الميل الراسخ للكمالية مرتبطًا بأعراض الضيق المتبقية بعد العلاج. وسوف نسلط الضوء على العوامل المعرفية ذات الأهمية المحتملة في علاج الكمالية، بما في ذلك دور المعتقدات غير العقلانية الأساسية في تنمية الكمالية.
خصائص معرفية شعورية مهمة في علاج الكمالية:
بشكل عام هناك بعدان للكمالية هما الأعلى رتبة في تركيبة علاقة الكمالية بالإمراضية النفسية وفهمهما في كل حالة على حدة مهم في الع.س.م هما أولا نزعة السعي للكمال Perfectionistic Strivings أي النزوع إلى وضع معايير عالية للأداء ومطالبة الشخص نفسه بها. وثانيًا Perfectionistic Concerns المخاوف الكمالية ويقصد بها ميل الشخص إلى النقد الذاتي لأدائه والانشغال المفرط بكيفية إدراك الآخرين للشخص ولأدائه، وصعوبات بالغة بالتالي في الشعور بالرضا عن الأداء الذاتي (Stoeber et al., 2020)... وهو ما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات (وهو تقييم الفرد الذاتي لنفسه على المستوى العاطفي والتقديري)، وهناك أدلة متزايدة على العلاقة بين الكمالية وتقدير الذات، ولا تحَمُّل الشك (ل.ت.ش)، والتعاطف مع الذات، ولذلك فإن العمل على هذه الأبعاد مهم لعلاج الكمالية.
1- تقدير الذات : يرتبط تقدير الذات Self-esteem أو بالأحرى انخفاض تقدير الذات، بتطوير عدد من الاضطرابات النفسانية وإدامتها وهو يرتبط سلبًا بالكمالية (فكلما انخفض تقدير الذات ارتفع مستوى الكمالية وبالعكس كلما ارتفع تقدير الذات كان الشخص أقل اتصافا بالكمالية). ويفترض أن الكمالية الشديدة تؤدي إلى المقارنة بين الذات الحقيقية والمثالية وبين الأهداف المثالية والأداء الفعلي، بما يؤدي إلى تدني احترام الذات؛ أو أن تدني احترام الذات قد ينتج عند الأفراد ذوي الكمالية الإكلينيكية لأن احترامهم لذواتهم يستند إلى قدرتهم على تحقيق معايير غير قابلة للتحقيق ولكونهم ينتقدون ذواتهم بشدة عندما لا يتم استيفاء المعايير المطلوبة.
2- لا تحمُّل الشك : كذلك فإن لا تحَمُّل الشك (ل.ت.ش) Intolerance of Uncertainty ويعني الاستجابة بالخوف والتوجس معرفيا وانفعاليا وسلوكيا للأوضاع والأحداث الغامضة أو التي تحتمل الشك، (وهو أيضًا سمة عابرة للتشخيصات الطبنفسية تساهم في تطوير وإدامة معظم اضطرابات القلق والاكتئاب والوسواس القهري). يرتبط بالكمالية وقد أصبح من المعروف حديثا أن ل.ت.ش يحدث نتيجة وجود عاملين: هما الرغبة والسعي النشط لإمكانية التنبؤ واليقين، والشلل المعرفي والسلوكي في مواجهة الشك (أو عدم اليقين). وفي مرضى الوسواس القهري تعمل الكمالية مع ل.ت.ش والحاجة إلى تحقيق الكمالية هي محاولة لجعل المستقبل أكثر يقينًا، خاصة في المجالات التي يحسها المريض غير مؤكدة أو غير مضمونة.
3- التعاطف مع الذات : وأما التعاطف مع الذات Self-Compassion أي القدرة على أن يكون الشخص لطيفًا، ومتعاطفًا، ودافئًا تجاه نفسه، حتى في الأوقات الصعبة، فيرتبط سلبًا بالنقد الذاتي. بينما الخوف من التعاطف مع الذات، الذي يُفترض حدوثه عندما يرتبط التعاطف مع المشاعر السلبية كالحزن أو التهديد، يرتبط إيجابا بنقد الذات. وبالنظر إلى الأدلة المتزايدة على وجود ارتباط سلبي بين التعاطف مع الذات والكمالية، فمن الممكن افتراض أن الخوف من التعاطف مع الذات قد يكون مرتبطًا بشكل إيجابي بالكمالية. وغني عن البيان أن التعاطف مع الآخرين والنفس يتطلب إدراكا لحقيقة أن النقص وارتكاب الأخطاء جزء طبيعي من حياة الإنسان، وقد يخشى الأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من الكمالية من أن التعاطف مع الذات قد يقلل من الدافع للوفاء بمعايير عالية دون ارتكاب أخطاء.
تقييم الكمالية السريرية (الإكلينيية):
من المفيد جدا في المرحلة التمهيدية للع.س.م أن يقوم المعالج بإجراء تقييم لمستوى الكمالية وأبعادها المختلفة في الحالة، فعملية التقييم تفيد من وجوه عدة أولها هو أثر العملية على العميل/المريض فكثيرا ما تفيده مجرد قراءة ومناقشة بنود المقاييس وكثيرا ما يعبر عن انعكاساتها في نفسه أثناء العلاج ولها دور في زيادة دافعيته للعلاج، كما يسمح لنا التقييم قبل العلاج بأن نقيس مدى النجاح الذي حققته العملية العلاجية... وإن تكرر كما أشرنا من قبل أن يكون تحسن أعراض اضطراب المريض المعين وتحسن سلوكياته العاكسة للكمالية واضحا أكثر من تحسن الدرجات على المقياس.
هناك العديد من المقاييس النفسية التي أعدت لتقييم الكمالية ومن أشهرها مقياس فروست متعدد الأبعاد للكمالية (Frost, et al., 1990) والذي يقيم الجوانب التالية: القلق بشأن الأخطاء (إذا أخفقت في أي مهمة في عملي أو دراستي فأنا شخص فاشل، أكره أن أكون أقل من الأفضل في كل شيء)، والمعايير الشخصية (أضع لنفسي أهدافا أبعد من أغلب الناس، أنا جيد جدا في تركيز جهودي لتحقيق الأهداف)، والشكوك حول الأفعال (لدي شكوك عادة في أعمالي اليومية البسيطة، وأستغرق وقتا طويلا لأداء المهام بشكل صحيح)، وتوقعات الوالدين (يضع والداي معايير عالية جدا لي، ويريداني أن أكون الأفضل في كل شيء)، وانتقاد الوالدين (في طفولتي كنت أعاقب إذا لم أصل للكمال في الأداء، لم يحاول والداي أبدا فهم أخطائي) والنظام أو الترتيب (النظام مهم جدا بالنسبة لي، أنا شخص مدقق).
وكذلك مقياس هيويت وفليت متعدد الأبعاد للكمالية (Hewitt & Flett, 1991) والذي يقيس ثلاثة أشكال للكمالية هي الكمالية الذاتية أو الكمالية الموجهة للذات Self-Oriented Perfectionism (وهم أناس يضعون لأنفسهم معايير عالية جدا للأداء في كل شيء يكافحون دائما للوفاء بها،) والكمالية المنصوص عليها اجتماعيًا أو الكمالية المرجعة للمجتمع Socially Prescribed Perfectionism (وهؤلاء يعتقدون أن الآخرين يتوقعون منهم مستويات أداء عالية من غير المعقول أن يقدروا عليها، وهم يبنون تقديرهم لذواتهم بناء على رأي الآخرين وهم غالبا تعلموا منذ الصغر أن تحقيق الأهداف هو السبيل الوحيد للحصول على الحب والرعاية، وهم بالتالي دائما ينتظرون التقييم الإيجابي والمكافأة من الآخرين،) والكمالية الموجهة للآخرين Other-Oriented Perfectionism (وهؤلاء أناس يضعون معايير أداء عالية جدا ولا واقعية ويطالبون الآخرين (غالبا من ذويهم) بالوفاء بها، وهم غالبا غاضبون من تقصير الآخرين وخائبو الأمل فيهم، وكثيرا ما يتسبب ميلهم للانتقاد في اعتزال الآخرين لهم،)...
إلا أن المقياسين أعلاه يقيسان كلا من الجوانب الحميدة والإمراضية للكمالية بينما يعتبر مقياس الكمالية الإكلينيية الذي وضعته مجموعة شافران وفيربرن للاستخدام مبدئيا في مرضى اضطرابات الأكل (Fairburn et al., 2003) (ثم تعددت استخداماته إكلينيكيا بعد ذلك) هو المقياس الذي يقيس أهم وأوضح أبعاد الكمالية المرتبطة بالإمراضية النفسية (السعي لتحقيق معايير ذاتية عالية واعتماد تقييم الذات على الوفاء بها) وهي التي ترتبط بالاضطرابات النفسانية ويراها الطبيب النفساني في عمله (Shafran et al., 2003) ولتطبيقه يُطلب من المفحوصين تقييم مدى وصف كل عنصر لهم خلال الشهر الفائت باستخدام مقياس من نوع ليكرت من 4 نقاط، يتراوح من 1 (ليس على الإطلاق) إلى 4 (كل الوقت) (Dickie, et al., 2012).
كل الوقت | معظم الوقت | بعض الوقت | لا إطلاقا | العناصر |
1. هل دفعت نفسك بقوة لتحقيق أهدافك؟ | ||||
2. هل تميل إلى التركيز على ما حققته بدلاً من التركيز على ما لم تحققه؟ | ||||
3. هل قيل لك أن المعايير الخاصة بك مرتفعة للغاية؟ | ||||
4. هل شعرت بالفشل كشخص لأنك لم تنجح في تحقيق أهدافك؟ | ||||
5. هل كنت خائفًا من أنك قد لا تصل إلى معاييرك؟ | ||||
6. هل رفعت معاييرك لأنك اعتقدت أنها سهلة للغاية؟ | ||||
7. هل حكمت على نفسك على أساس قدرتك على تحقيق معايير عالية؟ | ||||
8. هل فعلت ما يكفي لتعيش؟ | ||||
9. هل راجعت مرارًا مدى جودة أدائك في تلبية المعايير (مثلا من خلال مقارنة أدائك بأداء الآخرين) | ||||
10. هل تعتقد أن الآخرين قد يعتبرونك "كماليا أو طالبا للكمال"؟ | ||||
11. هل واصلت محاولة تلبية معاييرك، حتى لو كان هذا يعني أنك قد فاتتك بعض الأشياء؟ | ||||
12. هل تجنبت أي اختبارات لأدائك (في تحقيق أهدافك) في حال فشلت؟ |
المراجع :
1- Shafran, R., Cooper, Z. and Fairburn, C. (2002). Clinical perfectionism: a cognitive behavioral analysis. Behaviour Research and Therapy, 40, 773–791.
2- Lloyd, S., Schmidt, U., Khondoker, M., & Tchanturia, K. (2015). Can Psychological Interventions Reduce Perfectionism? A Systematic Review and Meta-analysis. Behavioural and Cognitive Psychotherapy 43(6), 705-731.
3- Ellis, A. (1985). Overcoming resistance: Rational-emotive therapy with difficult clients. New York: Springer.
4- Flett, G. L. & Hewitt, P. L. (2007). cognitive and self-regulation aspects of perfectionism and their implications for treatment: introduction to the special issue. Journal of Rational-Emotive & CBT, Vol. 25, No. 4, Dec (2007)
5- Stoebera J, Smith MM, Saklofske DH & Sherry SB (2020). Perfectionism and interpersonal problems revisited. Personality and Individual Differences,
6- Frost, R., Marten, P., Lahart, C. and Rosenblate, R. (1990). The dimensions of perfectionism. Cognitive Therapy and Research, 14, 449–468.
7- Hewitt, P. L. and Flett, G. L. (1991). Perfectionism in the self and social contexts: conceptualization, assessment, and association with psychopathology. Journal of Personality and Social Psychology, 60,456–470.
8- Fairburn, C. G., Cooper, Z., & Shafran, R. (2003). The Clinical Perfectionism Questionnaire. Unpublished manuscript, Department of Psychiatry, University of Oxford, UK.
9- Shafran, R., Cooper, Z., & Fairburn, C. G. (2003). ‘‘Clinical perfectionism’’ is not‘‘multidimensional perfectionism’’: A reply to Hewitt, Flett, Besser, Sherry & McGee. Behaviour Research and Therapy, 41, 1217–1220.
10- Dickie L, Surgenor LJ, Wilson M & McDowall J (2012). The structure and reliability of the Clinical Perfectionism Questionnaire. Personality and Individual Differences (52) 865–869
ويتبع >>>>: علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية السريرية2
واقرأ أيضًا:
الشعور بالذنب في مرضى الوسواس القهري2 / وسواس العد القهري Compulsive Counting