توجهات جديدة في التعرض ومنع الاستجابة ت.م.ا (1)
فهم جديد للعلاج بالت.م.ا ERP :
بمراجعة الأدبيات العلمية في موضوع العلاج بالت.م.ا لاحظت كراسك وآخرون (Craske, et al., 2008) أنه على الرغم من أن التعود يحدث أثناء التعرض، فإن انخفاض القلق لا ينبئ بنتيجة العلاج، وهي فكرة تدعمها نتائج الأبحاث الحديثة، والتي تشير إلى عدم وجود علاقة بين التعود أو الاعتياد داخل الجلسة ونتائج العلاج النهائية وأن الاستجابة الناجحة للتعرض ومنع الاستجابة يمكن أن تحدث في غياب التعود (Tsao & Craske, 2000) أي بما يخالف التوقعات والدراسات الأولية التي ربطت التحسن بحدوث التعود وانخفاض القلق... وهذا ما دفع جراسك وشركائه إلى اقتراح فهم الانطفاء باستخدام نموذج التعلم المثبط أو التثبيطي Inhibitory Learning Model وبناءً على هذا النموذج، يتم تعظيم الانطفاء عندما يتعلم المرضى مثلا مرضى الوسواس القهري معلومات جديدة يمكن أن تمنع أفكارهم و / أو دوافعهم الوسواسية أو تثبطها. فالرابطة الراسخة التي تثير القلق ("سأمرض إذا لمست مقبضا متسخًا") تظل كما هي بينما يتم تكوين ارتباطات جديدة غير مهددة ("فرص الإصابة بالمرض من لمس مقبض متسخ منخفضة"). أي أنه لا يجب محو أو تعديل مركب الخوف وإنما إجباره على منافسة ما يمكن أن نسميه مركب الأمان المتعلم بعد العلاج الناجح بالتعرض، وبالتالي تركز الت.م.ا في نموذج التعلم المثبط على تعلم تحمل الضيق والانزعاج بدلاً من التعود - أي على تعليم المرضى أن أفكارهم الوسواسية ومخاوفهم وشكوكهم يمكن تحملها وأن القهور ليست ضرورية للتعامل مع الضيق، ويتمثل هدف الت.م.ا في تعلم أن خبرة الكرب يمكن تحملها -بدلاً من أن تهدف إلى الانخفاض العام في القلق- ومساعدة المرضى على إنشاء وتعزيز ارتباطات جديدة مثبطة للخوف تنافس الارتباطات المخيفة الأقدم.
وانطلاقا من هذا الفهم الجديد للفاعلية العلاجية للت.م.ا قدمت كراسك وآخرون (Craske, et al., 2014) عدة استراتيجيات علاجية تستهدف تحسين فعالية الإجراءات المتبعة في الت.م.ا. ضمن نموذج التعلم المثبط للانطفاء، لتكون أكثر نجاحا مع العملاء القلقين وبطرق تختلف عن نهج "اعتياد الخوف" Fear Habituation ونهج "نفي المعتقد" Belief Disconfirmation المعتادين ضمن طرق العلاج السلوكي المعرفي القياسية، وهي الاستراتيجيات الجديدة ضمن نموذج التعلم المثبط Inhibitory Learning للانطفاء، وإن كان منظورهم هذا مبنيا على العمل الأساسي الذي قام به بوتون وزملاؤه قبل 4 سنوات من مقترحات مجموعة كراسك سنة 2008 (Bouton, et al., 2004).
ومن السمات الأساسية الشائعة عبر كل تقنيات نظرية التعلم المثبط التي سنعرضها أنه بدلاً من تعليم المرضى المقاومة أو التحكم أو تخفيض خوفهم أو قلقهم أو وساوسهم، فإن هذه التقنيات تعزز الانفتاح تجاه هذه الخبرات باعتبارها عالمية وحتمية وغير مهددة (أي تعلم تحمل الخوف Fear Tolerance). وتشبه هذه الفكرة التعرض في إطار العلاج بالرضا والالتزام Acceptance and Commitment Therapy حيث يمكن تصور التعرض على أنه تمارين سلوكية لتسهيل المرونة النفسية (أي الاستعداد لتجربة القلق والوساوس) (Twohig et al., 2018).... كما تسلط نظرية التعلم المثبط الضوء أيضًا على الميزة العلاجية لتعلم تحمل الكرب (أو الضيق أو الخوف) Distress Tolerance والذي يعني قدرة الفرد على تحمل الحالات الجسدية والعاطفية المكروهة (Simons & Gaher, 2005) إذ يعتبر تعلم تحمل الكرب هدفا مهمًا في الت.م.ا من هذا المنظور، ويختلف عن خفض الكرب أو الضيق في نموذج الت.م.ا من منظور التعود، فبينما يشجع المريض والمعالج تخفيض القلق في الت.م.ا للتعود فإنهما يهتمان بتعلم تحمله في الت.م.ا للتعلم المثبط، بل إن بعض المرضى يولدون روابط مثبطة (وهو هدف العلاج) إلى الحد الذي يجعلهم يستمرون في مهام التعرض أو الأنشطة اليومية الأخرى على الرغم من الشعور بالقلق. ولا يقتصر التحمل المتزايد للكرب أو الضيق على زيادة الكفاءة الذاتية للتعامل مع مهام التعرض فحسب، بل إنه يقلل أيضًا من احتمالية أن يتراجع المريض ويلجأ لسلوكيات الأمان ذات النتائج العكسية على المدى الطويل (Blakey & Abramowitz, 2016).
وبينما تركز الت.م.ا التقليدية على تحسين الأداء ومهاراته المختلفة أثناء التعرض مقابل انخفاض القلق وصولا إلى اعتياده ويعتبر تحسن الأداء علامة على الفاعلية أو الكفاءة الشخصية لمناجزة المواقف المشابهة في الحياة، وهو ما يعزز وهم الكفاءة Illusion of Competency لدى العميل بينما لا يتنبأ بأدائه الحقيقي على المدى البعيد (Bjork, 2004) حيث يبدو أن العملاء يتصورون تمكنهم من السيطرة لأنهم يسيئون تفسير المؤشرات الموضوعية والذاتية لأدائهم منخدعين بنجاحاتهم أثناء التدريب، بينما واقعيا قد يظل هذا التصور وهمًا لأن تقليل الخوف خلال علاج التعرض ليس مؤشرًا جيدًا للتأثيرات طويلة المدى للعلاج بالتعرض فهناك إمكانية لعودة الخوف عند حدوثه في سياق جديد. في حين أن إجراءات التعرض التي تقدم صعوبات، مثل الممارسة المتغيرة للت.م.ا في ظروف متباينة، قد تعزز التعلم على المدى الطويل (رغم احتمال إبطاء معدل انخفاض الخوف ومعدل زيادة الفعالية الذاتية خلال علاج التعرض)، كما أن نهج "الصعوبة المرغوبة" في علاج التعرض يتسق مع قيمة تحمل الخوف بدلاً من التركيز على تقليل الخوف أثناء الت.م.ا.
تشمل استراتيجيات تحسين التعرض: | |
Expectancy violation | 1) خرق التوقعات |
Deepening Extinction | 2) تعميق الانطفاء |
Occasionally Reinforced Extinction | 3) الانطفاء المعزز عَرَضِيا |
Removing Safety Signals | 4) إزالة إشارات الأمان، |
Variability & Multiple Contexts | 5) التنوع والتباين |
Retrieval Cues | 6) إشارات الاسترجاع |
Affect Labeling | 7) وصف المشاعر |
لهذا السبب يتم التدريب على تحمل الكرب (الضيق أو الخوف) في سياق نظرية التعلم المثبط من خلال إدخال "الصعوبات المرغوبة" في تنفيذ الت.م.ا وبطرق مختلفة، مثلا (الجمع بين إشارات الخوف المتعددة أثناء تجربة التعرض) إذ يمكن اعتبار مثل هذه الاستراتيجيات "صعوبات" لأنها تقدم تحديات إضافية للمريض أثناء تجارب التعرض وغالبًا ما تبطئ معدل التعود على الخوف داخل وبين الجلسات. لكنها في نفس الوقت "مرغوبة" لأنها من طرق نظرية التعلم المثبط لتعظيم التعلم طويل الأمد من خلال تقديم تحديات العالم الحقيقي كما يمكن أن تحدث (ومنها المفاجأة بعكس المتوقع) ولذلك فائدة إضافية تتمثل في تعظيم استرداد المعلومات المكتسبة حديثًا. ويُعتقد أن هذه الصعوبات المرغوبة تقوي تحمل الخوف (Craske et al., 2008)، حيث يتعلم المرضى أن الخوف هو فرصة لممارسة مناجزة الضيق، بدلاً من علامة الانتكاس أو الفشل أو الإخفاق.
ويبين تأمل الاستراتيجيات الجديدة المقترحة للت.م.ا ضمن إطار نظرية التعلم المثبط أنها تعتمد على هدفين أساسيين هما خرق أو انتهاك التوقعات السلبية لدى المريض، وتكوين وتعميم الارتباطات المثبطة وتسهيل استرجاعها من الذاكرة، فخرق الوقعات رغم كونه أول الاستراتيجيات المحتملة إلا أنه كذلك يشرح استرتيجيات غيره وينتج عن تفعيل استراتيجيات غيره، فعن طريق خرق التوقعات بشكل متكرر وفي مجموعة متنوعة من السياقات (مثلا، مع المعالج، مع الأسرة، منفردًا). يتم تعميم الاتباطات المثبطة (كما سنفصل في مقالات منفصلة لكل استراتيجة)، وكذلك يهدف وصف المشاعر وإشارات الاسترجاع وتعديد السياقات وتعميق الانطفاء إلى تقوية وتعميم الارتباطات المثبطة وتسهيل استرجاعها...... أي أن التداخل والتكامل يبدو واضحا بين الاستراتيجيات التي قدمتها نظرية التعليم المثبط، فضلا عن كون خرق التوقعات آلية مركزية أو تكاد، بينما هناك ما يشير إلى إمكانية التعلم المثبط ونجاح العلاج بالتعرض دون وجود خرق للتوقعات مثلا في حالات الرهاب المعين عندما يتم التعرض في الواقع الافتراضي (2019 ,Scheveneels) فرغم عدم وجود أي توقع لخطر حقيقي بما يسمح بخرق التوقعات عندما لا يحدث الخطر فإن التعرض ينجح إكلينيكيا، وعلى كل فإن الاستراتيجيات التي ستعرض في المقالات التالية كلها ما تزال غير مسندة بعد Not Evidence Based وما تزال الدراسات التي ستؤهلها للتمتع بالإسناد المطلوب تجري على قدم وساق.
وأخيرا فرغم أن نظرية التعلم المثبط تستمد المصداقية من فرضية أن توصياتها تستند إلى نماذج تكوين ارتباط (رياضية) مثل نموذج ريسكورلا-فاجنر (Rescorla & Wagner ، 1972) إلا أننا لا نجد كل التنبؤات التي قدمتها نظرية التعلم التثبيطي متماشية من الناحية النظرية مع هذا النموذج، أولاً ، يصعب تفسير التنبؤ بأن التعرض العشوائي سيكون أكثر نجاحًا من التعرض الهرمي من الناحية النظرية دون تضمين افتراضات إضافية حول كيفية تعميم التعلم من محفز إلى آخر، ولا تحدد نظرية التعلم المثبط مثل هذه الافتراضات. وإذا تم استخدام نفس المجموعة من المحفزات، فإن نموذج ريسكورلا-فاجنر -بدون هذه الافتراضات الإضافية- يتوقع أن الناتج الصافي لخرق التوقعات أو القوة المثبطة سيكون هو نفسه، بغض النظر عما إذا كانت هذه المحفزات مقدمة بترتيب عشوائي أو هرمي، كما أن تنبؤ نظرية التعلم المثبط بأن التباين في الاستجابة أثناء التعرض يرتبط بنتائج علاج محسنة. لا يتماشى مع نموذج ريسكورلا-فاجنر، والذي يتنبأ بأن حدوث استجابة عالية في تجربة معينة يسمح باكتساب قوة تثبيط. لكن تكرار هذا (أي عدة زيادات ونقصان في الاستجابة) لا يؤدي إلى زيادة قوة التثبيط، كذلك فإن الأثر الإيجابي لوصف أو تسمية المشاعر (Niles, et al., 2015) والتنبؤ بأن إعطاء المريض معلومات تختص بأمان التعرض يؤثر سلبا على نتيجة العلاج، لا علاقة له بنموذج ريسكورلا-فاجنر.
المراجع:
1- Craske MG, Kircanski K, Zelikowsky M, Mystkowski J, Chowdhury N, Baker A. (2008). Optimizing inhibitory learning during exposure therapy. Behav Res Ther. 2008;46 (1) :5–27.
2- Tsao JCI, Craske MG. (2000).Timing of treatment and return of fear: effects of massed, uniform-, and expanding-spaced exposure schedules. Behav Ther. 2000;31(3):479–497. doi:10.1016/S0005-7894(00)80026-X
3- Craske, M.G., Treanor, M., Conway, C., Zbozinek, T., Vervliet, B., (2014). Maximizing Exposure Therapy: An Inhibitory Learning Approach, Behaviour Research and Therapy (2014), doi: 10.1016/j.brat.2014.04.006.
4-Bouton, M. E. (2004). Context and behavioral processes in extinction. Learning & Memory, 11(5), 485–494. https://doi.org/10.1101/lm.78804
5- Twohig MP, Abramowitz JS, Smith BM, et al. (2018). Adding acceptance and commitment therapy to exposure and response prevention for obsessive-compulsive disorder: a randomized controlled trial. Behav Res Ther. 2018;108:1–9. doi:10.1016/j.brat.2018.06.005
6- Simons, J. S., & Gaher, R. M. (2005). The Distress Tolerance Scale: Development and validation of a self-report measure. Motivation and Emotion, 29, 83-102.http://dx.doi.org/10.1007/s11031-005-7955-3\
7- Blakey, S. M., & Abramowitz, J. S, (2016). The effects of safety behaviors during exposure therapy for anxiety: Critical analysis from an inhibitory learning perspective. Clinical Psychology Review, 49, 1-15. http://dx.doi.org/10.1016/j.cpr.2016.07.002
8- Bjork, R. A. (2004). Memory and metamemory considerations in the training of human beings. In J. Metcalfe, & A. Shimamura (Eds.), Metacognition: Knowing about knowing (pp. 185–205). Cambridge, MA: MIT Press.
9- Scheveneels, S., Hermans, D., & Boddez, Y., (2019). Optimizing exposure herapy strengths and limitations of the extinction model. unpublished Doctorate thesis in Psychology. Centrum leerpsychologie en experimentele psychopathologie. College of Experimental Psychology And educational sciences. Katholieke Universiteit Leuven.
10- Rescorla, R. A., & Wagner, A. R. (1972). A theory of Pavlovian conditioning: Variations in the effectiveness of reinforcement and nonreinforcement. In A. H. Black & W. F. Prokasy (Eds.), Classical conditioning II (pp 64-99). New York: Appleton-CenturyCrofts.
11- Niles, A, N., Craske, M. G., Lieberman, M. D., & Hur, C. (2015). Affect labeling enhances exposure effectiveness for public speaking anxiety. Behaviour Research and Therapy,68, 27-36. doi:10.1016/j.brat.2015.03.004
ويتبع >>>>>> : توجهات جديدة في الت.م.ا خرق التوقعات (3)
واقرأ أيضًا:
علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية الإكلينيكية2 / علاج و.ل.ت.ق علاج التردد الوسواسي