توجهات جديدة في الت.م.ا تعميق الانطفاء (4)
3) الانطفاء المعزز عرضيا (أحيانا) Occasional reinforced extinction:
من المتواتر أثناء التطبيق العملي للعلاج بالت.م.ا حدوث "أشياء سيئة" في سياق تنفيذ الت.م.ا وهذا يعني أن خرق التوقعات يحدث في الاتجاه المعاكس (أي تقوية ارتباط الم.م- الم.غ.م بدلا من إضعافه). فمثلا، قد يصاب مريض و.ت.غ.ق بالفعل بمرض جسدي مثل فيروس معدي (الم.غ.م) بعد فترة وجيزة من الانخراط في الت.م.ا التي تركز على التلوث، أو قد تفاجئه نوبة هلع تلقائية أثناء التعرض سواء أثناء الجلسات أو ما بين الجلسات، أو قد يتعرض مريض رهاب اجتماعي لموقف رفض أو ارتباك شديد وفي مثل هذه الحالات، يقال إن الارتباط الاستثاري الأولي بين المحفز الم.م والم.غ.م قد تم تعزيزه جزئيًا.... كذلك في حالة القلق الاجتماعي وحالات اضطراب الهلع ورهاب الساح، كثيرا مثلا ما ينتكس الفرد بعد نجاح الع.س.م في إطفاء استجابة الخوف في المواقف الاجتماعية أو الأماكن المفتوحة بعد تعرض واحد لاحق لنتيجة سلبية في موقف اجتماعي (كالرفض أو التقييم السلبي) أو لنوبة هلع مفاجئة إذ تعود استجابة الخوف بسرعة، ويستنتج حسب الفهم التقليدي للت.م.ا أن هذا التعرض لارتباط الم.م- الم.غ.م سيجعل تعلم الانطفاء أصعب أي أنه سيضعف الانطفاء... هكذا كان يشيع الفهم بين ممارسي الت.م.ا.
إلا أن الأدلة المستمدة من الأبحاث المختبرية في آليات التعلم المثبط تشير إلى أن مثل هذا الانطفاء المعزز أحيانا قد يعمل في الواقع على تقوية الانطفاء وبالتالي تعزيز الوصول المتزايد إلى الارتباط الشرطي المثبط (Woods & Bouton, 2007). فقد وجد وُودْز وبَوْتون أن الفئران التي أعطيت معززا عرضيا (الم.غ.م) أثناء مرحلة تعلم الانطفاء- أي عندما وجدت الفئران نفسها في سياق لم يكن فيه الم.م مقترنًا بالم.غ.م، بعد مرحلة اكتساب أولية - أظهرت معدلات أبطأ بكثير في استعادة الخوف مقارنة بالفئران التي لم تشهد انطفاءًا معززًا أحيانا. وهناك تقنية أخرى تبطئ بشكل ملحوظ إعادة الاكتساب في الفئران، وتتضمن أيضًا حدوث الم.غ.م أثناء الانطفاء، ولكن دون تقديم الم.غ.م بشكل طارئ مع الم.م؛ وإنما لا يتم إقران الم.غ.م بإشارة. ويؤدي حدوث الم.غ.م أثناء الانطفاء إلى إبطاء عملية إعادة الاكتساب من خلال آلية مشابهة لتلك الموصوفة للانطفاء المعزز عرضيا (Vervliet, et al., 2010).
ما هي آليات عمل الانطفاء المعزز عرضيا ؟
هناك ثلاث آليات مقترحة لتفسير تأثير التعزيز العرضي أثناء تعلم الانطفاء في بلورة وتقوية الانطفاء والتي تترجم إلى إبطاء استعادة الخوف بعد العلاج بالت.م.ا وتتعلق تلك الآليات إما بتأثير التعزيز العرضي على سياق التعلم، أو على التوقع بخرق التوقع أو على شدة وبروز المحفز المشروط. لكنها كلها تجمع على أن حدوث الم.غ.م في سياق الانطفاء يجعل منه إشارة إلى تجارب الانطفاء القادمة وليس فقط تجارب الاكتساب السابقة، وهو ما يؤدي إلى إبطاء عملية إعادة الاكتساب أو استعادة الخوف.
تأثير سياق التعلم:
يرجع بوتون وزملاؤه (Bouton, et al., 2004) فائدة التعزيز العرضي للانطفاء إلى تأثير السياق على التعلم أو كون التعلم يتأثر بالسياق الذي تحدث فيه المحفزات، إذ يُعتقد أن مدى وصول الكائن الحي إلى رابطة الم.م- الم.غ.م المثبطة تعتمد بشكل كبير على السياق. فإذا تم تطوير الارتباط التثبيطي (م.م-لا م.غ.م) في سياق خالٍ تمامًا من الم.غ.م فمن المرجح أن يفسر الكائن الحي ظهور الم.غ.م لاحقا بأنه إشارة إلى العودة إلى سياق التشريط القديم، أي الارتباط الاستثاري بين المحفزين المشروط وغير المشروط. بالتالي فإن حدوث م.غ.م "يهيئ الفرصة" للانتكاس لأنه لا يحدث إلا في سياق الاكتساب. لكن عندما يتم تقديم الم.غ.م أحيانا في سياق تعلم الانطفاء (مرات كثيرة لا يقترن فيها الم.م بالم.غ.م مقابل مرات عرضية يقترن فيها الم.م بالم.غ.م)، فإن الكائن الحي يمكن أن يدمجه بشكل أساسي كجزء من سياق الانطفاء. وبالتالي يتعلم الكائن الحي أن حدوث الم.غ.م ليس بالضرورة عودة إلى الارتباط الاستثاري وبدلاً من ذلك يهيئ الفرصة لمزيد من الانطفاء، وبالتالي يظل الوصول إلى الارتباط التثبيطي للم.م والم.غ.م ممكنا (Woods & Bouton, 2007). لأن إقران الم.م- الم.غ.م بعد الانطفاء يصبح أكثر غموضًا ويؤدي هذا الغموض إلى إبطاء معدل إعادة الاكتساب.
تأثير خرق التوقعات:
كذلك تفسر الآثار المفيدة للانطفاء المعزز أحيانا تحت مظلة خرق التوقعات وقد نفكر على نطاق واسع في نقطتين يحدث عندهما خرق التوقعات (Krompinger et al., 2018). يحدث الأول عندما يتم إدخال المحفز غير المشروط "م.غ.م"، بالنظر إلى أن المريض أصبح يتوقع أن "م.غ.م" لا يتبع المحفز المشروط "م.م" لأنه شارك في علاج التعرض لفترة من الوقت. ويزيد خرق التوقع بهذه الطريقة من بروز الم.م وقد يظنه المريض عودة إلى سياق التحفيز القديم (أي، الارتباط الاستثاري بين المحفزين المشروط وغير المشروط)، إلا أن عدم تكرار ذلك (لعدم حدوث الم.غ.م) يمثل الخرق الثاني للتوقع، ليصبح التعلم أن الم.م يرتبط أحيانا وليس دائما بالم.غ.م، والأهم هو أن الاتصال المستمر (خلال التعرض) للمريض مع الم.م دون تحاشيه رغم حدوث الم.غ.م القديم، يعني أن الم.م يرتبط بالعديد من المحفزات غير المشروطة، فمثلا، يجد المريض الذي يصاب بمرض جسدي (الم.غ.م) بعد التعرض للمس جدران أو أحواض الحمامات العامة أن الانخراط المستمر في مثل هذه التعرضات يكشف أن المرض نادر الحدوث نسبيًا وهذا خرق للتوقع. علاوة على ذلك، قد يجد المريض أن المرض (الآن الم.م) لا يؤدي إلى دخول المستشفى أو الموت (الم.غ.م) وهذا خرق للتوقع.
تأثير شدة وبروز المحفز المشروط:
كذلك يمكن تفسير فائدة الانطفاء المعزز أحيانا في إطار نموذج التعلم التشريطي الكلاسيكي حيث يتناسب التعلم في أي تجربة معينة طرديا مع شدة الم.م، وبروز الم.م، وشدة الم.غ.م، وبالتالي يقترح بيرس وهال (Pearce & Hall, 1980) أن بروز الم.م في أي تجربة معينة يعتمد على مدى مفاجأة النتيجة في التجربة السابقة. وبالتالي فإنه بعد عدة تجارب غير معززة أثناء الانطفاء، ستكون التجربة المعززة مفاجئة بشكل خاص. وبالتالي، يزداد بروز الم.م إلى أقصى حد في التجربة التالية، وعندما لا يحدث الم.غ.م، سيتم تعظيم التعلم بشأن علاقة الم.م – لا م.غ.م وقد يوفر هذا التعلم المعزز لعلاقة الم.م –لا م.غ.م الحماية من سرعة استعادة الخوف في المستقبل، وبصرف النظر عن أن الانطفاء المعزز أحيانا يبطئ الاكتساب السريع للانطفاء، فإنه يفتح مزيدًا من الفرص لخطأ التنبؤ أو خرق التوقع (في التجارب اللاحقة عندما لا يحدث الم.غ.م) وكما في الدراسات على الحيوانات، أدى الانطفاء المعزز أحيانا إلى زيادة استثارة الخوف أثناء الانطفاء، ولكنه قلل من اكتساب الخوف لاحقًا في دراسة على الإنسان (Culver, et al., 2017).
ومن الواضح أن خرق التوقع فضلا عن كونه استراتيجية قائمة بذاتها، وهو الاستراتيجية الأولى لنموذج التعلم المثبط، إلا أنه يقدم كذلك تفسيرا لاستراتيجية تعميق الانطفاء واستراتيجية الانطفاء المحفز عرضيا أو أحيانا، فتعميق الفارق بين المتوقع في وجود أكثر من م.م والواقع (لا م.غ.م) لتعميق الانطفاء هو خرق للتوقع وكذلك تضمين الم.غ.م ضمن سياق تعليم الانطفاء (المعتمد على السياق) هو خرق للتوقع، مثلما هو إحداث المفاجأة لإبراز الم.م ثم عدم حدوث الم.غ.م هو خرق للتوقع ... أي أن كل النماذج التفسيرية لتعميق الانطفاء وللانطفاء المعزز أحيانا تشمل خرقا للتوقع بشكل أو بآخر، لكن ورغم ذلك يمكن تنفيذ الإجراء دون مطالبة العملاء تحديدًا بتوصيف توقعاتهم مسبقًا (وهو ما يشترط في استراتيجية خرق التوقعات) وبالتالي، فإن كلا من تعميق الانطفاء والانطفاء المعزز عرضيا يمثل طريقة أخرى يمتد بها نهج التعلم المثبط إلى ما وراء التجارب السلوكية بغرض نفي المعتقد.
التطبيق السريري للانطفاء المعزز أحيانا
لعل ترجمة الانطفاء المعزز أحيانا من الأبحاث المختبرية (على الحيوان أو البشر) إلى الممارسة السريرية مع المرضى تبدو الأكثر صعوبة بين استراتيجيات تحسين الت.م.ا خاصة إذا أردنا أن نكون كممارسين للت.م.ا مسيطرين على إجراءات التعرض قدر استطاعتنا والحقيقة أن هذا غير ممكن التحقق لا خلال فترة العلاج (جلسات التعرض وما بين الجلسات) إلا للمعالجين داخليا في مراكز العلاج النفسي، ولا هو ممكن بعد فترة العلاج لأن لا سيطرة للمعالج على العالم والأحداث.... ومن المفيد الانتباه إلى أن الطريقة الأمثل لإحداث الانطفاء المعزز عرضيا هي عدم وضع قيود تمنع تعرض المريض لما يتوقع منه الأثر العكسي على عملية العلاج فكثيرا ما تكون لذلك فوائد جمة .... ومن الأمثلة التوضيحة على ذلك ما كنت أمارسه مع مرضاي لما يقارب العقدين حين أطلب منهم قراءة الحالات المشابهة ضمن الاستشارات على موقع مجانين، والقراءء عن المرض وعن موضوع المرض مثلا وسواس كذا..... كثيرون منهم كانوا وذويهم يبدون تخوفا من ذلك فلم أكن ألح ... وإنما أؤجل إلى مرحلة لاحقة من العلاج لأنني كنت أرى أن قراءة ما يخالف ما يتعلمه المريض معي أثناء العلاج حتى لو أدى إلى تفاقم الأعراض فإن لذلك فائدتان الأولى هي تعلم التفكير من أكثر من منظور، والثانية هي تعلم التعامل مع ما قد يظهر بعد العلاج مثل وسواس جديد أو متعلق بالقديم أو فتوى مخالفة لما بنينا عليه العلاج ...إلخ، فظهور شيء أو أكثر من ذلك أثناء العلاج أفضل من ظهوره بعد انتهاء العلاج كنت أقول ذلك للمرضى، وكنت أعرف أن ذلك يصعب المهمة العلاجية بشكل عام لكنني كنت أراه مهما لتعليم المريض مناجزة أفضل لاضطرابه.... هذا التعزيز العرضي أثناء فترة الانطفاء كان يحدث مع كثيرين من المرضى دون تخطيط مسبق (في أغلب الأحوال لا نقدر عليه) وإنما هو فقط نتيجة المعرفة بأن العلاج المبقي على أي مستوى من التحاشي ليس علاجا حقيقيا ولا دائم النتائج... وبعد فترة من تلك الممارسة أصبحت أحدد للمريض اسم استشارة معينة أو مقال معين... وأنا أعرف مسبقا بصدمته ورجوعه إلي وقد ألهبه الشك ... ثم نواصل العمل، وغالبا ما كان الهدف من التحديد تيسير العمل (لأنني أعرف ما سيدور برأسه بعد هذا التعرض المخطط) فضلا عن توفير الوقت.
من الممكن كذلك أن يكون التعزيز العرضي مخططا له ومدبرا من قبل المعالج السلوكي المعرفي (الم.س.م) فمثلا يمكن إضافة الرفض الاجتماعي العرضي في حالات التعرض العلاجي للمواقف الاجتماعية، أو التحريض المتعمد لنوبات الهلع (مثلا، عن طريق مواد مثل اليوهمبين) في حالات التعرض لحالات الخوف من اضطراب الهلع... كما أن كثيرا من العمل مع مرضى الوسواس القهري سنفرد له مقالة مستقلة، كما تمثل ظاهرة الانطفاء المعزز عرضيا مبحثا مهما في ميدان الإدمان السلوكي واستعمال المواد الإدمانية، وكذا البدانة فمثلا أثناء الحمية المنحفة (الريجيم) قد يجد الشخص الذي يتبع عقلية مفادها أن أيًا من الأطعمة السريعة أو جميعها محظورة تمامًا (أي انطفاء صارم غير معزز بالمرة) أن مثل هذا النظام الغذائي "ينهار" خلال العطلات بمجرد تناول الشريحة الأولى من فطيرة البيتزا، في حين أن الشخص الذي يسمح لنفسه "بالغش" العرضي في الأكل (أي انطفاء معزز أحيانا) قادر على الحفاظ على نظامه الغذائي لفترات أطول، وهناك ما يفسر ويثبت ذلك في الفئران والإنسان (van den Akker, et al., 2015).... ثم بالقياس والتجريب الإكلينيكي فإن ممارسة الاستمناء أحيانا استجابة للمحفز المشروط (أو الطبيعي) تجعل محاربي العادة السرية أكثر قدرة على البقاء دون ممارسة.... وأقل قابلية للوقوع في نوبات الاستمناء القهري النوبي المتكرر.
المراجع:
1- Woods, A. M., & Bouton, M. E. (2007). Occasional reinforced responses during extinction can slow the rate of reacquisition of an operant response. Learning and Motivation, 38(1), 56–74. https://doi. org/10.1016/j.lmot.2006.07.003
2- Vervliet, B., Vansteenwegen, D., & Hermans, D. (2010). Unpaired shocks during extinction weaken the contextual renewal of a conditioned discrimination. Learning and Motivation, 41(1), 22e31. http://dx.doi.org/10.1016/j.lmot.2009.08.
3- Bouton ME, Woods AM, Pinen˜o O. (2004). Occasional reinforced trials during extinction can slow the rate of rapid reacquisition. Learn. Motiv. 35, 371 – 390. (doi:10.1016/j.lmot.2004.05.001)
4- Krompinger JW, Van Kirk NP, Garner LE, Potluri SI & Elias JA (2019). Hope for the Worst: Occasional Reinforced Extinction and Expectancy Violation in the Treatment of OCD, Cognitive and Behavioral Practice (2019), Volume 26, Issue 1, February 2019, Pages 143-153 https://doi.org/10.1016/j.cbpra.2017.12.002
5- Pearce, J.M. & Hall, G. (1980). A model for Pavlovian learning: Variations in the effectiveness of conditioned by not of unconditioned stimuli. Psychological Review, 87, 532-552.
6- Culver NC, Stephens S, Fanslow M, Craske MG. (2017). Building physiological toughness: some aversive events during extinction may attenuate return of fear. J. Behav. Ther. Exp. Psychol. 58, 18 – 28. (doi:10.1016/j.jbtep.2017.07.003)
7- van den Akker K, Havermans RC. & Jansen A (2015). Effects of occasional reinforced trials during extinction on the reacquisition of conditioned responses to food cues. J. Behav. Ther. & Exp. Psychiat. 48 (2015) 50e58
ويتبع >>>>>> : توجهات جديدة في الت.م.ا منع علامات أو سلوكات التأمين (6)
واقرأ أيضًا:
علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية الإكلينيكية2 / علاج و.ل.ت.ق علاج التردد الوسواسي