لا تقتصر أهمية الاكتئاب على الطب النفساني فقط وإنما في جميع الفروع الطبية والجراحية، ومن الواجب على كل طبيب إتقان المهارات لتشخصيه وعلاجه. يحتل الاكتئاب المركز الأول بعد أمراض القلب كسبب لعجز الإنسان الوظيفي في جميع أنحاء العالم.
هناك الإجماع العام بأن اضطراب الاكتئاب الجسيم الذي يتم علاجه في مراكز الصحة العقلية أكثر انتشاراً بين عمر ٤٠ – ٦٠ عاماً، ويصيب ٦٪ من السكان تقريباً. الاضطراب أكثر انتشاراً في الإناث مقارنة بالذكور، ولكن هذا الفارق بين الجنسين يختفي تقريباً بعد عمر ٦٠ عاماً. ولكن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن الاكتئاب أكثر انتشاراً بين عمر ١٥ – ٢٤ عاماً. الدراسات الأخيرة تتحدث عن أعراض اكتئابية أو الشعور بالاكتئاب، وقوتها العلمية والإحصائية ربما أقل من الأولى.
مصطلحات الاكتئاب
اضطرابات المزاج والوجدان واحدة ويتم استعمال مصطلح المزاج Mood هذه الأيام أكثر من مصطلح الوجدان Affect للإشارة إلى هذه الاضطرابات. المزاج لا يتذبذب كثيراً في الْيَوْمَ ولكل إنسان ذبذبته الخاصة به والتي تعرف شخصيته بنفسه أو من قبل الآخرين. هذا الحالة المزاجية يتم تعريفها سوائية المزاج Euthymic Mood.
مزاج الإنسان ينخفض أحياناً وهناك مصطلح نادر الاستعمال هذه الأيام وهو مزاج منخفض Hypothymic Mood. كان يتم استعمال هذا المصطلح للتعبير عن الكآبة والحزن أو اضطراب الاكتئاب. أما هذه الأيام فالمصطلح هو الاكتئاب Depression.
وهناك مصطلح آخر يتم استعماله أكثر انتشاراً من الثاني وهو اكتئاب طفيف Dysthymia طويل المدى.
أعراض الاكتئاب
الحديث عن الاكتئاب لا يقتصر فقط على مزاج الإنسان كما يشعر به وإنما يتطلب وجود أعراض أخرى والتي يمكن تصنيفها كالاتي:
المجموعة الأولى: لابد من وجود واحد منها أو كليهما ولفترة زمنية معقولة (أسبوعين) والتي يجب وجودها يومياً معظم الوقت وهي:
1- الشعور بالاكتئاب.
2- عدم القدرة على التلذذ أو الاستمتاع بأي نشاط.
المجموعة الثانية: يتم إضافة أربعة من هذه الأعراض لتشخيص الاكتئاب وهي:
1- تدهور التركيز والانتباه
2- تدني قيمة الذات والشعور بالذنب
3- فقدان الثقة بالنفس والشعور باليأس
4- تغيرات حركيّة من تهيج أو إعاقة
5- تغيرات النوم
6- تغيرات الشهية والوزن
7- الشعور بالتعب وانخفاض الطاقة
8- التفكير بنهاية الحياة أو الانتحار أو محاولة انتحار.
لا يمكن تفسير الأعراض بسبب استعمال عقاقير أو مواد كيمائية وكذلك بسبب فجيعة. إذا كانت الأعراض مصدرها الفجيعة فيجب أن تكون المدة أكثر من ٤ أسابيع للوصول إلى تشخيص الاكتئاب.
التعبير عن الاكتئاب
رغم وضوح الأعراض أعلاه ولكن الكثير من البشر لا يعبرون عن شعورهم بالاكتئاب للآخرين ولا يفكرون بمراجعة طبيب نفساني لعلاجه لأسباب عدة منها:
أولاً: الحرج الشخصي من الحديث عنه والخوف من وصفه بالضعف.
ثانياً: عدم قبول المقربين منه بالحديث عن الاكتئاب.
ثالثاً: القبول به كحالة طبيعية بسبب ظروف بيئية.
رابعاً: وصمة المرض النفساني أو العقلي.
خامساً: غياب التوعية الصحية.
سادساً: وضع الاكتئاب في إطار القلق فقط.
سابعاً: افتقار القابلية على التعبير عن المشاعر والعواطف والاستعاضة بأعراض جسدية مثل الألم أو الأوجاع المعوية ويتم استعمال مصطلح Alexithymia لوصفها.
ثامناً: يصاحب الاكتئاب دوما القلق والذي يتميز بأعراض جسمانية متعددة. بسبب ذلك نرى بأن الكثير من المصابين بالاكتئاب لا يراجعون مراكز الصحة النفسية ويتوجهون صوب الخدمات الطبية الأولية. المراكز الطبية الأولية بدورها تركز على الصحة الجسدية وترسل الكثير من المرضى المصابين بالاكتئاب صوب الخدمات الطبية الثانوية في مختلف الاختصاصات الطبية والجراحية. تنتهي رحلة البعض من المرضى في المراكز الأخيرة ويستلمون العلاج بعد الآخرين، ويتم إرسال البعض الآخر نحو المراكز الطبية النفسية. رحلة المراجع الطويلة عبر الاختصاصات الطبية لا تساعد على تلقي العلاج اللازم وكثيراً ما تؤدي إلى اكتئاب مزمن.
التحري عن الاكتئاب
بسبب جميع هذه الأسباب أصبح التحري عن الاكتئاب ضرورة طبية في جميع الاختصاصات. ما يحتاجه الطبيب هو توجيه الأسئلة التالية فقط:
السؤال الأول: خلال الشهر الماضي هل شعرت بالكآبة واليأس؟
السؤال الثاني: خلال الشهر الماضي هل شعرت بالضيق بسبب عدم الاهتمام أو فقدان المتعة في فعاليات الحياة؟
مهما كان المرض العضوي الذي يعاني منه الإنسان فيجب أيضاً توجيه الأسئلة التالية بالإضافة إلى الرئيسية أعلاه:
الشعور بعدم القيمة
ضعف التركيز
التفكير بنهاية الحياة
بعد ذلك يمكن التحري عن أعراض الاكتئاب الأخرى.
يجب توخي الحذر من التركيز على أعراض القلق مع الاكتئاب والوصول إلى تشخيص القلق بدلا من الاكتئاب. الحقيقة هي أن أعراض القلق الشديدة مرتبطة دوماً بعدم الاستجابة الكافية للعلاج وارتفاع احتمال الانتحار.
واقرأ أيضاً:
اضطراب الحزن المطول / روايات الحب التحليق في الفضاء الرومانسي