علاج سلوكي معرفي ع.س.م CBT الوسواس القهري الديني4
ثانيا: الوسوسة في التسمية.
عادة ما يتصاحب وسواس البسملة أو وسواس التسمية مع وسواس التكبير أو وسواس تكبيرة الإحرام وفي هذه الحالة تظهر الأعراض في صورة صعوبة النطق بالبسملة إضافة إلى التكرار، وأكثر ما تتعلق الوسوسة بالبسملة أو التسمية يكون في بداية الوضوء إذ لأنها مستحبة في مذاهب ثلاثة وواجبة في الرابع (الحنبلي) فإن الكل يتعلمها كسنة مستحبة أو واجب من واجبات الوضوء، ولا يشترط أن يكون المريض على علم باختلاف المذاهب ولا فرق المستحب من الواجب، وبالتالي فالغالبية يجهلون أن الوضوء يصح دون تسمية وبالتالي يستطيع الوسواس أن يجعلها ثقيلة عليهم، لذلك نجدهم يعانون من صعوبة البدء بالتسمية واستغراق وقت طويل للبدء بها، وغالبًا ينتج ذلك عن شروط يظنها المريض لازمة ويجب أن تكتمل قبل التسمية للبدء بالوضوء، مثل النطق مع استحضار النية ومثل عدم وجود أي شاغل في الذهن عدا التسمية للوضوء وينتج عن ذلك تكرارها مرة أو مرات أو عددًا معينًا من المرات حتى تقال كما يجب، وربما الشك في فعلها من عدمه، ثم تكرارها، وبعضهم يحتاج إلى مراقب يسمعها منه ثم يطمئنه أنه سمَّى بشكل صحيح، لكن هناك حالات تكرار قهري للبسملة (أو التسمية) في بداية الأكل وأثناءه وهنا لا نجد إلا التكرار دون الصعوبة في نطق بسم الله، وغالبا ما يبرر المريض ذلك بأنه نسي هل قال بسم الله أم لم يقل؟
ومن المهم الإشارة إلى أن صعوبة البدء بالتسمية أو البسملة واستغراق وقت طويل للبدء بها ليست بالضرورة علامة على وساوس وقهور البدايات فهناك من يتأخر للقيام ببعض الإجراءات الاستباقية مثل عصر البطن أو ضبط السبيلين خوفا من خروج الريح أو النقطة أثناء الوضوء وهؤلاء يصنفون ضمن وساوس المبطلات.
وفيما يخص التناول العلاجي فإنه يبدأ من الناحية المعرفية بشرح الموروث الفقهي للبسملة، فقد اختلف الفقهاء لا فقط في حكم البسملة عند الوضوء كما بينا أعلاه، وإنما حتى في صيغة البسملة فقصرها الحنابلة على قول "بسم الله" وأجاز المالكية والشافعية قول: "بسم الله" أو قول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، في حين وسعها الحنفية لتصح بقول أي ذكر يدلّ على البسملة، كالتسبيح والتهليل وغيرها ممّا يقوم مقامها، وأفضلها قول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، ويجب أن يعرف المعالج تفسير حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا صلاةَ لمن لا وضوءَ لَهُ، ولا وضوءَ لمن لم يذكرِ اسمَ اللَّهِ تعالى عليهِ) صدق عليه الصلاة والسلام. إذ لم يأخذ بظاهر الحديث إلا الحنابلة بينما فسره جمهور المالكية والشافعية والحنفية بأن النفي في الحديث ليس نفي صحة وإنما نفي كمال، وبالتالي تكون البسملة مستحبة لا واجبة واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) صدق الله العظيم [آية ٦ سورة المائدة] فقد ذكر الله الوضوء ولم يذكر التسمية.... ويدور النقاش وصولا إلى: البسملة قبل الوضوء أو الأكل ليست واجبة، بل هي سنة مستحبة... فإن لزمك الوسواس فيها وجب عليك تركها، فإن كان الموسوس حنبلي المذهب وضحنا له أن على الموسوس الخلط بين المذاهب بتحري الأيسر بما يعينك على الوسواس بغض النظر عن المذهب.
وأما من الناحية السلوكية فليس المطلوب ترك البسملة في أول الوضوء أو الأكل وإنما هو التدرب على إهمال الشروط القبلية والبسملة فورا دون مراقبة وبصوت غير مسموع، كذلك منع الشروط البعدية ومنع التذكر وحظر التكرار... ولو بالتدريج، أي أننا رغم الفرشة المعرفية المريحة والتي تثبت صحة الوضوء دون بسملة لا نطلب من المريض الامتناع عن التسمية وإنما نساعده أن يكون قادرا على البسملة بشكل طبيعي في أول الوضوء وقادرا كذلك على أن يتوضأ دون البسملة لتتفيه الوسواس.
ثالثا: الوسوسة في اتجاه القبلة للصلاة.
وهذا الشكل من الوسواس قد يسبق الدخول في الصلاة فيكون في فرط التحري والقياس في كل مسجد أو كل مكان، وحتى في بيته قد يفرط الموسوس قبل كل صلاة في إجراءات ضبط اتجاه سجادة الصلاة إلى القبلة (وكأن اتجاه السجادة هو المؤثر) بما في ذلك اتجاه الخيوط في طرف السجادة جهة السجود فيجب أن تتجه الخيوط متوازية إلى القبلة، ومنهم من يقول لك إنه لن يستطيع التركيز في الصلاة أو الاسترخاء أثنائها إن لم يضبط وضعية الصلاة!
كما يمكن أن يحدث وسواس اتجاه القبلة بعد الدخول في الصلاة، بين من يكتشف أنه صلى في اتجاه خطأ-حسب مفهومه الخاص-، ومن يخشى أن التفاته و/أو حركته أثناء الصلاة ضيعت منه القبلة فتراه يرقب حركاته أثناء الصلاة خشية الانحراف عن القبلة، ومن هؤلاء من إن شك يعيد الصلاة خشية بطلانها، بل منهم من يعيد الصلاة فردا بعد جماعة لأنه يشك في قبلة إمام المسجد.
أما من الناحية الشرعية فقد نص الفقهاء على أن الانحراف اليسير عن القبلة لا يضر، وبَيَّنوا أن الانحراف الكثير هو الانحراف عن الجهة، والانحراف اليسير معناه أننا نصلي في نصف قوس (أي يسمح بالانحراف 45 درجة يمينا أو يسارا)، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، ما بين المشرق والمغرب قبلة يعني: بالنسبة إلى الشمال والجنوب، أما مَن كان في المشرق والمغرب فيُقال: ما بين الجنوب والشمال قبلة، والخلاصة هي أننا نصلي في نصف قوس، كما يبين الشكل أعلاه يبين ذلك فالانحراف المسموح به 45 درجة يمينا أو يسارا أي نصف قوس.
وأما من الناحية السلوكية فإن على المريض الامتناع تماما عن الاستجابة للوسوسة بالشك في القبلة أو التأكد منها ما دام مقيما في محل إقامته لأن في ذلك كثيرا من التعمق المذموم، وعليه في المساجد أن يصلي كما يصلي الإمام مع عدم الاستجابة للوسوسة بالبطلان أو الرغبة في تكرار الصلاة.
ويتبع>>>>>: علاج سلوكي معرفي ع.س.م CBT الوسواس القهري الديني6
واقرأ أيضًا:
وسواس التسمية ثم التكبير ثم وسوسة × وسوسة! / استشارات عن وساوس البدايات