الإرشاد والعلاج النفسي الإيجابي (Positive Psychotherapy (PPT
إن كثيرا من الباحثين والمعالجين النفسيين يتساءلون عن التدخلات الايجابية وما الجديد الذي يضيفه علم النفس الإيجابي وهل هي أقرب ما تكون للتثقيف والكلام التحفيزي، أم هي إعادة صياغة وكأننا نبيع شيئا قديما في علبة جديدة؟ والبعض ينتقد: إذا كان التركيز على نقاط القوة أليس من اللامبالاة تجاهل مشكلات الشخص؟ ألا يوجد خطر من أن مثل هذا النهج يمكن أن يضر العملاء؟ هل من المحتمل أن تكون التدخلات الإيجابية، في سياقات معينة، غير فعالة، أو حتى تسبب الضرر؟ هل أصبح علاجا عليه أدلة وبراهين علمية كي يتم الاعتماد عليه؟ ما علاقة علم النفس الإيجابي الكلينيكي بعلم النفس الكلينيكي؟ سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة.
بداية، التدخل عندما يوصف بأنه إيجابي لا يعني أن التدخلات العلاجية الأخرى سيتم اعتبارها سلبية ولا يتم رفض التدخل لمناجزة السلبيات أو الحد منها، ولكن الحديث هنا عن مدخل علاجي يرتكز على جوانب القوة ويستهدف إيقاظها والنهوض بها وتفعيلها في الحياة لتوليد مكونات السعادة من انفعالات إيجابية واستعادة الأدوار الوظيفية والأنشطة الإنتاجية وتكوين معنى وجودي للحياة. فالإيجابية وصف لاستخدام جوانب القوة وجوانب الإيجابية في ذات الشخص لتخفف معاناته ويستعيد عافيته.
الإرشاد والعلاج النفسي الإيجابي
وأُطلقت على هذا المنحى العلاجي عدة مسميات منها علم النفس الإيجابي السريري وعلم النفس الإكلينيكى الإيجابى positive clinical psychology والعلاج النفسي الإيجابي (Positive Psychology Therapy (PPT والعلاج ذو التوجه الإيجابي the positive -oriented treatment وتدخلات علم النفس الإيجابي Positive Psychology interventions أو التدخلات النفسية الإيجابية (positive interventions psychological (Afzali, 2017 ولذا فالعلاج النفسي الإيجابي هو أحد التدخلات العلاجية الإيجابية المرتبطة بعلم النفس الإيجابي التطبيقي.
العلاج النفسي الإيجابي هو التطبيق المباشر لعلم النفس الإيجابي في المجال الكلينيكي وقد تم تطويره والتحقق منه تجريبيا في جامعة بنسلفانيا. تم تطبيق هذا المنحى العلاجي عياديًا لأول مرة من قبل طيب راشيد على مرضى الاكتئاب الذين يبحثون عن علاج في خدمات الاستشارة النفسية والجامعية (Dobiała & Winkler, 2016, 5).
ويعرف العلاج النفسي الإيجابي بأنه طريقة علاجية نفسية تبني المشاعر الإيجابية والقوى والمعنى في حياة الفرد لتعطيل ظهور الأعراض المرضية وتعزيز السعادة، على طريق مساعدة الأفراد لاكتشاف قوتهم مثل التفاؤل والأمل والفكاهة والمرونة .(Guney, 2011, 81)
والعلاج النفسي الإيجابي هو تدخل "يهدف إلى تنمية المشاعر الإيجابية أو السلوكيات الإيجابية أو الإدراك الإيجابي" (Sin & Lyubomirsky, 2009, 467)
والعلاج النفسي الإيجابي (PPT) هو علاج نفسي محدد يركز على نقاط القوة والخبرات الإيجابية من أجل تعزيز الرفاهية ("حياة جيدة"). ولا يولي اهتمامًا كبيرًا بالمشكلات مثل: الذكريات السلبية، ولكن يشجع الأشخاص على التركيز على نقاط القوة والجوانب الإيجابية للتجربة. ويحاول تقليل المشكلات من خلال البناء على الإيجابيات التي قد تكون مرتبطة بأعراض محددة، على سبيل المثال للتغلب على التشاؤم واليأس hopelessness، يتم تعزيز التفاؤل. وتركز تمارين PPT على تذوق الخبرات الممتعة؛ تسجيل الأشياء الجيدة؛ والامتنان والتسامح وتحديد واستخدام نقاط القوة الشخصية، بشكل فردي أو مع الآخرين؛ والتركيز على الإيجابيات في الأحداث أو الذكريات السلبية ((Rashid, 2013; Rashid & Seligman, 2013).
والطب النفسي والعلاج النفسي نسبة إلى الزمان وتاريخه وتطوره هو مجال حديث وتطوراته الأخيرة المتسارعة كانت في حقبة زمنية حديثة العهد بعقود فائتة، كذلك الحال ينطبق على العلاج النفسي وعلم النفس بعد انشقاقه عن الفلسفة. أما التدخلات الإيجابية فهي الأحدث مما سبق، ورغم ذلك فكل شيء يمكن أن نؤرخ له ونرصد خطواته الأولى وبداياته.
ووفقا لسليجمان فإنه غالبًا ما كان يُنظر إلى الصحة النفسية على أنها مجرد غياب للأعراض. على الرغم من مفاهيم مثل التفرد وتحقيق الذات التي قدمها ابراهام ماسلو (1971) والأداء الوظيفي الكامل (روجرز، 1961)، والصحة النفسية الإيجابية (يهودا، 1958) لكن كان يُنظر إليها في الغالب على أنها مفاهيم ثانوية هامشية لتخفيف الأعراض أو كماليات ورفاهيات في العمل العيادي (Seligman, et al, 2006, 775).
ويمكن تقسيم التدخلات الإيجابية والمحاولات غير التقليدية لتطوير العلاج النفسي بعيدا عن مدخل خفض الأعراض والاضطرابات إلى مرحلتين: تتمثل المرحلة الأولى في الجهود المبكرة التي سبقت تأسيس علم النفس الإيجابي (1998) ويمكن رصد محاولات ووجهات نظر كارل روجرز وابراهام ماسلو وكتابات يهودا في الصحة النفسية الإيجابية، وتصورات النفس الصحية ومبادئ فوردايس Fordyce الأربعة عشر لتحسين السعادة وخفض الاكتئاب، وكذلك نموذج نصرت بيسشكيان (Peseschkian (1977 في العلاج النفسي الإيجابي الموجه نحو الموارد، بينما المرحلة الثانية فهي الجهود المكثفة التي تلت تأسيسي علم النفس الإيجابي وأبرز ما يمثلها هو العلاج النفسي الإيجابي باستخدام نقاط القوة لمارتن سليجمان ورفاقه (2006) والعلاج الموجه بالأمل (Snyder, & Lopez, 2002).
العلاج النفس الإيجابي وعلم النفس الإكلينيكي:
لأكثر من قرن، ذهب العملاء إلى الأطباء النفسانيين لمناقشة حياتهم ومشكلاتهم وجوانب العجز، بالاعتماد على الافتراض الذي لم يتم اختباره إلى حد كبير بأن مناقشة العجز أمر علاجي. من خلال التركيز على العجز، إلا أنه لم يتم تعزيز السعادة، التي لا تزال مهملة في عملية العلاج. وقد خطا العلاج النفسي السائد خطوات واسعة في علاج الأعراض والاضطرابات، لكنها تجاهلت السعادة إلى حد كبير كهدف علاجي على الرغم من الاستماع المتكرر من العملاء، "دكتور، أنا أريد أن اكون سعيدًا" ومع ذلك، نادرًا ما نتناول هذا الهدف مباشرة في العلاج النفسي .(Rashid, 2009, 461)
تعزيز الإيجابيات البشرية وتوظيف موارد الشخص الذاتية في العلاج النفسي مما يجعلنا نستفيد من الفرص المتاحة وتوظيفها. ووفقا لسليجمان وزملاؤه فإنه لأكثر من 100 عام، كان العلاج النفسي يركز على قيام العملاء بالتحدث عن مشاكلهم. وبالإضافة إلى تجربة العديد من مناحي العلاج النفسي التي تمثل براندات وعلامات تجارية وفيها يحضر مئات الآلاف من الأشخاص كل عام ورش عمل ومخيمات ودورات حيث يكون التركيز دائمًا تقريبًا على إصلاح السلبيات - الأعراض والصدمات والجروح والعجز والاضطرابات. ونادرًا ما تكون الإيجابيات محور العلاج، ورغم أن علم النفس حقق نجاحات علاجية في تركيزه على المشكلات، وفي تحسين عدد من الاضطرابات لكنه تأخر كثيرًا في تعزيز الإيجابيات البشرية. (Seligman et al., 2006, 774)
ولا يمكن أن يلوم أحد علم النفس المرضي أو الإكلينيكي لأنهما يركزان اهتمامهما على دراسة العمليات والأبنية السلبية (اضطرابات وأمراض) (أسبينوول وستودينجر، 2006،185) لكن المشكلة في اختزال علم النفس على هذين الفرعين وتركيز الجهود عليهما لأن علم النفس العلمي لا ينحاز لجوانب سلبية أو إيجابية، إنما يهتم بدراسة الحالات الإنسانية الإيجابية أو السلبية، كما يتناول كل المفاهيم والمصطلحات التي تخص النفس الإنسانية.
ولأن الطب النفسي يتبنى تقليد الطب البشري، ولأن الطب البشري هو في الأساس علم طبي يهتم بعلاج الأعراض المرضية، فقد انتقل هذا المفهوم إلى الطب النفسي فأصبح التركيز الأساسي على فهم الجوانب المرضية من السلوك وجوانب الاضطراب، بهدف علاجها بما يلائمها من وسائل عضوية وعقاقير"(عبد الستار إبراهيم، 2011، 185)
لذلك لابد من تكامل الشغل على المسارين: علاج الاضطراب والمعوقات، وإطلاق الطاقات والإمكانات وهو موقف أخذ علم النفس الإيجابي يتبناه في أبحاثه وممارساته إلا أنه يؤكد أن أفضل علاج للاضطرابات والمعوقات يتمثل في التركيز على الإيجابيات وطاقات النماء المتوفرة لدى الفرد والجماعة وتعظيم فرصهما المتاحة والممكنة (مصطفى حجازي، 2012، 34)
إن إبراز جوانب القوة قد يساعد المستفيدين من العلاج بشكل أفضل، ليس عندما تكون الحياة سهلة، ولكن عندما تكون الحياة صعبة. لأنه كما هو معروف دماغ الإنسان يكون متجها للانتباه والاستجابة بشكل أقوى للسلبيات والشدائد أكثر من الإيجابيات، وبالتالي فعلم النفس المرضي يزيد هذا الميل للانتباه للسلبيات ورصد السمات الشخصية العصابية ومواطن الخلل وتحديد التركيب والبناء المرضي للمستفيد ولذلك، فالمقابل لهذا إبراز نقاط القوة، إلى جانب تحسين الأعراض يعد نهج علاجي أفضل therapeutic approach. ويسعى العلاج النفسي الإيجابي PPT إلى الموازنة بين الاهتمام بالأعراض السلبية وجوانب القوة وتوجيه عمليات الانتباه نحو أبعاد جديدة في الحياة.
ويقدم علم النفس الإيجابي تدخلا علاجيا إضافيا ومكملا للعلاجات النفسية الحالية، فيرى طيب رشيد أن التدخلات العلاجية لعلم النفس الإيجابي تكمل العمل العلاجي وتضيف للجهود العلاجية التي تمت بالفعل بشكل جيد. ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك علاج فافا للرفاهية (Fava’s Well-Being Therapy (WBT. كعامل مساعد في العلاج السلوكي المعرفي، ويعمل WBT كعامل مساعد فعال لأي علاج موجود. وهو أيضًا علاج مفيد خطوة بخطوة حيث يقوم الأطباء في البداية بالاعتناء بالسلبيات باستخدام النهج التقليدي ثم استهداف الرفاهية بشكل صريح. بدلاً من استهداف السعادة في البداية ، يقترح نهج فافا التعامل مع ضائقة الأعراض قبل التركيز على نقاط القوة. (Rashid. 2009, 465)
والعلاج النفسي الإيجابي هو نهج للعلاج النفسي مدعوم تجريبيًا يهتم بشكل خاص ببناء نقاط القوة لدى العميل والعواطف الإيجابية وزيادة المعنى في حياة العملاء للتخفيف من الأمراض النفسية وتعزيز السعادة (Seligman, Rashid, & Parks, 2006)
وقد بدأ التدخل الإيجابي كدراسة التقنيات الفردية التي تستهدف بنيات معينة تتعلق بالسعادة وتنشيط الانفعالات الإيجابية وتأثيرها على تحسين المزاج ونمط الحياة ثم جاءت محاولات أكثر قربا من حالة الاضطراب وتحديدا في علاج "الاكتئاب" وأظهرت نتائج مرضية سيتم تناولها بالتفصيل لاحقا.
ويساعد التدخل الإيجابي على صناعة العلاقة الإيجابية والمناخ الإيجابي الذي يقلل من التسرب، فوفقا لسليجمان وراشد وباركس (2006)، كان المشاركون في العلاج النفسي الإيجابي أقل احتمالًا وأقل عرضة للتسرب من المشاركين في العلاج النفسي القياسي (الذي يركز على علاج الأعراض).
ورغم أن تاريخ علم النفس الإيجابي في العلاج ليس ممتدا كعلم النفس العلاجي، إلا أن فاعليته ثبتت في علاج الاكتئاب، وثبتت فاعليته في التوجه والمناخ العلاجي وبعض فنياته كعلاج مساند. فالعلوم النفسية تتكامل ولا تتعارض، وتتقارب وتتمايز ولا تتخاصم، المهم أن نستخدم العلم في موضعه، فيما يمكن تسميته بالحكمة العلاجية بلا تحيز ولا اندفاع وحماسة انفعالية لا تغني في مواقف التجريب والبحث المنضبط.
وما يرفضه علم النفس العلمي المحايد هو أن يقتصر الأمر في النظر إلى هذا الإنسان متعدد الجوانب على جانب المرض فقط، إنما ينبغي أن ننظر إلى جوانب القوة وندعمها؛ لأنه إذا كان الاضطراب قد يعوق تكيف الإنسان وتوافقه النفسي، فإن دعم جانب القوة قد يعالج الاضطراب أو يكون أحد العوامل والمتغيرات الأساسية في علاجه، فمدخل علم النفس الإيجابي هو أحد الإجراءات المهمة والمداخل غير المباشرة في التعامل مع مظاهر الخلل بالعملية العلاجية.
المراجع:
- عبد الستار إبراهيم ( 2011 ).عين العقل: دليل المعالج النفسي للعلاج المعرفي الإيجابي، سلسلة الممارس النفسي، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
- مصطفى حجازي (2012) .إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي، التنوير للطباعة والنشر، لبنان.
- Afzali, M. (2017). Positive Psychology Therapy and Craving Index, A Pilot Randomized. Imperial Journal of Interdisciplinary Research (IJIR) Vol-3, 2454-1362.
- Dobiała, E., & Winkler, P. (2016). Positive psychotherapy’according to Seligman and ‘Positive Psychotherapy’according to Peseschkian: A Comparison. Int J Psychother, 20(3), 3.
- Guney, S. (2011). The Positive Psychotherapy Inventory (PPTI): reliability and validity study in Turkish population. Procedia-social and behavioral sciences, 29, 81-86.
- Sin, N. L., & Lyubomirsky, S. (2009). Enhancing well-being and alleviating depressive symptoms with positive psychology interventions: A practice-friendly metaanalysis.Journal of Clinical Psychology: In Session, 65, 467-487. DOI: 10.1002/jclp.20593
- Rashid, T. (2013). Positive psychology in practice: Positive psychotherapy The Oxford handbook of happiness (pp. 978-993): Oxford University Press, New York, NY.
- Rashid, T., & Seligman, M. (2013). Positive psychotherapy. Current psychotherapies, 461.
- Seligman, M.E.P., Rashid, T., & Parks, A.C. (2006). Positive psychotherapy. American Psychologist, 61, 774–788.
- Snyder, C. R., Ritschel, L. A., Rand, K. L., & Berg, C. J. (2006). Balancing psychological assessments: Including strengths and hope in client reports. Journal of clinical psychology, 62(1), 33-46.
- Rashid, T. (2009). Positive Interventions in Clinical Practice. Journal of Clinical Psychology: IN SESSION, Vol. 65(5), 461--466. DOI: 10.1002/jclp.20588
ويتبع >>>>>>>: الإرشاد والعلاج النفسي الإيجابي2
واقرأ أيضًا:
الصدمة النفسية لدى الأطفال / القياس النفسي الإكلينيكي الإيجابي