رحلتي إلى علم النفس الإسلامي3
لقد أشار الإسلام إلى مستويات عمل النفس البشرية المختلفة في عدة نصوص منها:
• روى أحمد والدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه الذي سأله عن البر والاثم: (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَـيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَـيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِـي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِـي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ.) وفي رواية ثانية: (يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ـ ثلاث مرات ـ البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك). عندما يراد التأكيد على التفكير المنطقي العقلي الذي نشعر بخطواته في وعينا يقال النفس، وعندما يراد التأكيد على دور العاطفة في الإيمان والكفر والاعتقاد عموماً واتخاذ القرارات الحياتية يقال القلب. والبر أن يتفق العقل مع الفطرة السليمة التي نشعر بها عاطفة وهوى في قلوبنا، إلا الذين تزيغ قلوبهم وتنحرف عن الفطرة السليمة فتنشرح صدورهم للكفر وللظلم والعدوان وتسيطر على قلوبهم أهواء غير منصفة.
• يقول تعالى في سورة طه: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)).
• ويقول في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)).
• والإسلام دائماً ينسب الوظائف العقلية ومنها الإيمان والكفر إلى القلب، ليجعلنا ننتبه إلى دور الأهواء والميول النفسية لدينا في اتخاذنا القرار بالإيمان أو الكفر أو الحب والكره.
• ففي سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))
• وفي سورة التغابن: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)) (سورة التغابن)
• وفي سورة الصف: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5))
• وفي سورة الحج: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) الإنسان في الإسلام يحمل مسؤولية أعمال قلبه سواء شعر بها أم لم يشعر لأنها إرادية وحرة حرية كاملة.
• يقول تعالى في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10))
• وهذا يؤكد أنها إرادية سواء كانت شعورية أو شبه لا شعورية، ولا لوم على ما يأتي من اللاشعور اللا إرادي من مشاعر أو رغبات أو شهوات. لكن الله يلومهم إن هم استجابوا للمحرم من هذه العواطف أو الدوافع أو الغرائز، أي إن الإنسان حر حرية مطلقة على مستوى العقل والقلب وهو سيد نفسه وصاحب القرار، يقول تعالى في سورة الكهف: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)).
ووسوسة الشيطان وما يعاكسها من وسوسة القرين من الملائكة هي على مستوى اللاشعور وربما على مستوى شبيه اللاشعور، وهي مسؤولة عن استثارة الدوافع، أو العواطف، أو المخاوف، أو الشهوات، أما النفس الحرة المريدة فهي التي تختار بين أن تستجيب للإيجابي القادم من اللاشعور أو السلبي الآتي منه.
ما يأتي من اللاشعور يعطي الإنسان الطاقة النفسية أي الدافعية التي تمكنه من تحويل أفكاره أو اختياراته إلى أفعال.
الإنسان في الإسلام خليفة عن الله في الأرض لا يخضع للاشعور أو الغرائز إلا في أنها تطلب من النفس أن يشبعها ويلبيها لكن لا تستطيع أن تَقْسِره على ذلك، ومثالها الأفعال القهرية، وكذلك قدرة الإنسان على عدم الاستجابة حتى للجوع فيضرب عن الطعام أو يصوم. الإنسان عندنا هو النائب عن الخالق وهو المخلوق على صورته، وله سخر الله ما في السماوات والأرض جميعاً منه، وهي مكانة لا تقل سمواً عن مكانة الإنسان عند الإنسانيين الذين ينكرون الخالق ولا يعترفون في الكون بسيد سوى الإنسان.
• الإنسان عندهم ينافس الخالق ويجعل نفسه نداً له، بينما في الإسلام هو نائب عنه يأتي بعده مباشرة وتربطه به علاقة قائمة على الحب المتبادل والطاعة والتكريم. الإنسانيون أطلقوا طاقات الإنسان الأوربي فتقدم وساد باقي الشعوب، أما طاقاتنا نحن المسلمين فستنطلق إن فهمنا جيداً المقصود بالخلافة عن الله في الأرض، وأدركنا حريتنا وأن الله لم يكرهنا ولا حتى على الاعتراف بوجوده، وفهمنا أنه لم يحرم علينا من الدوافع إلا الكبر وإرادة الفساد في الأرض تحدياً لله كما فعل إبليس وكما تصور سارتر في مسرحية له اسمها "الذباب".
• يقول تعالى في سورة القصص: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)، والرسول صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الطبراني: (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلـى وُلَدِهِ صِغَاراً فَهُوَ فـي سَبـيـلِ الله، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَـى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِـيرَيْنِ فَهُوَ فـي سَبـيـلهِ الله، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَـى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فـي سَبـيـلِ الله، وَإِنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَـاخَرَةً فَهُوَ فِـي سَبـيـلِ الشَّيْطَانِ).
ويتبع>>>>>: رحلتي إلى علم النفس الإسلامي5
واقرأ أيضًا:
رحلتي إلى علم النفس الإسلامي2 خواطر من أجل نظرية نفسية إسلامية / رحلتي إلى علم النفس الإسلامي3