علاج سلوكي معرفي ع.س.م CBT الوسواس القهري الديني3
وساوس وقهور البدايات "بداية العبادة"
من الأعراض المميزة -والمعيقة أيضًا-لبعض مرضى الوسواس القهري ما أسميه وساوس وقهور البدايات والتي يصفها المريض بمشكلة البدايات، حيث يكون البدء في نشاط معينٍ أو أنشطة معينةٍ عمليةً في غاية الصعوبة على المريض وكثيرا ما يسبق البدء فيها خوف وتوتر شديدين ثم تجد من يسوف حتى الفرصة الأخيرة، وتجد من يتردد في البدء برهة ثم يبدأ، وتجد من يتسمر أو يتخشب طويلا ثم يبدأ فجأة!! أو يبقى يحاول ولا يبدأ، وتجد من لا يكاد يبدأ حتى يتوقف ليبدأ من جديد أي يكرر البداية عدة مرات وأحيانا تجد من يشترط عددا معينا من مرات التكرار، وفي غالبية الأحيان تجد لدى المريض تفسيرا مثل أن البداية يجب أن تكون صحيحة، أو مضبوطة! وأحيانا يرجع ذلك لشروط يضعها هو لصحة أو انضباط البداية (وقد تكون مثلا شروطا فقهية لا تصلح لمريض، أو قواعد شخصية وسواسية) بينما يرجع الأمر في أحيان أخرى إلى مشاعر اللا اكتمال و/أو إدراكات ليس صحيح تماما "إ.ل.ص.ت NJREs" ففي حالة مشاعر اللا اكتمال يفتقد المريض الشعور باكتمال الفعل أو وقوع أثره المطلوب فيكرر حتى يستشعر الاكتمال، وأما في حالة "إ.ل.ص.ت NJREs" فإن المريض عند البداية يجد شعورا بأن شيئا ما ليس صحيحا أو ليس كما يجب أن يكون فيكرر حتى يخفت ذلك الشعور.
أكثر ما يكون ظهور وساوس وقهور البدايات ضمن عرْض وسواس اللا اكتمال التكرار القهري "و.ل.ت.ق" أو على خلفية من مشاعر اللا اكتمال ضمن عرْضٍ آخر من عروض الوسواس القهري المختلفة، مثل وسواس الذنب التعمق القهري "و.ذ.ت.ق" أو وسواس التلوث الغسل القهري "و.ت.غ.ق" وبين المرضى المختلفين تجد من يرجع التأخر في البداية لشعوره بالثقل والهم خوفا مما سيعانيه من الفعل وتكرار الفعل -ويظهر هذا الثقل في غياب الاكتئاب الجسيم مثلما يظهر في وجوده لدى المريض-، ومنهم من يرجعه لضرورة أن يكون مستعدا وأنه يحتاج فترة كي يستجمع قواه ويبدأ (وفي كثير من الأحيان هنا توجد سلوكيات تأمين يقوم بها المريض، أو قهور عقلية معينة تعينه على البداية)، ومنهم من يقول أشعر كأن شيئا ما يمنعني من البدء ومنهم من يقول كأنه شلل مؤقت! -ويظهر هذا الشلل أيضًا في غياب الاكتئاب الجسيم وفي وجوده-ومنهم كذلك من لا يقدم تفسيرا لما يصيبه عند البداية أو الشروع في الفعل.
في كل العبادات تسبق النية البداية أو تصاحبها وتبدأ الصلاة بالتكبير بعد تولي القبلة ومن العبادات ما قد يبدأ بالتسمية كالوضوء وتلاوة القرآن، وبالتالي فإن الوساوس والقهور في بداية العبادة عادة ما تتعلق بالنية، أو باتجاه القبلة، أو التكبير للصلاة، أو التسمية للوضوء، وأما الصيام فيبدأ بنية الصيام (ولو سابقة) ثم الامتناع عن الطعام والشراب عند سماع أذان الفجر وهنا نجد مثلا من يسرف خاصة في الشرب (أو الأكل) قبل الأذان بفترة، ومنهم من يسرف في تنقية الأسنان أو التفل أو تجفيف الفم واللسان، ورغم كونها أمورا بسيطة في مجموعها ويقوم بها الناس تلقائيا إلا أن الموسوس يجدها من الصعوبة بمكان فتراه عالقا في أي منها، وعند مناقشة ذلك مع المريض الموسوس تجده أحيانا جاهلا بالأحكام الفقهية المتعلقة، لكنك في أغلب الأحيان تجده يعرف بعضها أو كلها وقد يكون فهمه لها قاصرا أو قد لا يكون كذلك لكنه يريد إحسان الصحيح أو إحسان الإحسان واستكمال شروطه.
أولا: الوسوسة في النية:
النية لغةً هي: القصد، وهو عزم القلب على الشيء، وشرعًا هي: العزم على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى. وكما جاء في الموسوعة الفقهية هِيَ: الإْرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ، وَلَيْسَتْ مُطْلَقُ إِرَادَةٍ، فَيُخِل بِهَا كُل مَا يُنَافِي الْجَزْمَ، مِنْ تَرَدُّدٍ، أَوْ تَعْلِيقٍ، وتندرج أشكال وسواس النية تحت صنفين رئيسين هما: الثابت من النية والمتغير منها فأما الثابت في النية فهو وجهتها أي التوجه بها لله تعالى تحقيقا لتمييز المعبود سبحانه وهذا هو الإخلاص، وأما المتغير فيقصد به أمران هما: تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، فقد يتعلق المتغير بهدف الفعل أو القصد من الفعل (فمثلا قد تكون النية للوضوء أو مجرد التبريد أو التنظف وكذا الغسل قد يكون لرفع الحدث الأكبر أو للتنظف أو التبريد) أو يتعلق بتعيين النية (نية العصر أو الظهر أو الفرض أو النافلة، أو حاضرا أو قضاءً وهكذا).
ولدينا عدد من المفاهيم والأحكام الفقهية المتعلقة بالنية تدارسها الفقهاء وتأملوا أحوالها في المسلم الصحيح ويلزم أن يحاول المعالج السلوكي المعرفي الإلمام بها وبالآراء الفقهية المختلفة فيها، ببساطة لأن المريض يقرأ جيدا ويعرف أحيانا في موضوعه ربما أكثر من معالجه، ولأن ارتباكا كثيرا يحدث لمريض الوسواس القهري حين يقرأ آراء وفتاوى كلها -أو أغلبها- تتعلق بالأصحاء فيعجز عن تطبيقها، أو يتعثر في وجود اختلاف في الآراء والأحكام ثم يبدأ في البحث عن الأصح والأحوط فيزداد ارتباكا، ومن هذه المفاهيم استحضار النية والتلفظ بالنية (سرا أو جهرا) وتعليق النية، واستدامة النية وقطع النية وتغيير النية والتردد في النية، وتتعلق بكل واحد منها مسائل وآراءٌ وأحكام، ويرجع سبب وجود هذه المسائل الفقهية إلى كونها -كما بينا أعلاه- يمكن أن تطرأ على الصحيح لكنها تكون عابرة لا متكررة ولا متسلطة، كما نرى في مريض الوسواس القهري.
وأنقل لكم فقرة من كتاب المنن الكبرى للشعراني (قد أتعب الموسوسون أنفسهم في ألفاظ النية التي أحدثوها، واشتغلوا بمخارج حروفها، فترى أحدهم يقول: أصلي أصلي أصلي، ويكرر ذلك اللفظ العشر مرات وأكثر، ولم يتعبده الله بذلك) ويقول أيضًا: (النية من لازم كل عاقل حاضر الذهن، فلا يصح أن يدخل في الصلاة ويراعي أفعالها وترتيب أركانها بلا نية أبدا، حتى لو قدر أن االله تعالى كلّف العاقل بأن يصلي بلا نية لكان ذلك كالتكليف بما لا يطاق، وتأمل الإّنسان، إذا ذهب إلى الميضأة يتوضأ تقول له: إلى أين؟ فيقول: لأتوضأ، وإذا ذهب إلى المسجد تقول له: إلى أين؟ فيقول: لأصلي، فكيف يشك عاقل مع قصده هذا أنه غير ناو للوضوء والصلاة، هذا نوع جنون) كذلك قال الشعراني في كتابه (تنبيه المغترين): وكان غاية ما حصله أحدهم العناء والتعب والقفز في الهواء حال النية في الصلاة كأنه يصطاد شيئا تفلت من يده، وتراه إذا كبر يقول: أك أك أك بار بار بار، وإذا أراد يقرأ يقول: بس بس بس أل أل أل هي، وإذا أراد يتشهد يقول: أت أت أت حيات، وإذا سلم يقول: أس أس أس ونحو ذلك كما هو مشاهد من أحوالهم
استحضار النية ووقتها والتلفظ بها:
استحضار النية في العبادة أمر ضروري، ولا خلاف بين العلماء في اشتراط النية في صحة العبادات، وقد رأى أغلبهم أن محلها القلب (وبعضهم رآه في الرأس وبعضهم جمع القلب والرأس) وليس اللسان، وقد اختلف الفقهاء في حكم التلفظ بالنية فعند الشافعية والحنابلة يسن أن يتلفظ بلسانه بالنية، كأن يقول بلسانه أصلي فرض الظهر مثلاً، لأن في ذلك تنبيهاً للقلب، أما المالكية، والحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية ليس مشروعاً في الصلاة، الا إذا كان المصلي موسوساً، فيستحب لدفع الوسوسة، ويمكننا بشكل عام أن نقول إن الفقهاء اختلفوا في حكم التلفظ سرا وجهرا، واختلفوا كذلك في زمن النية أي توقيتها بالنسبة لبداية العبادة، فمنهم من أجاز أن تتقدم على التكبير في الصلاة بزمن يسير، ومنهم من اشترط اقتران النية بالتكبير أي أن تصاحب التكبير في الصلاة.
واستحضار النية يكون في بداية العبادة وتسمى نية فعلية موجودة: وهي النية التي يأتي بها الإنسان في أول العبادة، كنيَّة الوضوء، والصلاة، والغسل، والصيام.. إلخ، كما يستحب استصحاب أو استدامة النية أثناء العبادة (أي أن تصاحب أداء العبادة دون انقطاع التذكر) ولأن هذا غالبا ما يصعب على الصحيح من البشر فقد اتفق على استمرار النية الفعلية التي تبدأ بها العبادة كنية حكمية (لا يشترط تذكرها) ما لم يقطعها شيء من قطع أو تغيير أو تردد في إتمام العبادة المنوية، وفي الأمر كثير من التفاصيل والآراء المختلفة التي هي مواضع بحث فقهية لا يبدو الإلمام بها مهما للمعالج السلوكي المعرفي، وإنما يكفيه أن يعرف الأيسر ويعرف أن فيها اختلافا بين المذاهب، فنجد في الصلاة مثلا أن قطع النية أو التردد في قطعها يبطل الصلاة، لكننا أيضًا نجد أن القول بعدم البطلان بالتردد له قوة وأوفق للمصابين بالوسوسة في باب النية، فإذا أتينا إلى نية الوضوء نجد الأمر مختلفا إذ أن قطع نية الوضوء أو التردد في إكماله يبطل الوضوء إلا عند الحنفية والذين لا تجب النية عندهم للوضوء، (فقد اختلف الفقهاء في إيجاب النية للوضوء فقال غير الحنفية بفرضية النية بينما رأى الحنفية استحبابها).
بشكل عام فإن الشك في النية والتردد في النية وكذا قطع النية وتغيير النية وتعليق النية كلها أمور لا يحاسب بها مريض الوسواس القهري لأن شروط النية هي الإسلام، والتمييز، والعلم بالمنوي، ورغم كونها كلها أمورا يسهل تحققها واستدامتها للأصحاء بل يجدونها في غاية السهولة، إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لمريض الوسواس القهري، فأحيانا تتحقق بسهولة ثم يعجز عن استدامتها لأنه يشك فيها، وأحيانا يعجز مريض الوسواس عن تحقيقها وسبب ذلك هو قابليته العالية للشك في دواخله إضافة إلى عجزه عن التواصل الواثق معها، فهو دون أي مبالغة قد يشك في إسلامه وفي علمه بالمنوي فضلا عن عجزه عن تمييز دواخله، وهو ما فصلناه في مقالنا: الوسواس القهري: الشك وعمه الدواخل(1-3). ومفيد هنا أن نتأمل ما قاله ابن قدامة المقدسي في الفصل الأول من رسالته في ذم الموسوسين عند حديثه عمن يوسوس في نيته (وإن شك في تحصيل نيته فهذا نوع جنون! فإن علم الإنسان بحال نفسه أمر نفسي، فكيف يشك فيه عاقل من نفسه؟)، والحقيقة أن مريض الوسواس القهري كما أصبحنا نفهمه اليوم هو بالفعل عاقل يشك في نفسه نتيجة لعمه الدواخل.
أمثلة على الوسوسة في النية:
نظرا لأن النية في مجموعها من الدواخل فإن مريض الوسواس معرض للشك فيها أو العجز عن التيقن منها بسبب حؤول الوسواس بينه وبين قراءة دواخله، وهو معرض كذلك للشك في الثابت من النية والمتغير، فتظهر وساوس الشك في الثابت في صورة وساوس الشرك أو الكفر مثل "أنت تسجد أو تصلي لغير الله أو لكذا.... وليس لله" ومثل "أنت انحنيت إجلالا لـ.... لأنك تعبده"، ومعنى ذلك أن مريض وسواس النية لا يوسوس فقط في النية للعبادة وإنما يوسوس أيضًا في نيته بخصوص فعل سابق أو قصده منه ومن ذلك مثلا "إنك قصدت الاستهزاء حين حركت إصبعك"... أو "أنت ضحكت للنكتة الكفرية ونيتك الكفر!"، وليس بعيدا عن وسواس الشرك نجد مثال الوسوسة بالقصد من الفعل واضحا في وسواس الرياء وهو من الشرك الأصغر.
وأما الوسوسة بالمتغير من النية (أي بهدف الفعل أو تعيين العبادة) فإن استنباط أمثلتها سهل بينما الإلمام بها في مقالة كهذه صعب، لكن الصورة السريرية عادة ما تظهر في
1- صعوبة استحضار النية والشك في القدرة على استحضارها وصعوبة التركيز فيها واستغراق وقت طويل بالتالي للبدء (وساوس)، وربما التكرار للتأكيد(قهور).
2- الشك في النية؛ مثل: هل نويت ظهرًا أم عصرًا؟ أو فرضًا أم سنة؟ أو هل ترددت في النية؟ وهل التردد في النية يفسدها؟ (وساوس) وربما التكرار والبداية من جديد، وربما السؤال عن الحكم (قهور).
3- لاحقا يؤدي الشك في النية (وسواس) إلى (تطوير قهر استباقي) هو التلفظ بالنية وتكرارها وأحيانا بصوت مرتفع ربما للتأكيد، وربما للطمأنة الذاتية، وربما ليسهل التذكُّر هل نويت أم لا؟ أو ماذا نويت؟ أثناء الصلاة، والقهر الاستباقي Anticipatory or Proactive Compulsion هو إجراء يقصد به الاستعداد للوسواس المتوقع حدوثه بعد البدء، وهو شكل من أشكال سلوكيات أو احتياطات التأمين.
لكن من المهم شرح أثر اللجوء إلى التلفظ بالنية في مريض الوسواس هو من ناحية إجراء يستبق الوسوسة فيقلل من خوف الموسوس من الشك فيها لاحقا، فيحدث ذلك شعورا بالاطمئنان وانخفاضا للخوف والتوجُّس أثناء العبادة فيكملها ولا يقطعها -غالبا- ولعل هذا يساعد بعض المرضى ربما من الحالات الخفيفة العابرة أو في مرحلة مبكرة من المرض خاصة وأن كثيرا منهم يتعامل مع الشك في النية باعتباره ضعف ذاكرة لا وسواس، لكن التلفظ بالنية من ناحية أخرى مثله مثل أي إجراء تأمين استباقي وطبقا لأدبيات العلاج السلوكي المعرفي يمنع المريض من اكتشاف أنه يستطيع النية سرا ويستطيع تجاهل الوسواس، أي أنه سيبقى خائفًا من أن يوسوس في النية ما لم يتلفظ بها، وبالتدريج ما لم يرفع صوته بها وصولا إلى الصياح بها في بعض الأحيان، ويمكننا اختصار ما يحدث بالصورة التالية: الوسواس ===> خوف/ قلق شديد/ذنب ===> فعل استباقي/ فعل معادل ===> انخفاض القلق الذنب ===> تأكيد الاعتقاد بمنطقية الخوف/الذنب وصلاحية الفعل الاستباقي لخفضهما ===> الوسواس. وهذه الدائرة تعزز نفسها بنفسها ككل الدوائر السلوكية التي تتضمن سلوكا ينجح في خفض الخوف من الخوف/الذنب، ويُعتقد أن هذه الدائرة تصبح أقوى بالتكرار، بحيث تصبح الاستجابة التلقائية هي القهر الاستباقي، لكن ما يحدث بعد ذلك في الحالات المزمنة هو أن الوسواس يبدأ في اللعب على الثقة في ذاكرة ماذا قلت؟ هل كذا أم كذا؟، مما يدفع من كان يتلفظ لنفسه باللسان سرا إلى رفع صوته بالتدريج نظرا لفقدان الثقة في الذاكرة والذي يحدث بسبب عمه الدواخل.
العلاج السلوكي المعرفي للوسوسة في النية:
يستلزم العلاج السلوكي المعرفي التدرب على عدم التلفظ بالنية، لأن هذه الدائرة مهما كانت قوتها يمكن أن تُقطع بتكرار الامتناع عن اللجوء للفعل الاستباقي أو المحيِّد؛ حيث يتعلَّم الموسوس أولاً أن ما يخشاه لن يحدث حتى لو لم يسبقه بالفعل الاستباقي ولم يُتبعه بالفعل المحيِّد، وثانيًا يتعلم أن الضيق المصاحب للحدث الوسواسي سينقص بالتدريج حتى يتلاشى دون اللجوء للفعل المحيِّد.... لكن من المهم التنبيه إلى أن المقصود هنا ليس مطلق التلفظ بالنية وإنما الحالات المرضية لأن هناك من تكون عادته التلفظ بالنية سرا باللسان، وهناك من يداوي به انشغاله وقابليته للنسيان، بل وهناك من حالات اضطراب الوسواس القهري الديني من يتلفظ بالنية ولا يوسوس بعدها بالنية ولا يحتاج لرفع الصوت
النية من الدواخل (محلها القلب) أي أنها تستلزم استبطان أو تفتيش الدواخل وبالتالي فإن عجز الموسوس عن التيقن من دواخله يوجب إعفاءه من استحضار النية أو تذكرها، وهو لا يسأل كذلك ماذا كانت نيتك من كذا؟ وهو سؤال تتوقف عليه أحكام في صحيح العقل في كثير من المسائل، لكن طرح هذا السؤال على الموسوس (خاصة فيما يتعلق بموضوع وسواسه) يوقعه في الشك في دواخله فهو لا يتيقن من نفسه شيئا يبني عليه ماذا كانت نيته؟، كذلك يجب على الموسوس –كما على الصحيح-عدم الالتفات إلى الوسوسة في النية بعد البدء في الفعل لأنها لا أثر لها على العبادة ولأن إهمال الوسواس في النية أمر شرعي، كما أن نية الموسوس لا تنقطع! ولا تتغير! ولا يطرأ عليها تعليق، وأخيرا من التلفظ بالنية ما لا يؤذي، ومنها ما يكون واضح الأذى، وهذا لابد من علاجه.
وما يقال للموسوس في النية هو أنك إذا قمت للعبادة فقد نويتها ونيتك معك حتى تنهي عبادتك ولا يطلب منك استحضارها أو تذكرها لا قبل ولا أثناء ولا بعد العبادة، واعلم أن لك أحكامك الخاصة في الشرع، لأنك قد تعجز عن التيقن من نيتك الحاضرة بمجرد محاولة استحضارها، فكلما حاولت قراءة دواخلك كلما هاجمك الشك من كل صوب، كذلك لا تستجب لأي من الوساوس بأن نيتك انقطعت أو تغيرت أو لم تكن صحيحة... إلخ كل هذا لا معنى له في حقك.
المراجع:
1- عبد الوهاب الشعراني (1976). لطائفُ المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق المعروف بالمنن الكبرى، الطبعةُ الثانیةُ، تقدیم الإمام الأكبر الدكتور/ عبد الحلیم محمود شیخُ الأزهر، القاهرة، عالم الفكر بمیدان الحسین (ص٥٥٨ -٥٦٣)
2- عبد الله ابن أحمد بن علي الحنفي الشعراني (1987). "تنبیه المغترین أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فیه سَلَفَهُمُ الطاهر"؛ القاهرة، مصطفى البابي الحلبي.
3- ابن قدامة المقدسي (541- 620 هجریة). ذمُّ الموسوسین، القاهرة، الفاروق الحدیثة للطباعة والنشر، من صفحة (1 إلى 30)
ويتبع>>>>>: علاج سلوكي معرفي ع.س.م CBT الوسواس القهري الديني5
واقرأ أيضًا:
استشارات عن وسواس الشك في النية / استشارات عن وساوس البدايات