كل الشعوب العربية، وعلى كبر مساحة الأرض التي تضم ملايين المقموعين العرب، قالت كلمتها، وبإصرار المضحي بالدماء قبل الأموال:
لا للدكتاتوريين...
جميع العرب بلا استثناء، جميع التجمعات التي لازالت تُناضل وتتعذب وتتظاهر في الساحات والميادين وترى شبابها يُقتل ويُسجن ويُستلب بكل معنى استلاب الحقوق، في زمن حقوق الإنسان التي تُقرها جميع المواثيق الدولية والمنظمات الإنسانية، والتي يُقرها المنطق والعقل والضمير الإنساني والرغبة في حياة آمنة بلا عنف وبلا هدر دماء، قالت:
لا للدكتاتوريين...
متى يفهم هؤلاء الجالسين على الكراسي بأن حياة الإنسان أثمن من خيالاتهم المريضة، وبأن لا بد لهم وأن يحترموا كل قطرة دم تُنزف من إنسان عربي!؟
متى يعرفون أن الإنسان العربي قد مزَّق الكفن وصار يشعر بوجعه وبلا موت ولا سُبات؟
متى يعرفون أن العالم أصبح قرية صغيرة وأن كل جرائمهم يراها الناس وعلى شاشات التلفزيون، عارية من أكاذيبهم ومحاولاتهم تبرئة ذواتهم المريضة بداء العظمة وتفضيل كراسيهم على مقدرات الشعوب التي انتهى صبرها وفاض بها الكيل؟
فيا أيها الدكتاتوريون، المفضوحون منكم والمتسترون وراء أكاذيبهم وجحافل القتل والدمار:
ألم تكن ثورة تونس ومصر عبرة لكم بعد؟
ألم تكن محاسبة مبارك وأولاده صورة لمستقبلكم القريب؟
ألم تتعلموا بأن إرادة الشعوب تصنع المستحيلات مهما كانت قوة تآمراتكم، وجنونكم، وفتك أسلحتكم ومهما كان الهلع الذي تصنعونه بالتنكيل بالثوار وتعذيبهم أو قتل المتظاهرين العُزل؟
إنها حتمية لا بد منها، ومعادلة فيزيائية لا جدال فيها، فلكل فعلٍ رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساوٍ له في القوة، وهاهي قوة رد الفعل على كل سنوات القمع والقهر تتفجر بعد التراكم عشرات السنين، إنه زمن الثورات واعتدال الميزان...
ألا تعرفون أن دماء الشـهداء وقود للثورات، فبها تسـتزيد، وبها تفور وتغلي، وبها تكبر وتتوالد، وبها تعبر الثورة السـدود والحواجز..!!؟؟ فالدم يسـير من بلد لآخر، يُنادي المظلومين ليثوروا، والدم سـيهدّ قصوركم وأبنيتكم الفخمة لا بالسـلاح إنما في الحق بالحياة...
الآن، وعلى كبر الأرض العربية، بات الدم فاضحاً لكل جور وفساد، الدم كفيل بهد عروش الطغاة، والكشف عن معاناة الأغلبية المهمشة والصامتة قهراً وخوفاً عشرات السنين.
فيا أيها الرؤساء والأمراء والملوك، أيتها الطواويس المغرورة، ألم تقرأوا وتتعلموا بأن الدم سيصرخ في وجوهكم، سيُمزق سكونكم وهدأتكم... وسيُصيح في وجوهكم وآذانكم... قائلاً لكم ما قاله الشاعر الكبير الجواهري في قصيدة "الدم يتكلم" حيث يقول:
لو سألنا تلك الدماء لقالت وهي تغلي حماسة واندفاعا
ملأ الله دوركم من خيالي شبحاً مرعباً يهزّ النخاعا
وعدوتم لهول ما يعتريكم تُنكرون الأبصار والأسماعا
تحسبون الورى عقارب خضراً وترون الدروب ملأى ضباعا
والليالي كلحاء لا نجم فيها وتمر الأيام سوداً سراعا
قل لمن سلتُ قانياً تحت رجليه وأقطعته القرى والضياعا
خبـّروني بأن عيشة قومي لا تساوي حذاءك اللماعا..
ينطبق اليوم هذا القول على كل الدكتاتوريين العرب، جميعهم وبلا استثناء، جميع من يتشدق برايات الديمقراطية والاشتراكية الكاذبة، وجميع من يتفاخر ويزهو بالتقدم والقصور الفخمة والأبراج العالية، جميع من يدعي حِرصه على العرب ووحدتهم، وجميع من يُدخل الرعب لقلوب معارضي حكمه، كلهم ينسون أن هناك فئات مُهمشة ومقهورة وهناك أناس لا يجدون لقمة العيش والسكن في جحور لا تشبه بيوت البشر في أي شيء سوى وجودهم فيها..
أيها الدكتاتوريون...
أين تذهبون من دماء ضحاياكم؟ ستُطاردكم، كما طاردت قبلكم من الحكام والملوك في التاريخ، كل من قُبر منهم فهو مذموم مبصوق على صورته وقبره، فللدم فم يتكلم ويملأ الدنيا صراخاً يصم آذان الظُلام جميعاً، ويستنهض المظلومين والمهمشين، فأين أنتم من هذا، ألا تعرفونه؟ وإن كنتم كذلك لضعف في تعليمكم المدرسي وثقافتكم، ها نحن نكرر اليوم عليكم كلام الجواهري في قصيدة أخرى علـّكم تفهمون:
أتعلمُ أم أنتَ لا تعلمُ بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولة وليس كآخر يسترحمُ
أتعلم أن جراح الشهيد تظلُ عن الثأر تستفهمُ
تمصُ دماً ثم تبغي دماً وتبقى تُلحُ وتستطعمُ
فقل للمقيمِ على ذلةٍ هجيناً يـُسخر أو يـُلجم ُ
تقحم لعنت أزيز الرصاص وجرب من الحظِ ما يقسمُ
فأما إلى حيث تبدو الحياة لعينيك مكرمة تـُغنمُ
وأما إلى جدثٍ لم يكن ليفضلهُ بيتك المظلمُ
ليس هناك أبلغ من هذا القول هذه الأيام..
25-4-2011
واقرأ أيضًا على مجانين: