الوظائف الجبهية التنفيذية من المذاكرة الى الطب النفسي Frontal Executive Functions
الغاية من هذا المقال هو تعريف القراء بأهم وظائف الدماغ. كذلك تكثر استفسارات الطلبة في وقت الاختبارات عن طرق المذاكرة ومدتها وهي جميعاً مرتبطة بالوظائف الجبهية التنفيذية.
الوظائف الجبهية1 التنفيذية أو الإدارية هي من أهم الوظائف التي يستعملها الإنسان في حياته اليومية. هذه الوظائف يتم تنفيذها عبر الفص الجبهي للمخ وبالتحديد المنطقة الظهرية الجانبية للفص الجبهي Dorsolateral Frontal Cortex .
يمكن أن نتصور الإنسان في مواقف متعددة إن كان ذلك البيت أو العمل. هذه المواقف أشبه بحالات طوارئ تتفاوت في شدتها وأهميتها من إنسان إلى آخر. هناك من يستوعب مقابلة الناس حالة من حالات الطوارئ وهناك من لا يتوقف أرباب العمل من مطالبته يومياً بتحقيق الأهداف التي تم الاتفاق عليها حين توظيفه. كذلك الحال مع الطالب والمدرس في الجامعة، الأم وتربية أطفالها، والدراسة من أجل الحصول على أعلى درجة وهكذا.
المنطقة الظهرية الجانبية من الفص الجبهي تبدأ بتنسيق الاستجابة الإرادية إلى طوارئ في البيئة التي يكون فيها الفرد. يتبع ذلك تذكر تجارب سابقة والتخطيط باتخاذ الإجراءات الحالية ضمن فترة زمنية. ثم يتم وضع برنامج يستجيب إلى أوامر إرادية حركية مع الحرص على مراجعة هذا البرنامج وتعديله إذا اقتضى الأمر من أجل الوصول إلى الهدف. يتم كذلك مراقبة الفعاليات بصورة مستمرة والمواظبة عليها مع زيادة احتمال فرص النجاح أو التوقف عنها إذا كان هناك احتمال ولو ضئيل بفشلها واللجوء إلى برامج أخرى من أجل النجاح.
يمكن أن نضع هذه الوظائف في أطر مفاهيم Conceptual Framework كما يلي:
1- الإرادة Volition : هنا يكمن اختيار الإنسان وعزيمته على العمل من أجل الأهداف. إن مفهوم الإرادة والاختيار شغل الفلاسفة وعلماء الدين منذ آلاف السنين.
الوظيفة التنفيذية التي تصاحب الإرادة هي حكم الفرد أولاً واختياره وتفكيره التجريدي. عليه في هذه المرحلة أيضاً أن يضع جانباً عادات اكتسبها في السابق وقد تؤدي بدورها إلى التأثير سلبياً على وظائفه التنفيذية.
أما الإنسان الذي هو مصاب بخلل في هذه المرحلة فترى تفكيره متصلباً ولا يقوى على التخلص من العادات السلبية التي تصاحبه أينما ذهب.
2- التخطيط / استدعاء الذكريات Planning / Recalling : يتم في هذه المرحلة مراجعة التجارب السابقة ووضع خطة مرحلية. أما الانسان المصاب بخلل وظيفي لهذه المرحلة فتراه لا يقوى على مراجعة الذكريات بصورة سليمة ولا يتعلم من تجاربه السابقة.
3- البرمجة Programming : في هذه المرحلة يتم وضع الفعالية الحركية المطلوبة للتنفيذ.
4- التنفيذ Implementation : تبدأ عملية التنفيذ مع الحرص على عدم صرف الانتباه واللهو بفعاليات أخرى. ترى الإنسان المصاب بخلل هذه الوظيفة يصرف نظره عن البرنامج في حيز التنفيذ ويصاحب ذلك البطء في العمل.
5- المراقبة Monitoring : يتطلب من الإنسان مراقبة وتقييم عملية التنفيذ وفرص نجاح خطته.
6- التعديل/ التوقف Adjusting / Stopping : في هذه المرحلة تسنح للإنسان الفرصة لتعديل خطته أو التوقف تماماً والعودة إلى مرحلة الإرادة من جديد. (يوضح المخطط هذه الفعاليات وتسلسلها)
الطالب والمذاكرة:
لابد لكل طالب أن يضع خطة عمل يحرص على تنفيذها للمذاكرة والتعلم واضعاً نصب عينيه النجاح وبتفوق. يمكن تتبع الوظائف التنفيذية في هذا المضمار ابتداءً بالإرادة والعزيمة.
تمكن مشكلة الطلبة أحياناً في مرحلة التنفيذ والمراقبة والتوقف. أكثر العوامل التي تؤدي إلى الفشل هو انشغال الطالب بفعاليات تصرف انتباهه عن تنفيذ خطته بإحكام. متى ما فشل في هذه المرحلة تراه لا ينتقل إلى مرحلة المراقبة والتعديل. في هذه الأيام هناك العديد من الفعاليات التي تصرف انتباه الطلبة وبصورة يومية وعلى رأسها الإنترنت والفيس بوك. بدلاً من تخصيص فترة زمنية محدودة للاتصال الاجتماعي ترى الطالب يحرص على تمديد هذه الفترة الزمنية يوماً بعد يوم والتي تبعده عن برنامجه الدراسي.
ليس هناك قاعدة يمكن الاستناد عليها لتحديد ساعات المذاكرة. في الأيام الاعتيادية وبعد العودة إلى البيت يمكن القول أن 3 ساعات مذاكرة هي الحد الأدنى وفي عطلة نهاية الأسبوع لابد من الحرص على مذاكرة يومية لا تقل عن 6 ساعات في أحد الأيام.
إحدى العادات غير الصحية هي المذاكرة وقراءة المادة أو المحاضرة عبر جهاز الكمبيوتر. هذه الطريقة للمطالعة فاشلة تماماً ويجب على الطالب أن يحرص على المذاكرة فقط من خلال قراءة المادة على الورق وتلخيصها بخط يده ومراجعتها بعد ذلك.
أما الطالب المتفوق بجد فتراه على إلمام بمواد الأسبوع القادم والتحضير لها مقدماً قبل الدرس والمحاضرة.
الممارسات السريرية:
تتأثر الوظائف التنفيذية باضطرابات الدماغ العضوية والكثير من الأمراض النفسية. يساعد أخصائي علم النفس السريري Clinical Psychologist والمعالج المهني Occupational Therapist على تقييم الخلل الموجود في هذه الفعاليات من الناحية العملية. أما الطبيب النفساني فعليه أن يحرص على الكشف على هذه الفعاليات من خلال الاستماع إلى مشاكل المريض وإن كان لديه أدنى شك بوجود خلل فيها فعليه أن يسأل المريض على رسم ساعة بجميع الأرقام من 1 إلى 12 وتشير عقاربها إلى الساعة العاشرة وعشرة دقائق هذا الاختبار البسيط يكشف عن الفعاليات التنفيذية من الإرادة إلى البرمجة على أقل تقدير.
أما المراحل الأخرى فهناك العديد من الاختبارات لقياسها ومن أشهرها2 فحص وسكنسون لفرز البطاقات Wisconsin Card Sorting Test الذي يكاد محصوراً على تقييم مرحلة التعديل والتوقف. أما مرحلة التنفيذ فيمكن تقييمها بملاحظة سرعة أداء المريض ومرحلة المراقبة بفحص اليقظة Vigilance Test .
يجب الانتباه إلى أن هذه الوظائف مرتبطة بعضها بالبعض الآخر ولكن من الممكن أن تتأثر إحدى الوظائف دون غيرها في الممارسات السريرية3.
وبعد أن يتم تحديد المشكلة يجب العمل على تنظيم بيئة المريض وتحوير فعالياته اليومية لضمان سلامته، وليس هناك أفضل من المعالج المهني لمساعدة المريض وأهله في هذه المهمة.
ملاحظات:
1- الاطلاع على مقالات عن الفص الجبهي في الموقع آخرها الحصار المعرفي من الوسواس إلى الفص الجبهي الذي يتطرق إلى هذا الجزء المهم من الدماغ.
2- يجب الحرص على عدم القيام بهذا الفحص دون التدريب له مقدماً وإلا أدى ذلك إلى استنتاجات خاطئة. يجب الإشارة كذلك إلى أن هذا الفحص إن كان طبيعياً لا ينفي وجود اضطراب وظيفي في الفص الجبهي كما يتصور الكثير.
3- ليس هناك أفضل من التقييم السريري للفص الجبهي من خلال الاستماع إلى المريض وأهله عن مشاكله.
المصادر ولمطالعة أوسع:
1- Alderman, N., Burgess, P., Emslie, H., Evans, J., & Wilson, B. (2003). Behavioural assessment of the dysexecutive syndrome (BADS). Journal of Occupational Psychology, Employment and Disability, 5, 33-37.المقالة تتعرض إلى الجوانب المهنية للوظائف التنفيذية بعيدا عن الطب النفسي.
2- Cannon TD, Glahn DC, Kim J, Van Erp TG, Karlsgodt K, Cohen MS, Nuechterlein KH, Bava S, Shirinyan D.,(2005) Dorsolateral Prefrontal Cortex Activity During Maintenance and Manipulation of Information in Working Memory in Patients With Schizophrenia, Arch Gen Psychiatry,62:1071-1080. المقالة تتعرض إلى مشكلة المشاكل الإدارية في مرضى الفصام. تم درج هذا المصدر لأنه يوضح كيف يمكن دراسة هذه الوظائف بصورة علمية.
3- Gilbert, S.J. & Burgess, P.W. (2008). Executive Function. Current Biology. Vol.18, No. 3: 110–11 مقالة تتناول الأسس البيولوجية للوظائف الإدارية .
4- Milner B.(1963) Effect of Different Brain Lesions on Card Sorting. Archives of Neurology, 9: 90-100.من أكثر المقالات التي يتم ذكرها حول فحص وسكنسون.
5- Stuss, D.T. & Alexander, M.P. (2007) Is there a Dysexecutive Syndrome? Philosophical transactions of the Royal Society of London. Series B, Biological Sciences, 362 (1481): 901-15. مقالة تتناول الجانب الفلسفي والعلمي للوظائف الإدارية.