هناك بديهيات نحتاج للتسليم بها حتى ننطلق إلى رؤية موضوعية عملية بعيدا عن الشعارات والاستمالات العاطفية والدعوات العنصرية الاستئصالية:
1- أن تيار الإسلام السياسي هو فصيل مصري له قواعده وله جذوره الشعبية وله ايديولوجيته وله ثقله، وأن الدعوات لاستئصاله والتخلص منه نهائيا إنما تنم عن طفولة فكرية وسذاجة إعلامية ومراهقة سياسية. فحجم هذا التيار يجعله عصيا على الابتلاع، ولو كان ذلك ممكنا لفعلها عبد الناصر ولفعلها السادات ولفعلها مبارك. كما أن تفتيت هذا التيار -حتى وإن كان ممكنا- فإنه ينتج مجموعات صغيرة متناثرة لا تلتزم بخط معين وتنطلق في المجتمع تمارس العنف بلا هدف وهي تحمل ضغينة له وتدخل في عمليات من العنف والعنف المضاد كما هو الحال في الجزائر والعراق.
2- أن هذا التيار قد وقع في أخطاء جسيمة حين تصدى لمسئولية حكم البلاد بعد الثورة وهو لم يكن جاهزا أو قادرا على هذه المسؤولية، لذلك حدث فشل واضح في إدارة البلاد نتيجة ضعف الأداء وتخبطه وارتباكه، وأيضا نتيجة حالة العناد السياسي والمكايدة لهذا التيار من كثير من مؤسسات الدولة ومن طوائف الشعب.
3- أن جموعا هائلة من الشعب خرجت تعبر عن عدم رضاها من أداء الرئاسة والحكومة وأن مؤسسات الدولة الرافضة والمعاندة لتيار الإسلام السياسي انضمت لهذه الجموع وآزرتها بل وساعدت على حشدها في الشوارع والميادين لكي تزيح هذا التيار عن السلطة، ولم تستطع الرئاسة استيعاب الموقف وتقديره وبالتالي عجزت عن تقديم مبادرات للحل في الوقت المناسب.
4- أن العودة بالتاريخ للوراء غير ممكنة بل ومستحيلة، وأن السلطة التي ضاعت لا يمكن أن تعود إلا في الرؤى والأحلام.
5- أن حشود تيار الإسلام السياسي وصموده يجعله رقما مهما لا يمكن تجاهله في المعادلة السياسية، وأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار دون احتواء هذا التيار في المنظومة السياسية والمجتمعية. وأن الحل الأمني وحده لفض الاعتصام يحمل مخاطر جمة ولا يحل المشكلة.
6- أن خيار العنف والمواجهة هو خيار انتحاري يحمل مخاطر هائلة لكل الأطراف وخاصة تيار الإسلام السياسي نفسه، وأنه مهما طال زمن الحشد في الشوارع والميادين فلابد من الجلوس للتفاوض والوصول إلى حل سياسي.
إذا سلمنا بهذه البديهيات نستطيع أن ننطلق بشكل عملي نحو رؤية موضوعية للمستقبل تتضمن الآتي:
1- استبعاد آراء المتطرفين من هذا التيار ومن معارضيه، وإتاحة الفرصة للعقلاء المنصفين المعتدلين من الجانبين كي يجلسوا سويا بنية حل الصراع القائم بطرق سياسية وعلى أرضية سياسية وليست دينية، فالصراع في النهاية صراع سياسي وليس صراعا دينيا.
2- طمأنة هذا التيار على وجوده واستمراره، وأن الخسائر التي يتكبدها تكون في حدود الاحتمال، لأنه لو وجد نفسه يقف وظهره للحائط، أو أن هناك نوايا للإبادة فسيكون سلوكه ميالا للعدمية أو الانتحارية أو الاستشهادية.
3- التعامل بالعدل والقانون المجرد مع من تثبت عليهم مخالفات للقانون أو ارتكاب جرائم دون رغبة في الانتقام أو الاستئصال أو التشفي، مع البعد عن الأساليب القمعية الأمنية القديمة التي قامت الثورة من أجل إنهائها.
4- عمل مراجعة داخل تيار الإسلام السياسي لأخطاء المرحلة السابقة وكيفية تلافيها وعمل تصحيحات وتعديلات في منهجية الإعداد والتوجيه وعمل تغييرات ضرورية في القيادة الحالية، مع فصل النشاط الدعوي عن السياسي بمعنى أن تنفصل الجماعة عن الحزب السياسي، وتتفرغ الجماعة للنشاطات التربوية والدعوية والتنموية لخدمة المجتمع ككل وفي إطار القانون، بينما يمارس الحزب نشاطه السياسي طبقا لقواعد السياسة وضوابطها بعيدا عن استخدام الدين في الحشد أو التحريض.
5- إتاحة الفرصة لاتفاقات سياسية تعيد هذا التيار للمنظومة السياسية بحيث تنفض الاعتصامات بقرار داخلي في التحرير والنهضة ورابعة وسائر الميادين، لكي يستعد الجميع للمشاركة في انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة القادمة والتي يجب أن تتم في وقت قريب حتى تمتص التوتر الموجود في الميادين والشوارع وتعطي الفرصة لإنشاء خريطة سياسية جديدة ومتوازنة وممثلة لكافة قوى الشعب بشكل عادل.
6- تتوقف الحملات الإعلامية التي تكرس لخطاب الكراهية والنبذ والتشويه، وتعود القنوات الدينية لممارسة نشاطها بعد وضع ميثاق شرف إعلامي ملزم لكل القنوات يكون نابعا من نصوص القانون، على أن يحاسب بحزم كل من يخرج عن القانون أو عن ميثاق الشرف المنبثق عنه.
7- تتم اجتماعات المصالحة الوطنية تحت إشراف الأزهر والكنيسة وبمشاركة شخصيات مصرية مشهود لها بالحياد والنزاهة والاعتدال ولها علاقات طيبة بالتيارات المختلفة ومنها تيار الإسلام السياسي.
8- تنشأ قناعة لدى تيار الإسلام السياسي بما كان يعلنه من قبل "المشاركة لا المغالبة"، وأن يرضى بأن يكون جزءا من المنظومة الوطنية لا مهيمنا أو مسيطرا عليها، وأن يتخلى عن فكرة التمكين لأنها ضد مبادئ الديموقراطية، وأن يتواضع في طموحاته السياسية ويرضى بالتدرج في الوصول إلى السلطة بحسب ما تسمح له درجة نضجه واستعداده السياسي لتحمل المسئولية، وأن يعطي أهمية لرضا الناس عنه، وأن يضع المصلحة الوطنية فوق مصلحة الجماعة والتنظيم، وأن يعلي من قيمة العمل الخدمي والتنموي في وسط الناس ويجعل لذلك أسبقية على النواحي الأيديولوجية التي سببت له مشاكل كثيرة ولم يتحقق منها شيء على أرض الواقع إبان فترة حكمه.
والأهم من ذلك أن يعرف أن الشعب حين ينتخب أحدا أو يختاره لموقع قيادي فهو يريد منه أن ينفذ أجندة الشعب وإرادته ورؤيته، ولا ينفرد هو بالرؤية والإرادة والأجندة.
9- أن يتعلم هذا التيار أن العمل السياسي يحتمل الصعود والهبوط والمكسب والخسارة، وأن مبدأ تداول السلطة هو من أهم مبادئ الديموقراطية، وأن السلطة لا يجب أن تدوم لأحد مهما كان.
10- الكف عن شحن المعتصمين من أعضاء التيار الإسلامي ضد المجتمع، خاصة الشحن الديني الذي يجعلهم يعتقدون أنهم في معركة مقدسة ضد أعداء الله، وليس معركة سياسية مع شركاء الوطن. والأهم من ذلك الكف عن شحنهم ضد الجيش مهما تكن الاعتبارات أو المبررات.
واقرأ أيضاً: