هل يتزايد الإلحاد بين الشباب في السنوات الأخيرة؟... وهل أصبح ظاهرة اجتماعية أم مجرد موجة عابرة؟... وهل يشكل خطرا على المعتقدات الدينية في المجتمع؟... هل هو جديد على البشر أم أنه ظاهرة قديمة؟ هل الإلحاد نمط واحد أم عدة أنماط ومستويات؟... ماهي دوافع الإلحاد وبواعثه في السنوات الأخيرة وخاصة بين الشباب في الدول العربية؟ هل الإلحاد ظاهرة دينية أم رد فعل لمشكلات سياسية وعائلية ونفسية؟ هل هو حالة تمرد وعدوان على المجتمع؟... كيف تتعامل الأسرة مع ابنها الملحد (أو ابنتها)؟... ماهي علاقة الإلحاد بالحالة النفسية؟... ماهي علاقة الإلحاد بالأوضاع السياسية والمجتمعية؟... هل ثمة علاقة بين الإسلام السياسي والإلحاد؟..., ماهي علاقة الإلحاد بتعثرات ثورات الربيع العربي؟... هل ساهم الخطاب الديني في السنوات الأخيرة في تنامي ظاهرة الإلحاد؟... كل هذه أسئلة تحتاج لاستقصاء وتستدعي بالضرورة مراجعة لكثير من جوانب حياتنا ليس فقط لاستعادة الشباب الذي اندفع نحو دائرة الإلحاد وإنما لاستعادة حالة السواء للمجتمع الذي ضربت فيه أمراض وعلل كثيرة؟.
كان جرس الإنذار العام الماضي (2013 م) في مقال افتتاحي في صحيفة الواشنطن بوست يتحدث عن تنامي الإلحاد في كثير من دول العالم بين الشباب, وأوردت الصحيفة حالات الإلحاد في بعض الدول العربية والإسلامية مثل السعودية ومصر والعراق وتركيا وإيران, وتوالت الأخبار والتقارير, وظهر بعض الشباب الملحدين في الإعلام يجاهرون بإلحادهم, وزادت مجموعات الملحدين ومواقعهم على الإنترنت مثل "رابطة الملحدين المصريين" و "رابطة الملحدين العرب" وغيرها إضافة إلى تدوينات فردية عديدة تحكي خبرات شخصية لشباب الملحدين.
والإلحاد ظاهرة متواترة في كل العصور والمجتمعات البشرية حتى في وجود الأنبياء والرسل, فالله قد منح الإنسان الاختيار الحر فيما يخص معتقداته الدينية ومنحه الإرادة الحرة في اختيار طريق حياته وجعله مسئولا عن كل ذلك. ومع هذا يلاحظ أن دائرة الإلحاد تتسع بشكل ملحوظ في بيئات معينة وفي ظروف معينة بما يعكس الحاجة لفهم الظروف التي تغذي الرغبة في الإلحاد وكيفية تلافيها أو إصلاحها. والبعض يرى أن الإلحاد بدرجة معينة يعتبر فيروس مناعة (كالتطعيم في الطب) يقوي حالة الإيمان ويوقظها ويصحح أخطاء المتدينين .
أنماط ومستويات الإلحاد:
للإلحاد أنماط ومستويات متعددة, فمثلا هناك "الإلحاد المطلق (إنكار الألوهية والربوبية وما يتفرع عنهما من رسل ورسالات), و "الإلحاد الجزئي" (الاعتراف بوجود إله مع إنكار تصرفه وسيطرته على شئون البشر, أي إنكار الربوبية), و "اللاأدرية" (تأجيل الإيمان لعدم توافر الأدلة), و"العدمية" (اليأس من عدالة الأرض والسماء والشعور باللاجدوى), و "الإلحاد العابر" (في مرحلة من مراحل العمر وخاصة المراهقة والشباب), والإلحاد الباحث عن اليقين (الخروج من دائرة الإيمان والنظر في الأمر بلا ثوابت أو مقدمات دينية ولتحقيق أكبر قدر من الموضوعية والعقلانية واليقين المحايد), والإلحاد الكيدي الانتقامي (الموجه ضد رمز أو رموز أو ممارسات دينية مكروهة أومرفوضة أو مفروضة), والإلحاد التمردي (تمرد على السلطة أيا كان نوعها), والإلحاد الابتزازي (ابتزاز الأسرة أو المؤسسة الدينية أو المجتمع بهدف تحقيق مكاسب مادية أو معنوية), والإلحاد الاستعراضي (لجذب الانتباه وإثبات التميز), والإلحاد الاستهزائي (السخرية من المقدسات والثوابت ومن الكبار), والإلحاد بالنمذجة (التقليد لشخص أو أشخاص محبوبين).
دوافع الإلحاد وبواعثه :
هي ليست بالضرورة دوافع أو بواعث دينية, بل من خلال التعامل مع أعداد كبيرة من الملحدين بشكل متعمق يتضح أن أغلب الحالات وراءها دوافع نفسية أو عائلية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فلسفية أو فكرية. وعلى الرغم من أنه يبدو على السطح أنها مسألة دينية عقيدية إلا أن الأبعاد سالفة الذكر تكون كامنة ومحركة لسلوك صاحبها حتى دون أن يدري, وكأنه يختزل كل صراعاته ومعاناته ومشكلاته في الشكل الديني (أو اللاديني) يحاول أن يحقق من خلاله توازنه النفسي, ولهذا يجب أن تدرس كل حالة إلحاد على حدة, ويتم التعامل معها على أنها حالة متفردة لها خصائصها المميزة من حيث النشأة والظروف البيئية والأحوال النفسية.
ولهذا نجد أن الكثير من حالات الإلحاد لدى الشباب لا يجدي معها الحوارات الدينية ولا يجدي تقديم الأدلة والحجج والبراهين لأن الأصل في المشكلة ليس دينيا, بل إن تقديم الحجج والبراهين الدينية من جانب بعض العلماء والوعاظ الذين لا يدركون عمق حالة الإلحاد قد يغري الملحد بالكثير من الجدال (الذي يتقنه جيدا) لا لشيء إلا لإثبات قدرته على إفحام محدثه وتحقيق انتصار على الرموز الدينية التي يكرهها وعلى المجتمع الذي يرفضه وعلى السلطة التي يتمرد عليها.
ولعل أكبر سبب للإلحاد في التاريخ البشري هو الرغبة في التخلص من القيود التي تفرضها الأديان على الناس خاصة الأشخاص الذين يكرهون أية قيود مهما كان مصدرها ومهما كانت درجتها ويرغبون في الانطلاق في حياتهم بتوجيه عقولهم وخياراتهم الشخصية.
ومن العوامل الدافعة للإلحاد لدى المراهقين والشباب الهوة العميقة بين القيم المعلنة والقيم السائدة في المجتمع, وهنا يشعر المراهق أو الشاب أن المجتمع الذي يعيش فيه مجتمعا منافقا يقول شيئا ويفعل شيئا آخر, يتغنى بالصدق ويكذب ليل نهار, يتحدث عن العفة والفضيلة في العلن بينما يأتي أبشع المنكرات في الخفاء, وهنا تسقط مصداقية المجتمع وتسقط مصداقية السلطة وعلماء الدين والآباء والكبار عموما وأخيرا تسقط مصداقية الدين ذاته الذي يصله عبر هذه الرموز المرفوضة.
وقبل أن يصل الشاب إلى مرحلة الإلحاد يعيش فترة يعاني فيها من الإحباط والغضب وفقدان المعنى في كل ما حوله, ويعيش صراعا هائلا بين متناقضات عديدة في حياته لا يجد لها مخرجا من وجهة نظره إلا إنكار كل الثوابت وتحطيمها وعلى رأسها الدين لكي ينطلق متحررا من كل القيود التي تسببت في معاناته. وبعضهم يتوجه نحو الإلحاد بحثا عن الحرية والتحرر من كل القيود, فهو يرى أن المؤسسات الدينية والمجتمع يستخدمان الدين بشكل نفعي ويوظفان السلطة الروحية لسلب حريته.
وقد يكون الإلحاد رد فعل عنيف على حالات التطرف الديني السائدة في المجتمع, وكأنه تحقيق لقانون التوازن في الكون الذي يضبطه قاعدة: لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه. وتزداد الرغبة في الإلحاد كلما كان التدين السائد في المجتمع ظاهريا أو انتهازيا أو نفعيا أو هروبيا أو تسلطيا.
ويشجع على الإلحاد رؤية الدين كنوع من التفكير الخرافي الذي لا يثبت أمام المنطق والعقل النقدي, خاصة حين يحاول الشخص أن يقيس الخبرة الدينية والمعتقدات الدينية بنفس مقاييس العلم التجريبي ولا يراعي الفارق بين هذا وذاك واحتياج الخبرة الدينية لمنهجية مختلفة في النظر والقياس نظرا لاختلاف المجال.
وبعض علماء الدين تكون لديهم الرغبة في إقحام الدين في كل تفاصيل الحياة البشرية, وحجتهم في ذلك أن الدين يدخل (أو يجب أن يدخل) في كل شيء لأنه منهج كامل متكامل لحياة البشر, وهذه كلمة حق يراد بها باطل إذ تسمح للدعاة والمشايخ بأن يتسلطوا على حياة البشر ويتحكموا فيهم ويصبحون أوصياء عليهم, ويبدو بقية الناس ضعفاء قاصرين جهلاء سفهاء لا يعرفون ما يصلحهم لذلك يلجأون إلى وعاظهم ومشايخهم في كل صغيرة وكبيرة خوفا من الوقوع في الخطأ والمحظور, وهنا تتضخم ذوات القادة الدينيين ويزداد تأثيرهم على العامة والخاصة, وتتسع دائرتي الحلال والحرام لتحتل كل مساحة النشاط البشري وتتضاءل أو تختفي دائرة المباح التي تمنح الإنسان حرية التفكير والتصرف في شئون دنياه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين سألوه عن تأبير النخيل "أنتم أعلم بشئون دنياكم". وهذه التسلطية الدينية تدفع الشاب الراغب في الحرية أن يتخلص ليس فقط من سلطة القادة الدينييين بل من سلطة الدين نفسه الذي يتحدثون عنه.
وبعض الملحدين يزعجه التدين الصراعي الذي يفرق البشر إلى مجموعات متصارعة ويخلق حالة من العنصرية والاستعلاء والكراهية والإقصاء والنبذ بين أصحاب الديانات المختلفة, وأن الدين يتم توظيفه سياسيا وعسكريا وبالتالي يؤدي إلى صراعات وحروب تزهق فيها الأرواح باسم الإله, ومن هنا يتنكر هؤلاء للدين الذي يفرق بين البشر ويعتقدون أن الإلحاد هو الدين الإنساني الذي يسمح بالتواصل مع كل البشر دون تفرقة ودون صراعات, لذلك أصبحت كلمة “Non Believer” مصدر فخر واعتزاز لدى كثير من الغربيين والشباب الملحدين لأنها تعني بالنسبة لهم أنهم غير عنصريين وغير متعصبين وأنهم إنسانيين وأحرار.
ويقول علماء النفس بأن الإلحاد هو عقيدة "اللأب" (Faith of the Fatherless) , أي أن الملحد لديه مشكلة مع الأب الأرضي (والده أو والدته أو ما يعادلهما من السلطة الأبوية أو الأمومية), وهو يعمم صراعه مع الأب الأرضي في علاقته بالأب السماوي فيرفضه ويجحده ويجاهره بالعداء. إن الإحباط وخيبة الأمل من الأب (الأرضي) إما بسبب الغياب أو سوء المعاملة أو الموت يؤدي إلى الكفر بالإله. وقد أوضحت دراسة حالات مشاهير الملحدين في القرون الأربعة الماضية أن فرضية "الأب المعيب “Defective Father“ تمنح تفسيرا للإلحاد الحاد والعميق “Intense Athiesm” لدى هؤلاء الملحدين خاصة المفكرين منهم. وللإلحاد في التحليل النفسي جذور قوية, ففرويد نفسه كان ملحدا, وكان يرى أن الدين أفيون الشعوب وأنه عصاب جماعي أقرب للوسواس القهري, وأنه وهم وصناعة بشرية (قتل بعض البشر في بدايات التاريخ أباهم وشعروا بالذنب فعظموه وخلدوه وقدسوه واتخذوه إلها), وأنه ينتمي في نشأته إلى عقدة أوديب.
ولا تخلو دوافع الإلحاد من الجانب الجنسي حيث لوحظ تحرر الملحدين من كل التابوهات ومنها الجنسية والدخول في علاقات لا يحكمها سوى الرضا والقبول والتوافق الشخصي بين الطرفين, وفي اعتقادهم أنهم حرموا أنفسهم من نعمة الجنس سنوات بناءا على اعتبارات دينية وهاهم بعد أن ألحدوا تحرروا من تلك القيود وعاشوا كما يريدون ويحبون, وهذا أمر شديد الجاذبية لدى المراهقين والشباب الذين تضغط على أعصابهم احتياجات جنسية يضع المجتمع أمامها عراقيل من العادات والتقاليد تمنع إشباعها لسنوات طويلة.
ويرى علماء الاجتماع أن الإلحاد هو حالة من الخلع الاجتماعي حيث يمر الإنسان بثلاث مراحل: المرحلة الأولى وهي "الاجتماعية العامة" حيث ينتمي الشخص لعموم الناس وتكون فكرة الدين مقبولة لديهم ولديه, والمرحلة الثانية هي "الاجتماعية الخاصة" وفيها ينتمي الشخص إلى "شلة" أو مجموعة خاصة تقبل أو تشكك أو ترفض الدين, والمرحلة الثالثة هي الخلع التام حيث ينكفئ الشخص على ذاته ويتبنى قناعة شخصية ذاتية تماما ليس لها علاقة بالسياق الاجتماعي.
ولوحظت موجات من الإلحاد في العالم العربي إثر تعثرات ثورات الربيع العربي واختطافها أو إجهاضها بواسطة قوى يمينية أو يسارية أو سلطات عسكرية أو نظم قديمة فاسدة في شكل جديد, وقد جعل هذا الشباب يكفرون بقيم الحرية والكرامة الإنسانية وإمكانية تغيير مجتمعاتهم إلى الأفضل, فهم قاموا بالثورات وقدموا شهداء ثم ضاعت جهودهم هباءا, ومن هنا كفروا بكل شيء وتمردوا على كل شيء.
ويرى خبراء السياسة أن موجات الإلحاد ليست كلها خيارات فردية تلقائية بريئة وإنما يكمن وراء بعضها تخطيط شبكي تدفعه بعض المنظمات والهيئات السرية والعلنية بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو تغييرات في الخريطة الاجتماعية لبعض الدول المستهدفة ويستشهدون على ذلك بوجود روابط منظمة وشبكات عنكبوتية تجمع الملحدين في أماكن كثيرة من العالم, أي أن الموضوع لا يخلو من قوى دفع تآمرية, خاصة مع استخدام شعارات لبعض المجموعات تشبه شعارات الأناركية والماسونية.
ومن المفيد لفهم هؤلاء الشباب تتبع كتاباتهم في مواقعهم على الإنترنت ودراسة حالاتهم, وتكتمل الصورة بدراسة حالات العائدين من تجربة الإلحاد مثل الدكتور مصطفى محمود وغيره حيث يصف الطريق ذهابا إلى الإلحاد وعودة منه.
الإلحاد والاضطرابات النفسية :
هناك بعض حالات الإلحاد تكون مدفوعة باضطرابات نفسية نذكر منها:
أولا : اضطرابات الشخصية مثل:
1 – الشخصية الحدية: وهي شخصية متقلبة في مشاعرها وعلاقاتها وإنجازاتها ومعتقداتها, ولهذا نرى صاحب هذه الشخصية يتقلب في معتقداته الدينية فأحيانا تجده متطرفا دينيا وأحيانا أخرى تجده علمانيا أو ملحدا.
2 – الشخصية البارانوية: ويتميز صاحبها بالاستعلاء وسوء الظن والشك في الآخرين واحتقارهم واحتقار معتقداتهم, وهو يستعلي على العامة ويرغب في أن يأخذ طريقا خاصا به يتفرد به, ويستعلي على الإيمان ويمكن أن يستعلي حتى على فكرة الإله الرب.
3 – الشخصية الهستيرية: وهي شخصية استعراضية تميل إلى المخالفة لجذب الاهتمام ونيل الشهرة, ولذلك فصاحب هذه الشخصية أو صاحبتها يرغب أو ترغب في إعلان الإلحاد والتباهي بذلك ووضع صورهم على صفحات الإنترنت ويرغبان في الدخول في مناقشات وجدال تجعلهم تحت الأضواء.
ثانيا: الأمراض النفسية: مثل الفصام والاضطراب الوجداني والاضطراب الضلالي واضطرابات التوافق, وهذه الاضطرابات تؤثر في تفكير الشخص ومشاعره وعلاقاته بالناس والحياة وقد تجعله يتوجه في بعض الأحيان إلى اعتناق أفكار مخالفة لعموم الناس. وعلى الجانب الآخر قد تدفع هذه الحالات صاحبها لمزيد من التدين كنوع من الدفاع ضد التفكك أو القلق أو الخوف.
الإلحاد واضطراب العلاقة بالسلطة:
والسلطة هنا قد تكون سلطة أبوية أو أمومية أو مدرسية أو دينية أو سياسية. ويعتبر فشل العلاقة بالسلطة الأبوية (أو الأمومية) هو الأساس والأصل لاضطراب العلاقة بالسلطة في المستويات الأخرى وصولا إلى سلطة الإله, فالشخص لديه حساسية شديدة ورفض وتمرد ضد أي سلطة.
الإلحاد والخطاب الديني :
هناك أنواع من الخطاب الديني تساهم بقوة في تنامي ظاهرة الإلحاد نذكر منها:
1- الخلط بين الأصول والفروع وبين الثوابت والمتغيرات, وهذا يجعل بعض الفروع والمتغيرات تبدو كأصول وثوابت ربما يصعب على بعض الناس قبولها أو هضمها بسبب بعض التناقضات أو الإشكاليات العقلية فيكفرون بمجمل الدين.
2- التجزئ والتفكيك للدين بما يجعله قضايا منفصلة بعيدة عن الجوهر الكلي للدين وحين يتناول العقل هذه الأجزاء المفككة لا يستطيع قبولها بسهولة خاصة إذا كان عقلا نقديا يتصيد الثغرات أو يفترضها بقوة ويريد إثبات وجودها نظرا لدوافع ذاتية.
3- السلطوية والتسلطية .
4- التوجه الصراعي الاستقطابي الاستعلائي العنصري والبعيد عن النزعة التراحمية الإنسانية العالمية.
5- تقييد حرية العقل وحرية الإنسان بأكثر مما يتطلبه الدين في جوهره (اتساع دائرتي الحلال والحرام على حساب دائرة المباح), ففي الدين الصحيح تتسع دائرة المباح لتمنح العقل مساحة للتفكر والتدبر والإبداع, أما في الدين المختزل فتضيق جدا هذه المساحة حتى لتخنق العقل.
6- فرط تديين الحياة البشرية مما يتيح سلطة استبدادية للقيادات والرموز الدينية لا يستطيع طالبي الحرية من الشباب المتمرد الخلاص منها إلا بالخلاص من الدين نفسه من وجهة نظرهم.
7- الخطاب الترهيبي لدرجة التنفير أو الترغيبي الطفولي.
8- كثرة الدوجماتيات (كثرة المطلقات المغلقة التي لا تقبل التفسير أو المناقشة أو التعديل).
9- كثرة المفاهيم الخرافية.
10- تعدد وتناقض الخطاب الموجه من الجماعات والمجموعات الدينية المتصارعة على الساحة.
11- تسييس الخطاب الديني بما يجعله يفقد نقاءه وصفاءه وتجرده وروحانياته .
تجربة الإسلام السياسي وأثرها على الإلحاد :
يربط البعض بين صعود وهبوط تيار الإسلام السياسي إبان ثورات الربيع العربي وما بعدها وبين تنامي ظاهرة الإلحاد, فقد كان ثمة بريق لفكرة المشروع الإسلامي للنهضة وقدرة وجدارة الجماعات الإسلامية على التغيير في مجتمعاتها بما يحقق العدل والإنصاف ويحارب الفساد ويحقق الازدهار تحت راية الإسلام, وقد أدى هذا إلى حماس الشباب في الثورات واندفاعهم بقوة لتحقيق حلم النهضة بمرجعية إسلامية طالما حلموا به, ولكن فشل مجموعات الإسلام السياسي (أو إفشالها) أدى إلى ردة فعل عكسية نتج عنها تنامي ظاهرة الإلحاد خاصة بين الشباب (الذي كان متدينا), حيث اتضح عدم نضج التجربة السياسية للأحزاب والجماعات الإسلامية وسقطت رموز مهمة في أعين الشباب, وحدثت حالة من التمرد على قيادات وأفكار وممارسات تلك الجماعات من بعض الشباب المنتمين إليها أو المتعاطفين معها بينما بدا لفئة أخرى من الشباب أن الإسلام نفسه عاجز عن آداء الدور السياسي فانفلتوا منه.
وقد كانت هناك نصائح من العقلاء الحريصين على الإسلام وعلى الشباب أن تتمهل الأحزاب الإسلامية في توغلها السياسي وأن ترضى بالمشاركة دون المغالبة وأن تعطي فرصة لإنضاج التجربة السياسية لدى هذه الأحزاب على مهل ولكن قيادات هذه الأحزاب والجماعات اندفعوا بلا حساب نحو اغتنام السلطة والتمكين فحدث ماحدث, وهنا تجددت الدعوات المخلصة للفصل بين الدعوة والسياسة لأن في هذه الحالة سيسلم الدين من التوظيف ومن الاستغلال, إذ أن توظيف الإسلام في العمل السياسي واستغلاله للصعود في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم عدم قدرته على الاستمرار (سواء لأسباب ذاتية أو خارجية) أعطى إيحاءا لبعض الشباب بأن المشروع الإسلامي فشل وانسحب ذلك في وعيهم على الإسلام ذاته.
والأمر لم يقتصر على الشباب المسلم فقط وإنما هناك شباب مسيحي دخل دائرة الإلحاد, وربما كان تورط بعض القيادات الكنسية في العمل السياسي وإثارة نزعات الصراع والعنصرية الدينية خلف إحباطات هؤلاء الشباب الذين شاركوا في الثورة ضد رغبة وتعليمات الكنيسة ثم وجدوا تحالفات وتربيطات سياسية لا تتفق مع مبادئهم وطموحاتهم نحو الحرية.
التفكير المستقبلي لمجموعات الملحدين العرب :
هم يقومون الآن بتقوية روابطهم وزيادة أعدادهم أملا في الوصول إلى العدد الذي يسمح بالإعلان عن أنفسهم كأفراد وكمجموعات على أساس أن الخروج إلى العلن بأعداد كبيرة يجعل من الصعب مواجهة المجتمع لهم بأي إجراءات عقابية, وهم يطمحون في تكوين لوبي في المجتمع يدافع عن حقهم في الاعتقاد وحقهم في إثبات إلحادهم في بطاقات الهوية, وحقهم في الدعوة لمبادئهم وأفكارهم, وأن يعقدوا اجتماعاتهم ويقيموا فعالياتهم دون أي اعتراض قانوني أو مجتمعي.
التعامل مع موجة الإلحاد :
• من المهم أن نفرق بين الخارج من الدين والخارج على الدين, فالأول لديه مشكلات في قناعاته الدينية أدت إلى انسحابه من الدين بشكل فردي في هدوء وربما مع الوقت وتغير الأحوال تتغير قناعاته ولكنه في النهاية لا يحاول زعزعة عقيدة غيره أو الترويج لأفكاره الإلحادية, أما الثاني (الخارج على الدين) فإنه لا يكتفي بإلحاده الشخصي وإنما يدعو غيره إلى الإلحاد ويشارك بنشاط في تكوين مجموعات وشبكات مرتبطة بأجندات سياسية أو جماعات مصالح تحتية, وهو يسخر من الأديان ومن معتنقيها ليل نهار ويسفه المجتمع الذي يعيش فيه وربما يعمل ضد استقرار هذا المجتمع. ولهذا يمكن تقسيم حالات الإلحاد إلى الفئات التالية:
1 – المنسحبين الصامتين
2 – الباحثين عن اليقين
3 – الباحثين عن الشهرة
4 – المجاهرين المتمردين
5 – الناشطين في الدعوة للإلحاد
6 – المرتبطين بأجندات ومجموعات مصالح علنية أو سرية
• من المهم أن نفرق بين أنماط ومستويات الإلحاد المختلفة وأن ندرس كل حالة على حدة ونراعي الدوافع الكامنة وراء إلحاد كل شخص ولا يغرينا وجود عوامل مشتركة أن نعمم الأحكام على الجميع. وسيكون لكل حالة سيناريو خاص للتعامل معها, ولكن هناك قواعد عامة في التعامل مع هؤلاء الشباب ومنها التفهم والصبر وطول البال واستبقاء علاقة جيدة رغم الاختلاف وإعطاء الفرصة للتفكير والتيقن وعدم فرض أفكار سابقة التجهيز لأن المهم هو القناعة وليس الإذعان أو التظاهر بإيمان زائف. والعلاقة الطيبة مع الشخص ومساعدته في تجاوز أزماته النفسية والسياسية والاجتماعية تكون أهم من محاولات إقناعه بأدلة دينية وبحجج وبراهين عقلية أو نقلية.
• حين تكتشف الأسرة أن ابنها قد دخل في الإلحاد غالبا ما تحدث حالة من الفزع وتتوجه الأسرة نحو الوعظ والإرشاد وتستدعي بعض العلماء لإقناع الابن بالعدول عن إلحاده, ولكن هذه المحاولات غالبا ماتفشل فتتجه الأسرة للحل العقابي وربما تمارس النبذ والطرد والتبرؤ من الابن وهذا يزيده عنادا وإصرارا ويدفعه بعيدا عن حضن الأسرة لتتلقفه روابط وجماعات الملحدين المحلية والدولية وتشحنه بالكراهية والضغينة تجاه أسرته وتجاه مجتمعه الذي لم يحترم حريته. والبديل أن تتحلى الأسرة بالصبر وطول البال وأن تحتوي هذا الابن رغم تمرده العقيدي وتعطيه الفرصة لمزيد من المعرفة والتيقن وتستبقي حبال الود والتراحم معه فهذا هو حبل الإنقاذ المهم.
• إجراء دراسات علمية متخصصة على دوافع ومفاهيم وظروف الإلحاد في صوره الفردية والجماعية, وإذا أمكن يتم عمل قاعدة بيانات بأعداد الملحدين ومواقعهم وتأثيرهم وذلك بهدف التعامل الواقعي معهم بعيدا عن التعميمات والتهويلات.
• تدريب مجموعات من الشباب على فهم الظاهرة ومهارات التعامل مع الشباب الملحدين لأنهم يكونون أقرب إليهم وأقدرعلى تقديم المساعدة دون إشعارهم بالسلطوية أو الفوقية التي يمكن أن تكون عائقا عند تعامل الكبار معهم.
• الاهتمام بالتواصل الإلكتروني (على الإنترنت) حيث يتركز نشاط شباب الملحدين عليه نظرا لتخوفهم من الظهور, وذلك يستدعي عمل مواقع للمساعدة والرد على التساؤلات الباحثة عن اليقين وعلى الشبهات والشكوك دون التورط في جدالات عقيمة قد يستدرج فيها الموقع من بعض الأشخاص أو المجموعات.
• دراسة أفكار الملحدين من خلال تفحص مواقعهم الإلكترونية وكتاباتهم وربما من خلال لقاءات حية معهم وذلك لترتيب محاضرات وندوات ومنشورات وكتيبات موجهة خصيصا وبشكل نوعي إلى جوانب التشكيك ومواطن الخلل في العلاقة بالدين أو المجتمع, وتجنب الوعظ في الهواء والذي لايتصل بالقضية وجوانبها بشكل مباشر.
• ترتيب ورش عمل وحلقات نقاشية مفتوحة لبعض الخطباء والأئمة حول مسألة الخطاب الديني وعلاقته بالإلحاد وحول جوانب الظاهرة وتعلقاتها الدينية والنفسية والاجتماعية والسياسية وكيفية التعامل النوعي المؤثر مع تلك الحالات.
• عمل جلسات فردية وجماعية للأفراد والمجموعات من الشباب الملحد يديرها أطباء نفسيون أو متخصصون في علم النفس أو التربية لتغطية الجوانب النفسية والتربوية في الموضوع.
• عمل توعية وقائية في الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون للشباب الذي لم يقع بعد في دائرة الإلحاد على أن لا تشكل هذه الجهود الوقائية تهويلا للموضوع أو تضخيما له أكثر مما يجب.
• معالجة قضية اغتراب الشباب التي ترتكز على مشكلات سياسية ودينية وتجعل هؤلاء الشباب في حالة انفصال عن قضايا المجتمع لشعورهم بالنبذ والإهمال وشعورهم بأن الكبار يتحكمون في كل شيء, وهذا لا يتأتى إلا باشراك الشباب في المشورة والفعل وإدماجهم في كل مجالات التنمية والنهوض بالمجتمع واحترام أفكارهم وإبداعاتهم.
• أما الأفراد والمجموعات الذين يتحركون بناءا على أجندات بعينها ويرتبطون بشبكات مصالح محلية أو دولية فيتولى أمرهم الجهات القانونية دون مبالغة في التخوين أو العقاب .
واقرأ أيضاً:
مصر تصافح نفسها / مصر تطلق لحيتها !....مصر تحلق لحيتها!2 / احتواء شباب الإخوان ومحاسبة قادتهم / الحالة النفسية للإسلاميين