كيفية التغلب على الأفكار السلبية
من أعظم هبات الله أننا لا نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل، قد يكون التوقع مغريا، ولكن تخيل الضجر أو الفزع المطلق الذي سيلازم الحياة إذا عرفنا مقدما كل الأشياء – الجيدة والسيئة – التي ستحدث لنا – لن تكون هناك أية مفاجآت أو احتفالات بالنجاح، أو دموع تعبر عن الحزن، وقليلا ما سنجد شيئا يحفزنا، ثم ما الذي سيدفعنا إلى الجد و الاجتهاد للتغلب على العقبات ما دمنا نعرف النتيجة بالفعل؟
تمثل البداية أصعب جزء في أي عمل:
تشبه الحياة في جوانب كثيرة القيام بنزهة طويلة بالسيارة، إذ نعلم مكاننا، والمكان الذي نريد أن نذهب إليه، ولكن هناك طريقان للوصول إلى هذا المكان، الأول أن نقفز داخل السيارة ونذهب إليه و نقوم بالترتيبات اللازمة في الطريق، والثاني أن نخطط مقدما، ثم نرسم خريطة بالطريق، ونحسب المسافة التي نريد أن نقطعها كل يوم، وهكذا فإننا سنصل في النهاية إلى نفس المكان على الأرجح، ومع أن الطريق الأول ربما يكون أكثر مغامرة فإن الطريق الثاني قد نصل من خلاله بسرعة أكبر، وجهد أقل بكثير.
هكذا نرى بوضوح أهمية التخطيط لأي رحلة، مع ذلك نفترض في كثير من الأحوال أن الأمور ستسير من تلقاء نفسها، وبنفس الطريقة عندما نتعامل مع أمور أكثر أهمية مثل الأمور العائلية أو ما يتعلق بالوظيفة، إننا نتوقع أن نكسب أموالا طائلة، ونعول أسرة مثالية، ونكون سعداء، بدون أن نعد خطة محددة لتحقيق ذلك.
عادة ما تبدأ أول خطوة للوصول إلى حياة ناجحة وسعيدة بأن نأخذ عهداً على أنفسنا بأن نقيم حياة ناجحة وسعيدة بالفعل، وبأن نركز على الاحتمالات الممكنة لا على الأخطاء، مما يعني التركيز على المستقبل وليس على الماضي، ربما لا نستطيع أن نبدأ بالمستقبل ولكن يمكننا أن نسهم في تشكيله، إن واقعنا هو ما نصنعه، إذا اقتربنا منه بإيجابية وحماس، فسوف نحقق النتائج الإيجابية. ولسوء الحظ فإن العكس صحيح أيضا فالسلبيات لا تجذب الإيجابيات، بل تؤدي إلى الفشل واليأس.
من أبطأ به عمله لم يسعفه نسبه:
لا ينبغي لأحد التعويل على نسبه وما فضل الله به آباءه على غيرهم من العالمين، فإنه من أبطأ به عمله لم يسرع بن نسبه، وما هلك اليهود إلا بقولهم "نحن أبناء الله وأحباؤه" وشعبه المختار من عباده، ونحن ذرية الأنبياء وذرية الصالحين، فاعتمدوا على ذلك واغتروا به وظنوا أنهم ناجون من عذاب الله عند فعل معصيته وترك طاعته بشفاعة آبائهم من النبيين والمرسلين حتى قال لهم الله سبحانه وتعالى: "واتَّقوا يوماً لا تَجْزِي نَفسٌ عَن نَفْسٍ شَيئاً ولا يُقْبَلُ مِنهَا شَفَاعةٌ، ولا يُؤخَذُ مِنهَا عَدلٌ، ولا هُمْ يُنصَرُون"، سورة البقرة، من الآية 48، علينا ألا نعتمد علىأحسابنا وأنسابنا في تقديرنا لأنفسنا؛ بل نعتمد و في المقام الأول على صالح أعمالنا!.
شجاعة التغيير:
يتطلب تغيير أي شيء فينا إلى شجاعة وتصميم ومثابرة كافية لنستمر حتى النهاية، من الصعب أن نتحول من أشخاص سلبيين أو محايدين إلى مفكرين إيجابيين لأننا عندئذ نكون كالذين يسيرون ضد تيار الخضوع للقواعد، إن المفكرين الإيجابيين يمثلون الأقلية في أي مجموعة: في موقع العمل أو المدرسة أو الأحداث الاجتماعية أو في البيت، فإن الاتجاه العام في التفكير هو أن نركز على أسباب الفشل واحتمالاته بدلا من التركيز على إمكانية النجاح.
علينا أن نمتلك الشجاعة لنكون مختلفين، ولكن علينا ألا نكون مجادلين أو متباهين باستقلالنا. إن الصفة التي تجذب الأنظار إلينا وتجعل منا شخصيات مميزة هي شجاعتنا في أن نكون صادقين مع أنفسنا، إن المفكرين السلبيين قد يتسترون على آرائهم الحقيقية بعبارات تفيد الإنكار مثل: "اسمح لي بأن أخالفك قليلا في الرأي"، أو "اقبل مني هذا على سبيل النقاش"، ولكن النتيجة واحدة، فهم يحاولون دائما أن يجدوا أسباباً لكي لا يطبقوا فكرة جديدة، أكثر من التركيز على احتمـــال تطبيقها، إن أي فكرة جديدة تنطوي على قدر من الخطر – قد يكون كبيراً أحيانا – ولكن لن يتحقق أي شيء مهم بدون نسبة من المغامرة المحسوبة، مع توافر الرغبة في تجريب شيء جديد.
بناء الثقة:
إن للثقة بالنفس أثراً عجيباً، إذ أن الرجال والنساء الذي يثقون بأنفسهم يجذبون انتباه الآخرين بنسبة كبيرة ويتقدمون في أعمالهم بصورة سريعة، ويبدو أن شيئا عجيبا قد حدث لهم عند الولادة، فالنجاح يأتي إليهم بشكل طبيعي وبسهولة.
إذا تعمقت أكثر من ذلك لوجدت أن ثقتهم هذه تكون نتيجة عملية الاجتهاد المستمر، والذي يمكن أن يقوم به أي شخص منا، إن الثقة تتحقق للبعض بسهولة وبشكل طبيعي، ولكن العملية واحدة، فمبادئ الثقة يمكن أن يتعلمها الجميع ويطبقونها بسهولة، إليك بعض الأساليب التي يمكن أن تطبقها لتصبح مفكرا إيجابيا، وإنسانا واثقا يرى احتمالات النجاح متوافرة بدلا من احتمالات الفشل:
خالط الأشخاص الإيجابيين:
كانت والدتك على حق عندما قالت لك ألا تصاحب الأصدقاء الأقل من مستواك، فسوف يجرونك إلى مستواهم؛ و كما قيل: "من يصاحب الأحمق فعليه أن يتحمل أفعاله وتصرفاته"؛ لذا من الصعب جدا أن تكون إيجابيا عندما تصاحب مفكرين سلبيين. ولذا فمن الأفضل أن تقضي وقتك مع هؤلاء الذين يستطيعون تحقيق أهدافهم إذا آمنوا بقدرتك، كما يؤمنون هم بقدراتهم على تحقيقها.
أعدّ قائمة بالإيجابيات:
كان بنيامين فرانكلين –وهو أحد قادة أمريكا الحكماء– يصدر القرارات الحاسمة بأن يقسم صفحة ورقية إلى عمودين، أحدهما للحجج المؤيدة والآخر للحجج المعارضة، ثم يصنف كل الأسباب التي تؤيد وتعارض تصرفا ما يريد أن يقوم به، إن هذا الأسلوب لم يكن يوضح الأمور فحسب، بل كان يدله أيضا على الطريق السليم.
تعلم من التجربة:
إذا كنت تميل إلى السلبية، فعليك مراجعة سلوكك كل يوم وهو حاضر في ذهنك. قم بتحليل أفعالك، وحدد ما يجب أن تفعله بشكل مختلفة لتصبح أكثر إيجابية. ولا تنسى أخي العزيز أنه "ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ". قيل لبعض الحكماء: "بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ فقال بإصلاح نفسه". لهذا كله علينا أن نخجل من عيوبنا، ولا نخجل أبداً من تصحيحها. ولا ننسى في المقابل أهمية التسامح مع من أخطأوا في حقوقنا ثم أظهروا ندمهم على ذلك أو اعتذروا -ولو على استحياء- حفاظاً على ماء وجوههم؛ و دائماً ما يقول العقلاء من البشر: "الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي ارتكبها غيرنا في حقنا، وفي تغذية روح العداء بين الناس".
خصص وقتا للتفكير:
تأكد من أنك تخصص نصف ساعة على الأقل في كل يوم للتفكير والتخطيط، إذهب إلى مكان هادئ لا يزعجك فيه الآخرون، ثم إهدأ وفكر في أهدافك، وإحسب تقدمك حتى الآن، وحدد الأفعال التي يجب أن تقوم بها لتحقيق هذه الأهداف. و لا تنسى أخي العزيز أهمية الوقت؛ يقول ديل كارنيجي: "كل دقيقة لا تُضيف إلى وجودك، فإنها تحُطُ من قدرك".
إلزم نفسك بالتركيز على الإيجابيات:
عندما تتسلل إليك أفكار سلبية، عليك أن تتوقف وتعيد النظر، ثم تعود على البحث عن الأسباب التي تفسر لماذا يمكننا أن نقوم بشيء ما؟ بدلا من لماذا لايمكننا القيام به؟، وفي ذلك؛ قيل لنابليون: كيف نجحت في تعليم جيشك؟
قال لأني ربيتهم على ثلاث خصال:
أولا: من قال لا أعرف قلت له تعلم.
ثانيا: من قال لا أستطيع قلت له حاول.
ثالثا: من قال لا أقدر قلت له جـــــرب.
وقال أيضا: جبان في جيشي أخطر عليّ من عشرة بواسل في جيش الأعداء. ومن المهم الصبر على الشدائد وتحملها؛ كي يحقق الشخص أهدافه الإيجابية في الحياة، وألا ينسحب الشخص عند أول خسارة، بل عليه بالصبر والمثابرة، يقول الشاعر:
ولرب نــازلة يضيق لهــــا الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت، وكنت أظنها لا تفرج
لكل ذلك علينا أن نتذكر:"أن الآراء الإيجابية كالمسامير؛ كلما طرقها المرء أكثر ازدادت عمقاً و رسوخاً".
تعلم أن تتعاطف مع الآخرين:
أنظر إلى الموقف من منظور الآخرين. حاول أن تفهم لماذا يتصرفون هكذا، وما يمكن أن تفعله لتكوين علاقة إيجابية وبناءة معهم. وأذكر هنا أنني قرأت حادثة وقعت للكاتب الكبير مصطفى أمين أثناء اعتقاله سياسيا بعد ثورة يوليو 1952 بمصر، وهي قصة تعلمنا أن نبذر بذور الخير دائما مع الآخرين دون انتظار جزاء ولا شكورا ما دمنا نستطيع تقديم يد المساعدة لمن يحتاجونها؛ ولنتأمل معاً معنى هذا البيت الحكيم:
الناس للناس من بدوٍ وحــــاضرةٍ بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ
ويتبع >>>>>>>>>>> لا تتردد في مساعدة الآخرين إن استطعت