اتصلت إحدى الصحفيات الكسالى تطلب الرد تليفونيا وعادة ما أرفض ذلك تماما وأسمح بحل وسط هو الإرسال والرد إليكترونيا، رغم قناعتي بأن هذا ينقص كثيرا من الفائدة للصحفي ومن القيمة الحقيقية للموضوع أو المقال أو الاستطلاع أيا كان،... صاحبتنا هنا ولا أذكر اسمها للأسف أرسلت تسألني:
دكتور وائل
تحياتي لحضرتك الأسئلة هي:
1) الدوافع والأسباب النفسية لانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب
2) تأثير هذه الظاهرة على الجاليات المسلمة في دول أوروبا
3) من تعامل حضرتك مع مرضاك هل توجد هذه الظاهرة في مصر
شاكرة حضرتك جدا، ومعذرة إذا كنت اثقلت على حضرتك
طبعا أرسلت لها الرد يومها مساء وكان ذلك منذ شهرين أو يزيد واشترطت عليها إعلامي بعد نشر الموضوع، وانتظرت طويلا وكعادة الصحفيين لم تفِ بوعدها بما ذكرني بمدونة رهاب اللامحمول لا تصدق معدا ولا صحفيا..... وكان ردي:
مبدئيا دعينا نحصر مفهوم الإسلاموفوبيا في (فرط الخوف من المسلمين) والذي تنامى خلال العقود الأربعة الأخيرة...... وربما كان أول ظهور عالمي إعلامي له كظاهرة مجتمعية كان في أعقاب قارعة 11 سبتمبر 2001 عندما حدث الهجوم على برجي المركز التجاري العالمي في نيويورك... منذ ذلك الحين مُهد الطريق للإسلاموفوبيا وبدأت الحرب العالمية على الإرهاب أو "الإسلام الإرهابي" كما يفهمه العامة في الغرب.
الأسباب لا أستطيع أن أسميها الأسباب والدوافع النفسية بقدر ما هي الدوافع الاجتماعية بما فيها الدينية والسياسية.... المسألة هي العلاقة بالآخر المختلف دينيا... وتم اللعب عليها من جهات سياسية وإعلامية استغلت تصرفات المتشددين من المسلمين... والتي غذاها أصحاب الفقه العدائي من رجال الدين لتوظف ذلك كله في خدمة ومصلة لاعبي السياسة والإعلام المحترفين وغير خفية علاقة هؤلاء بالصهيونية وهي العدو الرئيسي للمسلمين.
ليست المؤامرة هي ما أقصد أو أقصر الأمر عليها، فالواقع أن مسؤولية الخطاب الديني الإسلامي الذي ركز لعقود على رؤية الآخر المختلف "كافر" أو كافر بشرطة ! وتناسى عن غباء وتعمد إرثا طويلا يعبر عن الإسلام الصحيح وهو الدين الوحيد الذي يقبل الأديان السماوية كلها ولا يعتبر أتباعها كفارا، وتناسى كثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة بل وآيات القرآن التي تحض على قبول واحترام الإنسان لأنه إنسان.... لكنه أي مفهوم الإنسان تحول في وعي رجال الدين المتشددين أو المتحمسين وصار الإنسان إذا كان مسلما....
أستطيع أن أجد أسبابا نفسية لدى رجال الدين أدت إلى ذلك ربما من المسلمين وغيرهم لكن عبارات الحض على الكراهية واضحة في أحاديث كثير من رجال الدين المسلمين العلنية وغائبة في أحاديث غيرهم على الأقل العلنية في بلادنا.... وهناك بالتأكيد منذ أكثر من عقدين أحاديث تحض على كراهية المسلمين في الغرب وتأثيرها على الجاليات المسلمة يتفاوت من مكان لمكان ومن وقت لآخر إلا أنها ظاهرة تنامت في الفترة الأخيرة حتى وصلنا إلى ما ترين في ميول الشارع السياسي الأمريكي حاليا.... كما يظهر في حملة دونالد ترامب المرشح للرئاسة الأمريكية.
إذن يتنامى شعور المسلمين في الغرب و(الشرق!!) الآن بالتمييز الاجتماعي ضدهم... ولكن تأثير ذلك في الهجرة العكسية أو الرجوع إلى الأوطان ليس واضحا مطلقا مع الأسف ربما لأنهم لا يتوقعون معاملة أفضل كمواطنين في بلادهم ببساطة لأن حقوقهم تحت التمييز العنصري في أي مكان أفضل من حقوق المواطن العادي في أوطانهم!
أما مسألة وجود الظاهرة في مصر... فأستطيع أن أقول لك أنني رصدت بداياتها في عملي للمرة الأولى بعد أحداث محمد محمود وتعاظمت قبل وإبان وبعد أحداث يونيو وبشكل واضح كانت التصرفات التي تشير إليها بين الناس مرتبطة بحملات الشحن الانفعالي والتشويه المبالغ فيه لصورة الإسلامي في "الإعلام" المصري... إلى درجة كادت تساويه بالإرهابي! ومن التصرفات التي رصدتها كثير يحرج إنسانية الإنسان المصري بشكل غير مسبوق..... ومن المؤسف هنا أني أستطيع أن ألمح التداعيات النفسية لذلك كله واضحة لدى قطاعات كبيرة من المصريين... ربما نظرا للهشاشة المعرفية المؤسفة التي يتحلى بها هؤلاء بما يجعل النزعات والدفاعات النفسية الأولية العصابية وغير الناضجة بل والذهانية بشكل واضح...
ليس خفيا أن الظهور الحقيقي ذي الأثر الجماهيري في مجتمعاتنا العربية لظاهرة الخوف من الإسلاميين ارتبط تماما بأحداث الربيع العربي.... وكلنا عاش الربيع العربي، ولست هنا أتحدث عن السياسة، وإنما أود فقط أن أشير إلى ما لاحظت ولاحظه كثير من المحللين حول رد فعل الجماهير على مدى السنوات الـ 5 الماضية...... إذ يمكن وباختصار مخل تقسيم حركية أو ديناميكية الجماهير النفسية في مجتمعاتنا بكل فئاتها في تفاعلها مع أحداث الربيع العربي إلى أربعة مراحل تميزت المرحلة الأولى بدفاعات نفسية ناضجة قمع الخلافات والتسامي والإيثار والزهد، وتميزت الثانية بالدفاعات العصابية مثل نزعة السيطرة والتبرير والذهننة والتخريج، وتميزت الثالثة بدفاعات غير ناضجة مثل العنف وتخفيض قيمة الآخر والتقديس للذات والتوجه السياسي وكذلك النكوص إلى التفاعلات الطفولية، وما تزال مع الأسف الدفاعات الذهانية تطبع ردود الفعل الحالية والمستمرة منذ سنوات وهي الدفاعات التي تصل إلى تشويه إدراك الواقع بل ونكران الواقع في غلاف من الكذب الذي يكاد يصدق نفسه (عن : سداد جواد التميمي، 2013).
من ضمن ذلك وكجزء مهم من أسباب هذه الديناميكية النفسية المؤسفة ساهم التشويه الإعلامي المستمر والمتكرر من قبل الإسلاميين وغيرهم قبل أحداث يونيو ومن قبل غيرهم وحتى يومنا هذا للإسلاميين في خلق مناخ نفسي مشوه.... وساهم بالتأكيد ظهور داعش في هذا الأمر من جانب الإسلاميين كما ساهم استغلاله من جانب أعدائهم في تعقيد المشكلة وتداعياتها التي هي مرحشة لأن تكون في مجتمعاتنا كارثية الوقع أكثر ربما منها في دول الغرب.
أخيرا من المؤسف أن نلاحظ أن دوافع الإسلاموفوبيا في الغرب هي دوافع سياسية اقتصادية عقلانية إلى حد وتتعلق بالنظريات والآراء والمصلحة بينما هي في مجتمعاتنا دوافع أدنى من ذلك تتعلق أكثر بالدفاعات النفسية الأولية والمصالح الشخصية المجردة... للأسف مجتمعاتنا أقل استيعابا وقدرة على التعامل مع الأحداث ويمكنك التأكد من ذلك ليس فقط من خلال رؤية طبيب نفساني... وإنما بمتابعة عدة برامج تليفزيونية واختاري أشهرها وسترين دفاعات المرحلة الرابعة جلية الوضوح!
الظاهرة إذن موجودة في مصر لكنها - رغم شيوعها شعبيا لفترة قصيرة في أعقاب أحداث حزيران 2013- ما تزال على المستوى الإعلامي والرسمي أكثر منها على المستوى الشعبي حتى الآن، وهناك حاجة حقيقية على المستوى المصري إلى تعريف أصحاب الأبواق الإعلامية بأهمية أن يفهموا ويستوعبوا جيدا ما هي المسافة الحقيقية بين ما هو إسلامي متطرف يعتبر نفسه جهاديا ونسميه إرهابا وما هو إسلام حقيقي يحض على الحب للحياة وعلى الصلاح وما هو إسلام مشوه يحض على الكره والقتل والفساد.
واقرأ أيضًا:
في شوارع القاهرة : كاسرا حظر التجول !/ مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد!/ الومضات المعرفية الشعورية لـ رابعة العدوية !/ بدون فيديو: مظاهرة روكسي 3 سبتمبر