الفصل السابع
إنه عرض سريع حدث منذ مدة في التحدث مع نفسي بغضب، كنت أقوم بمثل ما كانت والدة صديقي تقوم به، فنحن نتخلص من طاقة الضغط الزائدة حيث نكون تحت الضغط، وتثور أجسامنا مثل أجسام نابضة تلفنا بشكل ضيق؛ بحيث يصعب معها الجلوس في مكان واحد مع القليل من الاسترخاء أو الذهاب في النوم. وفيما يلي بعض المنافذ البناءة من الإحباط:
نشاط جسدي: سيساعدك جمع الأوراق وتنظيف الشرفة والعمل في الحديقة أو تنظيف الطابق السفلي وغيرهم في تبديد ضغطك.
التمارين أو الرياضية: إن المشي السريع أو الركض أو ركوب الدراجة أو غيرهم يمكن أن يساعد في تبديد الضغط.
الاسترخاء: يمكن أن يكون الجلوس والاسترخاء صعبا ولكن حين تشعر بالإثارة ينجح ذلك في جعلك مسترخ.
التدليك: على الرغم من أن شخصا آخر يقوم بهذا العمل في حين أنت تسترخي، يعتبر التدليك طريقة رائعة للتخلص من توتر العضلات.
التفريج عنك: إن التحدث مع شخص آخر قد يساعدك جدا؛ لأن إخراج الأمور من صدرك يمكن أن يكون مهدئاً وشافياً له في الوقـت نفسه.
الفكاهة: إن الضحك طريقة رائعة لإزالة التوتر كما أن اللعب مع الأطفال يمكن أن يكون شافياً. وتعتبر المجلات الفكاهية والأفلام الكوميدية من الأشياء المزيلة للضغط.
التسلية واللهو: إن حل الكلمات المتقاطعة وبعض المسليات في المجلات والجرائد لما يساعد على إزالة التوتر والضغط.
الخلاصة: من النادر أن تبقى مستيقظا نصف الليل للتخلص من طاقة الضغط، ولكن إذا ما حدث ذلك ستعمل حتما على التخلص من الكثير من الضغط.
الغضب هو الجحيم
يُحكى أن يابانيا من المحاربين الساموراي أراد أن يتحدى أحد الرهبان ليشرح له مفهوم الجنـــة والنار. لكن الراهب أجابه بنبرة احتقار: أنت تافه ومغفل، وأنا لن أضيع وقتي مع أمثالك. أهان الراهب شرف الساموراي، الذي اندفع في موجة من الغضب فسحب سيفه من غمده وهو يقول: سأقتلك لوقاحتك.
أجابه الراهب في هدوء: هذا تماما هو الجحيم!!.
هدأ الساموراي، وقد روعته الحقيقة التي أشار إليها الراهب حول موجة الغضب التي ســـيطرت عليه. فأعاد السيف إلى غمده وانحنى للراهب شاكراً له نفاذ بصيرته، فقال له الراهب: وهذه هي الجنة!.
لقد أعجبني -ولأطلق عليها المناظرة– في تلك المناظرة شجاعة الراهب في مواجهة محارب الساموراي، واستفزازه لهذا المحارب بوصفه إياه بالتفاهة والغفلة، ثم حكمة هذا الراهب في تشبيهه لغضب الساموراي بالجحيم، ولكن أعجبني أكثر رجوع محارب الساموراي إلى الحق، وانصياعه لنقد هذا الراهب، وغمده لسيفه مع الانحناء معتذراً لذلك الراهب الحكيم. وهكذا يجب علينا جميعاً أن نتحكم في ثورات غضبنا، وأن نعود إلى جادة الحق من قريب، وأن نتحلى بالحِلم الجميل عندما يُحاول شخص ما أن يستفزنا أو يثير حفيظتنا.
التعامل مع الغضب
كان أحد المديرين ينتظر وصول وثائق مهمة أرسلت له بالبريد، وكان من المفترض أن تصله قبل الظهيرة ولكن تجاوز ذلك الوقت بنصف ساعة تقريبا، وشعر بالضيق والغضب عندما اكتشف أن تلك الوثائق لن تصله إلا بعد انتهاء عطلة نهاية الأسبوع، عندئذ كرس هذا الوقت -الضائع في انتظار وصول تلك الوثائق- في دراسة مشروع آخر له علاقة ما بهذه الوثائق التي هو في انتظار وصولها، وكما قيل: "أقوي الناسِ مَنْ قَوِيَ على غَضَبِهِ"، ويصور ذلك الموقف البسيط لنا ثلاث نقاط:
* إن الغضب عاطفة طبيعية عامة تنتابنا جميعا.
* يتضمن الغضب السلوك، أما كيفية التعبير عنه فهو خيار الشخص الغاضب.
* المدة التي نبقى فيها غاضبين أيضا هي من خيار الشخص الغاضب.
لا يعد الغضب بذاته مشكلة، ومع ذلك يمكنه أن يزيد من ضغط الدم بشكل مفاجئ لبعض الناس المعروفين بالمنفعلين الساخنين. ولكن كيف نصبح غاضبين وكيف نظهره وكم نبقى نتخبط في هذا الشعور الذي يؤدي إلى مشاكل كثيرة لنا وللآخرين. ومن الغريب أن الأولاد يمكن أن يعلمونا الكثير حول إدارة الغضب، فهم يُعبِّرون عن مشاعرهم علنا ثم يطردونها من داخلهم. إنهم يشعرون بالإحباط أو الانزعاج، ولكن خلال دقائق يعودون إلى الضحك واللعب مخلفين الغضب وراءهم. إنهم حقا رائعون، وصدق من قال عنهم: يتميز الأطفال بسبع خصال:
أولها: أنهم لا يغتمون للرزق.
ثانيها: أنهم إذا مرضوا لم يضجروا من قضاء الله.
ثالثها: أن الحقد لا يجد سبيلا إلى قلوبهم.
رابعها: انهم يسارعون للصلح.
خامسها: أنهم يأكلون مجتمعين.
سادسا: أنهم يخافون لأدنى تخويف.
سابعها: أن عيونهم تدمع.
وهناك عدة طرق أخرى للتعامل مع الغضب في المواقف الخطيرة، وتقوم إحدى هذه الطرق الطرق على تجاهل ما حدث، أو على اختيار اللامبالاة بما جرى، وليس عليك أن تتفاعل لمجرد أن أحدهم تصرف بشكل لا يعجبك. وهؤلاء يعملون بحكمة بتاح حتب القائلة: "إنَّكَ تَتَغَلَّبُ على الغَضَبِ حِينَ تَصْمُتُ"؛ والتي يؤكدها سقراط قائلاً: "داووا الغضب بالصمت".
وتقوم طريقة أخرى على تعليق الموقف مؤقتا وإعادة التفكير حوله، ثم يمكنك أن ترد بلباقة من دون مهاجمة الشخص الذي أثار غضبك. وهؤلاء يعملون بالمثل العربي القائل: "مَنْ أَطَاعَ غَضَبَهُ أَضَاعَ أدَبَه"ُ. وطريقة ثالثة تقوم على تلطيف الغضب من خلال التسلية أو اللهو أو الدعابة أو من خلال التكلم عن السبب (مع نفسك أو مع شخص آخر) بطريقة تساعدك على فهم سبب انزعاجك وعلى تهدئتك؛ لأن عواقب الغضب أشد خطورة من أسبابه. والمهم المهم هو التأني في رد فعلك أو ما تتخذه من إجراءات كرد فعل على من أثار غضبك.
يوجد العديد من الاختيارات للتعامل مع الغضب منها:
أغضب أو لا تغضب:
إن الغضب هو رد فعل ولكنه ليس محتوما.... والتجمل بالحلم في مواجهة الغضب يُمكِننا من التدرب على تحمل الشعور بالإحباط والغيظ دون أن نغضب؛ لذا فالحلم سيد الأخلاق، وكما قال سيدنا الإمام علي رضي الله عنه: "لَيْسَ الحِلم ما كان في حالِ الرِّضَى، بل ما كان في حالِ الغَضَب".
الدكتور جونسون واللورد:
نشأ دكتور جونسون صاحب المعجم اللغوي الإنجليزي الأشهر فقيرا معوزا ولكنه ثابر على التحصيل حتى بلغ مبلغا كبيرا في الأدب والثقافة فسار له ذكر حميد وأصبح إلى جانب الكتابة الأدبية خطيبا مفوها وقاصا بارعا، ثم دفعته الهمة إلى أن يؤلف أول معجم شامل في اللغة الانجليزية وواصل البحث المضني في هذا السبيل الشاق حتى أتمه.
ولكن طبعه وذيوعه يحتاج إلى مؤازرة كبيرة من العظماء ليدفع مقدم نفقات الطبع، وقد كان الميسورون من علية القوم يرعون حقوق الفقراء من المؤلفين أحيانا، فيكفونهم هموم النشر وبلاياه. فطمع جونسون في أن يجد في اللورد تشسترفيلد هذا النصير، إذ كان يتباهى ذلك اللورد بحب العلماء مع معرفة جيدة بالعلوم والآداب، فأعلن جونسون إهداء معجمه إلى اللورد وطفق يتردد عليه آملا أن يجد عنده العون المادي فيُطبع المعجم على نفقته مصدرا بالإهداء المسهب اعترافا بجميله.
ولكن اللورد جافاه واستثقل رؤيته وأوصد بابه دونه. ولم يؤثر ذلك في عزيمة المؤلف العالم بل صبر سبع سنين مُجِدا دائبا ومقتصدا من قوته الضروري حتى استطاع أن يطبع المعجم، وأعلن في الصحف أنه على وشك الفراغ من طبعه، وهنا تيقظ اللورد من سكرته، وأحب أن يظهر المعجم متوجا بالإهداء إليه، فكتب مقالا رنانا يقرظ المعجم ويعلن أنه سيبذل من ماله الخاص ما يساعد على نشره، ولكنه فوجئ في اليوم التالي برد للمؤلف يقول فيه:
"لقد كنت يا سيدي ذا أمل في تشجيعكم من قبل، ولكني وجدت زياراتي المتتابعة إليكم لا تقابل إلا بترحاب الزاهدين فيها، فلم تسمح كرامتي باستمرارها بعد أن استنفدت كل مما أقدر عليه من أصول اللياقة والتقرب إليكم دون جدوى.
سبعة أعوام يا مولاي، قد ولت منذ اليوم الذي كنت انتظر فيه في دهليز داركم أو أنحنى على أعتابكم، وأنا في خلال ذلك أدفع بعملي فوق الشوك، وألاقي صعوبات لا جدوى في سردها الآن، حتى إذا وصلت بعد الصبر المر إلى حافة النشر -من غير كلمة مساعد أو حتى ابتسامة تشجيع- أجد الآن من يقرظني وأنا في غير حاجة إلى التقريظ!!!.
ليس ولي النعمة يا مولاي هو الذي ينظر إلى الغريق في أمواج البحر يصارع المياه طلبا للنجاة من الغرق فيتجاهله ويزدريه، حتى إذا رآه في جوار الشاطئ مد إليه طوق النجاة، وهو في غير حاجة إليه. إن هذه الرعاية التي تتفضل بها عليً لو كانت مبكرة لكانت طيبة، ولكنها تأخرت كثيرا حتى أصبحت لا أباليها ولا أستطيع أن أستمتع بها، وعسى ألا يكون من نكران الجميل ألا أعترف بيد لم ينلني خيرها أو ألا أعلن للناس أنني مدين لذي فضل؛ فما قمت به بفضل الله وحده، لا بفضل أحد سواه، وإذا كنت قد بلغت هذه المرحلة غير مستمد عونا من غيري فإني قد استيقظت منذ زمن طويل من حلم الأمل الذي كنت به فخورا من قبل.
لقد عبر الدكتور جونسون عن غضبه بهذه الكلمات من اللورد على صفحات الجرائد، وأحبط رغبة اللورد في أن يُهدي إليه أول معجم في اللغة الإنجليزية، لأن اللورد طوال سبع سنوات عجاف لم يساند جونسون وهو يقوم بإعداد هذا العمل الصعب، وعندما أحس اللورد أن الثمرة أينعت أراد أن تكون من نصيبه هو، ولكن هيهات مع رجل مثل جونسون أن يكون مثل هذا التصرف مقبولا، فلقد كان معروفا عن الدكتور جونسون اعتداده الشديد بنفسه، وتأكيده لذاته بالرغم من تواضع حاله!.
لقد لقي اللورد من قلم الدكتور جونسون ما يستحقه وعلى الملأ وفي صفحات الجرائد. وهذه طريقة من طرق التعبير عن غضبنا ممن أساءوا إلينا، ولكن على من يلجأ إلى مثل هذه الطريقة أن يكون مستعدا لما سوف تجره إليه من متاعب، لأنه ينوي مواجهة أصحاب السطوة والنفوذ في وسائل الإعلام؛ وأصحاب النفوذ والسطوة لن يلتزموا الصمت بالطبع!!!. فعلى من يحبون أن يكونوا مثل الدكتور جونسون في تأكيد ذواتهم أن يكونوا مستعدين للمشاكل والأذى وأحيانا الحروب المعلنة وغير المعلنة!!. وصدق المثل القائل: "عندما يتزوج الغضب من الثأر ينجبان الشراسة".
إعترف بالأمر أو أنكره:
يقول بعض الناس أنا لست غاضباً، حين يكونون فعلا غاضبين مما يربك الآخرين بل ويربكهم هم أنفسهم أيضاً؛ فإذا كنت غاضبا فاقبل الأمر على الأقل في نفسك. وصدق من قال: "الغَضَبُ رِيحٌ قَوِيَّةٌ تُطفِىءُ مِصْبَاحَ العَقْل"؛ لذا يجب علينا أن نكون حريصين عند مصاحبة هذا النوع من الناس لأنه ليس من المستبعد من أن ننغمس في توابع غضبهم: "لا تُصاحِبْ الرَّجُلَ الغَضوبَ ولا تُساير الإنسانَ الحَنِق"َ.
مدده أو إطرده:
يتبدد الغضب عادة بسرعة (خاصة فيما يتعلق بالأمور الصغيرة) ولكن التشبث به –خاصة عن قصد– يمدد انزعاجك، فعند الغصب من الأفضل أن تتحلى بالعفو والتسامح الذاتي، ولكن هناك احتمال آخر و هو أن تستمر في الغضب وتوابعه؛ والذي غالباً ما يكون مدمرا للذات. يقول بنيامين فرانكلين: "الغاضِبُ يَعْتلي صَهْوَةَ جَوَادٍ مُتَوحِّشٍ".
العنف يمزق العقدة بدلا من حلها
تنازعت ريح الشمال والشمس في أيهما أقوى، ثم اتفقتا على أن المنتصر منهما هو الذي يستطيع أن يجرد مسافر من ثيابه. وحاولت الريح أولا ولكن هباتها العنيفة لم تزد على أن جعلت الرجل يتمسك بثيابه ويشدها حوله بإحكام. وعندما هبت على نحو أشد فإن البرد جعله يتضايق إلى درجة أنه لف نفسه بلحاف إضافي آخر، وفي آخر الأمر تعبت الريح من ذلك وسلمت الرجل إلى الشمس.
أشرقت الشمس في بادئ الأمر بدفء معتدل جعلت الرجل يخلع معطفه الفوقي، ثم شعت كثيرا إلى درجة جعلته عاجزا عن تحمل الحرارة فخلع ثيابه واتجه إلى نهر قريب ليستحم فيه!!.
وريح الشمال هنا تمثل سورة الغضب بينما أشعة الشمس تمثل الحكمة والحلم والأناة في تحقيق الهدف مهما كان صعباً أو عنيداً أو بعيد المنال.
ويقول الشاعر:
وَلَمْ أرَ في الأعْدَاءِ حين اخْتَبَرْتُهُمْ
عَدُوّاً لَعَقْلِ المَرْءِ أعدى مِنَ الغَضَب
ويتبع >>>>>>>>>>> إكبح غضبك أو عبر عنه