العلاج السلوكي للوسواس القهري1
تطبيق مبادئ العلاج السلوكي على أعراض الوسواس القهري المختلفة:
1. التطبيق على أعراض الطقوس والقهورات أو الأفعال القهرية:
في بني البشر يكون النجاح الأكبر لطريقة "منعِ الاستجابةِ" Response Prevention أو "التعرُّض Exposure مع منع الاستجابة" مع الطقوس أو الأفعال القهرية، ويمكننا اعتبار ذلك تطويرًا لفكرة أن كل شيءٍ إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده! وفكرة التعود وقابلية السلوك البشري للتغيُّر بناءً على تغيرات البيئة المحيطة به، وفكرة أن المواجهة خير من البقاء في خيالات التحاشي وغيرها، وكلها أفكارٌ يبدو أنها كانت عند من أجروا التجارب العلمية على هذا النوع من أنواع العلاج السلوكي ليثبتوا نفعه في منعِ مريض الوسواس القهري من ممارسة طقوسه أو أفعاله القهرية، ولو كانت الطقوس القهرية وحدها هي العرض فإنَّ الشفاءَ التام ممكن! وما تزال هذه الطريقة في العلاج هي الخيار الأمثل لمريض الأفعال القهرية المتعاون.
وتتلخصُ الطريقة في أن يتفق المعالجُ النفسيُّ مع مريضه على الامتناع عن ممارسة طقوسه القهرية لفتراتٍ طويلةٍ قدر الإمكان، وربما لمدد متدرجة في الزيادة، ولا بدَّ بالطبع أن يكون ذلك في حضور المعالج؛ خصوصًا في المراحل الأولى من العلاج، والذي يفضل أن يبدأ داخل المستشفى؛ بحيث تهيَّأ البيئة المحيطة بالمريض بشكل مناسب، ومن الممكن بالطبع أن تحتاج بعض الحالات إلى جلسات علاج سلوكي، تتم في بيت المريض أو في مكان عمله، ومن المفضل أن يقوم المعالج بأداء السلوك الذي يتجنبه المريض ويخاف منه كنوع من إعطاء النموذج للمريض، ومن الممكن أن يعرِّض المريض للمثيرات التي تستدعي منه القيام بطقوسه القهرية (كأن يمسك سلة المهملات مثلاً وينقلها من مكانٍ إلى مكان)، ثم يمنع أو يمتنع عن ممارسة تلك الطقوس، والحقيقة أنه خلافًا لتوقعات الكثير وعلى رأسهم المرضى أنفسهم فإن الامتناع عن ممارسة الطقوس، رغم أنه في بداية العلاج يسبب الكثير من الضيق والألم والتوتر؛ إلا أنه بعد فترة من الإصرار على مقاومة الرغبة في أداء الطقوس القهرية والامتناع عنها لا يزيد الضيق، بل يقل وينحسر تدريجيًّا إلى أن ينتهي (لأن الضيق ككل الأشياء إذا زاد عن حدِّه انقلب إلى ضده!)، ومن المهم جدًّا أن يشرح المعالج للمريض الفكرة الجوهرية للعلاج، وأن يفهمه ويطمئنه أن الزيادة الشديدة في مستوى التوتر والقلق، والتي تحدث في بداية التعرُّض للمثيرات التي يتجنبها؛ ليست إلا زيادةً عابرةً، ولن تجعل الحالة أسوأ كما يظنُّ كثير من المرضى، بل هي - كما يُقال - وجع ساعة يغنيه عن وجع الساعات الطويلة في حياته فيما بعد!
وتطبيق أساليب العلاج السلوكي يحتاج إلى قدر كبير من التفاهم بين المعالج والمريض، كما يحتاج إلى دافع قوي للتغيُّر لدى المريض، وليس الأمر كما يقول بعض المرضى وبعضُ أقربائهم: "لا جديد فيه ولا فائدة منه"! خصوصًا وأن المريض يمكن أن يكون قد منع نفسه من قبل، وكذلك أهله يمكن أن يكونوا قد حاولوا منعه، ولكنهم دائمًا ما يفعلون ذلك بطريقة إما خاطئة أو غير كاملة! فليس التطبيق العملي لأساليب العلاج السلوكي مهمةً سهلةً ولا بسيطة، كما قد يعتقد البعض عندما يقرؤون مثلاً عن منع الاستجابة؛ فيحسبون الأمر مجرد منع المريض من تصرُّف ما؛ لأن الأمور عادة ما تحتاج إلى المزج ما بين عديد من أساليب العلاج النفسي؛ سواءً السلوكي أو المعرفي أو غيرهما، فضلاً عن أهمية العلاقة ما بين المريض والمعالج، وكذلك أهمية إشراك أسرة المريض في برنامج العلاج السلوكي، والواقع أن الحفاظ على ذلك كله مع الإبقاء على درجة عالية من الدافع لدى المريض يحتاج إلى شخص مدرَّبٍ وجادٍّ في عمله إلى حد بعيد، وكلما أعطى المعالجُ السلوكيُّ من وقته للمريض كان في ذلك فائدة أكبر؛ لذلك يتم وصف المهمات العلاجية "بتصميم علاجي"؛ ويُقصد بها أنه يتم تصميم الخطوات والأهداف العلاجية بطريقة مدروسة، يأخذ فيها المعالج على محمل الجد كافة الظروف المحيطة بالمشكلة المرضية، فيصمِّم الإجراء المناسب لمساعدة العميل على التخلص من مشكلته المرضية وخفض أعراضها.
طريقة شرح نظرية وتقنية "التعرُّض مع منع الاستجابة للمريض":
عادة ما تكون فكرة المواجهة لمصدر الخوف حلاً طُرحَ على المريض من قبل؛ إلا أنه على الأقل لم يُعطِ نتائج طيبة، وربما أدى إلى زيادة في سلوكيات التحاشي وغيرها من السلوكيات القهرية؛ ولذلك ربما يراه المريض غير منطقي عندما يُعرض عليه، فقد طرق باب المعالج لأنه يريد خفض القلق، والمعالج يطلب منه أن يزيد القلق! وهنا لا بدَّ من التبسُّط في شرح النظرية والآلية السلوكية لفكرة التعرُّض مع منع الاستجابة من أجل تخفيض استجابة الخوف الشرطية وصولاً إلى الانقراض، وتحديدًا كيف أن التعرُّض المتكرر والمستمر لمصدر الخوف المرتبط بالاستجابة سيؤدي حتمًا إلى التعوُّد، وأنَّ الامتناع عن ممارسة الطقوس بعد فترة من الإصرار على مقاومة الرغبة في أداء الطقوس القهرية والامتناع عنها لن يزيد الضيق، بل سيقلله حتى ينحسر تدريجيًّا وينتهي، حتى وإن كان عدم الاستجابة في بداية العلاج يسبب الكثير من الضيق والألم والتوتر (فالضيق ككل الأشياء إذا زاد عن حدِّه انقلب إلى ضده تمامًا كما ذكرنا).
كذلك من المهم أن يفهم المريض الفهم العلمي الموضوعي لما يحدث فعلاً لأي إنسان عند إحداث مستوى قلق عالٍ ومستمر؛ بشرط إبقائه عاليًا؛ أي عدم اللجوء إلى أي شيء مما يخفِّض القلق؛ مثلاً: أفعال قهرية، تحييد الفكرة، صرف الانتباه، طلب الطمأنة.. أو أي من سلوكيات الأمان، وتشرح الفكرة الجوهرية للعلاج باستخدام مثال واقعي؛ مثل: لمس مقبض باب ملوث أو منجس في رأي المريض، وعند الاطمئنان إلى أن الزيادة الشديدة في مستوى التوتر والقلق والتي تحدث في بداية التعرُّض للمثيرات المخشية ليست إلا زيادةً عابرةً ولن تجعل الحالة أسوأ كما يظنُّ؛ لا بدَّ للمعالج أن يكون مستعدًا للردِّ على عدد من الأسئلة عادة ما يسألها المريض من خلال الأسئلة السقراطية؛ مثل:
- إلى متى يستمر القلق في الزيادة؟ أو إلى أي حد يصل؟ أو متى يكف عن الزيادة؟
- متى يبدأ القلق (أو عدد مرات حدوث الأفكار أو الرغبة الملحة لفعل الأفعال القهرية) في الانخفاض دون اللجوء إلى الأفعال القهرية؟
ولإعداد مدرَّج المخاوف الخاص بكل مريض يُستخدم نفس المثال الواقعي (لمس المقبض) و/أو غيره للمقارنة، مثلاً (لمس قاعدة الحمام، المشي دون نعل في أرضية الحمام...إلخ)،ويتم تعليم المريض تقدير وحدات الضيق الشخصي Subjective Units of Distress "و.ض.ش" أو SUDs؛ فمثلاً في الجدول التالي والذي يمثل مدرَّج المخاوف حسب تقييم واحدة من المصابات بوسواس النجاسة؛ يحصل التعامل مع أي مادة لزجة على 30 وحدة ضيق ذاتية مثله مثل رؤية البلل في أرضية الحمام، بينما يحصل لمس مقبض باب الحمام على 50 و.ض.ش.
و.ض.ش | المهمة السلوكية |
10 | الجلوس على كرسي عند قريبة أو جارة. |
15 | زيارة أسواق أو محلات تجارية ضيقة. |
15 | استخدام وسيلة مواصلات عامة (قطار أو أتوبيس). |
25 | الاقتراب من الحمام. |
30 | لمس اللحوم أثناء إعدادها للأكل وطهوها. |
30 | التعامل مع مواد لزجة. |
40 | ملاحظة وجود بلل بأرضية الحمام في وجود أطفال بالمنزل. |
40 | حمل ومداعبة أطفال دارجين (3-7 سنوات) دون ثقة في نظافة أمهاتهم. |
50 | لمس مقبض باب الحمام. |
55 | عدم غسل الفخذين حتى الركب بعد التبول. |
65 | استخدام حمام إفرنجي دون وضع مناشف ورقية اتقاءً للرذاذ. |
65 | عندما يلامس الثوب أرضية الحمام. |
75 | البقاء بالملابس الداخلية نفسها لصلاتين. |
90 | مصافحة جيران يقتنون كلابًا في بيتهم. |
90 | عدم تغيير ملاءات السرير (رغم نظافتها) بعد انتهاء أيام الحيض. |
95 | الجلوس على قعدة الحمام الإفرنجي دون غسلها أو تغطيتها بالمناشف أو المناديل. |
100 | الصلاة في نفس الثوب (النظيف) الذي كانت ترتديه وهي حائض. |
ويتبع>>>>>>>>> : العلاج السلوكي للوسواس القهري3
المراجع:
1. وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) العلاج التكاملي للوسواس القهري، البابُ الثاني: العلاج السلوكي للوسواس القهري، سلسلة روافد 138 و 139 تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
واقرأ أيضًا:
الوسواس القهري والقلق الاجتماعي هل مجرد تواكب؟ / التثاؤب اللامرتبط بالنعاس وعقاقير الوسواس