الفصل العاشر
دعنا الآن نلقي نظرة على استخدام مهارات الحوار الخمس في المحادثات ذات الحساسية الخاصة، ولنعد إلى فاتورة الفندق. في هذه المرة تتناول "مروة" القضية بصورة أفضل.
مروة: لم يكن جيدا.
خالد: لماذا؟
مروة: لقد كنت أراجع الحساب الخاص ببطاقة الائتمان الخاص بنا، ولاحظت وجود مطالبة بخمسة وأربعين جنيها لحساب فندق "ريجنسي"، والذي يقع بعد منزلنا بشارعين [إشراك الآخرين في الحقائق].
خالد: لا شك في وجود خطأ في ذلك.
مروة: هذا أكيد.
خالد: حسنا، لا تقلقِ، سأقوم بمراجعتهم في أي يوم وأنا عائد من العمل.
مروة: أفضل أن نتفحص هذا الأمر الآن.
خالد: حقا؟ إن المبلغ صغير ولا يتجاوز الخمسين جنيها. يمكننا الانتظار.
مروة: إن النقود ليست ما يقلقني.
خالد: وهل أنت قلقة؟
مروة: إن الأمر متعلق بفندق قريب من منزلنا، وأنت تعرف أن شقيقتي اكتشفت أن زوجها "عادل" يقيم علاقة بأخرى، وكانت البداية عثورها على فاتورة فندق، [إشراك فـي القصة – لغة احتمالية] ألا يوجد شيء هنا يستدعي القلق؟، ماذا تعتقد أنت عندما نجد شيئا مشابها؟ [طلب معرفة آراء الآخرين].
خالد: لا أعرف، ولكنني واثق من أنك غير قلقة من جانبي!.
مروة: أعرف أنه لا يوجد أي سبب للتساؤل عن مدى إخلاصك لي. إنني لا أصدق أبدا أن لك علاقة بأخرى. [مغايرة] ولكن قد تريحني مراجعة الفندق للتأكد من وجود خطأ ما!؛ فهيا بنا نذهب إلى هناك وعلى الفور من فضلك!. هل يضايقك هذا؟!. [تشجيع الاختبار].
خالد: إطلاقا!. لنتصل بهم الآن لتبين حقيقة الأمر.
عندما جرت هذه المحادثة على أرض الواقع، دارت بنفس الصورة التي رسمناها هنا؛ فقد تجنبت الزوجة التي ترتاب في زوجها في إلقاء التهم ونسج القصص الوهمية، وأشركت زوجها في الحقائق، ثم طرحت المشاركة في التفسيرات المحتملة بلغة احتمالية. ولقد اتضح أن الزوجين خرجا لتناول العشاء ذات ليلة في نفس الشهر، وتوجها إلى أحد المطاعم الذي تصادف أنه مملوك لنفس الشخص الذي يملك فندق "ريجنسي"، وأن الختم الموجود على بيان البطاقة الائتمانية واحد لكل من المطعم والفندق. وهنا أذكر بيتاً للمتنبي يذكر فيه أن الحقائق الجلية للعيان تقضي على الظنون والجدل حول الأسرار فيقول:
والعيان الجلي يحدث للظن زوالا وللمراء انتقالا
وهكذا نرى أنه من خلال التشارك في القصة بلغة ترجيحية بدلا من البدء في الهجوم وتبادل الإهانات والتهديدات، لقد تفادت الزوجة معركة هائلة وازدادت قوة العلاقة بين الزوجين في الوقت الذي كادت فيه أن تنهار بكل بساطة.
وهنا استدراك هام؛ وهو أن هناك من شركاء الحياة من هو مصاب بمرض الغيرة المرضية أو الشك المرضي، وهذا نوع من الاضطرابات الزورية (من الزور والبهتان) معروف في الطب النفسي، وأود أن أقول أن هذا النوع من شركاء الحياة سواء زوجا أو زوجة أو خطيب أو خطيبة مضطرب نفسيا وبحاجة إلى علاج.
هذا الشخص المريض "بالشك المرضي" قد يشك في كل شيء حتى حين يدق جرس الهاتف ولا يرد أحد!؛ فيفسر ذلك بأن شريكته في الحياة تخونه وعلى علاقة برجل آخر!، وحين ترى الزوجة الشكاكة شعرة على ملابس خروج زوجها فهذا معناه أنه كان يخونها مع امرأة أخرى!، ولو جلس الزوج منفرداً يفكر مع نفسه قليلا في بعض مشاكله المادية، والديون التي عليه، والتي لا يحب أن يصرح بها لزوجته، ظنت تلك الزوجة أنه لم يعد يحبها؛ لأن قلبه متعلق بزميلة له في العمل!، ولو اتصل الخطيب بخطيبته وكان التليفون مشغولا فيظن أنها كانت تتحدث مع رجل آخر غيره تحبه؛ ويبدأ التحقيق معها على الفور بمجرد أن ترد عليه في التليفون بعد ذلك بقليل، (ونصيحتي –لهذه المخطوبة- كطبيب نفسي ألا تتزوج مثل هذا الرجل حتى ولو كان آخر رجل في العالم إلا إذا شرع بالفعل في العلاج).
ولا أنسى هذا الزوج الطبيب الذي كان يغار من والد زوجته -الطبيبة أيضا- وإخوانها!!!، على الرغم من أن هؤلاء الذكور (المحارم) من أهل زوجته المقربين على درجة عالية من الدين والخلق، ولم يصدر منهم نحو أختهم ما يثير الريبة أو الشك، ولكن هذا الزوج منع زوجته من الاتصال بمحارمها الذكور تماما غيرة عليها!!!، وبالطبع أحست الزوجة الطبيبة أن زوجها مصاب بالغيرة المرضية، ولكن المشكلة أن لها منه طفلين، ولو طلبت الطلاق منه أو من المحكمة فمن الممكن أن تُحرم منهما إلى الأبد، وخصوصا وأن زوجها شديد العناد أيضا!!؛ فأصبحت الزوجة مضطرة إلى وضع جرعات صغيرة من الأدوية النفسية -وصفتها لها زميلة استشارية في الطب النفسي- لزوجها في طعامه وشرابه يوميا كي يقل الشك عنده وتتحسن حالته!!!، وكما قيل: "المضطر يشرب بوله، ويأكل الميتة إن لم يجد غيرهما".
والحمد لله، فإن هؤلاء الأشخاص غالبا ما يشفون عند تناولهم لجرعات صغيرة جدا من مضادات الذهان يوميا، ولكن المشكلة فيهم أنهم يرفضون فكرة أنهم مرضى نفسيين، وبالتالي فهم يرفضون الذهاب للطبيب النفسي للعلاج، وتستمر نيران الشك والغيرة لديهم حتى يقضوا على حياتهم الزوجية؛ وذلك لأن شريك الحياة –حتى ولو كان محبا عاشقا– لن يستطيع تحمل نيران الشك والغيرة التي تضرم النار في حبهما وبالتالي في حياتهما الزوجية، ولا يذهب هؤلاء الأشخاص المصابين بالشك والغيرة المرضية غالبا إلى الطبيب النفسي إلا بعد أن يتحطم حبهم، وتنتهي حياتهم الزوجية!!! "ولات حين مناص"!!!!. وأذكر هنا بيتين من الشعر لرجل أظلمت الدنيا في وجهه؛ فلم يعد يحس طعما لأي متعة من متاع الدنيا، ولم يعد يثق بأي شخص على وجه الأرض فيقول:
تولت بهجة الدنيا فكل جديدها خلق
وخان الناس كلهم فلا أدري بمن أثق
الحقائق هي أقل تناقضا
إن الحقائق توفر بداية آمنة، فهي بطبيعتها ليست خلافية، ولهذا السبب نسميها حقائق. انظر مثلا إلى عبارة: "بالأمس وصلت إلى العمل متأخرا عشرين دقيقة"، ليس هنا أي اختلاف، أما الاستنتاجات فهي تمثل موضع خلاف إلى حد كبير.
أنظر إلى عبارة مثل هذه: "لا يمكننا أن نثق بك"، هذه ليست حقيقة، بل إنها في الواقع أقرب إلى الإهانة، ويمكن أن تكون نقطة انطلاق لنزاع. وفي النهاية قد نكون راغبين في إشراك الآخرين في استنتاجاتنا، ولكننا بالتأكيد لا نرغب في أن نبدأ بالتباين والخلاف.
الحقائق هي أكثر إقناعا
إلى جانب كونها الأقل تبايناً، فإن الحقائق تعتبر أيضا أكثر إقناعا من الاستنتاجات الشخصية. إن الحقائق تشكل الأساس للمعتقدات، لذا إذا أردت أن تقنع الآخرين، فلا تبدأ بقصصك، بل أبدأ بملاحظاتك. على سبيل المثال: أي من هاتين العبارتين تجدها أكثر إقناعاً؟!:"أريد منك أن تتوقف عن مضايقتي والاستهانة بي!". أو "عندما تتحدث معي، أرى عينيك تتحركان من أعلى لأسفل بدلا من النظر إلى وجهي، كما أنك أحيانا تنشغل عن حديثنا بأشياء أخرى لا قيمة لها!".
بينما نتحدث هنا عن كيفية الوصول للإقناع، دعنا نضيف أن هدفنا ليس إقناع الآخرين بأننا على صواب. إننا لا نحاول الخروج منتصرين من الحوار، إننا فقط نريد أن يجد المعنى الذي نقصده إنصاتا جيدا. إننا نحاول مساعدة الآخرين في معرفة كيف يمكن لشخص عاقل مهذب الوصول إلى القصة التي نقصها. هذا هو كل شيء، ويذكرني هذا بقول جميل للإمام الشافعي رضي الله عنه، ألا وهو: "ما جادلت أحداً قط إلا وتمنيت أن يُظهر الله الحق على لسانه دوني!!"، الله الله عليك أيها الإمام الجليل؛ إن هذا لهو الحب الحقيقي للحق؛ ولو كان من فم خصمي، ولكن المهم أنه هو الحق وكفى!!، ولكن حين نبدأ باستنتاجات صادمة أو هجومية ("كف عن النظر إليً بمثل هذه النظرات!، "أو" أعتقد أنك يجب أن تعلن إفلاسك")، فإننا بذلك نشجع الآخرين على نسج القصص الشخصية الشريرة عنا، وحيث إننا لم نمنحهم أي حقائق لدعم استنتاجاتنا فإنهم يصنعون مبرراتهم وتفسيراتهم الخاصة لما نقول، ويعتقدون أننا إما أغبياء أو أشرار؛ ويتفق هذا المعنى مع القول الشهير: "أكثر الأمور خيانة لنا هي شكوكنا".
لذا إذا كان هدفك هو مساعدة الآخرين على معرفة كيف يتأتى لشخص عاقل ومهذب أن لا يفكر كما تفكر؟!، أي أنك تشعر بأن فكرك متميزاً عمن هم في نفس مستواك ممن حولك، فعليك أن تبدأ بجمع الحقائق، وتستعد للحوارات الصعبة، ولا تنس القول المعروف: "من رضى عن نفسه كثر الساخطون عليه".
أما إذا لم تكن تعرف ما هي حقائقك؟!، (حيث تستحوذ قصتك على ذهنك بالكامل)، عندئذ خذ الوقت الكافي للتفكير في الحقائق قبل أن تبدأ في إجراء حوار صعب، خذ وقتك لتصنيف الحقائق وافصلها عن الاستنتاجات؛ فتجميع الحقائق هو الواجب المطلوب للبدء في الحـوارات المؤثرة والصعبة والحاسمة.
الحقائق هي الأقل إهانة
الحقيقة هي هدف طريقه الإيمان، وكما يقول ديدرو: "الحقيقة أعظم سلاح". فإذا كنت ترغب حقاً في إشراك الآخرين في قصتك، فلا تبدأ بها أبدا. إن قصتك أو ظنونك (خاصة إذا كانت قد أدت إلى استنتاجات أسوأ)، يمكن أن تؤدي ببساطة إلى إهانة الآخرين ومفاجئتهم. إنها يمكن أن تصيب الإحساس بالأمان في مقتل؛ وذلك من خلال عبارة قد يُساء فهمها؛ لذا فالحقيقة تبعد الشيطان كما قال شكسبير.
هشام: إنني أرغب في التحدث معك عن أسلوبك في القيادة. إنك تدقق في كل التفاصيل بشكل يكاد يقودني إلى الجنون (استنتاجاتك).
حسن: ماذا؟! إنني أسألك إذا ما كنت ستنتهي من العمل المطلوب منك في الوقت المحدد وأنت تجيبني بأن..........
إذا بدأت بقصتك (وفي ذلك قضاء على الإحساس بالأمان) فلن تصل أبداً إلى الحقائق.
ويتبع >>>>>>>>>>> ابدأ طريقك بالحقائق