وسواس التلوث والتنظيف علاج وسواس النجاسة القهري1
وساوس وقهور التطهر من المني
نستطيع تقسيم المرضى بهذا النوع من الوسواس إلى صنفين رئيسيين** قد يجتمعان وقد يفترقان الأول هو الوسوسة بما يترتب على حالة الجنابة سواء بسبب احتلام أثناء النوم أو بعد الجماع أو الاستمناء يتعلق الأول كثيرا بالشباب قبل الزواج من المرضى وينطوي غالبا على الشك في حدوث نزول المني أثناء النوم من عدمه !.. وكثير ما تكون الصورة الإكلينيكية مجتمعة في شاب أو فتاة من فئة الملتزمين أو الذين يحاولون الالتزام بالقانون الاجتماعي والأعراف والشرائع وهو أو هي تسرف في الاغتسال الصباحي أو بعد كل نوم ! .... ومع هذا أو بدونه أحيانا نجد منهم من يسرف في الاغتسال بعد النزول الحقيقي للمني.... فيصبح الغسل لرفع الجنابة ذي صعوبة خاصة في حياة المريض.... ونرى حالات متباينة من الشدة والتعمق في الغسل لرفع الجنابة، بداية من التطويل في الغسل والشك والتكرار مرورا بالانشغال بما أصابه أو لم يصبه الماء أو حال حائل بينه وبين الجلد، وصولا إلى من يتحاشى أو تتحاشى اللقاء الزوجي مخافة الجنابة والاضطرار إلى الاغتسال، وفي بعض مرضى هذا الصنف نجد الوسوسة بطبيعة ما خرج ؟ ودي أو مذي أم مني ! وبالتالي اغتسال أم وضوء ؟
وأما الصنف الثاني فيشمل الوساوس والقهور التي تتعلق بتطهير ما أصابته نجاسة المني ... فتجد من الذكور غالبا قبل الزواج كما تجد من الإناث من يسرف في الغسيل بقصد تطهير كل ما أصابته نجاسة المني حقيقة أو متخيلة في ذهن المريض وكثيرا بل عادة ما تتعقد وتتشعب الطقوس التطهيرية لأن المني ينتقل انتقالا لا محدودا من شيء لآخر أو شخص لآخر حسب قاعدة الانتشار السحري والتي تعطي النجاسة "المني هنا" قدرة خرافية على الانتقال، وهناك من يسرف في تخيل انتشار نجاسة المني إلى حد القناعة الوسواسية بتنجس مسجد بأكمله أو قرية بأكملها !
ومن المنطقي أن نتوقع أن الموسوسين بنجاسة أو خطر المني يحملون أفكارا خاطئة شائعة أو خاطئة خاصة بهم (أو على الأقل مبالغ فيها) فيما يتعلق بالمني، وأحكامه الفقهية وما برتب على التلوث به، ... ودائما -وغالبا من بدايات الحالة- ما نجد المرضى يضفون قوى خرافية سواء على قوة الانتشار و/أو التنجيس و/أو الإخصاب (في حالات الخوف من الحمل من حيمن Sperm "حيوان منوي" بالخطأ) .... هناك الكثير من العمل المعرفي قد يحتاجه الم.س.م مع حالته منها تعليم بعض المعلومات والمفاهيم الفسيولوجية عن المني والذي يتكون من مفرازات الخصيتين "الحيامن" + مفرزات غدة البروستات + مفررزات الحويصلات المنوية + مفرزات غدة كوبر Cowper's Gland والأخيرة هي نفسها التي تفرز المذي (أي أن المني يختلط بالمذي طبيا)... ومن الناحية الكيميائية نجد مكوناته الرئيسية سكر فركتوز + بروتين + حمض السيتريك + بعض الإنزيمات والمعادن والفيتامينات وقليل من سكر الجالكتوز، إضافة إلى قدر من المخاط المفرز من غدة كوبر والمسؤول مع ما تفرزه الحويصلات المنوية من سائل مخاطي عن تحديد القوام.... كل هذا لازم ومفيدٌ في علاج أغلب صنوف الوساوس المتعلقة بالمني، إضافة إلى توضيح الاختلافات بين المذاهب الفقهية المعتمدة الأربعة في الأحكام الخاصة بالمني.
وهناك خلافات مذهبية في التطهر من المني الخارج حال اليقظة، ولا يوجد سوى الشافعية يوجبون الغسل منه مطلقًا على أي وجه خرج...، أما سائر المذاهب، فاشترطوا خروجه عند حصول الشهوة فقط، أما إن نزل بضربة على الظهر، أو حمل ثقيل فلا يوجب غسلًا.
وأما حال النوم، أي من استيقظ فوجد في ثوبه منيًا، فعليه الغسل سواء تذكر احتلامًا أم لا.
أما من ناحية النجاسة فقد اختلف الفقهاء إلى مذهبين:
الأول: طهارة المني وهو قول الشافعية والحنابلة.
والثاني: نجاسة المني وهو قول الحنفية والمالكية.
وأما المذي: فجمهور العلماء، والمعتمد في المذاهب كلها هو النجاسة. لكن توجد رواية ضعيفة منقولة عن الإمام أحمد بطهارته، ويمكن العمل بالقول الضعيف من قبل الإنسان عند الاضطرار، لكن لا يفتي به المفتي للناس كلهم، كما هو الشأن في الأقوال الصحيحة. ورغم الإجماع على نجاسة المذي فإن ما أظهره العلم حتى الآن من كون المذي جزءًا من أجزاء المني ليس كامل الانفصال عنه، وهو من مقدماته واسمه في الإنجليزية Pre-ejaculate أو Pre-cum، يجعل الحكم بطهارته كذلك وجهة نظر قابلة البحث..... ويكفينا استرجاع الأحاديث التي تصف تعامل النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم مع المني إذا أصاب ثوبا أو ما شابه لنبين كيف أن الحكم بطهارة المذي سيكون أقرب استنتاجا من العكس.... أي استنتاج أن كون العلم أظهر اختلاط المني بالمذي يجعل المني نجسا كالمذي ! وهو ما قد يروق لعقول بعض الموسوسين المتعمقين الذين يشعرونك بأن ليس يريحهم إلا الحكم بالنجاسة (أي الذين يميل إلى تنجيس كثيرٍ كان طاهرا "المني" لاكتشاف اختلاطه بقليل نجس "المذي"، وفي هذا تعسير على الناس بينما يميل الإنسان الطبيعي إلى تطهير قليل كان نجسا "المذي" لاكتشاف اختلاطه بكثيرٍ طاهر هو "المني" !!!..... الأيسر دائما هو شريعة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو ما يحكم به للأصحاء فما بالنا بمصارعي الوسواس القهري ؟ إلا أن كون المذي جزءا من أجزاء المني لا يعني بالضرورة شرعًا طهارة المذي عند من يقول بطهارة المني. ذلك أن النجاسة داخل الجسد لا حكم لها في الشرع. أما بعد الخروج من الجسد، ففهم بعض العلماء من الأدلة أن الشرع حكم بالطهارة على الخارج من الجسد بصفة المني؛ وحكم بالنجاسة على الخارج من الجسد على هيئة المذي. وفهم آخرون: أن الخارج من الجسد نجس سواء كان منيا أو مذيا
ومن المفيد للموسوس ذكر تفصيل المالكية في المسألة، إذ قالوا: إذا خرج المني أثناء النوم، يجب الاغتسال بعده سواء صاحبه إحساس لذة معتادة (شهوة الجماع)، أو غير معتادة (كاللذة الحاصلة بسبب حكِّ غير العورة لسبب أو لآخر)، أو لم يصاحبه شيء، ولا بدَّ من خروج المني في هذه الحالة باتفاق المالكية، ولا يكفي حصول الشهوة فقط، وأما إذا كان خروج المني في اليقظة فلا يجب فيه الغسل إلا بشرطين؛ الأول: وجود اللذة المعتادة (شهوة الجماع)، والثاني: بروز المني إلى ظاهر الجسد، وعلى هذا: لو نزل المني لمرض، أو بسبب ضربة أو لدغة عقرب، أو بسبب لذة حصلت للنزول في ماء حار، فلا يجب الغسل -عند المالكية- لانتفاء الشهوة المعتادة (وهو رأي الحنفية والحنابلة أيضًا)، ولو وجدت شهوة الجماع ولكن لم يخرج المني إلى ظاهر الجسد (المكان الذي يجب غسله من العورة بعد التبول)، فلا يجب الغسل أيضًا، وهناك من فقهاء المالكية من قال: بأنه يكفي عند المرأة -في حالة اليقظة- الإحساس بانفصال المني الحاصل عن الشهوة ليجب الغسل، وإن لم يبرز إلى ظاهر الجسد، ولكن الراجح في مذهبهم ما ذكرته أولاً (رفيف الصباغ، 2008). ومن أمثلة ما جاء على مجانين في هذا مذي أم مني ؟ متى يجب الغسل بعد الاسترجاز ؟
وكذلك ماء الرجل: المني والمذي والودي واختلاط المني مع البول
ومن المفيد أيضًا في مناجزة هذا النوع من الوسواس ما جاء في "نهاية المحتاج" وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي؛ وفيه: (فلو احتمل كون الخارج منيًّا أو وديًا كمن استيقظ ووجد الخارج منه أبيض ثخينًا تخير بين حكميهما فيغتسل، أو يتوضأ ويغسل ما أصابه منه)، وهذا معناه: أن من رأى شيئًا على ثيابه ولم يعلم هل هو مني يوجب الغسل أم شيئًا آخر يوجب الوضوء وتطهير الثياب؟ يختار أي الأمرين شاء (من غير اجتهاد وبحث) فإن شاء اغتسل، وإن شاء توضأ فقط، وينصح الموسوس باختيار الوضوء دائمًا وعدم فعل الأحوط لأن الأولى والأحسن للموسوس شرعًا أن يعمل بالرخص والتسهيلات الشرعية وفي ذلك دواء له بإذن الله تعالى.
ومن التجارب السلوكية التي تفيد في علاج الشك في الاحتلام خاصة في البنات ممن ترين أن السائل النازل منهن ربما يجف أثناء الليل ولا تجد له أثرا وتؤكد لك أنها مادامت حلمت فقد خرج منها الماء وإن لم تره.... تفيدنا هنا تجربة استخدام طبقتين رقيقتين من ورق الكروشيه Crochet Paper توضعان مكان حفاضة الدورة.... ومما يميز هذا النوع من الورق أن حدوث البلل يبقى أثرا فيه حتى بعد جفافه.... وقد جربت هذه التجربة مع عديدات كن يغتسلن صبيحة كل شتاء لمدد تتراوح بين الشهور والسنوات!.....
وأما ما يوجبه الشك في خروج المني بالنسبة للموسوس فهو الاغتسال ولو طمأنة، وهناك خصوصية لحالة اغتسال التطهر القهري فما يمثل الوسواس هو الشعور بأن عليه رفع الحدث الأكبر بالاغتسال الذي هو فعل قهري، ومهم الانتباه إلى ما قد يصاحب غسل رفع الجنابة خاصةً من طقوس، حيث يعامله المريض عادة معاملة خاصة ويولي إحسانه فوق المطلوب بكثير، في حين أن المطلوب شرعا هو أن يغلب على الظن (79% إلى 99%) أن الماء قد عم الجسد كله.... وهو ما يبدو للموسوس مفاجئا وغير معقول وأحيانا صعب التطبيق ! فهو عادة ما يصر ولا يرتاح إلا بالتيقن وهو غير مطلوب إن لم يكن مؤذيا بشكل أو بآخر، وتتداخل في العلاج مسائل مثل كيفية الغسل وأهمية الدلك.... إلخ........ ومما اعتدنا أن نلزم المريض لفترة بألا يلتزم بصفة الغسل المعروفة مكتفيا بأن يعمم الماء على الجسد كله بعد غسل العورة مكتفيا بغلبة الظن وغير مكرر ولا مؤكد ولا مطيل في الغسل، وقد يطلب ممن اعتاد الدلك في غسل رفع الجنابة (كما في مذهب المالكية) أن يأخذ برخصة المستنكح بالشك أي مريض الوسواس القهري فلا يفعل لكي لا يشك هل دلكت ؟ وكم دلكت ؟ ....إلخ.
وأخيرًا بالنسبة لمن يفرطون في الاحتراز من المني ويتحاشون أسباب خروجه شكًّا في نجاسته، أو من يفرطون في طقوس تنظيف أثر المني من الثياب، ويمكن لكل هذا أن يجمع على ألسنة المرضى تحت مسمى وسواس المني، هناك لهؤلاء فائدة كبيرة ترتجى من تأمل الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المنيِّ: "كنْت أَفْركه منْ ثَوْب رَسول اللَّه "، رواه مسلم.
**هناك صنف ثالث أقل عددا وبعيدٌ نوعا عن موضوع وساوس التنجس التطهر وفيه نجد من الذكور ومن الإناث كذلك من يتعلق وسواسهم بإمكانية حدوث الحمل الذاتي أو لواحدة من المحارم بسبب التعرض غير المقصود للمني وبعضهم يرى حدوث ذلك ممكنا أثناء الغسيل معا في غسالة كهربية....
وساوس وقهور التطهر من مفرزات النساء
1- ما يتعلق بتعرق المهبل:
بينا في الجزء الثاني من مقال وسواس النجاسة التطهر التطهير القهري كيف تدور وساوس وقهور هذه الفئة من الموسوسات بين التحاشي و/أو الاحتراز (من أسباب الإثارة الجنسية) وطقوس التطهير والإفراط في التطهير، ويتمثل ذلك في تكرار تبديل الثياب الداخلية وغسلها وتكرار الوضوء أو الاغتسال، وتكون كذلك وساوس وقهورات التفتيش، وكثيرات كن يلجأن لوضع قطعة أو قطعتين من الثياب الداخلية احتياطا في حقيبة اليد، وقد بدأت الشركات إنتاج الحفاضة اليومية لغير أيام الحيض مما ساعد على تخفيف الصعوبة التي تلقاها الموسوسة، حتى أن هناك من البنات والسيدات من يعانين من زيادة الوعي بالمهبل وما ينزل منه أكثر من اللازم وبعض الموسوسات يكون دافعهن التطهر لغرض العبادة وبعضهن يكن موسوسات بالنظافة أو بالخوف من العدوى...إلخ.
في الحالتين يكون من المفيد شرح التركيب الكيميائي لمفرزات المهبل الطبيعية والموجودة دائما والتي تمثل في أغلبها سائلا ترشح من الدم في الأوعية الدموية الغنية في جدار المهبل ... ويحتوي السائل المزلق على الماء الذي هو المكون الأساسي، وبعض المركبات الكيميائية مثل البيريدين pyridine السكوالين squalene اليوريا urea أو البولينا، حامض الخليك حمض اللاكتيك ...... إلخ ومن المعروف أن خصائص تلك المفرزات تختلف في الاتساق والملمس والطعم واللون والرائحة وبالتالي في نسب المكونات، اعتمادا على وجود ومستوى الإثارة الجنسية، وكذلك على مرحلة الدورة الشهرية... وفقهيا نجد الحكم بنجاسة تلك المفرزات إذا خرجت لظاهر الجسد هو الأغلب بين الآراء، إلا أن هناك اختلافات في كثير من الأمور الجزئية ... وأما ما هو مهم بالنسبة للموسوسات بدافع التطهر من النجاسة فهو الحكم الفقهي الميسر للمفرزات النسائية التحتية، لأن قولاً للإمام أبي حنيفة يحل المشكلة هو: أن هذه المفرزات التي تخرج من المرأة طاهرة ولا تنقض الوضوء، وبالرغم من أن هذا القول ليس هو المفتى به في المذهب، وإنما الفتوى على قول صاحبيه (أبي يوسف ومحمد، وفتواهما: أن تلك المفرزات نجسة وناقضة للوضوء)، إلا أنه يجوز العمل بها عند الضرورة، ولا ضرورة أشد من وضع الموسوس، وحاجته للعلاج ولإهمال وساوسه، والنصيحة بعد التنوير الشرعي المعرفي هي أن تقلل بالتدريج من عدد مرات تغيير ألبستها الداخلية ما لم تظهر نجاسة يقينية... وكثيرًات ينجحن، وعادة أجد أن ما يعطل التقدم في العلاج السلوكي هو القرف من البول وليس الدافع الأوحد هو اتقاء النجاسة، ويحمل الجدول (إعداد رفيف الصباغ) الملحق بالرد على إحدى المشاركات في استشارة العادة السرية والإفرازات الموجبة للغسل ملخصًا للأحكام الفقهية المتعلقة بالإفرازات النسائية المختلفة (رفيف الصباغ، 2008):
وسواس المذي؟ افرحي بدلا من الخوف!
وسواس الصيام وسواس المذي وسواس الرياء
يبدأ العمل السلوكي بعد التركيز المعرفي على قضية نجاسة مفرزات النساء اليومية وصولا إلى قناعة بوجود من يرى طهارتها وضرورة الاستناد إلى تلك القناعة من جانب الموسوس تيسيرا عليه، ويمكننا في العمل السلوكي بعد ذلك أن نختار مع المريضة ما يناسبها من تغيير في طريقة تعاملها مع تلك المفرزات كم مرة ستغسلها وأثرها على الجسد، وكم مرة ستغسل ما أصابت من ثياب ؟ ومتى سترتدي الحفاضة اليومية ومتى لا ؟ وكم حفاضة تغير في اليوم ؟ ...إلخ
2- ما يتعلق بدم الحيض :
بينا في الجزء الثاني من مقال وسواس النجاسة التطهر / التطهير القهري أن وساوس وقهور النجاسة التطهر / التطهير من دم الحيض في صورتها الإكلينيكية تأتي عادة على شكلين متداخلين هما كيفية تطهير وفرط تطهير ما أصابه دم الحيض فضلا عن كيفية التطهر من الحيض وكذلك الإفراط في التطهر .... فمن الشائع في سلوك المصريات خاصة (على حد علمي فلا علم لي بكثيرات غيرهن بحكم عملي في مصر) .... أن تجد التعامل الذي تتعلمه الأنثى من الصغر في تعاملها مع دم الحيض كأنه التعامل مع نجاسة مغلظة ... فهل دم الحيض كذلك ؟ فقهيا نجد دم الحيض لا من النجاسات المغلظة ولا المخففة .. وإنما مثله مثل البول نجاسته متوسطة .... لعلها النظافة هي الدافع وراء التشدد في التعامل مع دم الحيض، ولكن الأمر يظهر أعمق جدا من النظافة كما رأيناه في مريضات الوسواس القهري الموسوسات مرحليا أو طوال فترات حيضهن بعد ذلك في تحاليل أفكار وتبريرات سلوكهن القهري تجاه دم الحيض بالذات ... فهو أنجس من أي دم عند غالبيتهن العظمى وغالبا بلا مبرر إلا أنه دم حيض، وعند من توسوس بأذى مؤكد لأطفالها و/أو زوجها إذا تعرض لدم حيضها (وهناك معتقدات شعبية مصرية تعود إلى أيام الفراعنة حيث كان دم الحيض أحد أدوات السحر الأسود، منها مثلا أن نقطة من هذا الدم إذا ابتلعها إنسان فإنه يمرض ويشتد به المرض حتى يموت ... وليس له علاج ! ...إلخ).... كثيرا ما نجد طقوس تحاشٍ وتنظيف وتكرار غسيل في منتهى الشدة والتعقيد مقارنة ربما بالبول أو الغائط أو غيرهما من الملوثات.
وينبني على ما سبق شتى قهور الإطالة والتكرار في الاغتسال بغرض التطهر من الحيض .... وربما يقتصر ذلك على الفترة التي تلي انتهاء نزول الدم في آخر أيام الحيض وذلك في الحالات التي يكون الدافع ورائها هو الحرص على الطهارة من أجل العبادة، ولكن من الحالات المدفوعة بالخوف من القذارة أو من حدوث أذى لآخرين نجد من تسرف في الاغتسال وتكرار الاغتسال لتنظيف نفسها، والغسيل والتنظيف لكل ما تتوقع تلوثه بالدم من أشياء وتكرار ذلك بداية من الساعات الأولى للحيض وحتى انتهائه، بما يصل ببعضهن إلى البقاء في الحمام تقريبا طوال فترات حيضهن، وقد حاورت مريضة (طبيبة بشرية!) كانت ترى أن التصرف الأمثل لمن تخاف على نظافتها وسلامتها أن تجفف دم الحيض أولا بأول لأن الاعتماد على الحفاضات يسمح بتلامس الدم مع الجلد وهو ما يسمح للجلد بامتصاص بعض مكوناته وليس هذا آمنا لا من الناحية الطبية ولا الدينية ... هكذا قالت.
كذلك تظهر سلوكيات تحاشي الحائضات من الإناث في شكلها الوسواسي وتستهدف أو تكون موجهة بالضرورة تجاه أم أو أخت أو أخوات أو جدة أو خالة أو جارة أو زميلات دراسة ...إلخ... ولنا أن نتخيل كمَّ القيود والقواعد التي تلتزمُ وتُلزِمُ المريضة بها من حولها من أفراد الأسرة ... فمثلا هي لا تلمس أختها الحائض (فقط أثناء حيضها إذا التزمت بالقواعد الوسواسية في التطهر، ولا تلمسها دائما أبدا إن كانت غير ملتزمة بها).... لا تجلس جوارها في البيت ولا تجلس مكانها ولا مكان من يجلس مكانها ولا تلم سريرها وإن استطاعت ألا تأكل معها ولا مع من يأكل معها لفعلت، ولا تدخل الحمام بعدها إلا بعد أن يقوم أحد بتنظيفه بالطريقة التي تريحها .....إلخ ... زخم الأعراض الوسقهرية (اختصار الوسواسية القهرية) هذا قد يستند على مخاوف تتعلق بالنجاسة أو بالأذى المتوقع أو بالنظافة، وكثيرا ما نجد في حالات المخاوف المتعلقة بالنظافة والنجاسة انفعالا آخر هو انفعال التقزز أو القرف Disgust ومناجزة هذا الانفعال ذي السطوة الجسدية والنفسية تكون مهمة بشكل خاص.... حيث يتحتم التدرج في المناجزة السلوكية لأعراض التقزز الجسدية مع كل الحالات وبالمعدل المناسب لكل حالة على حدة.
من المهم في بداية العلاج تحديد تقييم النجاسة أو القذارة أو قدر الأذي المتوقع من دم الحيض من وجهة نظر المريضة، (وربما احتاج ذلك لمقاييس سيكوميترية في المستقبل بحيث تحصل العميلة على تقييم قبل العلاج وبعده) ... كذلك من المهم معرفة قواعد التطهر واحتياطات التحاشي التي تلزم المريضة نفسها بها أثناء حيضها، فمن النساء مثلا من تلزم نفسها باستخدام منشفة معينة لتجفف بها جسدها بعد الاغتسال من الحيض ولا تستخدمها في غير ذلك، وتمنع الآخرين من استخدامها كذلك، وهناك من لا تستخدم إلا كرسيا معينا أثناء حيضها ولا يسمح لغيرها بالجلوس عليه، وغني عن البيان أنها شخصيا لا تستخدمه إلا وهي حائض، ومن الموسوسات من تلزم نفسها بتطهير أرضية وجدران الحمام وحوض الاغتسال كجزء لا تجزأ من غسل التطهر من الحيض، وهناك من ميسورات الحال من تجد في حمامها مقعدَ حمام خاص لاستخدامها أثناء الحيض ولا يستخدم لغير ذلك..... إلخ.
ومن أكثر ما وجدناه مفيدا مع الموسوسات بتحاشي دم الحيض وتحاشي الأنثى الحائض (خاصة بسبب النجاسة وربما لغيرها)، كانت نصوص الحديث الشريف إذ توضح المعرفة عن سلوك النبي مع عائشةَ رضي الله عنها غير ذلك تمامًا:
فعن عائشة رضي الله عنها: "كَانَ النَّبيّ يصَلّي منَ اللَّيْل وَأَنَا إلَى جَنْبه وَأَنَا حَائضٌ وَعَلَيَّ مرْطٌ وَعَلَيْه بَعْضه إلَى جَنْبه"، رواه مسلم، والمرْط نوع من الثياب. وعنها أيضًا أنها قالت: "كنْت أَنَا وَرَسول اللَّه نَبيت في الشّعَار الْوَاحد وَأَنَا حَائضٌ طَامثٌ فَإنْ أَصَابَه منّى شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَه وَلَمْ يَعْده، ثمَّ صَلَّى فيه وَإنْ أَصَابَ -تَعْنى ثَوْبَه- منْه شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَه وَلَمْ يَعْده ثمَّ صَلَّى فيه"، رواه أبو داود والنسائي، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد مباشرة، سمي كذلك لأنه يلي الشعر، وقولها: ولم يَعْده؛ أي: لم يتجاوز غسل الموضع الذي أصابه الدم من جسده أو من ثوبه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن خولة بنت يسار قالت: يَا رَسولَ اللَّه، إنَّه لَيْسَ لي إلاَّ ثَوْبٌ وَاحدٌ، وَأَنَا أَحيض فيه، فَكَيْفَ أَصْنَع؟ قَالَ: "إذَا طَهرْت فَاغْسليه، ثمَّ صَلّي فيه"، فَقَالَتْ: فَإنْ لَمْ يَخْرج الدَّم؟ قَالَ: "يَكْفيك غَسْل الدَّم وَلاَ يَضرّك أَثَره". رواه أحمد وأبو داود.
ومن التدريبات السلوكية التي اعتدت طلبها من مريضاتي الموسوسات بالنجاسة بشكل عام أن أشترط عليها بعد التطهر من الحيض أن تعيد ارتداء ثوبٍ بيتي وثوب خروج ارتدهما أثناء الحيض لتتوضأ وتصلي فيهما ولو فرضا لكل ثوب، كذلك نتفق على عدم تغيير ملاءات الفراش وأكياس الوسائد وغير ذلك مما اعتاد كثير من النساء فعله بعد التطهر من الحيض، فما دامت الملابس والفراش لس على أي منهما علامة نجاسة فلابد من التعامل معها على أنها طاهرة، وأحيانا تجد من تقول لك فماذا أفعل إذا وجدت نقطة حمار على الثوب أو الملاءة وهنا يكون الرد هو غسل مكان الحمار إذا كان دم دورة فعلا وليس الثوب كله.
وأما الشكل الثاني لما يتعلق بالحيض من الوساوس والقهور فيتعلق بانتهاء الحيض من عدمه والشك في صحة الغسل للتطهر من الحيض (بسبب مفرز ما ربما أصفر أو غيره وليس دم حيض) ووجوب تكراره حتى وأحيانا يكون مصاحبا للشكل الأول أي أن تكرار الاغتسال للتطهر يكون مصحوبا في كل اغتسال بالإطالة والشك والتكرار للتنظيف والتطهير والتطهر... وأحيانا تراه منفردا.... بحيث لا تكون المشكلة إلا محض تكرار الاغتسال وكثيرا ما يكون ذلك ضمن خلفية الحرص على سلامة التطهر للعبادة لتصح العبادة وليس بالضرورة على خلفية نجاسة المفرز، ..... ومن بين هاتيك الموسوسات من يؤدي قلقها الشديد على انتهاء الحيض إلى اضطراب هرموني ربما يسبب إطالة أيام الحيض وهو ما يعني أنها ستكرر الاغتسال بدءًا من اليوم المعتاد وعلى مدار يوم أو أكثر حتى يتوقف الحيض... ثم هي في الشهر التالي ستكون غالبا أسوأ من ناحية توجسها مما يعنيه انتهاء الحيض....
حقيقة الأمر علميا أولا لا أحد يبحث علميا عن علامات انتهاء دم الحيض ولا يبدو أمرا يستدعي كثيرا من البحث، فحينما حاولت البحث بعلامات انتهاء الحيض signs of menses end فوجئت بالعم جوجل يعرض علي خيارات شملت علامات اقتراب الحيض وعلامات الحيض الأول وعلامات اقتراب الحيض وعلامات الحمل قبل الحيض، وعلامات الحيض بعد الإجهاض وعلامات اقتراب سن توقف الطمث في النساء ....إلخ ولا يوجد علامات انتهاء الحيض فكتبتها ففهمها جوجل على أنها علامات اقتراب توقف الدورة .... بعضهم سيعلل ذلك بـأن كل واحدة ستعرف وتعتاد نفسها .... لا علامة محددة لانتهاء نزيف الحيض إلا توقف نزول الدم صريحا أو مخالطا إفرازات أخرى، وبالتالي فأي إفرازات بعد انتهاء الدم (صفراء أو بنية) ليس فيها من دم الحيض ليست علميا من الحيض.... ويبقى دائما من المهم هنا التأكيد على وجود اختلافات واسعة بين الإناث في هذا الأمر، بحيث أن لكل واحدة علامات تعرف بها متى سيبدأ الحيض ومتى اعتاد أن ينتهي ليست دائما بحساب الأيام... وكذلك يمكن أن تحدث اختلافات في الأنثى نفسها مع مراحل السن ومع الكروب الحياتية والزواج ومع استخدام أقراص منع الحمل وغير ذلك، وبالتالي فعلى كثيرات يختلط الأمر مادمن حريصات على سلامة وصحة طهرهن.
ويعرف انتهاء الحيض فقهيا بأحد أمرين كما جاء في نص لـ (رفيف الصباغ، 2009): إما برؤية القصة البيضاء ويدخل ضمنها الألوان التي تراها عادة المرأة أثناء الطهر بمعنى: أنها لو كانت ترى أثناء أيام الطهر لونًا فيه كدرة، أو لونًا يضرب إلى صفرة قليلة، فإذا رأت مثل هذه الألوان في نهاية الحيض طهرت، بشرط ألا يكون مع هذه الألوان شيء من أثر الدم كلون أو ريح... والأمر الثاني الذي يعرف به انتهاء الحيض: الجفاف وانقطاع الدم وإن لم ترَ أية مفرزات بعده، فإذا انقطع الدم ولم ترَ شيئًا وجب عليها الاغتسال والصلاة .... والحقيقة أن الأمر برغم كل هذا ليس أمرًا هينا على الإناث الطبيعيات وكلما ازداد حرصهن على التطهر وتأكيد التطهر عانين أكثر وأكثر ... هذا قدر بنات حواء الصحيحات فما بالنا بالموسوسات.
ويتبع >>>>>: وسواس التلوث والتنظيف علاج وسواس النجاسة القهري3
واقرأ أيضًا:
استشارات عن المذي والمني / استشارات عن الحيض