الفصل الثامن عشر
تتعدد أشكال هؤلاء الحوافز وتختلف صورها من مؤسسةٍ إلى أُخرى وتتمثل هذه الحوافز في المكافآت المادية، ويعتبر الحافز النقدي المادي من أهم طرق الحوافز في أيامنا هذه، وذلك لأن النقود تُشبِع كل حاجات الإنسان المُعاصر تقريباً وهي حقيقة واقعة وقابلة للتداول بعكس الوسائل الأخرى والتي قد تُعبَر مجردة وتافهة بالنسبة لبعض العاملين، وبالإضافة لذلك فإن الحوافز النقدية تتسق مع مفهوم الناس في الظروف الراهنة عن العمل كنشاط يقدمه العمال وغيرهم في مقابل وسائل كالنقود أو المنزلة والمكانة الاجتماعية أو المشاركة في أسهم وأرباح الشركات والمصانع المنتجة، وهذه الوسائل تهيئ للعاملين إشباع حاجاتهم الفطرية خارج نطاق عملهم.
ويرجع اعتبار المال من الحوافز الرئيسية للعمل إلى أنه عن طريق المال تشبع ضرورات الحياة من مأكل ومسكن, كما أنه ضروري للصحة والتعليم بالإضافة إلى توفير كماليات الحياة والمركز الاجتماعي يعتمد على المال إلى حد كبير, ويتمثل المال في الأجر الذي يتقاضاه الفرد مما يقوم به من عمل، ويُوزَع هذا الأجر على الإنسان بطرق شتى، ولكل طريقة من هذه الطرق أثره في حفزه ودفعه على العمل ومن هذه الطرق:
1- الأجر باليومية يوجه لهذه الطريقة عيب يتمثل في أنها لا تعطي الفرصة للعمال المهرة لبذل جهد أكبر لشعورهم وإدراكهم بأنهم يتساوون من حيث الحوافز والأجور مع غيرهم من العمال غير الأكفاء، إلا أنه على الرغم من ذلك فإن طريقة الأجر باليومية أو بالساعة أو بالأسبوع أو بالشهر تعطي الفرصة للعامل ليصل بإنتاجه إلى مستوى رفيع بصرف النظر عن الوقت، وليس هناك ما يؤدي إلى الإسراع في إنجاز عمله حتى يزداد أجره، يقول إبراهام لنكولن: "أنا أمشي ببطء، ولكن لم يحدث أبدا أنني مشيت خطوة واحدة للوراء".
2- الأجر بالقطعة حيث يرتبط أجر العامل في هذه الطريقة بكمية الإنتاج الذي يقوم به لأنها تعطي فرصة لظهور الفروق الفردية وبطبيعة الحال يرتبط الإنتاج بالمعروض وبالصحة والحيوية وهذه الطريقة تلقي بعبء الإنتاج على العمال أنفسهم فإذا زاد فهو في مصلحتهم وإذا قل انخفض أجرهم.
3- الأجر على حسب الخبرة في العمل, أي كلما كانت خبرة العامل كبيره كلما كان أجره عالياً؛ ويكون المعيار لذلك مدة السنوات التي قضاها ممارساً لهذا العمل، وكذلك مدى حاجة الناس لهذا العمل، ونضيف للخبرة أيضا ندرة من يمارس هذا العمل بإتقان ونجاح؛ وسأقص القصتين التاليتين لتوضيح مدى أهمية الخبرة وكذلك أهمية الندرة فيمن يمارسون بعض المهن والحرف أو الخبرات النادرة:
ثمن الخبرة:
بين جراح قلب وميكانيكي:
بينما كان جراح القلب المشهور يصلح سيارته عند الميكانيكي كان الميكانيكي يفتح موتور سيارة الجراح ويخرج منها بعض الأشياء ويصلح البعض الآخر، فمال الميكانيكي على الطبيب وقال له: أتسمح لي بأن أسألك سؤالا؟!.
فاستغرب الطبيب للطلب فقال له بحذر: تفضل أسأل!
فقال الميكانيكي:
إنك تجري العمليات على القلوب وأنا أيضاً أُجري الصيانة والتصليحات والعمليات على قلوب السيارات مثلك تماما؛ فلماذا تكسب أنت الكثير من الأموال بينما نحن مكسبنا أقل منكم بكثير؟!.
فمال الجراح على أذن الميكانيكي وهمس بهدوء:
حاول أن تقوم بذلك دون أن توقف موتور السيارة!!!.
ومن هذه القصة يتضح لنا أهمية الدقة والندرة في مهنة جراح القلب الناجح؛ وكيف أنه يتعامل مع قلب أرقى مخلوقات الله عز وجل وهو "الإنسان"؛ لذا كان أجره بالطبع أعلى من الأجر الذي يدفعه الناس لميكانيكي السيارات، والذي يعمل على إصلاح السيارة ومحركها متوقفا تماما، أما الجراح فيعمل على علاج القلب وهو ينبض بالحركة والحياة، وشتان بين المهارتين!، يقول الشاعر:
يا باري القوس بريا ليس يحسنه لا تظلم القوس أعط القوس باريها
ثم إليكم القصة التالية؛ والتي توضح لنا ثمن الخبرة النادرة، وإن كان فيها قدراً من المبالغة:
تعطلت ماكينة ضخمة متطورة في سفينة تجارية كبيرة؛ فقام أصحاب السفينة بإحضار خبراء لإصلاحها واحدا وراء الآخر، ولكن دون جدوى ولا نتيجة ولعدة أيام، ولم يعرف أحد من هؤلاء الحرفيين ما هي العلة في عطل ذلك المحرك الضخم المطور!!، وبالطبع فإن تعطل مثل هذه السفينة الضخمة عن العمل يؤدي إلى خسارة آلاف الدولارات يومياً وبلا مبالغة؛ لذا قام أصحاب السفينة باستدعاء خبير قد تجاوز الستين من العمر، والذي قضى عمره في إصلاح محركات السفن الضخمة، وجاء معه حقيبة كبيرة مليئة بالعدد والأدوات، وكان أول ما فعله عند وصوله مباشرة هو تفحصه للماكينة الضخمة بدقة من أعلاها لأسفلها، وكان هناك اثنان من ملاك السفينة يتابعون هذا الخبير العالمي بشغف، ويتمنون في أنفسهم أن يعرف العلة في عطل ذلك المحرك العنيد العاصي على الإصلاح!!.
بعد أن انتهى هذا الرجل من تفحص الماكينة أو المحرك اتجه لحقيبة معداته وأخرج منها مطرقة صغيرة وطقطق برقة على مكان معين من سطح المحرك فعلى صوته بالحركة مجلجلاً، لقد دار المحرك الضخم العنيد بعد عناء، وبعد تعطل لمدة أسبوعين كاملين عن العمل، خسر خلاله أصحاب السفينة العملاقة عشرات الآلاف من الدولارات، قام ذلك الخبير بإصلاح ذلك المحرك بهدوء بوضع المطرقة في مكانها وتأكد ملاك السفينة من إصلاح ذلك المحرك بعد أن قامت تلك السفينة برحلة تجارية تجريبية قصيرة نسبياً في عرض البحر بنجاح.
بعد أسبوع استلموا فاتورة من ذلك الخبير المخضرم بعشرة آلاف دولار قيمة الإصلاح!!؛ فصرخ ملاك السفينة العملاقة قائلين (بينهم وبين أنفسهم): ماذا فعل هذا الشائب العجوز الخِتيار ليطلب هذا المبلغ الضخم؟!؛
وقاموا على الفور بإرسال رسالة له يطلبون فيها فاتورة مفصلة عن تكاليف الإصلاح؟!؛
ماذا تتوقعون عن رده عليهم؟!،
لقد أرسل لهم فاتورة كتب فيها تفاصيل التكاليف:
الكشف على المحرك خمسمائة دولار.
الضرب بالمطرقة على موضع الخلل عشرة دولارات.
معرفة مكان الطرق بالمطرقة 9490 دولاراً.
المجموع: عشرة آلاف دولار أمريكي فقط لا غير.
هذا هو ثمن الخبرة النادرة، والتي قد يضطر بعض أصحاب رؤوس الأموال إلى دفع الكثير والكثير ليستفيدوا من تلك الخبرة النادرة فيما يخصهم!!، وبورك من جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ.
4- الأجر حسب احتياجات الفرد، أي يزداد أجره كلما زادت حاجاته ومع زيادة عدد أفراد أسرته، وإذا كانت الأنواع السابقة تمثل أكثر الحوافز المادية انتشاراً إلا أن هناك أنواعا أخرى نذكر بعضها على سبيل المثال:
1- العلاوات المستحقة بداية كل عام.
2- العلاوات الاستثنائية.
3- الاشتراك في الأرباح.
4- الأجور التشجيعية.
5- العمولات.
6- الخدمات التي تشبع في الفرد الكثير من الحاجات الأساسية
كالخدمات الغذائية والصحية والتعليمية والسكنية وأجور السفر إذا كان الموظف أو العامل من بلد آخر.
يتبع >>>>>>>>>>> أسس تحديد نظام الحوافز المادية