ليس هناك من لا يشعر بالارتباك حين يقرأ ويسمع عن الاكتئاب. هناك الكثير من الارتباك في تعريف المفهوم كأحد أعراض الاضطرابات النفسية أو كاضطراب نفسي بحد ذاته. الشعور بالكآبة يصاحب جميع الاضطرابات النفسية إلى درجة ما، ولكن حين نتحدث عن اضطراب الاكتئاب فالمقصود هو اضطراب له أعراض خاصة به، وله بداية يسهل تعريفها ونهاية أيضاً. حين نتحدث عن اضطراب الاكتئاب أحياناً نضيف إليه مصطلحا آخر وهو الجسيم وحينها نعني اضطراب الاكتئاب الجسيم.
نواة الاكتئاب
الاكتئاب له نواة تنمو وتتفرع إلى أعراض خاصة. هذه النواة هي انعدام التلذذ Anhedonia وبسببها لا يشعر الإنسان بأية لذة من فعالية أو حدث أو مناسبة كانت تؤدي سابقاً أو من المتوقع أن تؤدي إلى شعور الإنسان بالبهجة. يصاحب ذلك الشعور بالاكتئاب، وهناك من لا يدرك وجود النواة ويركز على هذا الشعور.
يتبع المشاعر تغيير التفكير بفقدان الأمل في الحاضر والمستقبل، الشعور باليأس، ومن ثم الشعور بالذنب. لا يلوم الإنسان الآخرين وإنما يلوم نفسه.
وبعد ذلك يأتي دور العمليات البيولوجية. يفقد الشهية بسبب عدم التلذذ لكن هناك من لا يتوقف عن الأكل عسى أن يتغير حاله. قد يزداد وزنه لكنه على الأرجح يفقد الكثير منه. يعاني من الإمساك أحياناً والغالبية تشكو من الأرق، ولكن هناك من لا يغادر فراشه بسبب الإعاقة الحركية. يتدهور التركيز والذاكرة، ولا يقوى الإنسان على عمل ما كان يعمله. يتوجه نحو العزلة، ويتفسخ طبياً، وقد يظهر الذهان والأفكار الانتحارية ثم ينوي وينفذ ما استنتجه بسبب مرضه وهو: لا حياة مع الاكتئاب.
قد يشفى الإنسان منه تلقائياً، ولكن من عادة هذا المرض الذي يداهم ما لا يقل عن ٨٪ من البشر، زيارة الإنسان مرة أخرى في المستقبل.
العلاقة بين الصيام والوجدان الاكتئابي
الاكتئاب يدفع الإنسان إلى تجنب الطعام لأسباب عدة، وهذا الجانب في العلاقة بين الصوم والوجدان يجب الانتباه إليه في الممارسة السريرية.
حين نتفحص البحوث العلمية عن الصيام في الصحة فهو:
١- الصيام المتقطع بين يوم وآخر والانقطاع عن الأكل لفترة زمنية معرفة من الْيَوْمَ.
٢ الصيام العلاجي، وهذا يعني استهلاك ٥٠٠ سعرة حرارية فقط يوميا لعدة أيّام واستعمال الفواكه أو الكربوهيدرات فقط.
٣- صيام تقييد السعرات إلى ٤٠٪ من الاستهلاك اليومي المعتاد للإنسان.
الكثير من هذه البحوث تشير إلى تحسن مزاج الإنسان.
تعزيز المزاج مع الصوم آلية تكيفية تطورية يعتقد الكثير بأنها ولدت بسبب أوقات المجاعة التي عانت منها المجموعات البشرية عبر التاريخ. يستهدف جسم الإنسان حماية أهم عضو فيه وهو الدماغ من آثار المجاعة السلبية.
يشعر الإنسان بالتوتر والتعب والإرهاق بسبب تغيير إيقاعه اليومي لمدة أسبوع أو أقل، ولكن في هذه الفترة أيضاً يبدأ الجسم بالتكيف لحالة الجوع والمجاعة بإطلاق كميات إضافية من الأدرينالين، النورأدرينالين، والدوبامين. الناقل الثاني معروف بارتباطه بالاكتئاب وعلاج الاضطراب نفسه يستهدف الحفاظ عليه كناقل كيمائي بين الخلايا العصبية.
كذلك يرتفع معدل إفراز هرمون القشراني السكري Glucocorticoid والذي يساهم في تنظيم رد فعل جهاز المناعة وتحضير الجسد لمقاومة الأزمات.
الاكتئاب وعلاجه كثير الارتباط بناقل كيمائي وهو السيروتونين Serotonin. التجارب المختبرية على الحيوان تشير إلى تركيز هذا الناقل الكيمائي في مختلف مناطق الدماغ. المخطط أدناه يوضح دور الناقلات الكيمائية في أعراض الاكتئاب.
الاستنتاج
هناك علاقة واضحة بين تحسن مزاج الإنسان والصيام، ولكن الصيام في البحوث العلمية غير صيام رمضان، ورغم ذلك فإن البحوث العلمية تفسر تكيف الإنسان للصيام بسرعة.
تحسن المزاج مع الصيام يجب أن يصاحبه تقييد السعرات الحرارية المستهلكة وطعام صحي. أما دخول سعرات حرارية مضاعفة بعد الإفطار فلا يؤدي إلا لشعور الإنسان بتعكر المزاج وتوتره إلى نهاية أيّام الشهر الكريم.
أما معالجة الاكتئاب الداخل ضمن إطار الاكتئاب الجسيم فيتطلب مناقشة خاصة بحد ذاته.
واقرأ أيضاً:
الهلاوس Hallucinations / التعامل مع الحجر الصحي لوباء كورونا / الوباء وتاريخ البشرية الطاعون والدولة الأموية