مقدمة :
هناك اهتمام متزايد في العقدين الأخيرين حول العلاقة بين الصحة النفسية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الأبحاث وجدت ارتباطا بين زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المراهقين والشباب وزيادة مشاكل الصحة النفسية لديهم, إلا أنه ليس من الواضح حتى الآن كيف يرتبط استخدام مواقع الترابط الاجتماعي بهذه المشاكل.
تعريف الإدمان :
الإدمان هو تكريس أو إخضاع الحياة الشخصية لعادة ما أو مادة ما, أو هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، بصرف النظر عن هذا الشيء طالما استوفى بقية شروط الإدمان من حاجة إلى المزيد من هذا الشيء بشكل مستمر حتى يشبع حاجته حين يحرم منه. وكان المفهوم السائد عن الإدمان غالبا أنه إدمان للمواد المخدرة ولكن في السنوات الأخيرة شاع استخدام مصطلح الإدمان السلوكي وخاصة مع انتشار استخدام الهواتف الذكية والإنترنت والألعاب الإلكترونية. فهل أصبح الكثيرون منا متورطين في إدمان الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي والتي ثبت أن لها جاذبية شديدة تجعل مستخدمي الهواتف الذكية أسرى لها وتستنزف الكثير من وقتهم, وما هي العلامات الفارقة بين إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والاستخدام العادي لها, كل هذه تساؤلات تثار الآن في أروقة الهيئات العلمية.
ويرى آخرون أنه متى بدأ الشخص يتجاهل الأنشطة والمناسبات ومسؤوليات العمل والدراسة والرياضة أو شكوى المقربين منه من قضائه الوقت الطويل على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح من المستحيل تقليل وقت متابعته لها أو تحديد وقت مع بروز أعراض انسحابية عندما يكون الشخص بعيداً عن جهاز الهاتف المحمول ويصل معها لمرحلة ترك الواجبات والأعمال المهمة وتفضيل الحديث مع الناس على الإنترنت بدلاً من المواجهة وجهاً بوجه.
وسنركز حديثنا الآن على إدمان مواقع التواصل الاجتماعي نظرا لانتشارها الشديد بين الناس, ونعرفها بأنها الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي - وهو نوع من الاعتماد النفسي والسلوكي على منصات التواصل الاجتماعي، ويعرف عامة بأنه الاستخدام القهري لمنصات التواصل الاجتماعي والذي ينتج عنه ضرر فادح في أداء الأفراد في مختلف مجالات الحياة لمدة طويلة، وبالإضافة إلى ذلك فلقد توصل خبراء من مجالات عديدة إلى وجود علاقات بين استخدام الإعلام الرقمي والصحة النفسية وناقشوها، وأثاروا الجدل في المجتمعات الطبية والعملية والتقنية، وأشارت الدراسات إلى أنه يؤثر على النساء أكثر من الرجال وأوضحت أنه يؤثر على الأفراد بحسب منصة التواصل الاجتماعي المستخدمة، ويمكن تشخيص الأفراد بمثل هذا الاضطراب في حال مشاركته في المواقع الإلكترونية باعتبارها مسؤولية يومية تحتاج إلى تنفيذ أو لأهداف أخرى مع عدم إعطاء العواقب السلبية أي اعتبار (Oakes, Kelly 2020).
إطلالة عامة على مواقع التواصل :
تعرف مواقع التواصل بأنها أشكال من التواصل الإلكتروني والتي ينشئ المستخدم من خلالها مجتمعا افتراضيا يتبادل فيه المعلومات والأفكار والرسائل الشخصية ومحتويات أخرى. وقد عرف مصطلح مواقع التواصل الاجتماعي لأول مرة عام 2004 حين استخدم في جامعة هارفارد للتواصل بن الطلاب وأساتذتهم, ثم انتقل استخدامها إلى المجال العام وانتشرت انتشارا واسعا في العالم كله, وبدا في ذلك الوقت أنها سهلت التواصل إلى حد غير مسبوق بين الناس, وأصبح 73% ممن يستخدمون الإنترنت يدخلون على مواقع التواصل الاجتماعي.
أهم خمس مواقع للتواصل الاجتماعي : هي Face book, Twitter, Instegram , Linkedln and Pinterest ويقف الفيس بوك على رأسهم حيث يستخدمه 71% ممن يدخلون على الإنترنت, ومستخدموه ليسوا فقط كثيرين في العدد بل هم أيضا نشطون في استخدامه, فقد وجد أن 63 % من مستخدميه يدخلون عليه على الأقل مرة يوميا, وأن 40 % يدخلون مرات عديدة يوميا.
وهذا الاستخدام الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي ينشأ من انتشار الهواتف الذكية ووجود شبكات تواصل وتطبيقات عليها مما سهل على مستخدمي الإنترنت التواصل والتسلية باستخدام جهاز صغير في أيديهم يتيح لهم أشياء كثيرة ممتعة, والدليل على ذلك أنه في السنة الأخيرة كان هناك 300 مليون مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي يعتمدون على جهازهم المحمول فقط.
لماذا نهتم بمواقع التواصل الاجتماعي :
93 % من مستخدمي الإنترنت يدخلون على واحد من مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل.
93 % من مستخدمي مواقع التواصل يستخدمونه لأغراض تسويقية.
37 % يستخدمونها لإصدار برامج.
يتزايد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من مستخدمي البريد الإلكتروني وصفحات الشبكة العنكبوتية الأخرى.
عناصر التواصل الاجتماعي :
• منصات : أصلية (موقع للتواصل الاجتماعي, مدونة, ملتقى), أو نوعية (Huffington post, Twitter, Linkidln, etc)
• محتوى : أصلية (صور, منشورات مدونة, فيديوهات), أو نوعية ( فيديو الكرمة مقابل فيديو اليوتيوب).
• أجهزة: هاتف محمول, تابلت, لوحة مفاتيح.
• الجماهير : والجماهير يحركون المحتوى.
أكثر مراحل العمر استخداما :
على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي متاحة للجميع إلا أن الشباب هم أكثر نشاطا في استخدامها, فقد وجد سميث (2013) في بحثه أن 84% من أصحاب الفئة العمرية 18-29 متواجدون على الفيس بوك أكثر من أي فئة عمرية أخرى, وهذه الفئة هي أكثر قابلية لاضطرابات الصحة النفسية الناشئة عن استخدام مواقع التواصل, وقد وجد أن واحد من كل أربعة مستخدمين يعاني من الاكتئاب, وهذه الحالات للأسف في ازدياد مستمر مع الوقت.
الدوافع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي:
• الإفصاح عن الذات على مواقع التواصل الاجتماعي ينشط منظومة الحافز الداخلي في المخ بنفس طريقة وقوة حوافز أولية كالطعام والجنس.
• الإحتياج للانتماء.
• إشباع احتياج الفرد للشعور بقيمته ونزاهته.
• التواصل مع الأصدقاء الحاليين والقدامى.
• تكوين أصدقاء جدد.
• التواصل مع أفراد العائلة.
• الوصول لشركاء رومانسيين وإقامة علاقات عاطفية.
• قراءة تعليقات المشاهير والسياسيين.
فوائد مواقع التواصل :
• تشير بعض الدراسات أن التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون مفيدا للصحة النفسية.
• عمل بروفايل على الإنترنت والاندماج في نشاط التعبير عن الذات يمكن أن يعزز تقدير الذات ويقلل الإحساس بالاغتراب الاجتماعي.
• الإبداع فيما يضعه الشخص على صفحته يحسن صورة الشخص وربما يسهل له فرص الحصول على وظائف محتملة.
تأثيرات استخدام مواقع التواصل :
• أكدت العديد من الدراسات أن ثمة علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الإضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق والسلوكيات القهرية والشعور بالوحدة والنرجسية. ويرى الباحثون أن ثمة حاجة لبذل المزيد من الجهد في أبحاث جديدة لمعرفة العوامل التي تؤدي إلى تلك النتائج السلبية مع استعمال وسائل التواصل وكيفية تفاديها.
• في عام 1995 منح مشروع HomeNet فرصة للدخول على الإنترنت لـ 93 ألف شخص لم يكن لديهم اتصال بالإنترنت قبل ذلك وحاول تقصي حالتهم النفسية على مدى سنوات ووجد أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي كان مصحوبا بدرجات أكبر من الشعور بالوحدة والاكتئاب .
• وفي عام 2012 اشتق Rosen , Cheever , and Crrier كلمة “iDisorder” (بمعنى اضطراب الإنترنت) ليصفوا العلاقة السلبية بين تكنولوجيا الاتصالات والصحة النفسية. وقد وجد الباحثون أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب الجسيم, واعتلال المزاج, والاضطراب الوجداني ثنائي القطب, والنرجسية, والشخصية المضادة للمجتمع, والسلوكيات القهرية.
ما الذي يجعل مواقع التواصل الاجتماعي سببا للإدمان ؟ :
لاحظ جون جرهول أستاذ علم النفس الأمريكي أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي عملية مرحلية، حيث أن المستخدمين الجدد عادة هم الأكثر استخداماً بسبب انبهارهم بتلك المواقع، ثم بعد فترة يحدث للمستخدم عملية خيبة أمل منها فيحد إلى حد كبير من دخوله عليها، ويلي ذلك عملية توازن الشخص.
بيد أن بعض الناس تطول معهم المرحلة فيسرفون في الدخول عليها ولا يتمكنون من الاستغناء عنها .. ويرى البعض أو حسب بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال أن أكثر الناس قابلية للإدمان هم أصحاب الاكتئاب والشخصيات القلقة والذين يعانون من الملل كربات البيوت ويرى آخرون بأن الناس الذين تكون لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد هم أيضاً عرضه للإدمان بسبب انجذابهم الشديد للإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على تلك المواقع ولا يحس المدمن بالوقت ويتسبب إدمانه في مشاكل كثيرة.
ويبدو أن مصممي شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي قد وضعوا فيها كل العوامل التي تجعلها إدمانية من إثارة وجدة وتغيير وجاذبية وسرعة بحيث يجتذبون ملايين البشر لهذه المواقع فيحققون مكاسب مادية هائلة.
التشخيص :
هناك العديد من الطرق التي يمكن أن يظهر فيها الإدمان على الأشخاص، ويوجد 4 عوامل محتملة تشير إلى اعتماد الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي وفقًا لأندريسن وزملائها:
1. تقلبات المزاج: عندما يستخدمها الشخص لتحسين مزاجه أو الهروب من المشاكل الواقعية.
2. المرجعية: عندما تسيطر على أفكار الأشخاص على حساب الأنشطة الأخرى.
3. الاحتمالية: عندما يزيد الشخص من وقت استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتجربة مشاعر عاشها الشخص من قبل أثناء استخدامه لهذه المنصات.
4. الانسحابية: عندما لا يستطيع الشخص الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي تتغير عادات نومه وأكله وتظهر أعراض اكتئاب وقلق عليه.
5. المشاكل في الحياة الواقعية: عندما يفرط الشخص في استخدام منصات التواصل الاجتماعي فيمكن أن يؤثر ذلك على العلاقات في الحياة الواقعية مع العائلة والأصدقاء.
وبالإضافة إلى عوامل أندريسن، وضح غريفثس أن الشخص يكون مدمنا لمنصات التواصل الاجتماعي إذا انطبقت سلوكياته على إحدى هذه الست تصنيفات:
1. البروز: عندما تصبح منصات التواصل الاجتماعي هي الجزء الأهم في حياة الأشخاص.
2. تغيير المزاج: عندما يستخدم الشخص منصات التواصل الاجتماعي كطريقة للهروب لأنها تشعره بالبرود واللامبالاة كتأثير الخمور.
3. الاحتمال: عندما يزيد الشخص من الوقت المستخدم على منصات التواصل الاجتماعي تدريجيًا ليحافظ على شعور الهرب.
4. الانسحاب: عندما يشعر الشخص بمشاعر سيئة وأحساسيس جسدية في حالة عدم تمكنه من استخدام منصات التواصل الاجتماعي.
5. المشاكل: عندما يسبب استخدام منصات التواصل الاجتماعي المشاكل في العلاقات الشخصية وفقدان الرغبة في المشاركة في أنشطة أخرى ويصبح ذلك غالب على حالة الشخص.
6. الانتكاس: عندما يشعر الشخص المدمن سابقًا بالرغبة في العودة لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي بنفس النمط المفرط السابق.
وأضاف أن الاستخدام المفرط لأحد الأنشطة مثل التواصل الاجتماعي لا يساوي مباشرةً الإدمان لأنه هناك عوامل أخرى قد تؤدي بالشخص إلى إدمان منصات التواصل الاجتماعي تشمل الصفات الشخصية والقابلية المسبقة.
ولخص توريل وسيرينكو 3 أنواع من النماذج التي قد تكون لدى بعض الأشخاص وتسبب إدمان منصات التواصل الاجتماعي:
1. النموذج المعرفي السلوكي: عندما يزيد الشخص من استخدام منصات التواصل الاجتماعي في بيئات غير المعروفة أو في المواقف المحرجة.
2. نموذج المهارة الاجتماعية: عندما يمسك الأشخاص هواتفهم ويستخدمون منصات التواصل الاجتماعي لأنهم يفضلون التواصل الافتراضي بدلا من التواصل الواقعي وجهًا لوجه لافتقارهم لمهارة تقديم الذات للآخرين.
3. النموذج المعرفي الاجتماعي: عندما يستخدم الأشخاص منصات التواصل الاجتماعي لأنهم يحبون شعور التعليق والإعجاب على صورهم ووسمهم في الصور، وهم مرتبطون بالنتائج الإيجابية التي يحصلون عليها من منصات التواصل الاجتماعي.
وبناء على هذه النماذج، أشار كلاً من اكسيو وتان إلى أن التحول من الاستخدام الطبيعي إلى الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي يحدث عندما يعتمد عليها الشخص في تخفيف التوتر أو الوحدة أو الاكتئاب أو للحصول على مكافآت مستمرة.
ويتبع>>>>: إدمان مواقع التواصل الاجتماعي2
واقرأ أيضًا:
الزوج الأناني / الابتزاز العاطفي Emotional Blackmail / لقاح كورونا والفياجرا.. صدفة خير من ألف علاج