"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" النساء ١
العنف ضد النساء حقيقة لا تقبل الشك1 ولكن الأرقام والإحصائيات تتفاوت من دراسة إلى أخرى. الحقيقة المرة هي أن الأنثى تتعرض لعنف جسدي من إنسان قريب إليها إن كان زوجها أو أحد أفراد عائلتها٬ واحتمال حصول هذا الاعتداء من غريب أقل بكثير. تقدر منظمة الصحة العالمية بأن ٢٥٪ من النساء تتعرض لاعتداء جسدي أو جنسي خلال حياتها2. العنف ضد الإناث لا يشمل فقط العنف الجسدي والجنسي وإنما يمتد إلى التحرش بهن لأن الآثار النفسانية لمثل هذا السلوك قد تكون مزمنة وتصاحب الضحية طوال العمر. ظاهرة التحرش بالنساء في أماكن العمل شائعة في جميع أنحاء العالم٬ وهناك ظاهرة التحرش والتشهير المنتشرة بفضل وسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونية.
الاعتداء على النساء أكثر احتمالا في إفريقيا وجنوب آسيا. الحقيقة المرة هو أن الاعتداء على النساء مفهوم ثقافي في بعض بلاد العالم٬ فعلى سبيل المثال ٨٠٪ من النساء في أفغانستان و٧٥٪ في الكونغو تقبل بأن للرجل الحق في ضرب زوجته في ظروف معينة٬ لأن على المرأة طاعة الرجل وله الحق في تأديبها. رغم تقدم الهند فإن العنف ضد النساء لا يزال متفشياً و٤٥٪ من السكان يقبلون بضرب الزوجة. هذه المفاهيم تغيرت في العالم الغربي حيث لا يرتفع الرقم على ١٠٪ من الرجال. رغم ذلك فإن أزمة العنف ضد الزوجة لم تختفي و٥٪ من النساء ضحايا لاعتداء جسدي أو جنسي من قبل الزوج. لم يكن الحال أفضل في العالم الغربي قبل ١٠٠ عام ولم يتم تجريم اغتصاب الزوج لزوجته في ألمانيا إلا في عام ١٩٩٧م.
تعامل المجتمع مع المغتصب يثير الاشمئزاز أحيانا. في الهند على سبيل المثال يقول أحد كبار القضاة بأن زواج متهم باغتصاب فتاة عمرها ١٦ عاماً هو الحل لقضية قضائية٬ فإذا كان ذلك هو حديث القضاة فلا عجب أن تسمع آراء مشابهة ضمن عامة الناس. أما في باكستان حصلت جريمة مروعة لاغتصاب أم في طريق سريع بعد أن تم توقيف سيارتها من قبل رجلين اغتصبوها أمام اطفالها. بعد ذلك تسمع رئيس شرطة لاهور يوعظ المجتمع مصرحاً: "ما سبب سياقة المرأة لسيارة في طريق سريع بعد غروب الشمس وهل حصلت على إذن زوجها!"
الاعتداء الجنسي على الإناث شائع ومن أشد أنواع الصدمات. الأنثى التي تتعرض لاعتداء جنسي تعاني من اضطرابات نفسانية أكثر شدة مقارنة بالنساء المصابين بنفس الاضطرابات، ولكن بدون تاريخ انتهاك جنسي. هناك ارتباط واضح بين معظم الاضطرابات النفسانية والانتهاك الجنسي، ولكنها أشد ارتباطاً مع اضطراب كرب ما بعد الصدمة والانتحار. كذلك تأثير الانتهاك الجنسي على الفرد أشد بكثير من تأثير صدمات أخرى مثل إصابات جسدية وضحايا الإجرام3.
البعد النفساني للتحرش بالنساء
السؤال الذي يطرح نفسه دوماً من الذي يتحرش بالنساء وما هي العوامل المشجعة والرادعة؟ يتم قياس احتمال التحرش بالنساء علمياً بمقياس يدعى مقياس احتمال التحرش بالنساء LSH Likelihood to sexually Harass scale وليس من الغريب أن تلاحظ بأن النتائج4 تشير إلى أن الشخص الذي يتحرش بالنساء يتمسك برجولته ويؤمن بأن هناك دور محدود للنساء في الحياة الاجتماعية٬ ولكن الأسوأ من ذلك هو اعتقاده بأن اغتصاب المرأة سببه المرأة ورغبتها في السيطرة عليها وإذلالها. لكن الدراسات أيضاً تشير إلى أن التحرش بالنساء يتأثر بعوامل بيئية منها ضوابط وتشريعات مضادة للتحرش في مكان العمل أو غيره.
الشخصية التي تميل إلى التحرش بالنساء تميل إلى ارتكاب فعل إجرامي بحد ذاتها وكذلك مرتبطة بتاريخ سابق من عدم الاستقرار العاطفي في الطفولة والفقر والتعرض إلى التحرش في الطفولة. الشخصية الإجرامية عموماً تميل إلى إغراء الغير واستغلالهم٬ وعواطفها سطحية ترفض القبول بالمسؤولية عن أفعالها. البعض يستعمل مصطلح الرباعية المظلمة لوصف هذه الشخصيات وتتميز بالسادية٬ السيكوباثية Psychopathy الميكفيلية (تمويه الآخرين) والنرجسية5.
أسباب وحلول
هناك حقيقة بيولوجية لا يمكن إنكارها وهي أن الرجل أقوى جسدياً من المرأة عموماً٬ ولذلك فإن رادع الدفاع الجسدي من المقابل أقل احتمالاً وهذا يشجع بعض الذكور على الاعتداء على من هو أضعف منه.
الحقيقة الثقافية التي هي أخرى لا يمكن غض النظر عنها وهي ازدحام ثقافات البشرية على مد العصور على تهميش المرأة وكراهيتها مع إسقاط اللوم عليها بالتآمر والخبث والشهوانية وغير ذلك من الخرافات.
الحقيقة الثالثة هي أن العنف ضد المرأة يتناسب عكسياً مع الرفاهية الاقتصادية. مع الفقر لا تجد المرأة سوى الرجل ليعينها وتستند عليه مادياً٬ وبالتالي تصبح تحت سيطرته. لا توجد سياسة رفاهية اقتصادية مجانية في الدول الفقيرة٬ والمرأة التي تخرج من طاعة زوجها لا تستقبلها الدولة لا هي ولا أطفالها ولا تتكفل بهم. لا تجد سوى بيت عائلتها لتتوجه إليهم وهم بدورهم لا يرحبون بها دوماً.
الحل الجذري الأول هو تعليم الأجيال ونبذ الخرافات الثقافية المتوارثة عن الإناث. كلما تطور المجتمع ثقافياً كلما ارتفع احترام المرأة وانخفض الاعتداء عليها. ولكن تعليم الأجيال لا يقتصر على وعظهم فقط، ولكن الحرص على تشريع القوانين التي تنص على مساواة المرأة بالرجل في كافة ميادين التعليم والعمل وتمكينها كي تلعب دورها في بناء المجتمع وتطوره.
الحل الجذري الثاني لا يتعلق بالمرأة والرجل فحسب وإنما سعي الدولة للتقدم اقتصادياً واستحداث رفاهية ورعاية اجتماعية. الفقر ينقل العوائل إلى هامش المجتمع وذلك بدوره يؤدي إلى زيادة العنف العائلي.
هناك أسباب أخرى يمكن حصرها بأسباب فردية تتعلق بشخصية المعتدي والإدمان على الكحول والمخدرات حيث تتناسب عدد حوادث الاعتداء طردياً مع صفات شخصية عدوانية والإدمان. هذه العوامل يجب الترويج عنها صحياً والحرص على تقديم المشورة للضحايا ورعايتهم. هناك من العلاقات التي تتميز بالعنف المنزلي لا يمكن إصلاحها والحل الأول والأخير هو مساعدة المرأة على الخروج من المنزل.
العواقب النفسية والطبية للاعتداء لا تجهل على أحد٬ وهناك من الإصابات الرضحية التي تبقى آثارها طوال العمر ويتم توارث هذا التأثير عبر الأجيال.
مصادر
1- Watts C, Zimmerman C. Violence against women: global scope and magnitude. Lancet. 202; 359: 1232-37.
2- World Health Organization. Violence against women Prevalence Estimates, 2018. Global, regional and national prevalence estimates for intimate partner violence against women and global and regional prevalence estimates for non-partner sexual violence against women. WHO: Geneva, 2021.
3- Dworkin E, Menon S, Bystrynsk J, Allen N. Sexual assault victimization and psychopatho0logy: A review and metanalysis. Clin Psychol Rev. 2017; 56:65-81.
4- Pryor J. Sexual harassment. In H.T. Reis & Sprecher(eds). Encyclopaedia of human relationships.2009: 1461-1464. Thousand Oaks CA: Sage.
5- Paulhus D. Toward a taxonomy of dark personalities. Current Directions on Psychological Science 2014; 23(6): 421-436.
واقرأ أيضاً:
الاستشارة الطبنفسية (الطبنفسانية) / الهرمونات والشهية والوزن