علاج سلوكي معرفي ع.س.م CBT الوسواس القهري الديني1
نبدأ تلقائيا أثناء التقييم في تحديد ما إذا كانت وس.وق. الحالة الدينية أثناء العرض الحالي تنتمي لصنف واحد من الأصناف الثلاثة الكبرى (عبادات، عقيدة وأحكام وتعمق، أو معاملات) أم تجتمع فيها وس.وق. من هذا الصنف وذاك؟ فمن المرضى من يعاني مثلا من وس.وق. الكفر أو الشرك ومن وس.وق. العبادات حاليا، ومنهم من عانى من وس.وق. العبادات سابقا وتجاوزها، ولكنه الآن يعاني من وس.وق. الكفرية أو وس.وق. المعاملات، أي أن العرض الحالي لحالة وس.وق. ذات محتوى ديني قد يشمل وس.وق. من صنف دون غيره أو وس.وق. من أكثر من صنف بشكل متزامن أو غير متزامن (أي في نوبات مختلفة) وترجع أهمية التحديد إلى محورية معرفة المعالج بكيفية تجاوز المريض لأعراض وس.وق. السابقة هل اختفت الأعراض تلقائيا لانشغاله بغيرها؟ أم بعد معرفة معلومة لم يكن يعرفها؟ أم أنه لجأ إلى حيلة أو احتياط تأمين معين يمكنه من ذلك؟، ولكل من ذلك أهمية في تحديد مسار ومآل المحاولة العلاجية.
وهناك قواعد فقهية عامة يمكن الاستناد لها في الترخيص للمريض مثل "المشقة تجلب التيسير" استنادا لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ومثل أن الموسوس عند الشك في العدد يبني على الأقل على عكس الصحيح، كذلك أن على الموسوس انتقاء الأيسر من الأحكام ولو بالتلفيق بين المذاهب، حتى يبرأ من وسواسه، وهناك ما عرضناه في الجزء الرابع من مقالة الاستعارات والتشبيهات في الع.س.م للوسواس القهري وأخيرا الوسوسة تسقط التكليف في موضوعها، لكن أكثر الموسوسين (اضطراب وسواس قهري أو/و شخصية قسرية) لن يكون ذلك كافيا لإنهاء معاناتهم عادة لفضهم الأخذ بالرخصة وشكهم في كونهم مرضى، لكن ثبت بالتجريب أن مناقشة المعطيات الفقهية من المذاهب المختلفة يفيد كثيرا في تعديل معرفيات المريض بما يساعد التعافي.
تنقسم وس.وق. العبادات إلى وس.وق. التهيؤ للعبادة أو ما قبل العبادة، ووس.وق. بداية العبادة، ووس.وق. أداء العبادة، ووس.وق. مبطلات العبادة، فأما وس.وق. التهيؤ فتتعلق فرط تحاشي النجاسة البيئية، وفرط تحاشي النجاسة الشخصية، وقد أفضنا في شرح أعراض هذا الشكل من وس.وق العبادات في مقالين: وسواس النجاسة التطهر التطهير القهري (1-2) وفي شرح وتفصيل العلاج في ثلاث مقالات: وسواس التلوث والتنظيف علاج وسواس النجاسة القهري(1-3) ولذا نكتفي هنا بعرض بعض المفاتيح العلاجية المسندة فقهيا ولكل أدلته ومصادره في المقالات أعلاه، إضافة إلى طريقة مناجزة مثالين متكررين لوس.وق التهيؤ للعبادة أولهما معضلة انتقال/انتشار النجاسة وكذا رذاذ النجاسة والماء المرتد من المرحاض وثانيهما معضلة فضلة البول أو البول المتبقي.
مفاتيح علاجية لوس.وق التهيؤ للعبادة (فرط تحاشي النجاسة) التعمق في تحري النجاسة منهي عنه للصحيح قبل المريض يجب الأخذ بالظاهر. لا نجاسة إلا بعلامة تفرض نفسها والحكم بالنجاسة من غير علامة وسوسة. لا نجاسة لمن جهلها أو لا نجاسة إلا لمن يعلمها. لا تنجيس بالشك، واليقين لا يزول بالشك. شكنا بالنجاسة لا يزيل طهارة الأشياء الأصلية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. الرواسب لا تلتصق فيها النجاسة. الاحتياط واجب إذا وافق السنة فإذا خالف السنة فالاحتياط هو: ترك هذا الاحتياط. التحاشي المطلق للنجاسة هل هو ممكن؟ متى يمكن الحكم بنجاسة الشيء ومتى لا يمكن؟ وهل النجاسة مطلقة أم نسبية؟ أحاديث نبوية شريفة وآثار تظهر يسر التعامل مع النجاسات. وربما في الحالات الشديدة تعرض سنية إزالة النجاسة عند المالكية الاحتياط والاحتراز متى يصح ومتى لا يصح؟ تشرح ظاهرة عدم الشعور بالاكتمال وإ.ل.ص.ت. فرط الحساسية للشعور بالذنب والقابلية للشك وعمه الدواخل و.. ورخص الموسوس. |
مفاتيح علاجية لمعضلة انتقال/انتشار النجاسة رذاذ النجاسة:
وهذه واحدة من أشهر المشكلات التي تواجه المرضى بوسواس النجاسة أو فرط تحاشي النجاسة، حيث تبدأ السلسلة من لحظة إدراكه لنجاسة أصابت شيئا أو انتقلت من شيء لشيء ثم تتسع الدائرة بالتدريج لتشمل أشياء كثيرة في بيئة المريض يسرف في تطهيرها أو لا يلمسها بالمرة، وتتجلى في أقوال وأفعال المريض طريقة التفكير السحري أو الخرافي Magical Thinking وهو مصطلح يشير بشكل عام إلى القناعات غير العلمية مثل أن حدثًا أو نتيجة ما ستنتج عن حدث آخر بدون أي علاقة سبب وتأثير.. وأنواع وأشكال التفكير السحري كثيرة!
ومن الأشكال الشائعة وذات العلاقة، لوسواس تحاشي النجاسة نجد معضلة رذاذ النجاسة، فرذاذ أو رشاش النجاسة يصيب جزءًا من الجسد، أو الثوب، أو الأرض، أو قاعدة الحمام ...إلخ وذي علاقة بها كذلك مشكلة الماء المرتد من المرحاض أو المتطاير أثناء شطف المرحاض، وكذلك غسالة النجاسة المتطايرة، وماء الاستنجاء المرتد من الفرج، وفي العمل المعرفي مع تلك الحالات يتفاعل عاملان معا لتصحيح فهم المريض وتقييمه للموقف أحدهما هو كنه الرذاذ نفسه (هل هو نجاسة خالصة أم غسالة نجاسة) والآخر هو مقدار الرذاذ وهل هو مرئي؟ أم غير مرئي فإن كان غسالة النجاسة فهي طاهرة ما لم نتيقن من تغيرها (كما عند المالكية)، وإن كانت نجاسة فما مقدارها؟ ففي غالب الأحيان لا يكمل مقدار الرذاذ المتطاير لو جمع مساحة مقعر الكف وهو القدر المعفو عنه (عند الحنفية).
في حال الوسوسة في النجاسات يقع الموسوس في فخين: أولهما: تخيّل نجاسة غير موجودة. وثانيهما: تخيل انتشار النجاسة إلى ما لا نهاية، مع أنها إما غير موجودة أصلًا، وإما قليلة معفو عنها، وإما غير قابلة للانتشار، ولعلاج مثل هذه الحالة يشمل الجانب المعرفي أولا بيان طريقة التفكير السحري فيما يتعلق بانتشار النجاسة المتخيل وكيف أن لا أحد يشاركه الرأي من ذويه ولماذا؟ هل لأنهم لا يصدقونه؟ أم لأنهم يفكرون بطريقة مختلفة، ثم يسأل المريض بعد ذلك عن معلوماته الفقهية في الأمر، وعادة ما نجد ارتباكا كبيرا في الفهم وفي كثير من الأحيان مبنيا على فتاوى لأصحاء لا مرضى، أو نتيجة لاختلافات المذاهب والفقهاء المختلفين في التفاصيل بما يمثل مشكلة لمريض يريد الأخذ بالأحوط والتيقن من التطهر 100% .
ومن الخصائص الشائعة كذلك لتفكير مرضى وسواس النجاسة بشكل عام والواقعين في فخ الانتشار اللامتناهي للنجاسة قاعدة خرافية تقول إن الجزء=الكل فنجاسة على الإصبع =نجاسة الجسد كله، قطرة بول أو مذي على الثوب=تنجس الثوب كله، أو على الأريكة= تنجس كل الأريكة، وكذا على أرضية الغرفة= نجاسة كل الغرفة...... وهكذا دواليك ... هذه إحدى تجليات التفكير الثنائي (أبيض/أسود) وتحتاج إلى العمل عليها وبيان اختلافها عن المعطيات الفقهية، فلا يصح تنجيس الكل بالجزء ولا يجب حال تطهير النجاسة إلا تطهير مكانها، لا كامل الشيء الذي وقعت عليه النجاسة، وحتى في حال تعذر تحديد مكان النجاسة بدقة كافية نعود إلى الأصل في الأشياء وهو الطهارة فمثلا في حال نقطة نجاسة أصابت الأرض وجفت ولا يعرف مكانها نقول للموسوس: لدينا نجاسة، مكانها مجهول، فإذا دست على الأرض ورجلك مبتلة لا تتنجس، لأنك غير متأكد من مشيك فوق النجاسة، والأصل في الأشياء الطهارة، ولا نجاسة إلا بعلامة وهكذا، وتستخدم القاعدة الأخيرة أيضًا لمناجزة تحاشي لمس الأشياء تحرزا من نجاستها المحتملة إذ نقول: القاعدة الفقهية تقول إن الأصل في الأشياء الطهارة. وأخرى تقول: لا تنجيس بالشك. بالتالي شكنا بالنجاسة لا يزيل طهارة الأشياء الأصلية.
ويتدرج الطرح الفقهي على درجتين أو 3 درجات بداية من أصل النجاسة التي انتشرت هل حكم عليها بعد علامة (رؤية أو شم) أم بإعمال عقله؟ ثم النظر في حجم تلك النجاسة (إن كانت حقيقية) ومدى وضوحها في المكان أو على الأرض؟ ثم في الدرجة الثانية تناقش مشكلة انتقال النجاسة من الأصل إلى المُنَجَّسِ الأول سواء كان جزءا من الجسد، أو الأرض، أو ثوبا، أو فراشا، أو محمولا...إلخ. مع أهمية وضع اعتبار للمدى الزمني للانتقال الأول إذ ربما جفت النجاسة خلاله، وفي أغلب الأحيان تنتهي سلسلة التنجيس اللامتناهي في فهم المريض عند هذه الدرجة، وأما من يصل إلى الدرجة الثالثة فعندها يبدأ النقاش حول الانتشار اللامتناهي للنجاسة حسب المفهوم السحري لدى المريض.... ويقابل مفهوم المريض بالرؤية الفقهية الشرعية في كل درجة.
في الدرجة الأولى تشرح القواعد الفقهية الخاصة بشروط الحكم بالنجاسة وبيان اشتراط العلامة الفارضة نفسها على حواس الإنسان فلا تنجيس بالشك ولا نجاسة إلا بعلامة (تفرض نفسها) والحكم بالنجاسة دون علامة هو من الوسوسة... ويشرح ذلك مع ضرب الأمثلة المناسبة. ومن الأسئلة المهمة هنا سؤال كيف تزول النجاسة؟ الطريقة المتفق عليها هي زوالها بالماء، وهناك طرق أخرى خاصة بأنواع من النجاسات تختلف حسب المذاهب، ويحرص المعالج على انتقاء الأسهل على المريض أخذًا بالرخص، وعليه أن يعلم أنه يكفي كون الشيء طاهرًا ولو على مذهب واحد، ولا يجب أن يكون طاهرًا عند الجميع، ولهذا أهمية كبيرة في مجابهة التفكير الخرافي الذي يرى أن أثر الاتصال بالنجاسة يبقى أثره أبدا.
وأما في الدرجة الثانية أي بعد التيقن من وجود نجاسة حقيقية في الأصل، يجب بيان أن مجرد وجود نجاسة لا يعني أنها ستنتقل، بل إن الأصل هو عدم انتقال النجاسة من جسم لآخر، فلا يحكم بانتقالها إلا بيقين، ولا وزن للشك في انتقال النجاسة (أي احتمال انتقال النجاسة بمقدار 99% فما دون) هذا الشك لا يؤثر، ثم بعد ذلك يجب معرفة ما إذا كانت رطبة أم جافة؟ وكذلك معرفة ما إذا كان الناقل الأول (المُنَجَّسِ الأول) رطبا أم جافًّا؟ لأن انتقال النجاسة يرتبط بقدرتها على الانتقال أي بوجود الرطوبة، فإن كان أصل النجاسة رطبا يتنجس كل ما لاقته هذه النجاسة، أي يتنجس الناقل الأول، ومنه تنتقل إلى غيره ما دامت النجاسة موجودة رطبة فإن جفت وقف انتقالها إلى أي شيء جاف، أي أنه إذا جفت النجاسة الأصلية فلن تنتقل إلى الناقل الأول إذا كان جافا لأن الجاف على الجاف طاهرٌ بلا خلاف، وبهذا يفترض أن تتوقف سلسلة الانتشار السحري الخرافي للنجاسة، وأما في حالة كون أصل النجاسة جافا يابسا والناقل الأول رطبا أو مبتلا فالطاهر الجاف إذا لامس نجساً جافاً لا ينجسه، والطاهر الرطب إذا لامس نجساً فإنه لا يتنجس عند المالكية والحنفية ما لم يظهر أثر النجاسة على الطاهر، ويتنجسُ عند الشافعية، وأما عند الحنابلة فلا يتنجس إلا إذا كان به بلل ويبقى طاهرا إن كان رطباً فقط من غير بلل، أما إذا لامس الرطب الطاهر عين نجاسة (أي رطبة) فإنه يتنجس.
وأما في الدرجة الثالثة وهو ما يعني الاتفاق على نجاسة الأصل وتنجس الناقل الأول ورطوبته التي تجعله ناقلا للنجاسة إما لعدد من الأشياء أو لشيء آخر ينقلها لغيره وهكذا، ومن الناحية الفقهية فإن النجاسة إذا أصابت شيئا وجفت لا تطهر إلا بفعل بوجود مُطَهّر، سواء بواسطة إنسان، أو غيره كمطر نزل عليها فأزالها، وعليه فإن الأشياء التي أصابتها النجاسة الرطبة تبقى نجسة ناقلة للنجاسة مادامت رطبة، وتتوقف قدرتها على نقل النجاسة لما تلامسه أو يلامسها بحدوث الجفاف واستمراره لكنها تبقى نجسة حكما وذلك باستثناء الأرض التي تتشرب السوائل (الأرض الترابية) إذا جفت ولم يبق أثر للنجاسة فإنها تطهر بالجفاف عند الحنفية.
مسألة اشتراط البلل في انتقال النجاسة محورية الأهمية في كثير من الأحيان لوقف سلسلة الانتشار، كذلك كون النجاسة الحكمية (التي لا طعم لها ولا لون ولا ريح كالبول إذا جف وزال أثره) لا تنتقل لأن الحكم لا ينتقل، والحقيقة أن هناك اختلافات بين المدارس الفقهية في معنى النجاسة العينية والحكمية، فعرفها الشافعية بأن العينية هي التي يوجد لها طعم أو ريح أو لون وأولى إذا كانت ملموسة، وعكسها الحكمية، بينما النجاسة الحكمية عند الحنابلة هي الطارئة على محل طاهر، والعينية هي الذوات النجسة كالبول (أي أن بعض النجاسات التي يسميها الحنابلة حكمية، تسمى عينية عند غيرهم)، وعند المالكية -مثلاً- لو أن شخصاً أصاب بدنه نجس ما، ثم أزاله بأي مزيل غير الماء فقد ذهبت النجاسة العينية وبقيت الحكمية، في حين أنه لو أزاله بالماء المطلق طهر المحل بذهاب عين النجاسة وحكمها بالماء المطلق.... لكن القاعدة هي أن على الموسوس الأخذ بالأيسر بغض النظر عن مذهبه الفقهي.
والواقع أن تطور الأحداث للوصول إلى معضلة انتشار النجاسة كما نراها سريريا لا يستمر بشكل منطقي أو معقول (بحيث يقف عند الحدود المعقولة فقها) ليصل بالمريض إلى الحكم بنجاسة منزل أو مستشفى أو بلد بأكمله فهنا يبدأ المستوى الخرافي من التفكير في النجاسة وقدرتها غير المنتهية على الانتقال في صورة قانون الانتشار السحري (قاعدة الانتشار اللامحدود Infinite Contagion) والذي يظهر في القناعة بأن الصلة بين شيئين أو فردين أو فرد وشيء تستمر حتى بعد انفصالهما ماديا وإلى الأبد ما دام قد حدث بينهما التصاق أو اتصال ولو لمرة واحدة، وبالتالي فإن أي كيانين حدث تلامس بينهما تبقى بينهما رابطة ما -أبدية ولا مادية- وقد تكون تلك الرابطة قوية وقد تكون ضعيفة حسب مدة وشدة التلامس إلا أنها تستمر وتبقى مؤثرة تنتقل من شيء لشيء إلى ما لا نهاية، وفي مرضى الوسواس القهري لا تقل قدرة الملوث على التلويث بالانتقال المتتالي للتلوث من ملَوَثٍ لآخر جديد لا بالوقت ولا عدد المرات! إلا قليلا إن حدث، وتشمل مشاعر المريض والتي تدفعه إلى التحاشي المفرط أو الانخراط في قهور التطهير، تشمل لا فقط الخوف من النجاسة وإنما أيضًا مشاعر التقزز المفرط منها وهو ما ينبه إلى العلاقة الوطيدة بين التقزز (القرف) والوسواس القهري ومن الأهمية بمكان أن ينتبه المعالج لهذا البعد، وأن يتعامل معه أثناء العلاج.
ويتبع>>>>>: علاج سلوكي معرفي ع.س.م CBT الوسواس القهري الديني3
اقرأ على مجانين:
العروض السريرية الأربعة للوسواس القهري / أشرف بعدم انتمائي للجمعية الأمريكية لطب النفس