السلام عليكم ورحمة الله..
أهنئ نفسي وجميع العرب على هذا الموقع الأكثر من رائع، وأحمد الله عز وجل على ذلك.
أعرض عليكم مشكلتي التي تتمثل في "الكسل" ونوع من الإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية، وقد يكون للنمط الذي تربيت به دخل فيما آلت إليه أحوالي، ليس لإلقاء اللوم على الآخرين، ولكن للإيضاح فقط، فأنا "آخر العنقود" كما يقولون؛ حيث كنت مدللة جدا، خاصة وأن إخوتي يكبرونني بكثير، فكانت طلباتي مجابة من الجميع، حتى واجباتي المدرسية كانوا يعينوني عليها، أذكر في مرة أنه كان عليَّ أن أقرأ قصة، فنسيت ذلك ولم أتذكره إلا ليلة عرضها، فأخذت في البكاء؛ حيث كنت أحب أن "أطلع الأولى دائما"، فما كان من أختي الحبيبة إلا أن قرأتها كاملة ولخصتها لي.
تربيت على الاتكال عليهم في كل أموري؛ من مسائل إدارية إلى أمور حياتية بسيطة، أحسست بهذا أكثر عندما ابتعدت عنهم، وجئت إلى أوربا للدراسة، وكنت أتمنى أن يكون ذلك حافزا لي للاعتماد على نفسي، ولكن للأسف "لم يزد الطين إلا بلة"؛ فقد تحول اعتمادي على أخ وأخت لي من أبي هنا، دبرا أموري في البداية، لكني لست على تواصل جيد معهم؛ لأني لم أتربَّ معهم، والله دائما ما يسخر لي أصدقاء طيبين ندرس ونخرج معا والحمد لله على هذا، ولكننا الآن افترقنا بعض الشيء، فكل واحد منا اختار شعبة مختلفة، فلا أراهم إلا قليلا، فبدأت أشعر بالوحدة وبأثقال الغربة، وأتهاون في دراستي، وأفشل فيها، ولا أنجح إلا بصعوبة؛ وهو ما أفقدني ثقتي بنفسي إلى أقصى حد وشعور بالعجز.
وصل بي الحال إلى أن أحسست باكتئاب لتفكيري بحالي طوال الوقت، ومعاتبة نفسي بشدة، وإحساسي بأن هذا قد يكون غضبا من ربي عليّ، فأنا في فتور إيماني، لم أعد أخشع في صلاتي، ولا أتلو القرآن كما كان بالسابق؛ المسائل متشابكة بعقلي، لم أعد أميز بين أسباب حالتي التي أعيشها، فأرجو أن يتسع صدركم الرحب لمشكلتي وتعينوني على تخطيها بإذن الله، فأنا أشعر بتأنيب الضمير لأني أعطي مثالا للمسلمة الضعيفة المتهاونة. أعلم أن الحل هو العمل وعدم التقاعس والتواكل، لكني لا أجد العزيمة أو الإرادة، ولا أدرك سبب ذلك ولا أجد له داعيا.
من جهة أخرى، أنا إنسانة مترددة جدا، لا أستطيع اتخاذ قرار مهما كان بسيطا، لا أثق برأيي وإذا كانت آراء من سألتهم مختلفة يتحول هذا الصراع إلى دماغي فأشعر بالحيرة، ولا أجد لي رأيا مستقلا أتفرد به.
وللإضافة: فخطيبي (ببلدي الأصلي) غيري تماما؛ شخص واثق من نفسه، يعرف ماذا يريد دون تردد، وعندما نتحدث عن مستقبلنا أجدني أذكر أشياء عامة ثم أتوقف عن الحديث، بعكسه هو، يتحدث عن التفاصيل وأنا دائمة الاقتناع بما يقول، يشعرني هذا بعض الأحيان بالنقص خاصة عندما يضغط علي للتحدث ولا أجد ما أضيف، وفي غالب أحاديثنا أكتفي بردود الفعل فقط وهو من يفتح المواضيع ويتحدث.
فهل أنا مريضة نفسيا؟ أشعر أني شخصية انهزامية وتابعة، وهذا يؤرقني كثيرا؛ لأني كنت دائما متفوقة ومحبوبة، والكل ينتظر مني الكثير، لكني أخاف من المسؤولية؛ العمل والزواج وتبعاتهما.
أشكركم جزيل الشكر؛ لأني أشعر براحة لأني على الأقل فضفضت،
جزاكم الله عنا كل خير، وإني أحبكم في الله.
21/6/2023
رد المستشار
حللت مشكلتك وأسميتها بالكثير من النعوت مثل "انهزامية، مكتئبة، اعتمادية... إلخ"، بل وأرجعت سببها الرئيسي إلى تدليلك منذ الصغر، واعتمادك على آخرين في أدائك لمهامك.
ورغم احترامي لتحليلك -ليس لصحته- ولكن لكي أضيفه إلى السطر الوحيد الذي ذكرت فيه مميزاتك مثل "متفوقة، ومحبوبة"، إلا أنني أرى أن السبب الرئيسي فيما تعانين هو اهتمامك الشديد بأن يكون لك شكل مثالي أمام الناس!
فقد تكونين مدللة تعتمدين على من حولك، ولكن هل كان من الضروري أن تحرزي دوما المركز الأول؟ هل ما يؤرقك كما ذكرت أنك كنت دائما متفوقة ومحبوبة أم لأن الكل ينتظر منك الكثير؟ تألمت في دراستك بالخارج ليس لأنك ابتعدت عمن تعتمدين عليهم، وإنما لأن من حولك الآن ليسوا حولك بالشكل الكافي الذي تريدينه لأجل أن تحرزي ما تعودت عليه.
حتى ترددك في اتخاذ قراراتك جزء غير هين يعود إلى أنك تريدين أن تأخذي قرارا صائبا حكيما طوال الوقت، وعندما نظرت لعلاقتك بالله عز وجل لم تتذكري قول رسولنا الكريم حين كان يخاطب المؤمنين -الصحابة الأوائل رضوان الله عليهم- وأقول المؤمنين في قضية الإيمان بقوله: "إن الإيمان يزيد وينقص"؛ لذا مهما كان تدليلك في صغرك، ومعاونة إخوتك لك في إنجاز مهام تخصك فإنك في النهاية كنت تذهبين إلى اختباراتك وحدك، فكنت تحرزين المركز الأول.
وطوال الوقت تتخذين قرارات -رغم وجود بعض الضعف في الثقة- وتذكري معي قراراتك الفردية.. ألم يكن قرار إكمال دراستك بالخارج منها؟ ألم يكن قرار الصحبة رغم اختلاف تخصصاتكم منها؟ ألم يكن قرار ارتباطك منها كذلك؟ ألم يكن قرار إرسال مشكلتك إلينا منها؟ إذن أختي نحتاج إلى أن نعيد النظر من جديد، فتعالي معي نرى سويا هذه النقاط:
1. الماضي جزء مهم من حياتنا بإيجابياته وسلبياته، ولكن يظل في مساحة الاستفادة منه لكي أستطيع أن أنهض للحاضر وأخطط بوعي للمستقبل.
2. ليس هناك شخص مثالي يحتل الصدارة في كل شيء، فمن الطبيعي أن تمر بنا بعض الظروف التي تجعلنا نتأخر قليلا للوراء فيتقدم آخرون، وطبيعي أن نسيء التصرف أحيانا، وإلا من أين سنسطر خبراتنا في الحياة؟ وطبيعي ألا نكون الشخص الأهم والأولى في حياة كل من نحتك بهم.
3. أحبي نفسك، وهذا سيكون سر نجاحك في تخطي ما يزعجك، فإذا أحببت نفسك فستعرفينها وتتقربين إليها وتتعهدينها، ومن ثم تستطيعين إبراز نقاط جمالك وتهذيب سلبياتك برفق، فما دام الناس ينتظرون منك الكثير فهذا يعني أن لديك شيئا، فلم يخلق بعد من يستطيع أن يخدع كل البشر كل الوقت!
4. كما أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، فكذلك الثقة بالنفس يمكن تعلمها وممارستها بالتدرج والتطبيق.
5. الله عز وجل خالقنا وهو أدرى بخلقه، فهو يعلم أن قلوبنا ستعتريها العلل، وللطفه بنا لم يدعنا دون عون، فترك لنا ما نتعهد به أنفسنا بين الحين والحين، وجعل جزاءه لنا مقرونا بالكد والاجتهاد وليس بالنتيجة، ووضع لنا بدائل تناسب اختلافنا لنقدم له أعمالا مختلفة، ونقدم لأمتنا أمورا مختلفة فتتحقق روعة التكامل، فقد تصل بك مساندتك لمحتاج إلى درجة القائم بالليل، فهذا هو الله ربنا وعظيمنا، إله بحق.