على طريقة القذافي العبثية في تساؤله عن الموت (هل هو ذكر أم أنثى) ثار في رأسي نفس السؤال: هل الثورة المصرية ذكر أم أنثى؟!!!
لقد نشرت علياء صورتها على صفحتها في الفيسبوك عارية تماما وكتبت اسمها تحتها منسوبا إلى الأم وليس إلى الأب وذكرت في تحد واضح ما معناه أن هذا تعبير عن حريتها وأنها تملك جسدها ولا تخجل منه لتخفيه, ودخل على صفحتها آلاف, بل ملايين, بعضهم ليتفرج والبعض الآخر ليستكشف, والبعض الثالث ليؤيد والبعض الرابع ليستنكر, والبعض الخامس يؤيد الصورة (المثيرة) ويستنكر الفكرة (المتحدية الصادمة). كانت عبارات علياء (وهي في الأصل ناشطة سياسية منتسبة أو منسوبة إلى حركة 6 ابريل وإلى التيار الليبرالي عموما) تنضح بالتحدي والتمرد على المجتمع وقيمه وتقاليده, وترى هذا المجتمع كاذبا منافقا مراوغا وتسخر من معاييره المزدوجة أو المائعة أو المشوهة أو المخنثة, وفي المقابل تعلن أنوثتها وترفعها خفاقة "عارية", ليس فقط أنوثتها الجسدية الصارخة ولكن أنوثة نسبها إلى أنثى أخرى وهي الأم (بعد حذف الأب أو رفعه من الخدمة).
المشهد الثاني كان للمتحدث باسم الجماعة الإسلامية السيد عاصم عبد الماجد, إذ يأتي في لقاء تليفزيوني مع السيدة هالة سرحان حيث لا تظهر صورة عبد الماجد لأنه أصر أن لا يقابل مذيعة غير محجبة وكان الحل أن يبنوا له في الأستوديو جدارا يختفي وراءه تطبيقا لفهمه (هو) للآية الكريمة "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب", مع أنه هنا في هذا الموقف لا يسأل هاله سرحان متاعا بل هي التي تسأله سياسة وشئونا عامة, كما أن هاله سرحان ليست من أمهات المؤمنين اللائي نزلت بخصوصهن الآية الكريمة. كان المشهد بحق مثيرا ومدهشا أن نرى رجلا يمارس السياسة والعمل العام متخفيا وراء جدار وهو يبشر بحياة جديدة يسودها الصراحة والشفافية والصدق والحب والوئام والمساواة في الحقوق والواجبات لكل المواطنين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وتوجهاتهن (محجبات ومنتقبات وغير محجبات).
المشهد الثالث تبدى في الملصقات الإعلانية لبعض المرشحات عن التيار السلفي حيث لم توضع صورة المرشحة (ليعرفها الناس أو يتعرفوا عليها) ولكن وضعت صورة زهرة, وأحيانا صورة زوجها, وأحيانا مساحة فارغة مكان الصورة. والسؤال هنا: كيف ينتخب الناس امرأة لا يعرفونها, وكيف تتخفى امرأة تتصدى للعمل العام خلف زهرة أو خلف زوجها أو خلف فراغ؟!!!.
المشهد الرابع تعكسه مقالات نواره نجم وهي تبحث عن "الدكر" في المجتمع المصري بعد الثورة, إذ يبدو أنه اختفى أو ندر وجوده, فلم نعد نرى رجالا صادقين حازمين صامدين يقولون كلمة الحق حتى ولو كلفتهم حياتهم, ويدافعون عن ثورة عظيمة صنعها الشعب المصري برجاله ونسائه ويقتلها الآن أفاقون وكذابون ومراوغون ومخادعون ونصابون خرجوا لنا من الجحور, وهم جميعا مشتركون في صفة التخنث, إذ لا يصح وصفهم بالرجال ولا يصح أيضا وصفهم بالنساء, بل هم مشوهين خلقة وسلوكا, والغريب أن أعدادهم تتكاثر بشكل سرطاني بعد الثورة وهم يعتلون الأحزاب وحلقات النقاش والمناظرات وتظهر صورهم على أغلفة الصحف والمجلات وفي إعلانات التليفزيونات وملصقات الدعاية الانتخابية والحزبية. وتضيع المعالم ويتخبط الناس ولا يعرفون ما هو الصح وما هو الخطأ, من المخلص ومن المخادع, من مع الثورة ومن ضدها. ومع هذا لا يخلو المشهد من رجال مؤكدي الرجولة يظهرون في كتابات عبد الحليم قنديل وإبراهيم عيسى وحمدي قنديل وعلاء الأسواني وطارق البشري, وفي مواقف وتصريحات البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا وحازم أبو إسماعيل.
المشهد الخامس وهو اغتصاب الثورة بواسطة النظام القديم أمام أعين المجلس والحكومة والثوار بينما هم يتناوشون ويتشاكسون ويتصارعون أو يتناومون. وهنا يحتد السؤال: لماذا أتت الثورة "سلمية" وبالتالي مؤنثة وتتعرض للاغتصاب؟، إذ لو كانت ذكرا عنيفا قويا حازما خشنا ما تجرأ أحد على الاقتراب منها (أو منه على الأصح) فضلا عن اغتصابها, فالثورة الإيرانية كانت ذكرا مؤكد الذكورة عمل له فلول النظام ألف حساب وتواروا في جحورهم حتى استتبت الثورة تماما وأسست النظام الذي ترتضيه (بصرف النظر عن صحته أو خطئه), والثورة الفرنسية كانت تتبادل الذكورة والأنوثة حسب مقتضيات الموقف واستمرت هكذا حتى نجحت, فهي سلمية رقيقة في مواقف وأوقات وعنيفة قاسية وربما دموية في مواقف أخرى حين تستشعر التهديد من الفلول, والثورة الروسية كانت ذكرا فظا, والإنجليزية كذلك.
إذن فيبدو أن أنوثة الثورة المصرية ونعومتها قد أغرت بها المغتصبون فالتفوا حولها الآن ينهشون جسدها وينتهكون عرضها بينما انشغل الثوار في جمع الغنائم على شاشات التليفزيون وفي مقرات الأحزاب والجمعيات والجماعات وقد نعمت بشرتهم ورقت أصواتهم وصبغ شعرهم وفاحت روائح "برفانهم" وظهرت عليهم آثار النعمة وأصبحوا يتباهون بمقابلة كبار المسئولين في المجلس والحكومة. وأصبح السؤال البريء الآن: هل نفضلها "ثورة" أم "ثور" أم الاثنين معا؟!!!
المشهد السادس يخرج من قاعة القضاء الإداري بالمنصورة حين يصدر الحكم بمنع ترشح أعضاء الحزب الوطني المنحل بناءا على حكم قضائي سابق قضى بفساد هذا الحزب وإفساده للحياة السياسية وهذا الفساد والإفساد ينسحب بداهة على أعضاء الحزب ولا يتوقف عند مباني الحزب ومقراته وقياداته, ثم يأتي حكم الإدارية العليا ينقض الحكم السابق حيث لا يوجد قانون للعزل السياسي أو تعريف دقيق للإفساد السياسي (ولا تعقيب لنا أو اعتراض على القضاء). وهكذا يخرج فلول الوطني الفاسدين والمفسدين إلى الشوارع فرحين ومهللين حيث ستتاح لهم فرصا أخرى للفساد والإفساد تحت مظلة الثورة في هذه المرة.
وتخرج علياء لتتبرأ من الأنوثة الضعيفة التي تغتصب وتخجل بعد ذلك من أنوثتها (وهذا ليس تبريرا للتعري بل تفسيرا له, لأن التعري بهذه الصورة هو امتهان آخر للجسد وللأنوثة وللكرامة الإنسانية) وتعلن (بطريقتها) أن الأنوثة ليست مرادفا للضعف والاستسلام والخجل وتعلن براءتها من هذا المجتمع الضعيف الذي لم يستطع أن يحمي ثورة عظيمة صنعها بدماء شهداء أبرار بل تركها نهبا لكل أفاق أثيم.
من هنا نصل إلى أن الثورة – في حالتها الراهنة – ليست "دكر" وليست "نتاية", بل هي خنثى ومطلوب عملية جراحية لتحويلها إلى الجنس الغالب ذكرا كان أو أنثى حتى تتضح ملامحها وتلبس ملابسها التي تناسب جنسها.
واقرأ أيضاً:
ماذا لو تمكّن مسيلمة الكذّاب؟/ رؤية طبيب نفسي لخطاب السيد المشير/ لماذا عادت الثورة من جديد؟