ينتمي فيروس كورونا إلى عائلة الفيروسات التي تدعى فيروس حمض ريبي مغلف Enveloped RNA . هذا بالفعل ما يحدث ويبدو أن هذا الغلاف أو المظروف أشبه برسالة بريدية تتنقل عبر كوكب الأرض.
خلال أقل من ثلاثة أشهر قفز فيروس كورونا المعروف Covid-19 من الحيوان إلى الإنسان في جميع أنحاء العالم. كانت النظرية الأولية بأن الفيروس موجود في الخفاش وانتقل إلى الأفاعي ومن ثم إلى الإنسان، ولكن هناك بعض الشكوك تحوم حول صحة هذه النظرية الآن. هذا هو الفيروس الثالث منذ بداية الألفية لهذه المجموعة ولكنه يختلف عن إخوانه SARS وMERS بأنه يتنقل بحرية وسهولة من إنسان إلى آخر وربما حدثت طفرة فيه تنذر بأن اختفاء هذا الوباء والفيروس كليا لن يحدث بسهولة. هذا بالفعل ما حدث.
انتشر الوباء عالمياً وبدأت جميع الدول العالمية بالحد من التنقل واتخاذا الإجراءات اللازمة لاحتواء الوباء والحد من انتشاره. لا يملك الإنسان مناعة ضد هذا الوباء، وبالتالي لا توجد مناعة قطيع Herd Immunity التي تمنع تفشيه في المجتمع. عدم اتخاذ خطوات الصحة العامة اللازمة وبسرعة يفسر شدة الوباء في إيران وإيطاليا وإسبانيا وغيرها. حدثت عدة تظاهرات وتجمعات جماهيرية في إسبانيا في الأيام الأولى من الوباء، ولم تمنع الحكومة البريطانية مهرجان لسباق الخيول ومباريات كرة القدم.
السيطرة على الوباء
علم الوبائيات واحد من أهم علوم الصحة العامة. مع حدوث الوباء هناك الحاجة إلى كادر ميداني تم تدريبه في هذا المجال. هناك الحاجة أيضاً للتشخيص الصحيح وتعريف ما هي الحالة المشخصة طبياً سواءً بالعلامات السريرية أو نتائج الفحوص المختبرية وبالتالي الوصول إلى فرضية وبائية تدرس عوامل انتشاره.
المجموعات البشرية أثناء الوباء
الفرضية الوبائية تقسم السكان إلى أربعة مجموعات. هناك مجموعة عرضة للإصابة ويمكن القول بأنها تشمل جميع السكان ولا يمكن استثناء أحد. إحدى الفرضيات الأولية استندت على قلة الإصابات في الأطفال والمراهقين، وبالتالي انعدام الحاجة لإغلاق المدراس والجامعات. الإصابات غير شديدة في الأطفال والمراهقين ولكن ذلك لا يمنع من حملهم الفيروس وانتقاله إلى بقية الناس. المجموعة الثانية هي من تعرض للإصابة والثالثة هو المصاب بالعدوى ويصبح مصدراً لنقل العدوى. ما نعرفه الآن بأن الفترة الزمنية بين اتصال إنسان يحمل الفيروس وإصابة إنسان آخر هي ٤ أيام. أما فترة الحضانة وهي المدة الزمنية بين الإصابة بالفيروس وظهور الأعراض فهي بمعدل خمسة أيام. أما فترة التعافي من الفيروس وتوقف العدوى فهي بحدود سبعة أيام. على ضوء ذلك من تظهر فيه الأعراض يعزل نفسه لمدة سبعة أيام، و لكن من يعيش معه يجب أن يعزل نفسه لمدة ١٤ يوماً.
النموذج الأول
الخطوة الأولى هي احتواء الوباء وعزل الحالات المشخصة. هذه الخطوة الأولى المفضلة لمنع الارتباك الاجتماعي والاقتصادي بسبب الوباء. كذلك تحرص الدولة على حجر المجموعات البشرية الأكثر عرضة للإصابة بعدوى خطيرة لأسباب طبية. مع فيروس كورونا هناك المسنون (عمر ٧٠ عاماً أو أكثر)، المصابون بأمراض القلب، تدني المناعة بسبب الحالة الصحية، البدانة، أمراض الرئة المزمنة، والسكري. هذه الخطوة تعتمد أيضاً على تعاون الشعب مع التوجيهات الحكومية على ممارسة التباعد الاجتماعي والالتزام بقواعد الصحة العامة. هذا النموذج تستعمله السويد في وقت كتابة هذه السطور وهولندا أيضاً. يجب أيضاً الانتباه بأن السويد بلد يتميز بصغر كثافته السكانية مقارنة ببقية دول أوروبا. في نفس الوقت تستعمله بعض دول العالم الثالث مثل إيران لأسباب اقتصادية قاهرة.
كذلك يجب الأخذ بنظر الاعتبار بأن متوسط عمر السكان في إفريقيا وبعض دول آسيا أقل بكثير من أوروبا وأمريكا الشمالية وبالتالي فإن مضاعفات الإصابة أقل ملاحظة. مع الوقت وخلال ٣ أشهر تقريباً تحصل مناعة القطيع ويتم السيطرة على الوباء. عدد ضحايا هذا النموذج أكثر من النموذج الثاني ولكن مدة الوباء أقصر.
النموذج الثاني
مع انتشار الوباء يتم اتخاذ الخطوات اللازمة للحد من انتشاره بين السكان وبصورة قسرية. هناك أولاً التباعد الاجتماعي Social Distancing ويستهدف منع تجمع الناس قدر الإمكان عن طريق إغلاق المدراس والجامعات، الحد من التنقل، منع الاحتفالات الجماهيرية وغير ذلك. النصيحة هي عدم الخروج من البيت إلا للضرورة القصوى. هذا النموذج يؤدي بدوره إلى تدهور الاقتصاد المحلي وبسرعة والذي له مشاكله الخاصة به.
هذا النموذج استعملته الصين بسرعة ونجحت في احتواء الوباء مع قوانين صارمة تحرجت وترددت دول أوروبا في تنفيذها رغم نصيحة الأمم المتحدة باستعماله. لا تزال هذه الأصوات ترتفع بين الحين والآخر فقط لمجرد انتقاد من هو في السلطة كما حدث مع الزعيم الجديد لحزب العمال البريطاني، فبعد انتخابه بيوم واحد بدأ يتحدث عن أخطاء الحكومة بدلا من التعاون لتنفيذ خطة احتواء الوباء، وفي نفس اليوم توجه ملكة بريطانيا رسالة إلى الشعب لرفع معنوياته وتشجيعه للتضامن مع الدولة. هذا النموذج فترته أطول من النموذج الأول ولكن عدد الضحايا أقل بكثير.
مناقشة
جائحة كورونا جديدة على العالم ولم يشهد الناس مثيلاً لها منذ ١٠٠ عام. لا يوجد لقاح بل وحتى أعراض وعلامات المرض جديدة ومميزة عن بقية الأمراض المعدية. إسقاط اللوم على الصين عملية لا معنى لها وربما السبب الأول والأخير في ظهور الوباء فيها أنها تشكل ما يقارب خمس تعداد سكان كوكب الأرض. نموذج التعامل مع فيروس كورونا وبائيا له تجربة واحدة فقط وهي التجربة الصينية في إقفال التحرك الاجتماعي وما نسميه Lockdown. انتشر الوباء عالميا بسبب حرية التنقل بين بلاد العالم في يومنا هذا.
هناك حقيقة لابد للجميع أن يدركها وهي أن الفيروس لا يعيش إلا داخل خلايا حية سواء كان الإنسان أو الحيوان. عزل المرضى وتباعد البشر في النهاية يؤدي إلى توقف انتشار الفيروس ونهايته. في نفس الوقت هناك من يناقش بأن انتشار المرض بين السكان يؤدي في النهاية إلى انتشار مناعة القطيع بعد إصابة ٧٠٪ وبالتالي يتوقف انتشار المرض. هذا الرأي له أنصاره ويتم تطبيقه جزئيا في النموذج الأول ولكن التعامل هنا مع فيروس جديد ولا أحد يعلم إن كان جهاز المناعة سيحفظه في ذاكرته ويتخلص منه في المستقبل. في نفس الوقت تفضيل السلطات لهذا النموذج لا يثير إعجاب المواطنين بصورة عامة ونتيجته هي التضحية بالبشر من أجل حماية الاقتصاد. هذا ما يحدث في السويد الآن حول معارضة المئات من رجال العلم استعمال النموذج الأول. كذلك كانت نتائج هذا النموذج كارثة في إيطاليا قبل تغيير الدولة لسياستها واستعمال النموذج الثاني .كذلك في بريطانيا سرعان ما تم نبذ رأي دائرة الصحة العامة في إنكلترا Public Health England الذي أثار سخرية الكثير من الأطباء.
النموذج الثاني له عواقبه الاقتصادية والنفسية على المدى القريب والبعيد، ومن ينادي به أولا قد ينتقده بعد فترة، ويبدأ بالتصريح بأن ضحايا الركود الاقتصادي أكثر بكثير من ضحايا الفيروس. هذه الآراء لا يقبلها الكثير ومهما كانت العواقب فإن حماية الروح البشرية مهمة كل دولة وكل مواطن.
واقرأ أيضاً:
ستون يوماً على فيروس كورونا2 / تشريح فيروس كورونا وآلية الوقاية والعلاج / المعالجة الطبية لفيروس كورونا COVID-19