ما هو مسير ومصير فيروس كورونا سؤالٌ لا يسهل الجواب عليه ولكنه في نفس الوقت السؤال الوحيد الذي يسأله الجميع. ما نعلمه بأن الجائحة التي لا تزال مستمرة في جميع أنحاء العالم تترك آثارا اقتصادية٬ اجتماعية٬ صحية٬ وتعليمية لا سابق لها.
ظهور فيروس كورونا المعرف علميا بـ Covid -19 دفع الجميع للتمعن في علم أهمله الغالبية وهو علم الوبائيات. هذه العلم ببساطة يهتم بما يلي:
١- التحري والعثور على الإصابات.
٢- نمو عدد الإصابات المتسارع Exponential Growth في المجتمع.
لا توجد تجربة سابقة مشابهة لهذه الجائحة في العصر الحديث٬ ولكن مع مرور الأيام الجميع يقبل الآن بأن سلوك هذا الفيروس يشبه إلى حد ما سلوك الجراثيم الأخرى التي تصيب الجهاز التنفسي٬ وبسبب ذلك يعتقد الجميع بأن نموذج فيروسات إنفلونزا هو المفضل للتنبؤ بما يلي:
أولاً: ربما سيبقى الفيروس في المجتمع.
ثانيا: الحد من انتشار الفيروس يتفاعل مع السلوك الاجتماعي البشري إلى حين اكتشاف لقاح ضده.
هذا ما يفسر استثمار مئات الملايين من الدولارات في البحوث العلمية من أجل العثور على لقاح٬ ربما سيكون متوفراً مع إطلالة الخريف هذا العام.
التاريخ الحديث لا يخلو من أوبئة وجوائح عبثت بالمجتمعات البشرية٬ ويمكن القول بأن خلال ٢٠٠ عام حدثت:
- ٧ موجات كوليرا
- ٤ سلالات من فيروس إنفلونزا انتشرت وبائيا
- التدرن
- الإيدز
هناك محاولات ساذجة لاستغلال الجائحة لتسجيل نقاط ربح سياسية في العالم الغربي لإسقاط اللوم على دولة معينة في انتشار فيروس كورونا. الحقيقة التي يجب أن يقبلها الجميع هي أن ظهور مرض معدي في مكان ما يؤدي إلى انتشاره في مكان آخر. لا يمكن أن تقارن وسائط النقل هذه الأيام بوسائط نقل القرن التاسع عشر٬ وحين ولد وباء إنفلونزا في سانت بيترسبرغ عاصمة روسيا عام ١٨٩٠ انتشر وبائيا في جميع أنحاء العالم وبسرعة.
متى وكيف ينتهي الوباء؟
ينتهي الوباء نظريا حين يتوقف تكاثر معدل عدد الإصابات Average Infection ٬ وذلك بدوره يحدث وقت ما يرتفع جزء عدد المحصنين ضد الفيروس في المجتمع. بمعنى آخر هناك عتبة Threshold بين احتمال حدوث العدوى وعدمها التي تعرف ما نسميه بمناعة القطيع Herd Immunity هذه العتبة هي التي يسعى الجميع إلى وصولها للسيطرة على الوباء.
تعريف العتبة التي تشير إلى وجود مناعة قطيع سهلة التعريف بصورة دقيقة لو توفرت جميع الحقائق عن وبائيات العدوى. هذه الحقائق ليست مهمة فقط لرفع القيود الاجتماعية والمهنية وإنما في إصدار توجيهات التطعيم في المستقبل مثل متى ومن يجب تطعيمه من الناس ضد الفيروس.
هناك حقيقة أخرى لا ينتبه إليها الكثير وهي أن مناعة القطيع لا تستمر ثابتة بسبب:
أولا: ولادات جديدة في المجتمع.
ثانيا: تدهور المناعة في المصابين سابقاً كما يحدث مع الإنفلونزا مثلا.
ثالثاً: لا أحد يعرف إلى الآن ما هي متانة المناعة ضد فيروس كورونا.
هل سينقرض فيروس كورونا؟
في عام ٢٠١٤ تم نشر دراسة واحدة أشارت إلي أن وباء الإنفلونزا الروسية Russian Flu Pandemic في عام ١٨٩٠ ربما كان سببه فيروس تاجي Corona Virus وانتهى أمره وأصبح حميداً يستوطن الأنف والجهاز التنفس العلوي. هذا الأمل يردده الكثير ولكن الدليل العلمي ضعيف إلى حد ما.
كذلك ينقرض الفيروس حين ينخفض عدد المواطنين المعرضين للإصابة مع ولادة مناعة ضد سلالات من الفيروس. في عام ١٩٥٧ وعام ١٩٦٨ انقرضت سلالات الإنفلونزا الموسمية بسبب حدوث مناعة مشتركة بين سلالات قديمة وحديثة. ما نعرفه الآن بأن هناك أربع سلالات من الفيروسات التاجية في البشر وبعضها حميدة. الدراسات إلى الآن تشير إلى وجود اختلافات في تركيبة جينات هذه الفيروسات٬ ولا يعلق كثيرون الأمل على أن المناعة ضد السلالات الحميدة توفر مناعة ضد الفيروس.
التباعد الاجتماعي يمثل أحد الوسائل للسيطرة على الأوبـئة٬ وليس حديث العهد كما يتصور البعض.. ترى الجدول الزمني لأيام الدراسة والعطل الرسمية في المدارس تم تصميمه للحد من انتقال عدوى الحصبة Measles في مواسم معينة. السيطرة على السلوك الاجتماعي ودراسة عوامل انتقال العدوى في غاية الأهمية للسيطرة على الجائحة.
الجهود المحلية للسيطرة على جائحة كورونا لا تكفي وإغلاق الحدود الدولية ليس هو الحل كما يتصور الكثير. هناك عوامل موسمية بيئية (الرطوبة ودرجة الحرارة) تلعب دورها في الإصابة بالعدوى وسرعة انتقالها بين البشر. تتدفق فيروسات إنفلونزا من المناطق الاستوائية إلى المعتدلة وترجع في الشتاء الخاص بنصف الكرة الأرضية. كذلك يختلف انتقال الفيروس في القرية مقارنة بالمدينة٬ وهذه العوامل الجغرافية لابد من الانتباه إليها مستقبلاً بعد توفر الأدلة العلمية.
العامل | كورونا | إنفلونزا |
جهاز الجسم | التنفسي | التنفسي |
طبيعة العدوى | حادة | حادة |
سرعة الانتقال | سريعة جداً +++ | أقل سرعة |
الأعمال | بالغين> أطفال | بالغين> أطفال |
الموسم | ؟ | الخريف والشتاء |
لقاح | لا يوجد | موسمي فقط |
عوامل بيئية | غير واضحة | واضحة |
انتقال الفيروس
انتقال فيروس كورونا يتميز بسرعته وانتشاره ويمثل تحدياً للبشرية لا سابق له٬ ولا يمكن السماح له بالانتقال بحرية. العدد الكلي للإصابات في السكان يعتمد على ما نسميه العدد التكاثري (الإنجابي) الجهوري Intrinsic Reproductive number ويتم الإشارة إليه بـ R0 العدد يساوي عدد الإصابات المتوقعة من وجود اتصال مع إصابة واحدة متواجدة في مجموعة معرضة للإصابة (لا مناعة لديها) ويتم إحصائه كما يلي:
سرعة الانتقال Transmission Rate
ــــــــــــــــــــــــــــ
سرعة الشفاء أو الوفيات
الرقم بحد ذاته يعتمد إلى درجة ما على المضيف (المصاب) Host معرفة الرقم تساعد على تخمين انتشار الفيروس في السكان وعدد الضحايا وتأثير ذلك على القابلية الوظيفية للخدمات الصحية. مع انتشار الوباء وتحصين السكان هناك رقم آخر يتم إحصائه وهو أكثر دقة ويسمى العدد التكاثري الفعال Rt Effective Reproductive Number.
السيطرة على انتقال الفيروس تؤدي إلى خفض معدل الوفيات وعدد الذين يحتاجون إلى عناية مركزة. ولكن في نفس الوقت يجب القبول بأن الإجراءات الحالية للحد من انتقاله لا تساعد حقاً على خفض قيمة Rt ولذلك لابد من البحث عن وسائل أخرى للتصدي له وهو اللقاح والعلاج. في نفس الوقت لا يمكن الاستهانة بهذه الإجراءات وفي تجربة جائحة إنفلونزا H1N1 في أمريكا عام ١٩١٨ كانت نسبة الإصابات والوفيات أقل بكثير مع اتخاذ إجراءات وقائية مشددة.
لذلك لا توجد سوى نصيحة واحد وهي التزم بتعليمات الصحة العامة
** نقلا عن موقع التميمي للصحة العقلية
واقرأ أيضاً:
الاكتئاب ورمضان الصيام والاكتئاب / الموز بين الحقيقة والوقاية من كورونا / الهوية الشخصية الإلكترونية