مقدمة:
على الرغم من قسوة جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة مليون شخص، وأصابت عشرات الملايين بأضرار صحية، وأرهقت الاقتصاد العالمي كما لم يحدث من قبل، وأعاقت حركة السياحة والتجارة لشهور طويلة (من نهاية 2019 حتى نهاية 2020) إلا أن هذه الجائحة مع ما تلاها من نزاعات مسلّحة إقليمية ودولية قد نبهت العالم إلى أهمية تلبية الاحتياجات النفسية للأفراد والمجتمعات أثناء الأوبئة والحروب والأزمات والكوارث المختلفة، وقد تأكد من الدراسات والأبحاث النفسية ضرورة تقديم الدعم النفسي في تلك الظروف لحماية الأشخاص المعرضين للضرر أو الانهيار النفسي ولتقوية الشخصية وتعزيز الصلابة النفسية (Resilience) لدى الأفراد والمجتمعات، وتخفيف المعاناة الجسدية (من الإصابات والإعاقات) والعاطفية (من الخوف، والحزن، والهلع، واضطراب الكرب التالي للرضح، والاكتئاب وغيرها )، مما يؤدي في النهاية إلى تعظيم قدرات الأشخاص في التكيف النفسي والاجتماعي من خلال المواجهة الفعّالة والتكافل المجتمعي تجاه الحدث الصدمي، والخروج من الأزمات والكوارث بشكل أفضل، بل وتحفيز المجتمعات على الاستفادة من تلك الخبرات في تحسين أنظمة الرعاية في الصحة النفسية، وابتكار طرائق جديدة للدعم النفسي في مواجهة الجائحات والأزمات والكوارث.
الآثار النفسية للحروب والأوبئة:
• يعاني جميع الأشخاص المتضررين من الطوارئ تقريباً من ضائقة نفسية، ومعظمهم تتحسّن حالتهم بمرور الوقت.
• من بين الأشخاص الذين شهدوا حروباً أو نزاعات أخرى خلال العشر سنوات الماضية، أصيب واحد من كل خمسة (22٪) بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب الكرب التالي للرضح أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام.
• الأشخاص المصابون باضطرابات نفسية شديدة معرّضون للخطر بالأخصّ أثناء الطوارئ ويلزم أن تُتاح لهم رعاية الصحة النفسية وأن تُلبّى احتياجاتهم الأساسية الأخرى.
• توصي المبادئ التوجيهية الدولية بتوفير الخدمات على عدد من المستويات – من الخدمات الأساسية إلى الرعاية السريرية – وتشير إلى ضرورة إتاحة رعاية الصحة النفسية على الفور فيما يتعلق بمشكلات محدّدة وعاجلة خاصة بالصحة النفسية في إطار الاستجابة الصحية.
• على الرغم من الطابع المأساوي للطوارئ وتأثيراتها السلبية على الصحة النفسية، فقد ثبت أنها تتيح فرصاً من أجل بناء نظم صحة نفسية مستدامة لجميع المحتاجين، (الصحة النفسية في حالات الطوارئ، منظمة الصحة العالمية، 2022).
المشكلات النفسية في حالات الطوارئ:
• المشكلات الموجودة أصلاً: مثل الاضطرابات النفسية من قبيل الاكتئاب أو الفُصام أو تعاطي الكحول ؛
• المشكلات المترتّبة على الطوارئ: مثل الحزن والأسى، وردود الفعل الحادة الناجمة عن الإجهاد، وتعاطي الكحول والمخدرات، والاكتئاب والقلق، بما في ذلك اضطراب الكرب التالي للرضح؛
• المشكلات المترتّبة على الاستجابة الإنسانية: مثل القلق الناتج عن انعدام المعلومات بشأن توزيع الغذاء أو كيفية الحصول على الخدمات الأساسية، (الصحة النفسية في حالات الطوارئ، منظمة الصحة العالمية، 2022).
التقدير النفسي للحدث الصدمي:
يعتمد تأثير الأحداث فينا على رؤيتنا لها وتفسيرنا لأسبابها ومدى قدرتنا على استيعابها في بنائنا المعرفي، وهنا تتدخل العوامل الثقافية والدينية والروحية بدرجة كبيرة في تشكيل إدراكنا للأزمة وبالتالي في تأثيراتها علينا.
تأثير الحدث الصدمي (مثل الحروب والأوبئة) على الإفتراضات الأساسية:
الافتراضات الأساسية هي:
1- الاعتقاد في الحصانة الشخصية
2- إدراك العالم بشكل مفهوم وذي معنى
3- رؤية الذات بشكل إيجابي
تؤدي الأزمة إلى انهيار تلك الافتراضات، وهذا يؤدي إلى اضطراب صورة الإنسان عن ذاته وعن بقية البشر وعن العالم والحياة بشكل عام.
تأثير الجوانب الدينية والروحية على التقدير النفسي للحدث وعلى الإفتراضات الأساسية:
• التصورات الدينية تمنح الضحية معنى للحدث يتصل بمعنى الحياة والموت والابتلاء والصبر والفرج والقصاص في الدنيا والآخرة.
• والجوانب الدينية والروحية تعطي حالة من الصلابة والمناعة النفسية حيث يرى الإنسان كل ما يحدث أنه قدر من الله، وأن لا شيء يحدث في هذا الكون خارج سيطرة الإله العليم الحكيم القادر العظيم الرحيم.
• والتصورات الدينية والروحية تعطي الأمل في الفرج والنصر حتى في أصعب الظروف.
• يخفف مفهوم الشهادة من ألم فقد الأحبة.
ويتبع >>>>>: الدعم النفسي للأشخاص في زمن الأوبئة والحروب2
واقرأ أيضاً:
ظلام اليأس / الصحة النفسية للمصريين3