من المتفق عليه وتثبته الدراسات العملية أن الأعراض الدينية للوسواس أو عرْض الوسواس القهري الديني Religious OCD Presentation هو أكثر عروض اضطراب الوسواس القهري شيوعا في الشعوب العربية (57.4% (Soliman et al., 2017))، ورغم ما اشتهر من أن الشعوب الغربية تشيع فيها أعراض الوسواس القهري المتعلقة التلوث والغسيل ثم العدوان، ثم الوساوس الجسدية، ثم الدينية، وأخيرًا الجنسية. إلا أن هذه المعلومة تصبح محل شك كبير عندما نعرف أن كافة المقاييس الشائعة لاضطراب الوسواس القهري تتحاشى بنودها الإشارة إلى أي معنى ديني صريح، ولعل هذا ما دفعنا إلى إعداد مقياس أعراض الوسواس القهري ذي البنود الحساسة للأعراض الدينية للوسواس القهري سنة 2006 ثم إعادة تقنينه في 2019 (Abohendy et al., 2019)، وفي مسار مماثل في الدول الغربية كان استبار بِن للتعمق Penn Inventory of Scrupulosity هو أول مقياس صمم لقياس الوساوس والقهور الدينية أو ما يسمونه التعمق (Abramowitz et al, 2002)، ما أود قوله هو أن أعراض الوسواس القهري الدينية أهملت من قبل واضعي المقاييس في الغرب وحاولوا تضمينها ضمن أطر علمانية فبدت قهور التطهر غير مختلفة عن قهور الغسل مخافة العدوى أو الاتساخ، وتم استبدال مفهوم الذنب بمفهوم الخطأ ومفهوم الشعور بالذنب بمفهوم المسؤولية المتضخمة إلخ، وتبع ذلك الرعيل الأول من الأطباء النفسانيين في دولنا العربية باعتبار الأعراض الدينية مجرد محتوى لنفس الاضطراب، إلا أن كثيرا من التغيرات في الممارسة السريرية والاهتمامات البحثية حدثت في العقدين الأخيرين (ربما بدأناها بنشر مقياسنا واتهامنا المقاييس الشائعة بالتحيز ضد الأعراض الدينية وعدم الحساسية لها بالتالي) بما مكن أعراض مرضى الوسواس الدينية من فرض نفسها لا على الواقع السريري فقط وإنما على الاهتمامات البحثية شرقا وغربا.
كنا إذن من أوائل من تصدوا لدراسة ومحاولة تصنيف الأعراض الدينية لاضطراب الوسواس القهري فاقترحنا تصنيفا إجرائيا لأعراض الوسواس القهري الدينية في المسلمين صنفنا فيه الوساوس والقهور (وس.وق) الدينية إلى ثلاثة أصناف هي 1-وس.وق العبادات (التطهر والصلاة والصيام إلخ....) وهي الأكثر شيوعا وتضم وس.وق التهيؤ للعبادة، وبداية وأداء ومبطلات العبادة 2-وس.وق العقيدة والأحكام (الكفر والشرك، والحرام) أو وس.وق التعمق في التحاشي و/أو السؤال و/أو الإحسان، و3-وس.وق المعاملات وأخرى متنوعة (مثلا العين والحسد والطلاق، والأيمان ..إلخ) وعادة ما يرتبط التعمق بالصنفين الأخيرين من أعراض الوسواس القهري الدينية أكثر من ارتباطه بوس.وق العبادات.
التقييم والعلاج:
تبدأ عملية العلاج بتقييم مفصل للأعراض وعادة ما نجد كثيرين من المرضى (خاصة في بدايات الاضطراب) تنتمي أعراضهم لصنف واحد من الأعراض الدينية على الأقل مرحليا، فمثلا تبدأ الحالة بوس.وق العبادات وقد تستمر بهذا الشكل أو تتغير إلى وس.وق العقيدة والأحكام وتختفي وس.وق العبادات، أو يجتمع الصنفان معا في ذات الوقت... وهكذا، ويفيد استخدام مقياس أعراض الوسواس القهري الدينية (صورة مصغرة تشمل 26 بندا من مقياس الأعراض) في تصنيف وتحديد شدة أعراض المريض المعين.
العبارات | دائما | كثيرا | أحيانا | نادرا | مطلقا |
1-أخشى أن أكون قد وقعت في الشرك أو الكفر. | |||||
2-تراودني أفكار خاصة بالتطهر والطهارة والنجاسة | |||||
3-في الصلاة أعيد قراءة الفاتحة أكثر من مرة | |||||
4-أكرر غسل أعضاء الوضوء أكثر من 3 مرات | |||||
5-أستنفذ وقتاً طويلاً في الوضوء | |||||
6-لم أعد أشعر بحلاوة الإيمان أو الخشوع في صلاتي لله | |||||
7-أتخيل مشاهد غير أخلاقية تضايقني أثناء الصلاة | |||||
8-في الصلاة لدي وسوسة في اتجاه القبلة (أو الاتجاه ناحية الشرق) | |||||
9-أسأل نفسي من ربنا؟ وأين ربنا؟ | |||||
10-أشك في نيتي أو استعدادي للصلاة وغيرها | |||||
11-لا أصلي بالملابس التي دخلت بها دورة المياه | |||||
12-أشك في الأنبياء والأديان السماوية | |||||
13-كلما تذكرت الذات الإلهية اختلطت في ذهني بصور فظيعة لا أحتملها | |||||
14-عندما أسأل أحد رجال الدين أكرر السؤال مرات كثيرة ولأشخاص مختلفين | |||||
15-لدى وساوس في الدين أو الرسول أو الكتب السماوية | |||||
16-أشك في نجاسة الماء | |||||
17-حين أقف في صف الصلاة أجد في داخلي حافزا لضرب من أمامي | |||||
18-عند الاستنجاء من البول لابد أن أغسل رجلي | |||||
19-كلما تذكرت الذات الإلهية اختلطت في ذهني بكلمات قبيحة | |||||
20-أعاني من سب قهري للدين أو الرسول أو الكتب السماوية | |||||
21-كثيراً ما أفكر في الشبهات المتعلقة بالعقيدة | |||||
22-يزعجني أن أشياء كثيرة تتسبب في نجاستي/تلوثي | |||||
23-لابد أن أستحم (أغتسل) بعد قضاء الحاجة كل مرة | |||||
24-أتهم نفسي بالرياء في العبادات | |||||
25-أشك في انتقاض الطهارة بخروج ريح أو نقطة بول أو مذي | |||||
26-أتشكك في صحة صيامي |
التثقيف الفقهي النفساني
تبدأ بعد ذلك مرحلة التثقيف النفساني ليلم المريض بمفهوم اضطراب الوسواس القهري، ومفهوم الع.س.م (العلاج السلوكي المعرفي) وطريقة الت.م.ا (التعرض ومنع الاستجابة) إلى جانب التثقيف الفقهي للوصول إلى معرفة عميقة بما يجب فعله على المسلم الصحيح وكيفية التعامل مع الوساوس المتعلقة بالعبادات أو الدين عقيدة أو ممارسة ويعتبر شرح الدرجات الخمس لإدراك الأمور في أصول الفقه (رفيف الصباغ، 2008) من الأهمية بمكان لأغلب مرضى الوسواس القهري الديني الأعراض فأغلبهم يروم اليقين فيما لا يطلب أكثر من غلبة الظن فيه، أي يطالب المريض نفسه بما لا يُطَالب به الصحيح، بينما هو واقعيا يستحق التخفيف بسبب اضطرابه السلوكي القهري، وشرح درجات المطلوب من العلم بالشيء في العبادات كثيرا ما يفيد المريض إلى حد أن بعضهم يفصل بين حالته مع الوسواس قبل معرفته بأن المطلوب هو فقط غلبة الظن وحالته بعدها.
اليقين 100% | جزم القلب بوجود الشيء أو عدم وجوده بالاستناد إلى الدليل |
غلبة الظن80-99% | رجحان أحد احتمالين على الآخر، وطرح الاحتمال المرجوح وعدم إقامة وزن له لشدة ضعفه، وذلك بالاستناد إلى دليل |
الظن 51-79% | ترجيح أحد الاحتمالين لكن مع عدم طرح الاحتمال المرجوح. |
الشك50%=50% | تساوى الاحتمالين بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر. (أي كل احتمال يمكن وجوده بنسبة: 50%) |
الوهم49% فأقل | الجانب المرجوح، (يوجد في القلب بنسبة: 49% فأقل). مثاله: الطرف المرجوح في الأمثلة السابقة [انظر: شرح القواعد الفقهية: ص79-86] |
يتم بعد ذلك شرح علاقة الإنسان الطبيعي بدواخله الحسية أي معلوماته الداخلية بما فيها مشاعره وآراؤه ونواياه وإرادته وذكرياته ...إلخ وبيان وجود إشكالية عمه الدواخل في مريض الوسواس القهري واضطرار المريض بسببها إلى طلب بدائل خارجية تؤكد له وتطمئنه بدلا من حالاته الداخلية كأن يسأل أو يتحقق أنه لم يكن يقصد كذا؟ من شخص آخر لا من نفسه!، مع بيان العواقب السيئة للوقوع في فخ تفتيش الدواخل فيما يتعلق بنية الشخص أو قصده في موضوع وسواسه، وأهمية ذلك الشرح هي أولا تقديم تفسير علمي لمعاناته وثانيا توضيح مبررات الترخيص الشرعي بالقدر الذي تحتاجه حالته.
من المفيد أثناء مآلفة المريض على طريقة العلاج أن يُناقش تأثير الأعراض الواقعي على العبادة مقابل الهدف منها ومدى التناقض بينهما (فبينما يهدف المريض لإحسان العبادة يؤدي سلوكه المرضي لتعسيرها بما لا يطاق أو إفسادها)، ثم مقارنة ذلك بالتأثير المتوقع لخطوات العلاج السلوكي على العبادة مقابل الهدف منها ومدى التطابق بينهما، ومن الأهمية بمكان طمأنة المريض فيما يخص انضباط العلاج في مجموعه بالضوابط الشرعية من الفقه وأن الهدف هو أداء العبادات بشكل صحي، والحقيقة أن من ينجح في اتباع القواعد العلاجية يجد كثيرا من التحسن في قدرته على أداء العبادات والاستفادة منها بل إن التحسن على مستوى الأعراض الدينية أثناء العلاج السلوكي المعرفي المدعم فقهيا عادة ما يسبق التحسن في أعراض الوسواس غير الدينية، إلى الحد الذي يجعل منها اختيارا أوليا للعمل نظرا لتأثير النجاح في علاجها على العلاج بشكل عام، وكثيرا ما أقول للمرضى ذوي الأعراض المختلطة (دينية وغير دينية) في مراحل العلاج المبكرة أنه يمكنك إن أردت أن تتخلى عن وسوستك في العبادة آخذا بالرخص المتاحة فتنجو بعبادتك ووسوس ما شئت في غير العبادة وسنعمل عليها لاحقا.
المراجع:
1- Soliman E., Abohendy W. & Fayed A.(2017). Phenomenology of religious obsessive – compulsive disorder, European Psychiatry, Volume 41, Supplement,2017, Pages S325-S326,ISSN 0924-9338,
2- Abohendy W., Moemen D., & Abdullah A.(2019). Re-standardizing the Obsessive-Compulsive Symptom Scale. The Arab Journal of Psychiatry (2019) Vol. 30 No.1 Page (77 – 89) (doi-10.12816/0052940).