«الريّس» مرسي... لا إيران ولا أردوغان (3/5)
(13) لهذا يريدون تركيا
كثيرون يُريدون لمصر ما بعد الثورة، ولجميع الحركات الإسلامية اتباع النهج التركي لا الإيراني، ومع أن الأنموذج التركي وبإقرار وزير الخارجية التركي غير قابل للاستنساخ، ولكن هناك من يرى بأن الأفضل والأسلم هو محاولة السير على الهدي التركي والابتعاد قدر الممكن عن إيران؛ وهذا التفكير له سببان رئيسان لا يُعلن عنهما صراحة: الأول هو الرغبـة النابعـة من طبيعـة في البشـر بعدم دفع ثمن باهظ، وإبعاد شـبح الحروب الباردة أو السـاخنـة، وتحقيق تنميـة اقتصاديـة دون أن يكون ثمـة تهديد أو وعيد بحصار أو مقاطعـة من قِبل الدول الغربيـة الكبرى، والثاني مذهبي تماماً لأن تركيا سُـنيـة في غالب سـكانها، والمذهبيـة الضيقـة سـيطرت مؤخراً على عقول كثير من السُـنـة والشـيعـة على حدّ سـواء، لدرجـة أن الحديث عن العثمانيين الجُدد ممثلين بتركيا، والصفويين الجُدد ممثلين بإيران وقادتها؛ هو كلام لـه دوافع غرائزيـة لا تخلو من سـطحيـة؛ فزمان العثمانيين والصفويين أصبح من الماضي، بل إن تركيا هي اليوم العضو في الـ (ناتو)، بينما إيران مهددة منـه، بعكـس الحال قبل قرون حين تحالف الصفويون مع أعداء الأمـة ضد العثمانيين.
ولكن هؤلاء الذين يظنون أن تركيا وصلت إلى ما وصلت إليه بقيادة "حزب العدالة والتنمية" بزعامة الثلاثي غول ـ أردوغان ـ أوغلو مجاناً وبلا تعب واهمون؛ فقد دفع الإسلاميون ومعهم شعب تركيا أكلافاً باهظة ربما تفوق ما دفعه إسلاميو دول عربية عدة، لأن الحرب في تركيا كانت على الإسلام عقيدة وديناً ومظاهر شخصية، وفرض مفهوم خاص للعلمانية يتعارض مع خيارات الإنسان الشخصية التي طالما تشدق العلمانيون بها، واستلزم الأمر كفاحاً مريراً مع العسكر "الكماليين" امتد إلى سنين طويلة، وربما ما زال، وما يُعتبر من سلوك أو مظهر أو قانون في أي دولة عربية طبيعياً ولا جدال حوله، يُعتبر جريمة في القوانين التركية التي فُصّلت على مقاس المؤسسة العسكرية ذات النشأة والرعاية الأجنبية، أو التي تُعدّل على مزاج الجنرالات وصلفهم البغيض.
ولقد كان أول مسؤول كبير من خارج مصر يستقبله الرئيس محمد مرسي هو وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وهو يُعتبر مفكر تركيا الجديدة في المجال السياسي والاستراتيجي، ومؤلف كتاب «العمق الاستراتيجي»، وأنا مع أني لم أقرأ الكتاب، إلا أن الواضح أن الكتاب يُعتبر أشبه بخطة عمل للدولة التركية، وقد سأل الإعلامي أحمد منصور السيد أوغلو عن هذا الكتاب وعلاقة حكومته به فأجاب: ما زالوا في الصفحة الأولى! وقد أجرى الإعلامي منصور لقاءً مطولاً كتب عنه مع أوغلو بُعيد لقائه بالرئيس مرسي، وأنصح بقراءته بتمعن، وكان أوغلو أكثر إتزاناً ودقة في نصائحه إلى الرئيس المصري من أولئك الذين يريدون استنساخ تركيا في مصر، ومشـكلتنا مع تركيا أننا نُحملها أكثر مما تحتمل بتطلعاتنا ورغباتنا، أو يُقلل البعض من شـأنها ويُشـبهها بالأنظمـة التي تتعامل مع الغرب وفق نظريـة «أمرك سيدي»...على كل حال أنصح بقراءة متأنية لمقال من قلم البروفسور عبد الستار قاسم بعنوان «مهلاً على تركيا» نُشر قبل سنتين للاستزادة في هذا الباب.
(14) أتاتورك العلماني الديكتاتور
من المقزز والمنفر هذا التقديس الذي يحظى به (مصطفى كمال أتاتورك) حتى بعد سبعين سنة ونيف من موته، لقد ارتبط اسم الرجل ذهنياً لدينا بإلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، وبارتباطه برباط بيولوجي أو عقدي بيهود "الدونمة" والحركة الماسونية، والآن وبعد مرور ما يقرب على تسعين سنة من إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، فإننا نستطيع قراءة الصورة بعمق أكثر؛ فأتاتورك ليس إلا نتاجاً للفكر القومي الذي اجتاح أوروبا وامتد إلى المسلمين عرباً وتركاً، وحتى الاسم الذي اشتقه لنفسه ـ "أتاتورك" تعني أبو الأتراك ـ ينم عن لوثة القومية التي جعلت الرجل يريد مشروعاً قومياً تركياً خالصاً بعيداً عن العرب والأكراد وغيرهم، وكان هذا واضحاً في خطاباته، ولا شـك أن للرجل صفقـة مع القوى الاسـتعماريـة، خاصـة بريطانيا للحصول على دولـة قوميـة تركيـة بمواصفات معينـة، ومن شـروط الصفقـة إلغاء الخلافـة بما تُمثلـه من رمزيـة معنويـة للأمـة المسـلمـة، وإذا أردنا الدقة فإن الخليفة والخلافة العثمانية كانت جسداً بلا روح آنذاك، حيث أن آخر سلطان (خليفة) عثماني كانت بيده صلاحيات حقيقية وفعلية هو عبد الحميد الثاني والذي عزلته عصابة "الاتحاد والترقي" التي كان (أتاتورك) أحد قادتها، ولم تعد مؤسسة الخلافة قوية، لأن الناس والجيش انفضوا من حولها، وهذه سُنة الله في الدول والممالك، إلا أن ما كان يحصل عند المسلمين هو مجيء مملكة أكثر قوة من التي سبقتها، فالعثمانيون أنفسهم ورثوا ما بقي من العباسيين في بغداد والمماليك في مصر والشام، كما سبق وأن ورث العباسيون بعد موقعة "الزاب الكبير" ملك الأمويين في المشرق، ولكن هذه المرة سقطت الخلافة العثمانية بل أُسقطت على يد رجل تركي ولم يخلفها إلا دولة قومية في أرضها يتبع سدنتها النهج الأوروبي في ما كبر أو صغر من شؤون عامة وخاصة، واستعمار أوروبي لبلاد العرب الممزقة، ورثته ديكتاتوريات فاشلة.
ومع أن أوروبا حكمتها نُظم سياسية تعددية ديمقراطية، إلا أن (أتاتورك) الذي قلَّدها اتبع نهجاً استبدادياً قاسياً ضد خصومه، وقد حارب حتى المظاهر الشكلية الشخصية كالطربوش والبرقع، وأصلاً (أتاتورك) هو عسكري، ولهذا يمكن أن نفهم سيطرة العسكر ردحاً طويلاً من الزمن على السياسة في تركيا.
حالـة التأليـه لمن يوصف بمؤسـس وباني تركيا الحديثـة، وعدم السـماح وفق قوانين صريحـة بمراجعـة ولو أكاديميـة علميـة لأعمالـه ومواقفـه، جعلت تركيا في حالـة اغتراب، ووضعتها في موضع الهويـة الحائرة بين الشـرق والغرب، ومنذ موته بتشمع الكبد جرّاء إسرافه في احتساء الخمور سنة 1938م كان وما زال كل من يتجرّأ على نقد (مصطفى كمال أتاتورك) يضع نفسه أمام مخاطرة كبيرة على المستوى الشخصي والمؤسساتي!
لقد ألغى (أتاتورك) وزارة الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، والأخطر هو تغيير الحروف العربية التي تُكتب بها التركية ـ مثل الفارسية والأوردو ـ إلى أحرف لاتينية، وللأمر أبعاد نفسية عديدة كون العربية لغة القرآن، وكان تعلم العربية من التركي أو الفارسي يلزمه فقط تعلم المفردات، وغير ذلك الكثير من إمعان هذا الرجل الذي أصابته حالة جنون العظمة التي تصيب الطُغاة الذين يحكمون بلادهم حكماً شمولياً ويُمنحون الألقاب والأوسمة ويحظون بالتصفيق وعبارات التمجيد المبالغ جداً فيها!
(15) الدين ومؤسسة الأزهر
ما ورد أعلاه ليس بهدف استعراض سيرة ذاتية (لأتاتورك) ونظامه، بل لتذكير من يُريدون اتباع النهج التركي، بأن تركيا تحتاج إلى سنين لتصل إلى ما يُعتبر أمراً طبيعياً وعادياً في مصر أو غيرها، فالدساتير العربية ظلَّت تُشير إلى الإسلام كدين للدولة أو كمصدر أساسي في التشريع، وحرص الحكام العرب، على محاولة التمسح بالمظاهر الإسلامية، بتكريم علماء ومشايخ، والعناية بحفظة القرآن الكريم، وتأدية الصلوات أمام وسائل الإعلام، والبلد الوحيد الذي تجرأ على المظاهر الإسلامية كان تونس، وقد انفجرت بها أول ثورة عربية ضد الاستبداد، ونتذكر كيف أُثيرت ضجة بسبب حجاب النائبة المنتخبة عن حزب أربكان (مروة قاوقجي) أواخر تسعينيات القرن المنصرم، ومنعها من دخول مبنى البرلمان، وهي التي كانت قد غادرت تركيا إلى أمريكا ـ لاحظوا إلى أمريكا ـ لأنها كانت تريد الالتزام بالحجاب داخل الحرم الجامعي، وقد وقعت زوجتا كل من الرئيس (عبد الله غول)، ورئيس الوزراء (رجب طيب أردوغان) بمواقف مشابهة بسبب الحجاب، وهذا غير وارد أن يحدث في بلاد العرب، وحتى غُلاة العلمانيين العرب، تحرص أحزابهم على إبعادهم عن المناصب والأضواء قدر المستطاع، ويحاول بقية العلمانيين التملق للناس باستخدام مظاهر دينية، وعبارات التأكيد المستمرة عن كونهم من المسلمين المؤمنين... إلخ.
ومع أن الأزهر كمؤسسة أُفرغ من مضمونه وحرفه الساسة عن رسالته ومساره، إلا أنه لم يُشطب ولم يكن ثمة تفكير بإلغائه، وهو من الآن فصاعداً سينفض عنه غبار سنوات طوال من التهميش، بينما في تركيا كان كل زعيم علماني يُفاخر ويُزاود بمحاربة المساجد، وتهميش مظاهر التدين، والتضييق على المتدينين ولو كان تدينهم محدوداً وضئيلاً!
(16) مندريس.. العرب والأتراك والغرب
قلنا أن (كامب ديفيد) هي ما يهم الغرب وأمريكا أكثر من أي شـيء آخر فيما يخص مصر، ولكن نلحظ أن الغرب تعامل بمنطق وسـياسـة مختلفـة مع تركيا؛ فالمطلوب غربياً من تركيا لم يكن فقط سـياسـياً وأمنياً أو عسـكرياً بل المطلوب سـياسـة داخليـة عمادها ليـس محاربـة الدين الإسـلامي فحسـب، بل مظاهر هذا الدين، وتجربة (عدنان مندريس) خير دليل على ذلك؛ فقد ضمّ هذا الرجل تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) وجعلها قلعة متقدمة في الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وهو ليس من خلفية أيديولوجية إسلامية، بل كان عضواً في "حزب الشعب الجمهوري" الذي أسسه (أتاتورك)، وأسس (مندريس) لاحقاً "الحزب الديمقراطي"، والذي فاز في انتخابات 1950م، وكانت جريمة الرجل في عيون غُلاة العلمانية، أنه أطلق وعوداً لكسب الناخبين، ونفذها تتعلق ببعض المظاهر الإسلامية مثل الآذان باللغة العربية وتعليم القرآن الكريم والتربية الإسلامية في المدارس الحكومية، وتلك جريمة تستحق الإعدام في نظر كهنة العلمانية، المدعومين من مؤسسة عسكرية أشرف الإنكليز على بنائها منذ أواخر العهد العثماني، فوقع انقلاب عسكري هو الأول من نوعه، أطاح (بمندريس) الذي سيُشنق سنة 1960م فقط لأنه جعل الآذان باللغة العربية وسمح ببعض حصص القرآن الكريم في المدارس؛ والسؤال هنا: ألم يكن بإمكان الغرب منع هذا الانقلاب، أو على الأقل حماية (عدنان مندريس) من حبل المشنقة؟ بلى كانوا قادرين على منع الانقلاب أو تخفيف مفاعيله، وهو انقلاب طال رجلاً خدم مصالحهم الاستراتيجية، إلا أنهم لم يفعلوا، لأن تركيا مطلوب منها أن تكون بعيدة عن الإسـلام شـكلاً وجوهراً ومضموناً، وهو ما تكرر، ولكن بانقلاب أبيض ودون مشانق، مع (نجم الدين أربكان) ـ رحمه الله ـ بعد حوالي 37 سنة، مع أن الرجل ابتلع الاتفاق الأمني الجوي المذل بين جيش بلده وجيش (إسرائيل)، وصافح (دافيد ليفي)، وتحمل صلف العلمانيين وشكل ائتلافاً حزبياً مع جزء منهم، إلا أن (أربكان) أدى فريضـة الحج، وتلك جريمـة كبرى، وأيضاً توجه شرقاً، فلم يحل الغرب دون عزله الناعم، ومنعه من حقوقه السياسية وسجنه.. أما في بلاد العرب فالغرب يهتم بالمصالح السـياسـيـة والأمنيـة والاقتصاديـة، وفي مقدمـة هذه الأمور مصلحـة وأمن الكيان العبري، وأرى أن بعض الإسلاميين يُخطئون حين يتوجهون إلى الغرب برسائل طمأنة حول بعض المسائل، بل يقوم البعض بمصافحة النساء، أو الظهور بمظهر معين، وكل هذا لا يهم الغرب فيما يخص العرب، بل المهم عندهم مسألة السياسة الخارجية بالدرجة الأولى!
(17) أردوغان والصعود الحكيم
لقد كان للهاث التركي وراء الغرب مساوئ كثيرة انعكست على تركيا وهويتها، ومع كل ما قدمته تركيا للحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، فإن تركيا حتى الآن لم تحصل على هذه العضوية، ولن تحصل عليها على الأغلب؛ ولقد كان للاحتكاك التركي بالغرب محاسن لا يجوز إنكارها أو التقليل من أهميتها وانعكست على الإسلاميين وغيرهم؛ منها التصرف بصبر وحكمة بعيداً عن الغوغائية والشعارات الفارغة من المضمون، والعمل بلا يأس أو كلل أو ملل، ومنها التحلي بالعقلية العلمية والتفكير المنطقي بلغة الأرقام والحقائق لا الأوهام والرغبات والأمنيات، ولهذا لا نستغرب أن جامعات تركيا في المنطقة متميزة، والتعليم فيها لا يقوم على التلقين، وفي تركيا بنى مؤسساتية جيدة... وأيضاً ـ وهذا مهم ـ تعلم الأتراك احترام صندوق الاقتراع وعدم التفكير بتزوير نتائجـه أو التأثير بناخبيـه بطرق قذرة، وهو ما افتقدته مصر في انتخاباتها إبان حكم المخلوع، فالتزوير كان جهاراً نهاراً، والأتراك بجميع أطيافهم ضد هكذا سلوك أو تصرف، وأدرك (أردوغان) أيضا أن الاقتصاد هو الأساس في التعامل مع المحيط والغرب والعالم، ولهذا سعى منذ البداية إلى سياسة «تصفير المشكلات» مع كل المحيط التركي، وبرّد قدر المستطاع الصراع مع الإنفصاليين الأكراد، وتمكن من تحسين ملحوظ بل مدهش يستحق الإعجاب في النمو الاقتصادي لبلده، ولقد حارب الفساد بكل قوة، أولاً بعدم السماح لنفسه أو لحاشيته بارتكاب أي فساد مالي من أي نوع مما يُعطي الأسوة الحسنة، وثانياً بتجفيف منابع الفساد واستئصال أباطرته.
إلا أن المؤكد أن (أردوغان) لم يكن لينجح في مهمته شبه المستحيلة لولا أن بعض قادة الجيش والأمن تحالفوا معه واقتنعوا ببرنامجه النهضوي، فارتفعت قبضة العسكر عن الحياة السياسة التركية، وليس هذا فحسب، بل إن جنرالات ومسئولين سابقين من أمثال (كنعان إيفرن) و (شفيق بير) قُدموا إلى المحاكم على خلفية إنقلاب 1980م الدموي، وانقلاب 1997م الأبيض.
فالحالة في تركيا لم تكن فعلاً ثورياً شاملاً على النمط الإيراني، ولا ثورة أطاحت برأس النظام ولم تتمكن بعد من تصفية الدولة العميقة كما حصل في مصر، بل عمل حزبي صبور دؤب ولم يخلُ من بطءٍ وانتكاسات من داخل مؤسسات الجمهورية التركية نفسها، ولولا مساندة من بعض قادة الأمن والجيش للحق (أردوغان) بأستاذه (أربكان)، والرئيس محمد مرسي بحاجة لمثل هذا الدعم بلا ريب!
(18) أردوغان ومرسي
أثناء كتابة هذه السطور نُقل عن وكالة أنباء الأناضول تصريحات للسيد (أردوغان) ينتقد فيها المجلس العسكري المصري، على خلفية حل مجلس الشعب، لأنه قرار لا يحترم إرادة الشعب، وهذا يُذكرنا بموقفه الذي طالب حسني مبارك بالرحيل في بداية الثورة، وهي إشارات جيدة، إلا أن تعاون تركيا مع مصر سيكون اقتصادياً بالدرجة الأولى، وتركيا خرجت من سياسة "تصفير المشكلات"، لأسباب معروفة، وهي لا تشترك بحدود مع الكيان العبري، ولها هامش مناورة لا بأس به، أما مصر (فكامب ديفيد) تُكبلها بطريقة تحتاج حكمة وذكاء للفكاك من هذا القيد الثقيل، وهنا قد تُساعدها تركيا في ذلك، إلا أن مفهوم تركيا (أردوغان) للعلمانية يتعارض مع الفهم المصري ـ وليس الإخواني فحسب ـ لهذا المفهوم، لذا بالغ من توقع تبني مصر الجديدة للأنموذج التركي في غير الجانب الاقتصادي، فمصر لا بد أن تلتقي مع إيران في مرحلة ما، لأسباب تتجاوز ضيق أفق المذهبيين والقوميين، ولا ننسـى أن أمريكا تُراهن على أن يُحارب إسـلاميو تركيا ومعهم إسـلاميو مصر والبلاد العربيـة إيران نيابـة عنها، وهذا الأمر يعتبره بعض الحانقين على الإسـلاميين أمراً بات مؤكدا، بل يزعمون أن صفقـة عُقدت مع الإسـلاميين العرب بهذا الخصوص، ولكن الأيام حُبلى بغير ما يتوقعون، وكما قلنا سابقاً فالأفضل هو بناء حلف عربي ـ إيراني ـ تركي........
ويتبع >>>>>>: «الريّس» مرسي... لا إيران ولا أردوغان (5/5)
(13) لهذا يريدون تركيا
كثيرون يُريدون لمصر ما بعد الثورة، ولجميع الحركات الإسلامية اتباع النهج التركي لا الإيراني، ومع أن الأنموذج التركي وبإقرار وزير الخارجية التركي غير قابل للاستنساخ، ولكن هناك من يرى بأن الأفضل والأسلم هو محاولة السير على الهدي التركي والابتعاد قدر الممكن عن إيران؛ وهذا التفكير له سببان رئيسان لا يُعلن عنهما صراحة: الأول هو الرغبـة النابعـة من طبيعـة في البشـر بعدم دفع ثمن باهظ، وإبعاد شـبح الحروب الباردة أو السـاخنـة، وتحقيق تنميـة اقتصاديـة دون أن يكون ثمـة تهديد أو وعيد بحصار أو مقاطعـة من قِبل الدول الغربيـة الكبرى، والثاني مذهبي تماماً لأن تركيا سُـنيـة في غالب سـكانها، والمذهبيـة الضيقـة سـيطرت مؤخراً على عقول كثير من السُـنـة والشـيعـة على حدّ سـواء، لدرجـة أن الحديث عن العثمانيين الجُدد ممثلين بتركيا، والصفويين الجُدد ممثلين بإيران وقادتها؛ هو كلام لـه دوافع غرائزيـة لا تخلو من سـطحيـة؛ فزمان العثمانيين والصفويين أصبح من الماضي، بل إن تركيا هي اليوم العضو في الـ (ناتو)، بينما إيران مهددة منـه، بعكـس الحال قبل قرون حين تحالف الصفويون مع أعداء الأمـة ضد العثمانيين.
ولكن هؤلاء الذين يظنون أن تركيا وصلت إلى ما وصلت إليه بقيادة "حزب العدالة والتنمية" بزعامة الثلاثي غول ـ أردوغان ـ أوغلو مجاناً وبلا تعب واهمون؛ فقد دفع الإسلاميون ومعهم شعب تركيا أكلافاً باهظة ربما تفوق ما دفعه إسلاميو دول عربية عدة، لأن الحرب في تركيا كانت على الإسلام عقيدة وديناً ومظاهر شخصية، وفرض مفهوم خاص للعلمانية يتعارض مع خيارات الإنسان الشخصية التي طالما تشدق العلمانيون بها، واستلزم الأمر كفاحاً مريراً مع العسكر "الكماليين" امتد إلى سنين طويلة، وربما ما زال، وما يُعتبر من سلوك أو مظهر أو قانون في أي دولة عربية طبيعياً ولا جدال حوله، يُعتبر جريمة في القوانين التركية التي فُصّلت على مقاس المؤسسة العسكرية ذات النشأة والرعاية الأجنبية، أو التي تُعدّل على مزاج الجنرالات وصلفهم البغيض.
ولقد كان أول مسؤول كبير من خارج مصر يستقبله الرئيس محمد مرسي هو وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وهو يُعتبر مفكر تركيا الجديدة في المجال السياسي والاستراتيجي، ومؤلف كتاب «العمق الاستراتيجي»، وأنا مع أني لم أقرأ الكتاب، إلا أن الواضح أن الكتاب يُعتبر أشبه بخطة عمل للدولة التركية، وقد سأل الإعلامي أحمد منصور السيد أوغلو عن هذا الكتاب وعلاقة حكومته به فأجاب: ما زالوا في الصفحة الأولى! وقد أجرى الإعلامي منصور لقاءً مطولاً كتب عنه مع أوغلو بُعيد لقائه بالرئيس مرسي، وأنصح بقراءته بتمعن، وكان أوغلو أكثر إتزاناً ودقة في نصائحه إلى الرئيس المصري من أولئك الذين يريدون استنساخ تركيا في مصر، ومشـكلتنا مع تركيا أننا نُحملها أكثر مما تحتمل بتطلعاتنا ورغباتنا، أو يُقلل البعض من شـأنها ويُشـبهها بالأنظمـة التي تتعامل مع الغرب وفق نظريـة «أمرك سيدي»...على كل حال أنصح بقراءة متأنية لمقال من قلم البروفسور عبد الستار قاسم بعنوان «مهلاً على تركيا» نُشر قبل سنتين للاستزادة في هذا الباب.
(14) أتاتورك العلماني الديكتاتور
من المقزز والمنفر هذا التقديس الذي يحظى به (مصطفى كمال أتاتورك) حتى بعد سبعين سنة ونيف من موته، لقد ارتبط اسم الرجل ذهنياً لدينا بإلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، وبارتباطه برباط بيولوجي أو عقدي بيهود "الدونمة" والحركة الماسونية، والآن وبعد مرور ما يقرب على تسعين سنة من إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، فإننا نستطيع قراءة الصورة بعمق أكثر؛ فأتاتورك ليس إلا نتاجاً للفكر القومي الذي اجتاح أوروبا وامتد إلى المسلمين عرباً وتركاً، وحتى الاسم الذي اشتقه لنفسه ـ "أتاتورك" تعني أبو الأتراك ـ ينم عن لوثة القومية التي جعلت الرجل يريد مشروعاً قومياً تركياً خالصاً بعيداً عن العرب والأكراد وغيرهم، وكان هذا واضحاً في خطاباته، ولا شـك أن للرجل صفقـة مع القوى الاسـتعماريـة، خاصـة بريطانيا للحصول على دولـة قوميـة تركيـة بمواصفات معينـة، ومن شـروط الصفقـة إلغاء الخلافـة بما تُمثلـه من رمزيـة معنويـة للأمـة المسـلمـة، وإذا أردنا الدقة فإن الخليفة والخلافة العثمانية كانت جسداً بلا روح آنذاك، حيث أن آخر سلطان (خليفة) عثماني كانت بيده صلاحيات حقيقية وفعلية هو عبد الحميد الثاني والذي عزلته عصابة "الاتحاد والترقي" التي كان (أتاتورك) أحد قادتها، ولم تعد مؤسسة الخلافة قوية، لأن الناس والجيش انفضوا من حولها، وهذه سُنة الله في الدول والممالك، إلا أن ما كان يحصل عند المسلمين هو مجيء مملكة أكثر قوة من التي سبقتها، فالعثمانيون أنفسهم ورثوا ما بقي من العباسيين في بغداد والمماليك في مصر والشام، كما سبق وأن ورث العباسيون بعد موقعة "الزاب الكبير" ملك الأمويين في المشرق، ولكن هذه المرة سقطت الخلافة العثمانية بل أُسقطت على يد رجل تركي ولم يخلفها إلا دولة قومية في أرضها يتبع سدنتها النهج الأوروبي في ما كبر أو صغر من شؤون عامة وخاصة، واستعمار أوروبي لبلاد العرب الممزقة، ورثته ديكتاتوريات فاشلة.
ومع أن أوروبا حكمتها نُظم سياسية تعددية ديمقراطية، إلا أن (أتاتورك) الذي قلَّدها اتبع نهجاً استبدادياً قاسياً ضد خصومه، وقد حارب حتى المظاهر الشكلية الشخصية كالطربوش والبرقع، وأصلاً (أتاتورك) هو عسكري، ولهذا يمكن أن نفهم سيطرة العسكر ردحاً طويلاً من الزمن على السياسة في تركيا.
حالـة التأليـه لمن يوصف بمؤسـس وباني تركيا الحديثـة، وعدم السـماح وفق قوانين صريحـة بمراجعـة ولو أكاديميـة علميـة لأعمالـه ومواقفـه، جعلت تركيا في حالـة اغتراب، ووضعتها في موضع الهويـة الحائرة بين الشـرق والغرب، ومنذ موته بتشمع الكبد جرّاء إسرافه في احتساء الخمور سنة 1938م كان وما زال كل من يتجرّأ على نقد (مصطفى كمال أتاتورك) يضع نفسه أمام مخاطرة كبيرة على المستوى الشخصي والمؤسساتي!
لقد ألغى (أتاتورك) وزارة الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، والأخطر هو تغيير الحروف العربية التي تُكتب بها التركية ـ مثل الفارسية والأوردو ـ إلى أحرف لاتينية، وللأمر أبعاد نفسية عديدة كون العربية لغة القرآن، وكان تعلم العربية من التركي أو الفارسي يلزمه فقط تعلم المفردات، وغير ذلك الكثير من إمعان هذا الرجل الذي أصابته حالة جنون العظمة التي تصيب الطُغاة الذين يحكمون بلادهم حكماً شمولياً ويُمنحون الألقاب والأوسمة ويحظون بالتصفيق وعبارات التمجيد المبالغ جداً فيها!
(15) الدين ومؤسسة الأزهر
ما ورد أعلاه ليس بهدف استعراض سيرة ذاتية (لأتاتورك) ونظامه، بل لتذكير من يُريدون اتباع النهج التركي، بأن تركيا تحتاج إلى سنين لتصل إلى ما يُعتبر أمراً طبيعياً وعادياً في مصر أو غيرها، فالدساتير العربية ظلَّت تُشير إلى الإسلام كدين للدولة أو كمصدر أساسي في التشريع، وحرص الحكام العرب، على محاولة التمسح بالمظاهر الإسلامية، بتكريم علماء ومشايخ، والعناية بحفظة القرآن الكريم، وتأدية الصلوات أمام وسائل الإعلام، والبلد الوحيد الذي تجرأ على المظاهر الإسلامية كان تونس، وقد انفجرت بها أول ثورة عربية ضد الاستبداد، ونتذكر كيف أُثيرت ضجة بسبب حجاب النائبة المنتخبة عن حزب أربكان (مروة قاوقجي) أواخر تسعينيات القرن المنصرم، ومنعها من دخول مبنى البرلمان، وهي التي كانت قد غادرت تركيا إلى أمريكا ـ لاحظوا إلى أمريكا ـ لأنها كانت تريد الالتزام بالحجاب داخل الحرم الجامعي، وقد وقعت زوجتا كل من الرئيس (عبد الله غول)، ورئيس الوزراء (رجب طيب أردوغان) بمواقف مشابهة بسبب الحجاب، وهذا غير وارد أن يحدث في بلاد العرب، وحتى غُلاة العلمانيين العرب، تحرص أحزابهم على إبعادهم عن المناصب والأضواء قدر المستطاع، ويحاول بقية العلمانيين التملق للناس باستخدام مظاهر دينية، وعبارات التأكيد المستمرة عن كونهم من المسلمين المؤمنين... إلخ.
ومع أن الأزهر كمؤسسة أُفرغ من مضمونه وحرفه الساسة عن رسالته ومساره، إلا أنه لم يُشطب ولم يكن ثمة تفكير بإلغائه، وهو من الآن فصاعداً سينفض عنه غبار سنوات طوال من التهميش، بينما في تركيا كان كل زعيم علماني يُفاخر ويُزاود بمحاربة المساجد، وتهميش مظاهر التدين، والتضييق على المتدينين ولو كان تدينهم محدوداً وضئيلاً!
(16) مندريس.. العرب والأتراك والغرب
قلنا أن (كامب ديفيد) هي ما يهم الغرب وأمريكا أكثر من أي شـيء آخر فيما يخص مصر، ولكن نلحظ أن الغرب تعامل بمنطق وسـياسـة مختلفـة مع تركيا؛ فالمطلوب غربياً من تركيا لم يكن فقط سـياسـياً وأمنياً أو عسـكرياً بل المطلوب سـياسـة داخليـة عمادها ليـس محاربـة الدين الإسـلامي فحسـب، بل مظاهر هذا الدين، وتجربة (عدنان مندريس) خير دليل على ذلك؛ فقد ضمّ هذا الرجل تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) وجعلها قلعة متقدمة في الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وهو ليس من خلفية أيديولوجية إسلامية، بل كان عضواً في "حزب الشعب الجمهوري" الذي أسسه (أتاتورك)، وأسس (مندريس) لاحقاً "الحزب الديمقراطي"، والذي فاز في انتخابات 1950م، وكانت جريمة الرجل في عيون غُلاة العلمانية، أنه أطلق وعوداً لكسب الناخبين، ونفذها تتعلق ببعض المظاهر الإسلامية مثل الآذان باللغة العربية وتعليم القرآن الكريم والتربية الإسلامية في المدارس الحكومية، وتلك جريمة تستحق الإعدام في نظر كهنة العلمانية، المدعومين من مؤسسة عسكرية أشرف الإنكليز على بنائها منذ أواخر العهد العثماني، فوقع انقلاب عسكري هو الأول من نوعه، أطاح (بمندريس) الذي سيُشنق سنة 1960م فقط لأنه جعل الآذان باللغة العربية وسمح ببعض حصص القرآن الكريم في المدارس؛ والسؤال هنا: ألم يكن بإمكان الغرب منع هذا الانقلاب، أو على الأقل حماية (عدنان مندريس) من حبل المشنقة؟ بلى كانوا قادرين على منع الانقلاب أو تخفيف مفاعيله، وهو انقلاب طال رجلاً خدم مصالحهم الاستراتيجية، إلا أنهم لم يفعلوا، لأن تركيا مطلوب منها أن تكون بعيدة عن الإسـلام شـكلاً وجوهراً ومضموناً، وهو ما تكرر، ولكن بانقلاب أبيض ودون مشانق، مع (نجم الدين أربكان) ـ رحمه الله ـ بعد حوالي 37 سنة، مع أن الرجل ابتلع الاتفاق الأمني الجوي المذل بين جيش بلده وجيش (إسرائيل)، وصافح (دافيد ليفي)، وتحمل صلف العلمانيين وشكل ائتلافاً حزبياً مع جزء منهم، إلا أن (أربكان) أدى فريضـة الحج، وتلك جريمـة كبرى، وأيضاً توجه شرقاً، فلم يحل الغرب دون عزله الناعم، ومنعه من حقوقه السياسية وسجنه.. أما في بلاد العرب فالغرب يهتم بالمصالح السـياسـيـة والأمنيـة والاقتصاديـة، وفي مقدمـة هذه الأمور مصلحـة وأمن الكيان العبري، وأرى أن بعض الإسلاميين يُخطئون حين يتوجهون إلى الغرب برسائل طمأنة حول بعض المسائل، بل يقوم البعض بمصافحة النساء، أو الظهور بمظهر معين، وكل هذا لا يهم الغرب فيما يخص العرب، بل المهم عندهم مسألة السياسة الخارجية بالدرجة الأولى!
(17) أردوغان والصعود الحكيم
لقد كان للهاث التركي وراء الغرب مساوئ كثيرة انعكست على تركيا وهويتها، ومع كل ما قدمته تركيا للحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، فإن تركيا حتى الآن لم تحصل على هذه العضوية، ولن تحصل عليها على الأغلب؛ ولقد كان للاحتكاك التركي بالغرب محاسن لا يجوز إنكارها أو التقليل من أهميتها وانعكست على الإسلاميين وغيرهم؛ منها التصرف بصبر وحكمة بعيداً عن الغوغائية والشعارات الفارغة من المضمون، والعمل بلا يأس أو كلل أو ملل، ومنها التحلي بالعقلية العلمية والتفكير المنطقي بلغة الأرقام والحقائق لا الأوهام والرغبات والأمنيات، ولهذا لا نستغرب أن جامعات تركيا في المنطقة متميزة، والتعليم فيها لا يقوم على التلقين، وفي تركيا بنى مؤسساتية جيدة... وأيضاً ـ وهذا مهم ـ تعلم الأتراك احترام صندوق الاقتراع وعدم التفكير بتزوير نتائجـه أو التأثير بناخبيـه بطرق قذرة، وهو ما افتقدته مصر في انتخاباتها إبان حكم المخلوع، فالتزوير كان جهاراً نهاراً، والأتراك بجميع أطيافهم ضد هكذا سلوك أو تصرف، وأدرك (أردوغان) أيضا أن الاقتصاد هو الأساس في التعامل مع المحيط والغرب والعالم، ولهذا سعى منذ البداية إلى سياسة «تصفير المشكلات» مع كل المحيط التركي، وبرّد قدر المستطاع الصراع مع الإنفصاليين الأكراد، وتمكن من تحسين ملحوظ بل مدهش يستحق الإعجاب في النمو الاقتصادي لبلده، ولقد حارب الفساد بكل قوة، أولاً بعدم السماح لنفسه أو لحاشيته بارتكاب أي فساد مالي من أي نوع مما يُعطي الأسوة الحسنة، وثانياً بتجفيف منابع الفساد واستئصال أباطرته.
إلا أن المؤكد أن (أردوغان) لم يكن لينجح في مهمته شبه المستحيلة لولا أن بعض قادة الجيش والأمن تحالفوا معه واقتنعوا ببرنامجه النهضوي، فارتفعت قبضة العسكر عن الحياة السياسة التركية، وليس هذا فحسب، بل إن جنرالات ومسئولين سابقين من أمثال (كنعان إيفرن) و (شفيق بير) قُدموا إلى المحاكم على خلفية إنقلاب 1980م الدموي، وانقلاب 1997م الأبيض.
فالحالة في تركيا لم تكن فعلاً ثورياً شاملاً على النمط الإيراني، ولا ثورة أطاحت برأس النظام ولم تتمكن بعد من تصفية الدولة العميقة كما حصل في مصر، بل عمل حزبي صبور دؤب ولم يخلُ من بطءٍ وانتكاسات من داخل مؤسسات الجمهورية التركية نفسها، ولولا مساندة من بعض قادة الأمن والجيش للحق (أردوغان) بأستاذه (أربكان)، والرئيس محمد مرسي بحاجة لمثل هذا الدعم بلا ريب!
(18) أردوغان ومرسي
أثناء كتابة هذه السطور نُقل عن وكالة أنباء الأناضول تصريحات للسيد (أردوغان) ينتقد فيها المجلس العسكري المصري، على خلفية حل مجلس الشعب، لأنه قرار لا يحترم إرادة الشعب، وهذا يُذكرنا بموقفه الذي طالب حسني مبارك بالرحيل في بداية الثورة، وهي إشارات جيدة، إلا أن تعاون تركيا مع مصر سيكون اقتصادياً بالدرجة الأولى، وتركيا خرجت من سياسة "تصفير المشكلات"، لأسباب معروفة، وهي لا تشترك بحدود مع الكيان العبري، ولها هامش مناورة لا بأس به، أما مصر (فكامب ديفيد) تُكبلها بطريقة تحتاج حكمة وذكاء للفكاك من هذا القيد الثقيل، وهنا قد تُساعدها تركيا في ذلك، إلا أن مفهوم تركيا (أردوغان) للعلمانية يتعارض مع الفهم المصري ـ وليس الإخواني فحسب ـ لهذا المفهوم، لذا بالغ من توقع تبني مصر الجديدة للأنموذج التركي في غير الجانب الاقتصادي، فمصر لا بد أن تلتقي مع إيران في مرحلة ما، لأسباب تتجاوز ضيق أفق المذهبيين والقوميين، ولا ننسـى أن أمريكا تُراهن على أن يُحارب إسـلاميو تركيا ومعهم إسـلاميو مصر والبلاد العربيـة إيران نيابـة عنها، وهذا الأمر يعتبره بعض الحانقين على الإسـلاميين أمراً بات مؤكدا، بل يزعمون أن صفقـة عُقدت مع الإسـلاميين العرب بهذا الخصوص، ولكن الأيام حُبلى بغير ما يتوقعون، وكما قلنا سابقاً فالأفضل هو بناء حلف عربي ـ إيراني ـ تركي........
ويتبع >>>>>>: «الريّس» مرسي... لا إيران ولا أردوغان (5/5)
واقرأ أيضًا: