العمل على إيجاد تحالف انتخابي واحد ـ لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر ـ لم يعد خيارًا الآن أمام الإسلاميين، بل بات حتميًا، تفرضه تحديات المرحلة الحالية، التي رُمي الإسلاميون فيها عن قوس واحدة من قوى وأطراف مناوئة لهم، وهي قوى متعددة ولديها من الإمكانات المادية والإعلامية والسياسية ما لا يمكن التقليل منه أو التعامل معه باستهانة.
فقد أعلنت جهات وأطراف سياسية وحزبية التوحد للعمل سويًا، تحت راية واحدة، وأعلن بعضها تدشين ما وصف بـ "التيار الثالث"، وجاهرت شخصية قبطية برصدها 3 مليار دولار، من أجل هدف مشترك بينها جميعا هو هزيمة الإسلاميين انتخابيًا، وإخراجهم من البرلمان، كمقدمة لإفشالهم سياسيًا ومجتمعيا وإظهارهم في ثوب العاجز، ولكي يبرهنوا ـ من جهة أخرى ـ على ما ظلوا يدعونه من أن الإسلاميين فقدوا شعبيتهم لدى رجل الشارع والرأي العام في مصر.
يُخطأ من يظن أننا نكتب هذا لنعمق من الانقسام الحاصل بين مكونات المجتمع، الأمرُ تمامًا ليس كذلك، لكنها رغبة في تدارك الخطأ قبل وقوعه، خاصة في ظل حالة الاصطفاف السياسي غير المسبوق التي تشهدها البلاد، والتصيد الإعلامي المبالغ فيه.. وحرصا ـ من جهة أخرى ـ على وحدة الصف ـ على الأقل ـ كما يبدي الآخرون حرصهم على لم شتاتهم، وإن كانوا أبعد ما يكون عن التجانس، كمن لا يكلون من بذل المحاولات ـ هذه الأيام ـ لعمل تحالف سياسي يجمع الأقباط والصوفية، رغم انعدام المشترك بينهما.
وعلي عكس الانتخابات البرلمانية الأخيرة ـ التي جرت في أعقاب الثورة، ولم تتمكن الأحزاب الإسلامية من ايجاد تحالف انتخابي واحد يجمعها، بعدما شكل حزب "الحرية والعدالة" "التحالف الديمقراطي" مع عدد من الأحزاب غير الإسلامية، وشكل حزب "النور" "تحالف من أجل مصر" مع باقي الأحزاب الإسلامية ـ يمكن القول إن الأوضاع الآن صارت أكثر قابلية لإيجاد هذا التحالف، خاصة بعدما كشفت الأحداث المتتالية في البلاد أهمية أن تكون لأحزاب وجماعات التيار الإسلامي ما يجمعها.
وإن صح أن أساس الاختلاف بين الأحزاب الإسلامية في الانتخابات الماضية كان نصيب كل حزب من المرشحين الذين سيحظون بدعم التحالف، فسيكون من السهل الآن الاتفاق بينها، بعدما تعرفوا عمليًا على القوة الحقيقية لكل حزب في الشارع، من خلال النسب التي تحصلت عليها الأحزاب داخل البرلمان الذي صار منحلا.. فإذا جرى الاتفاق على هذا "التحالف الإسلامي" على أن يكون نصيب كل حزب من المرشحين المدعومين من التحالف مساويًا للنصيب الذي ناله من مقاعد البرلمان، فهي قسمة عادلة ومرضية ـ لاشك ـ لكل الأطراف، حتى وإن جرى عليها تعديل طفيف لحسابات يُتفق عليها.
المصلحة العامة تفرض على الجميع أن يبذل كل ما في وسعه لإيجاد هذا التحالف، والعمل على إنجاحه، وإزالة كل ما يمكن أن يعوقه أو يقف في طريقه، ولو تخلى من يتخلى عن بعض مكاسبه الحزبية، بل لو ضحى بكل هذه المكاسب، لأن الحصول عليها في حال فشل المشروع الإسلامي تجعلها لعنات على أصحابها وليست مكاسب.
فكرة المصالح الحزبية الضيقة ينبغي أن تُمحى من العقول، لأن الفشل ـ لا قدر الله ـ لن يتحمله حزب أو جماعة وحدها، بل سيتحمله "الإسلام"، نعم الإسلامُ الذي سيُتهم بنا، وسيُحمل كل خطأ يقع فيه المنادون بتحكيمه، وبمراعاته في كل صغيرة وكبيرة من مناحي الحياة.
ونحن هنا لا ندعي أن الإسلام يحمله الإسلاميون وحدهم ـ كما يحلو للبعض أن يتندر ـ أو أنهم وكيل حصري ومتحدث رسمي باسمه ـ حاشا لله ـ بل نحن نعلم جيدًا أننا جزء من شعب له تاريخ في حمل هذا الدين، ولطالما قدم أفراده من التضحيات الكثير والكثير في سبيل نصرته.. لكننا أيضا ندرك كيف بات الإسلام حاضرًا وبقوة في المعركة السياسية والفكرية والإعلامية التي تدور رحاها بين مكونات المجتمع وتياراته السياسية، وليس أدل على ذلك من هذا الصراخ الإعلامي الذي تلقاه أي فكرة أو دعوة إصلاحية تستند إلى الدين، تحت شعارات كـ "المدنية" و"المواطنة" و"الدولة الدينية" المزعومة.
التحالف الانتخابي الإسلامي ـ وفي حال قدر له النجاح ـ يمثل ضمانًا كبيرًا للقوى الإسلامية في أن تحقق انجازا مرضيًا في الانتخابات القادمة، إذا أن هذه الوحدة التي طالما حلمت بها الشريحة العظمى من المنتمين إلى أجيال الصحوة الإسلامية ستكون دافعا كبيرا لبذل كل ما في الوسع من أجل انجاحها، وستذوب معها معظم الخلافات التي رأيناها في انتخابات سابقة، على الأقل لأن الحملة الدعائية ستكون واحدة تشترك فيها كل الأطراف تحت هدف واحد هو انجاحها.. فهي بادرة خير على الجميع أن ينهض لها ولو لم يتوقع أن يسعى عليها غيره.
إن ما يجمع الإسلاميين ـ وهم أصحاب منهج فكري وعقدي واحد ـ أكثر مما يفرقهم، فإن كانت وحدة الصف والكلمة أمل طال انتظاره، فقد بات قريبا هذا المنال، ولم يبق أمامه سوى أن نبحث في الغايات والقواسم المشتركة ثم نغلبها على حسابات الجماعات والأفراد.
اقرأ أيضا:
قراءة في أول خطاب رئاسي للدكتور مرسي/ ما زلنا ننتظر النتيجة/ دولة الإخوان في مصر وصعود الإسلاميين/ الشيخ عبد الرحمن وغضب الأمريكان