التبذير أو الإفراط في الانفاق المادي كان ولا يزال يعتبر علامة من علامات الهوس Mania أو الهوس الطفيف Hypomania ويستدعي أحيانا علاج المريض إجباريا مع استعمال الصلاحيات القانونية للطبيب النفسي في المكان الذي يمارس فيه. ولكن الحقيقة هي أن التبذير لا يقتصر على الهوس هذه الأيام وتراه في الاكتئاب. مقابل ذلك هناك إجماع على أن أكثر من 90% من البشر المبذرين يعانون من مشاكل صحية نفسية.
مصطلحات جديدة
في هذه الأيام هناك مصطلحات عدة للتعبير عن التبذير والإنفاق المادي في المجتمع المعاصر. هناك من يتحدث عن الإنفاق أو الشراء القهري Compulsive Spending or buying وهناك من يتحدث عن إدمان التبذير. والحضارة المعاصرة حضارة مادية وتشجع على الصرف والتحريض عليه مع استعمال مختلف الوسائل النفسية وتوجه رسالة خفية بأن شراء أحدث موضة في الملابس أو الحصول على آخر أنواع الجوال وتبديل سيارتك سنويا هو الطريق نحو السعادة.
الإنسان في المقابل يتوجه نحو الصرف المادي (والكرم) من أجل الحصول على الأصوات الاجتماعية حاله حال نائب برلماني. الأهداف هي:
• تحسين الصورة الذاتية.
• الشعور بقيمة الذات.
• الشعور باحترام الذات.
العلاج التجاري
الغالبية من الذين يعانون من التبذير القهري أمرهم غير ذلك ويستعملون الصرف كنوع من أنواع العلاج نسميه العلاج التجاري Retail Therapy. يشعر الإنسان بالحاجة إلى تنظيم عواطفه والتخلص من عواطف سلبية وتراه يشعر بالقلق والارتباك أو السعادة حين يرى سلعة معينة في السوق أو الإنترنت ولا يستطيع التخلص من الضغط النفسي بسهولة. تبقى صورة السلعة عالقة في ذهنه لفترة ولا يستطيع التخلص منها، ويحاول الكثير مقاومة هذه الرغبة والضغط النفسي حيث يبتعد عن المتجر ويذهب إلى آخر. كذلك الأمر حين التسوق عبر الإنترنت فترى صورة السلعة لا يمكن محوها مع الانتقال إلى موقع آخر.
ولكن هناك جانبا آخر للمشهد أعلاه هذه الأيام فجميع ماكينات البحث الإلكترونية تلاحق الإنسان الذي اطلع على سلعة معينة وكلما دخل عالم الفضاء تظهر صورة السلعة التجارية وقد تعلمه أيضا بهبوط سعرها.
في نهاية الأمر يستجيب الإنسان لاندفاعه ويشتري السلعة وبعدها يشعر بالندم والذنب. الفترة الزمنية ما بين الشراء والشعور بالندم والذنب تتراوح ما بين إنسان وآخر ولكنها نادراً ما تتجاوز بضعة أيام وأحيانا قد تكون مباشرة بعد استلامه السلعة. هذا يفسر أحيانا طابور الناس في المتاجر لإعادة ما اشتروه بسبب الإنفاق القهري.
الاكتئاب والتبذير
الإنفاق المادي النموذجي في الاضطرابات الوجدانية هو الإسراف بدون توقف في حالات الهوس وعدم الإسراف في الاكتئاب بسبب اليأس والشعور بالخوف من الفقر في المستقبل. لكن التبذير أحيانا علامة من علامات الاكتئاب الجسيم غير النموذجي Atypical Major Depression ويتم تفسيره من قبل المريض بالبحث عن الشعور بالسعادة. كذلك فإن التبذير والإنفاق القهري قد يكون نتيجة عدم الشعور بالسعادة في البيت والعمل ولا يدخل ذلك ضمن الاضطرابات الوجدانية. لكن الحقيقة المعروفة أن هذا السلوك نفسه يؤدي تدريجيا يؤدي إلى الاكتئاب الجسيم Major Depression.
التبذير والعلاقات الزوجية
كثير الملاحظة في الأزمات والخلافات الزوجية التي تصل إلى عيادات العلاج النفسي. شكوى الزوج من تبذير الآخر ضمن عدة خلافات بينهما وفي الكثير من الأحيان يعكس عدم سعادة أحدهما في الزواج. لا يمكن استبعاد استعمال هذا السلوك أحياناً كوسيلة ضغط وابتزاز أحد الطرفين للآخر.
ما هي الأسباب الأخرى
التبذير أحيانا علامة من علامات الخلل الوظيفي للفص الجبهي Frontal Lobe Dysfunction والذي يؤدي إلى انخفاض عتبة السيطرة على النفس وبالتالي الإفراط في الإنفاق المادي. كثيرا ما يكون المريض عرضة لاستغلال الآخرين. ليس هناك خيار أمام الطبيب النفسي غير استعمال الصلاحيات القانونية الطبية والتوصية باتخاذ الإجراء القانوني اللازم لحماية المريض من الاستغلال.
مناقشة عامة
السلوك البشري في العلاقات العامة والاقتصادية يختلف ما بين إنسان وآخر. يتحكم الجهاز العصبي المركزي عن طريق الفص الجبهي تحديد عتبة الإنسان لممارسة سلوك معين يحاول أن يتجنبه وهذا ما نسميه أحيانا عتبة التثبيط. هناك من البشر من تكون عتبته عالية ولا يفقد سيطرته وتوازنه بسهولة ولا يستجيب لرغباته في ممارسة سلوك يعلم جيداً بأنه غير مقبول وقد يندم بعده. ولكن هناك من هو تكون عتبته لفقدان السيطرة والتوازن منخفضة لأسباب صحية أو بيئية أو ذاتية بحتة وتراه يميل إلى التسرع في اتخاذ القرار ومنها الاستجابة لرغبته في شراء سلعة جذبت نظره.
مهما كانت ظروف الإنسان البيئية فإن مسؤولية الإسراف في الإنفاق أو التبذير المادي تقع على عاتقه ولا يمكن تعليلها وصياغتها في إطار سلوك الإدمان والشراء القهري. يتحمل المدمن على الكحول والمواد المحظورة المسؤولية وهذه هي بداية طريق رحلة الشفاء. ولكن يستثنى من هذه القاعدة المريض المصاب بالهوس أو الاختلال الوظيفي للفص الجبهي. الإسراف في الإنفاق المادي قد يصاحب الاكتئاب غير النموذجي أحيانا ولكن في أغلب الحالات الأخير هو نتيجة سلوك لا يتصف بالمسؤولية لإنسان تتراكم عليه الديون ويشعر بالاكتئاب بعدها.
الشراء القهري بحد ذاته ليس من علامات الحصار المعرفي (الوسواس القهري OCD) حيث يكون البخل أكثر ملاحظة في شخصية حصارية. مشكلة هذه المجموعة من المرضى تكمن في تأخر اتخاذ القرار وليس التسرع فيه.
ولكن الطب النفسي أيضا يتحمل المسؤولية أحيانا في صياغة السلوك البشري في إطار طبنفسي وتضخيم قائمة المتلازمات الطبنفسية وبعدها تقديم العلاج اللازم من عقاقير وكلام. هناك نموذج سلوكي معرفي وهناك نموذج إدمان وغير ذلك ولكن الحقيقة أن مثل هذه الحالات دون وجود علامات اضطراب آخر لا تثير اهتمام الطب النفسي مثل حالات الاضطرابات الجسيمة المصاحبة للتبذير والاستغلال المادي.
المصادر
1- Black D(2007). A review of compulsive buying disorder. World Psychiatry 6(1): 14-18.
2- Kellett S, Bolton J.(2009). Compulsive buying : A cognitive-behavioural model. Clinical Psychology and Psychotherapy. 16: 83–99.
3- Rose P, Segrist D (2012). Difficulty Identifying Feelings, Distress Tolerance and Compulsive Buying: Analyzing the Associations to Inform Therapeutic Strategies International Journal of Mental Health and Addiction 10(6): 927-935
اقرأ أيضًا:
إدمان الشراء أو التسوق أم الشراء القهري؟ تقديم / إدمان الشراء مرض أم عرض أم رد فعل؟؟3 / هل تشجع التجارة الإليكترونية الشراء القهري؟