في كثير من مدن العالم اتجه الناس إلى السوبرماركت والصيدليات لشراء وتخزين كميات كبيرة من المناديل وأوراق التواليت ومواد غذائية مختلفة وعقاقير طبية أساسية استعدادا لانتشار وباء الكورونا الذي يعتقدون أنه في وقت ما وبشكل مفاجئ سوف ينتشر وبائيا وتتوقف حركة البيع والشراء والسفر، وتم حصار مدن كثيرة وبعض الدول (خاصة الصين وإيران)، وأصبح ظهور شخص ذات ملامح صينية أو حتى شرق أسيوية يثير الفزع ويجعل الناس يبتعدون عنه ويتوجسون منه، وأغلقت المطاعم الصينية في كثير من دول العالم وسادت حالة من العنصرية البغيضة تجاه الوجوه الصينية والأسيوية، وتوقفت حركة التجارة ونشاطات اقتصادية وسياسية هائلة، وخسرت البورصة في دول عديدة خسارات فلكية، وسرت شائعات بأن القيامة على وشك أن تقوم، ومورست ضغوط على شعوب وحكومات تحت دعوى الإجراءات المطلوبة لمنع انتشار الكورونا، وقامت حروب إعلامية وتراشقات بين أحزاب ومجموعات مختلفة في محاولة لتوظيف الموضوع سياسيا، وقد تنهار دول وتنهار كيانات اقتصادية عملاقة، وقد تقوم شركات أدوية بعينها باستغلال هذه الحالة من الهلع الكوني فتسوق لدواء تكتشفه لعلاج فيروس الكورونا فتجني مليارات الدولارات كما حدث قبل ذلك مع عقار التاموفلو. وهذه الأجواء تنشط ماهو معروف في الطب النفسي بـ "قلق المرض" Illness Anxiety أو حالات من الهستيريا الجماعية وتوهمات المرض والوساوس المرضية.
وهذه ليست أول نوبة هلع طبية، بل سبقتها نوبات حول الـ سارس والإيبولا وإنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور وغيرها، واتهمت شخصيات مهمة في هيئات طبية مرموقة بأنها ساهمت في إحداث حالات من الهلع العالمي وإصدار بيانات غير دقيقة وغير علمية بهدف تحقيق أهداف اقتصادية لصالح بعض شركات الأدوية. وقد يتجاوز الهلع هذه المرة حدود شركات الأدوية ليصل إلى تدمير قوة اقتصادية عملاقة كالصين ومعها بعض دول شرق آسيا، أو تدمير قوى سياسية متمردة كإيران، أو تهيئة الساحة العالمية لترتيبات سياسية واقتصادية جديدة ، أو صرف الأنظار عن كوارث بيئية أو مظالم سياسية فادحة.
هل هي مؤامرة عالمية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وعنصرية ؟ ... محتمل، وخاصة أن عدد وفيات الكورونا في العالم كله أقل من عدد وفيات الإنفلونزا العادية، وأمراض كثيرة أخرى معدية وغير معدية، وأقل بكثير من حالات الانتحار وحوادث الطرق وضحايا التلوث والحروب. عموما علينا أن ننتبه، وأن لا ننجرف وراء هذه الموجة من الهلع المبالغ فيه أو المصطنع تجاه فيروس معروف علميا بأنه ضعيف، وأن أغلب المصابين به يتعافون بالمناعة الطبيعية حتى بدون تدخلات علاجية، وعلينا أن نفرق بين ما يتطلبه مرض مثل الكورونا أو غيره من إجراءات وقائية وعلاجية نهتم بها ونمارسها وبين إشاعات يتم الترويج لها لإحداث أكبر قدر من الهلع الكوني لحسابات سياسية أو اقتصادية.
واقرأ أيضًا:
التجديد في الخطاب الديني.. من عصر الصحراء إلى عصر الفضاء / الإمام الأكبر .. الطيب