"الغرب كذا والغرب كذا.. نحن أيضًا غرب!" هكذا قالت بتول توما في حدة عندما حضرت مؤتمرًا إسلاميًّا ندّد فيه المشاركون بالغرب، فقامت واحتجّت لأنها غربية ومسلمة، ووجدت التفرقة لازمة بين الغرب الذي يضرب مصالح المسلمين والغرب المسلم الذي اعتنق الإسلام، ويعيش في الغرب وسيظل هناك حيًّا وميتًا!
في طريق عودة وفد الحجيج الذي كانت ترأسه بتول من الحجاز إلى إنجلترا؛ حيث تقيم مع زوجها العراقي، مرّت على القاهرة وزارتنا هي وإريكا، وكان حديثًا طويلاً عن هموم المسلمة الغربية التي لا تُسلَّط عليها الأضواء؛ بل يعلو صوتنا إذا اضطهد الغربيون المسلمة المهاجرة من المغرب أو تركيا، ولا يحتج أحد إذا اضطهد إخوان لنا من المغرب أو باكستان أو مصر تلك الغربية المسلمة الداخلة حديثاً في الإسلام، وضيقوا عليها وألزموها حافة طريق الحياة بدعوى أن هذا هو صحيح الدين!
حديث ذو شجون وكله هموم حول نظرة المسلم للمرأة وكيف هي محملة بثقافته المحلية التي يحملها معه إلى الغرب، وأثر ذلك على الثقافة الإسلامية السائدة... نوادر وحوادث حول الفهم الجزائري والفهم السعودي والفهم البنغالي للمرأة ودورها، وكيف أن الداخلات في دين الإسلام تجابههن مطالب وفهومًا تقليدية - بل وجاهلية - لا صلة لها بالإسلام تمنع الحركة وتقيّد الدور والمسؤولية... وقالت بتول: إن المرأة التي تسلم قد تتقبل هذا في البداية، لكنها مع الوقت تقف وتقول: ما هذا الهراء؟، وتعود للقرآن والسنة فلا تجد هذه الرؤية التي ترى المرأة كلها عورة يجب سترها وإقصاؤها. وتتساءل: لماذا ترجمات القرآن للإنجليزية غير دقيقة ومتحيزة، فإذا قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ …."[التغابن: 14]، جاءت الترجمة لكلمة "أزواجكم" في الإنجليزية: زوجاتكم! وإذا قال الله "الرجال قوامون" جاءت الترجمة "الرجل حامي المرأة"، ولا يفهم القارئ بالإنجليزية معنى القوامة ولا دلالاتها ولا مسؤولياتها ولا ربطها بالقوامة كصفة إيمانية قرينة بالشهادة والخلافة، بل ربما يتذكر القول الشهير في الإنجيل "الرجل رأس المرأة".
إريكا انطلقت تشكو من معاملة المرأة في الحج كأنها "شيء" مثير للمشاكل، وتبرمت من هذه المبالغة في "الفتنة" و"العورة" في تصور المرأة ككيان.. وشكت من تهميش المرأة في الأنشطة الإسلامية في الغرب... وقالت: أين تراث نسيبة والصحابيات.. ونساء الأنصار – رضي الله عنهن –؟ وبلغة عربية سليمة تساءلت: ما هذا؟ ولماذا هذه الرؤية الأعرابية الجاهلية التي حاربها الإسلام؟، وماذا نقول لبناتنا إذا كان المستقبل يحمل تحديات مثل هذه في حين يواجهن إغراءات الحياة المادية وقهرها في ذات الوقت لالتزامهن الإسلامي في آن واحد.
تذكرت في صحبة بتول وإريكا أختًا من بنجلاديش قابلتها في أوكسفورد قالت لي بأسى: "إن المرأة في بنجلاديش لا تدخل المسجد ولا يسمح لها بالاقتراب.. وأن النخبة التي تتعلم وتعمل من النساء ترى في الإسلام الذي يقدم لها إطارًا ضيقًا - بل خانقًا - فيتركن الخيار الإسلامي هربًا من الفقهاء الذين يغلون ويقولون غير الحق، وتجتذبهن دعاوى التحرير العلماني.. فعلى من نلقي اللوم؟"
فهل يصد الذين يزعمون أنهم الأكثر إيماناً عن سبيل الله القادمين إلى ساحة الإيمان؟ وهل ستحول التقاليد غير الإسلامية بين الناس والإسلام وبين المسلمين وإسلامهم؟ وإلى متى؟
قبل أن ترحل بتول عائدة لوطنها ودعتها وفي أعيننا أدمع.. وسألت مرة أخرى: "ماذا أقول لبناتي؟ هل كل هذه الحركة والدعوة والصبر والتدافع مع الإخوة لها عائد أو نتيجة، أو ستغير النظرة للمرأة للأحسن؟!".
نعم يا بتول.. لها عائد وأجر ونتيجة.. إن شاء الله.
واقرأ أيضا:
يوميات أم مصرية / نحو مجتمع يدعم المعرفة في زمن الضغوط