أبتسم وقلبي يحترق.. وحيدة رغم الزحام!
المشاركة الأولى:
د. سحر، ود. أحمد، السلام عليكما، تأثرت كثيرًا بقصة الأخت صاحبة رسالة "أبتسم وقلبي يحترق.. وحيدة رغم الزحام! "، وأذكر أنني مررت بخبرات مشابهة في مراهقتي، وبفضل الله وحده استطعت تجاوز تلك المشاعر السلبية، وإشاعة روح المرح في الأسرة كلها، والآن فقد صرت ملجأ جميع أفراد أسرتي يسألونني المشورة أو العون في مواجهة مشكلاتهم، رغم أنني لست الأكبر بين إخوتي وأخواتي.
وسر النجاح في تصوري هو القدرة على الظهور بمظهر التماسك والسعادة أمام الآخرين من الأصدقاء مثلا، لأن هذا يعني نفس القدرة أمام أفراد الأسرة بالتدريج، ويبدو لي أن الأخت صاحبة الرسالة لديها جانب كبير من هذه القدرة، وتحتاج لتنميتها، وفي تقديري أن هذه المظاهر والابتسامة المصطنعة سرعان ما تتحول بالتكرار والتدريب إلى سعادة حقيقية، تتلاشى معها المشاعر السلبية.
وأعتقد أن مثل هذا التدريب سيؤتي نتائجه بشكل كبير في حالة أختنا السائلة، ويبدو أنها تحتاج إلى الشعور بأنها مهمة مثلنا جميعا. أسأل الله أن يخفف عنها، وأن يوفقكم لخدمة المسلمين.
مصطفى-أمريكا.
المشاركة الثانية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحب أن أشارك في استشارة: أبتسم وقلبي يحترق.. وحيدة رغم الزحام!
أولا: أوجه كلامي للأخت صاحبة الاستشارة، فأقول: لست وحيدة يا أختي، ربما تكونين وحيدة في أسرتك، ولكنك لست وحيدة في هذه الدنيا، لأن هناك الكثيرات ممن يعانين من نفس معاناتك، وأنا واحدة منهن.
وبما أنني قد خضت هذه التجربة قبلك، فأنا أحب أن أنصحك وأفيدك بخلاصة تجربتي.. تداركي ما أنت فيه بسرعة، لأنه مقدمة لما هو أسوأ، وقد يكون اكتئابا، وقد يكون غيره، وعندها فإن قدرتك على المقاومة ستتدنى إلى الحضيض.. أسرعي باتباع نصائح الدكتور أحمد التي سينصحنا بها بعد قليل.
وسأخبرك الآن بما وجدته أنا المكمن الرئيسي لمشكلتنا:
طالما أنك تتلقين ما يوجه لك من تصرفات والديك بنفسية الابنة التي تتلقى من أبيها ومن أمها هذه الإساءات كلها، إذن فلن تتقدمي خطوة على طريق الخلاص، برأيي وبتجربتي:
الخطوة الأولى هي:
أن تكفّي عن النظر لوالديك على أنهما والداك بل اعتبريهما مريضين يحتاجان المساعدة، اعتبري أنك لست أصلا ابنتهما، هذه الطريقة في التفكير ستريحك كثيرا، وستخرجك من دوامة الحزن التي لا تنتهي، وهذا سيجعلك أكثر قدرة على مواجهة الموقف بصلابة أكثر وبرؤية أوضح. فالعيون المغرورقة بالدموع دائما لا تعطيك إلا صورة مشوهة عن كل ما حولك، وكذلك النفسية الحزينة والمتألمة دائما لن تمكنك من التفكير السليم.
بصراحة أنا لا أدري مدى صحة هذه الخطوة -التي نفّذتها والتي نصحتك بها- من وجهة نظر الطب النفسي، وهذا ما أود أن يخبرني به الدكتور أحمد، ولكن من الناحية العملية فقد أفادتني كثيرا، أما من الناحية الدينية، فبالنسبة لي قد كنت أركض بكل قوّتي لأحصل على بر والديّ اللذين ما كان يرضيهما شيء، مما جعلني أقع في الحزن الذي كنت أظن أنه لن ينتهي، والحمد لله وبفضله وحده انتهى.
وكنت أرى نفسي في منتهى العقوق، ولكن بعد أن اطلعت على واجبات الآباء نحو أبنائهم، وبعد أن عرفت أن الأهل مطالبون أيضا ببر أبنائهم قبل أن يبرهم أبناؤهم، وبعد أن عرفت الحادثة عن سيدنا عمر بن الخطاب حين جاءه والد يشكو عقوق ولده له، فتبين لابن الخطاب رضي الله عنه -بعد أن طرح أسئلة على هذا الوالد- أن الأب قد عقّ ولده قبل أن يعقه ولده، فلام الأبَ ولم يستطع أن يلوم الولد.
بعد معرفة كل هذا استراح ضميري، ولم يعد يؤنبني بنفس الشدة السابقة، بل إنني أصبحت أرى في نفسي جانبا من البر لم أكن أعرفه من قبل، وهو أنني تحت شدة وطأة التفكير في الانتحار أو ترك المنزل، لم أفعل ذلك، لماذا؟؟ لأنني لم أكن أريد أن أسبب لأهلي فضيحة عند آخر عمرهم، أصبحت أعتبر مجرد بقائي في هذا المنزل وصبري على ما فيه: منتهى البر.. ربما كنت مخطئة -في نظر البعض- بتفكيري هذا، ولكن لم يعد أمامي خيار إلا أن أسلك هذا الطريق لأنقذ ما تبقى مني كإنسانة.
هل أنت أيضا تعانين من تأريق ضميرك على عقوقك؟؟
إذن جربي هذه الطريقة.
ثانيا: أحب أن أوجه كلامي للدكتور أحمد، أما الدكتورة سحر فقد وجهت كلامي لحضرتك في موقع مجانين، ربما لم يصلك بعد.
حضرتك يا دكتور أحمد نصحت الأخت السائلة بهذه النصيحة:
"نقطة أخيرة: إنه بقدر ما تستطيعين من إصلاح المشهد الميلودرامي الباكي في حياة أسرتك، ودس بعض السعادة المختلسة هنا وهناك، وتدبير بعض الأفراح الصغيرة غير المعتادة في أيام وليالي كل فرد منهم على حدة، بقدر ما تنجحين في تغيير هذه البيئة النكدة، وسيتجاوب معك الجميع، من الأب إلى الأم والإخوة والأخوات، وعلى الأقل ستكسبين البعض منهم ممن يريدون سماع أنغام جديدة مفرحة، بعد أن شبعوا مما تجرعوه من الألحان الجنائزية، وأصوات النواح والألم.. ولا ينفي هذا أن الإنسان يقاوم التغيير لبعض الوقت، حتى وإن كان تغييراً للأفضل، دعواتي وتمنياتي لك بالتوفيق والسداد".
فهل يمكن أن تفصّل فيها أكثر؟ أي هل يمكن أن تعلّمني ماذا يمكن أن أفعل لتغيير الأجواء المنزلية، كيف السبيل إلى ذلك وكل جديد في هذا البيت يقابل بالسخرية والاستهزاء والتقليل من شأنه ومن شأن فاعله وتسفيه خطوته؟؟
ثم أمَا من طرق أخرى أتجنب بها الأذى الموجّه إلي من أبي وأمي غير ما اخترعته أنا؟؟
أحس كما لو أنني الآن في ساحة حرب، ولكنها والله أصعب من حرب المسلمين ضد الكافرين؛ لأننا في حربنا ضد الكفار لسنا مطالبين من الله عز وجل ببرهم، أما هنا فالعدو هو غريب جدا من نوعه، بل هي حرب غريبة جدا، ويجب أن نشن هجومنا عليه بطريقة حذرة جدا بحيث نرضي فيها ربنا ونحقق معادلة البر التي حتى الآن أراها مستحيلة.
وعلى الضحية -التي هي الطرف الأضعف- أن تقود هذه الحرب إلى النصر للجميع: للغالب والمغلوب.
هل سمعتم بحرب يخرج فيها كلا الطرفين (الغالب والمغلوب) منتصرين؟؟
هذه هي عجيبة الدنيا الثامنة.
أعاننا الله، وأعانكم على إرشادنا في هذه الظلمات، وشكرا لكم.
وجزاكم الله كل خير
3/5/2023
رد المستشار
أنا أشكر الأخ المشارك من الولايات المتحدة، وكذلك الأخت المشاركة على جهدهما وسطورهما التي تفتح المزيد من الآفاق للنقاش حول حالة كثيرين وكثيرات في بيوتنا الحزينة.
يبدو أن العديد من الآباء والأمهات يمارسون ويمارسن الأدوار الوالدية عبر إشعار الأولاد بالعار الدائم، وتأنيب الضمير المستمر، والتقريع والنقد المتواصل، ولا بأس من استخدام كل الأدوات والصيغ المتاحة من ديباجات دينية أو تهديدات متنوعة لإرهاب الأولاد والبنات والسيطرة على حركة البيت!
وهذه التربية المختلة التي نمارسها في بيوتنا -إلا من رحم الله- هي سياسة التصنيع الوطنية للضحايا الجاهزة لاستقبال أنواع القهر والاستبداد، وأفانين الخلل والخبل الذي تمارسه أية سلطة يحلو لها أن تركب رقاب العباد، أو أن تتسلط على عقولهم وقلوبهم وكل حياتهم، وتستمر لعقود دون أن يثور ضدها الناس لأنهم تعودوا على دور الضحية، ولأنهم مشغولون، كل بذنبه وحربه الداخلية.. ابنا أو ابنة.. زوجًا.. أو زوجة.
ومن موقع الضحية التي تتعرض للهجوم والضغوط، وتعيش التعاسة والأسى يمكن أن نفتح صفحة مختلفة، ونبدأ مسارًا معاكسًا يحتاج إلى جهد ووقت، ولكنه مؤكد النجاح بمشيئة، وهذه خطوات مقترحة:
الخطوة الأولى:
قرار صارم بعدم الاستسلام لوضعية الضحية التي ترفض الألم في البدايات ثم تتعود عليه.. تطالب بحريتها ثم تتخبط بعد حين في اختياراتها تحت غطاء سطوة الجلاد، وتفقد ذاتها تدريجيًا ولونها وطعمها لتصبح مجرد رد فعل ينصاع لقانون القوة، أو يتمرد بقوانين "خالف تعرف"، وتفقد قدرتها على التمييز بين الصواب والخطأ، فالصواب هو أحيانًا رغبة الجلاد -إذا كانت قوته غالبة- أو هو مجرد النقيض لرغبته، حين تلوح فرصة للمغالطة!!
ومغادرة مقعد الضحية هي الخطوة الأولى في خطة التغيير، وأختنا المشاركة تفعل هذا عبر آلية نفسية هي الإنكار، أو النفي.. بتكثيف الشعور برفض الاعتراف بالبنوة للوالدين الضاغطين، وأفضل من النفي أن نشعر بنوع من الشفقة عليهما، والاستعلاء فوق ضغوطهما، فبدلا من كونهما المصدر المفترض للأمن والأمان، والحب والحنان، نكف عن انتظار هذا منهما، وننظر إليهما بوصفهما ضحية لظروف النشأة أو ضغوط الحياة أو سطوة الأساليب المتداولة الفاشلة في التربية.
الخطوة الثانية:
التخلص من توابع موقف الضحية وما يصاحبه من مشاعر ومواقف وأدوار و"سلوكيات سلبية"، والبدء في التدريب على سلوكيات وأدوار ومشاعر إيجابية، وهو ما يشير إليه الأخ المشارك من خلال تجربته في مراهقته، ويبدو أن لدينا الكثير من التعاسة في بيوتنا، ونشكر من يفيدنا بجانب من خبرة تعامله معها.
ويعين على هذا أن تتعدد وتتوسع دوائر حركة الشاب أو الفتاة وأنشطتهما خارج المنزل، والإنترنت يتيح فرصة ذهبية لذلك، ولكنني أرجو ألا تنسينا حاجتنا الماسة لإحياء النشاط المدرسي والاجتماعي والثقافي العام بالنسبة للأجيال الصغرى خاصة، وزيادة الاهتمام بالدراسة والنشاط تؤدي إلى تقليص مساحة التأثير السلبي للضغوط.
الخطوة الثالثة:
اكتساب المهارات والكفاءات اللازمة للقيام بدور الفاعل الإيجابي، والمعالج الميداني لأمراض هذه البيوت المنكوبة، وتحتاج هذه الخطوة إلى معرفة جيدة وعميقة بالأسرة فردًا فردًا.. ما يحب وما يكره.. طباعه واهتماماته.. ومفاتيح تحريكه.. ونقاط حساسيته.
التصويب هنا -بمعنى التصحيح- يحتاج إلى تصويب بمعنى الدقة في الاستهداف، كما في إطلاق الرصاص على نقطة، وليس إطلاق المدفع الرشاش في مساحة واسعة.
ومن ناحية أخرى فإن الانفراد بكل فرد على حدة يعين على تطبيق البرنامج الموضوع له هو دون غيره بطريقة تخصه وتناسبه، ويتضمن هذا محاولة مخاطبته بمعزل عن البيئة المنزلية السالبة عبر نشاط مشترك خارج المنزل مثلا، أو قراءة حرة لنص من خلفية أخرى غير معتادة بالنسبة له، إذا كان يحب القراءة، أو الاندراج في شلة أصدقائه، والتعامل معها أو توظيفها لخدمة هذا الغرض.
وبعد التأثير الانفرادي على كل فرد في الأسرة قد تتاح الفرصة للتأثير الجماعي فيما بعد.
إذن تغيير الأفراد -ولو بعضهم، ولو قليلا- هو الفرصة للتأثير الجماعي فيما بعد، وهو الذي سيتيح تغيير البيئة بعد ذلك، والاستجابة للمبادرات المفرحة.
هذه بضعة ملاحظات لا أزعم أنها "كل" ما يمكن عمله لإنقاذ بيوتنا التعيسة، أو إصلاح طفولةِ أو مراهقةِ قطاع عريض من أبنائنا وبناتنا، ولنتذكر دائمًا أن التأثير الخارجي بالوعظ أو الضغط أو النصائح للوالدين يظل أضعف من تأثير التحريك الداخلي الذي أرجو أن يتواصل حوارنا حول تطويره.
ويتبع>>>: منح ومحن: أشجان المغتربين في الوطن مشاركة