أنا على يقين تام أن الفقه الإسلامي أوسع بكثير من الوقوف على أقوال أئمة المذاهب الأربعة، ليس بشكل تنويري سائل نزق، بل لإيماني أن الفكر مهما تبعه من مسمى فهو نتاج وليد للبيئة المتغيرة. لكن ما فعلته رفيف الصباغ كما عبر أبو هندي فهو هدية الله، كنز مبارك.
عندما قرأت تأبين د وائل أبو هندي للمغفور لها بإذن الله د رفيف الصباغ، دمعت عيناي، قلما تدمع، وهاج وحش جائع بداخلي، أكملت ما كتب أبو هندي لعلى أعثر على إلهام ما، أعثر على لقمة سائغة تشبع ذلك الوحش الوجودي القلق، فكان آخر ما أشارت إليه رفيف تنويه عن مشروعها لإعادة تأهيل الأطفال بعد صدمات البيئة السورية.
قفز إلى ذهني مقولة العراب أحمد خالد توفيق في إحدى رواياته على لسان مهمَّش: "جئت محملا برسالة كالرسل لكني لا أعرف ما هي"! رفيف على الأقل كانت تعرف رسالتها.
وجدت في كلام أبو هندي مشاعر صادقة تجاه مجهودات إنسانية راقية نادرة، وجدتني بين كلماته تائها أنقب في رأسي عن أمثال صادقة كرفيف، لكن اكتشفت أن الأمر تقريبا غير موجود، ربما نعد أمثالها على أصابع يد واحدة، في الحقيقة جال قرن وربع بمخيلتي لعلي أعثر على مثلها، فوجدت القليل النادر! على حد علمي.
تذكرت أن الله قدس المشاعر الإنسانية بشكل عجيب.
"...كي تقر عينها ولا تحزن..." فإن اختار أو اتخذ منا فهو الحكيم الخبير.
لم يكتف الوحش الوجودي الجائع بداخلي، بمفهوم الرسالة التي أدتها رفيف على أتم وجه حتى أنها كانت تشعر بالقلق إن وجدت في بريدها ما يفوق عن خمس استشارات، بالله عليكم من يحمل هم الآخرين هكذا؟!
من يهتم بهذا الشكل فهو مختلف، خاص، مميز، فريد، أكثر من خمس استشارات سيضعها تحت أمر من اثنين، إما أن ترد بأول ما يخطر على بالها، أو أن تمتنع للمشقة.
مثلها تمحص وتحقق وتبالغ، تبذل الوسع لعل خيرا يساق بها للغير! ما يؤرقها هو كيف تنفع الآخرين ولو بتمرة لا تملك سواها في يوم ذي مسغبة.
تذكرت نظرية المسيح التي كتبتُها هنا، لكن
لا يزال الوحش الوجودي يلتهم أي فكرة أبتلعها ولا يكتفي أبدا.
مع أنها قضت نحبها على الطريق وهذا يكفي وهذا هو الغاية وما عداه زبد يذهب جفاء، لكني حزين، حزين جدا، وهذا الوحش لا يكف عن الصراخ من أعماقي.
تذكرت حديثا نبويا ضعيف السند.
"إن لله عبادا اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم، أولئك الآمنون من عذاب يوم القيامة".
مع ضعف الحديث الوارد في معجم الطبراني وغيره، لكن يشد عضده أحاديث أخرى بمعنى متقارب وآيات كثيرة، وهذا كافي لي، لكن الوحش جائع!
لماذا يؤلم الموت الأحياء إلى هذه الدرجة؟
قال المهلهل في رثاء أخيه كليب:
خُذِ العَهدَ الأَكيدَ عَلَيَّ عُمري
بِتَركي كُلَّ ما حَوَتِ الدِيارُ
وَهَجري الغانِياتِ وَشُربَ كَأسٍ
وَلُبسي جُبَّةً لا تُستَعارُ
وَلَستُ بِخالِعٍ دِرعي وَسَيفي
إِلى أَن يَخلَعَ اللَيلَ النَهارُ
وَإِلّا أَن تَبيدَ سَراةُ بَكرٍ
فَلا يَبقى لَها أَبَداً أَثارُ
هذا فيمن قُتل لنا، ولمن كان سببا في موت أحبابنا.
لكن من يختاره الموت بلا سبب مباشر، كيف نثأر له؟!
لماذا يختار الموت أنقانا بعناية فائقة وسُخرية مخزية جدا لعقولنا؟!
وجدتني أقول: كما لو كان الله لا يطول صبره إلى لُقيا من يُحب، حاشاه تعالى.
سامحك الله يا أبو هندي عكٌَرت يومي بقلمك.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
واقرأ أيضًا:
ذات السطور الذهبية رفيف الصباغ في ذمة الله! / سحر الدعاء: لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟