ترددت كثيرا في إرسال هذه المشاركة التي تعد الأولى لي خلال متابعتي لصفحتنا الجميلة "استشارات مجانين" منذ نشأتها، ترددت لأني ربما شعرت أنني لا أحسن التعبير فأجرح مشاعر أحدهم، وترددت كذلك لشعوري بأن مشاركتي قد لا ترقى لدرجة النشر، لكن صوتا قويا تتردد أصداؤه في أعماقي كان يطالبني أن أخط هذه الكلمات التي أتمنى أن تنجح في إيصال المراد إلى زوار صفحتنا الجميلة ومستشارها العملاق د. وائل أبو هندي.
بدأت علامات الاستفهام ترقص فوق رأسي، وقد قاربت النهاية في رد أخينا د. وائل في "في التخطيط لقيادة الأمة سؤال عن فقه الاستمناء!" وبدأت أتساءل:
هل فعلا أراد الدكتور وائل أن يستخدم كل هذه الشدة مع شاب مراهق ما زال في الثانوية أو دونها ليوقظه من أحلام اليقظة؟ أم أنه أراد عبر توجيه صفعات قوية على خد هذا الولد السائل أن يوقظ جموع الحالمين؟ أيا كان القصد، شعرت بألم الصفعة على خدي، وبقيت أنظر إلى عيني الشاب المذهول من صفعة (بالغين) استشارات مجانين.
لم أشكّ للحظة وأنا أقرأ السؤال أن صاحبه شاب لم يختبر الحياة وربما لم يتجاوز عمره 16 عاما، لكنه يحمل حلما بين جنبيه، لكنه يريد أن يعيش لفكرة وليس لنفسه، يريد أن يقوم بعمل كبير، لم يرد أن يحلم بأن يصبح طبيبا أو مهندسا أو طيارا أو نجما من نجوم الفن والرياضة، أراد أن يصبح قائدا؛ فهذا الأمر في حد ذاته يدعو للمباركة واستثمار الحلم في عقله الصغير وقلبه الطيب.
والدكتور وائل لم يبخل بعبارات الثناء على هذا الجزء، لكنه وهو يقدم وردة التحية على هذا الحلم الجميل والكبير صفع الولد المسكين قائلا: "..فطموحك الجميل هو طموحنا جميعا، وإن كنت قد أوقع فيك الشيطان بعضًا من الأنانية التي تغذي اندفاعك، وانشغالك الزائد عن الحد في التخطيط المبكر والمبتسر".
وأدعو الزوار الكرام لقراءة الرد مرة أخرى وبشيء من التعمق وهم يضعون نصب أعينهم صورة هذا الشاب المتفوق في الدراسة والذكي كذلك (بشهادة د. وائل)، ويشعر أنه يحمل حلما لقيادة الأمة!! هل تداوي أساليب التأنيب المباشرة التي تعامل بها مستشارنا الكريم داء صاحب المشكلة؟
برأيي المتواضع كان على الدكتور أن يتعامل بأسلوب أكثر رقة يتناسب وقدرات هذا الحالم المراهق الفكرية والنفسية، وأظن أن الرد تنقصه نفحات التعامل الدعوي والروحي، وكان ينقصه شيء من حنان الأبوة وشيء من لمسات مرب ينظر للبعيد وهو يكلم هذا الشاب بهدوء ترافقه ابتسامة حقيقة ونظرات ملؤها الأمل والشفقة.
كنت أنتظر من د. وائل أن يأخذ بيد صاحب المشكلة ويجلسه أمامه ويحدثه عن سير الزعماء والقادة الكبار الذين قادوا أممهم نحو انتصارات حقيقية، وصنعوا التاريخ، يحدثه عن شبابهم، وكيف أصبحوا زعماء حقيقيين، عاشوا أحياء في قلوب الناس حتى يومنا هذا.
كنت أنتظر من أخي د. وائل أن يهمس في أذن هذا الشاب أن طريق القيادة تمر من الجندية، ومن أحسن الجندية أحسن القيادة، وأن الناس لا يولدون زعماء وقادة (إلا ولاة العهد وأبناء الرؤساء في بلادنا المتخلفة)، وددت لو حاول مستشارنا الكريم أن يوقظ هذا الحالم الصغير بلطف دون توجيه صفعات أو صب الماء البارد على وجهه.
وقلت: يا ليت د. وائل وجهه إلى خطوات عملية محددة تساعد هذا الزعيم الصغير على أن يكتشف قدراته ويشعر ماذا تعني تحمل المسؤولية، لقد أحاله إلى مقال أخينا د.أحمد عبد الله عن الجهاد المدني الذي أعتبره فوق مستوى صاحبنا الصغير الذي يبدو محتاجا لتبسيط المفاهيم والخطوات العملية كنقاط محددة، مع الإشارة إلى كتب ومقالات تكمل فهمه المبتسر (غير المكتمل) ويحدد معالم حلمه الكبير لتتناسب مرحلته العمرية.
وأخيرا.. لم أستوعب الحكمة من إقحام روابط الاستمناء في الرد دون أي إشارة إلى فتوى من الموقع حول الاستمناء وهو ما طلبه صاحبنا المراهق، دون أن يقول: إنه يعاني من مشكلة الاستمناء، كل ما طلبه هو حكم الإسلام، وكان على الدكتور أن يبحث في الموقع ويقدم له الفتاوى المتعلقة بالموضوع، خاصة أن السائل ربما يطلب الحكم في هذا الموضوع؛ لأنه يثق بالصفحة وبالموقع من أجل أن ينير به شخصا آخر يطلب منه مصدر الفتوى وليس مجرد الفتوى، خاصة إذا علمنا بالاختلاف بين الفقهاء في هذا الأمر؛ فمنهم من يجعلها كالزنا ومنهم من يخفف عن كاهل الشباب إثمها بأن يجعلها مكروهة مثلا، لكن د.وائل أخذ بيد صاحبنا إلى موقع المجانين ليعرف الأوضاع قبل الأحكام!!
لا أظن يا د. وائل أن صاحبنا الصغير يطرق باب الصفحة مرة أخرى ليقول لنا كيف حاله بعد هذا "الدش البارد"، ويستمع لما يتوجب عليكم نصحه به، ولو رجع فيا ليت تكون أكثر رفقا معه؛
لأن البراعم المتفتقة تحتاج لعناية ولطف أثناء التعامل معها، وكذلك الطموحات المتفتقة. وشكرا.
26/2/2024
رد المستشار
الأخ العزيز، أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا جزيلا على مشاركتك التي كنا نتمنى مثلها من مثلك من قديم، لكنك كنت ترجئ ذلك، والحمد لله أن تفاعلنا بدأ، وأسأل الله أن يستمر. الحقيقة أن سبب اختلافنا في الرأي إنما ينتج من كوننا مختلفين أنا وأنت في التفاعل مع سطور أصحاب الاستشارات الإليكترونية؛ فطريقتي في القراءة والتفاعل مع النص تختلف عن طريقتك بسبب مهنتي وما تلقيته من تدريب على التعامل مع النصوص الإليكترونية.
أقول لك ذلك لأنني أعرف جيدا أن كثيرين سيشاركونك الرأي فيما ذهبت إليه، وأنا شخصيا كدت في بداية الرد أن أوخذ بكلمات ذلك الفتى الطموح، إلا أن وضعية أنني طبيب نفساني ومسلم بفضل الله وحده، وأتمنى أن يجعل الله إحساني لعملي هو طريقي إلى الدعوة إلى سبيله، كل ذلك يلزمني بأن أكون أمينا كما يجب أن يكون المستشار، كتب لنا صاحب المشكلة وهو يعلم أننا صفحة نفسية اجتماعية، وهو بالفعل مراهق (وهذا ما يجعلني أكثر انزعاجا)، وكان بإمكانه أن يتوجه إلى موقع للفتوى أو الاستشارات الدعوية، إلا أنه اختارنا لأسباب أستطيع تخمين بعضها، وهي أننا لا نغفل الفقه الإسلامي من حسابنا عندما نرد على أصحاب المشكلات النفسية الاجتماعية، ولأنه في نفس الوقت تعرض لبعض الانتقاد من المحيطين به؛ لأن أحلامه تبدو منفصلة عن الواقع بصورة تستوجب القلق.
وقراءة النص الإليكتروني الذي كتبه صاحب المشكلة تشير إلى وجود بدايات خلل معرفي لاحظه القريبون من الفتى؛ ففضلا عن استغراقه المفرط في أحلام اليقظة والتخطيط لكيف سيتصرف عندما يتولى قيادة الأمة، ثم يشطح بعد ذلك حتى يقول:
"وآخر أفكاري الجنونية هي عقد مؤتمر لشباب من كل الدول العربية لديهم مبادئي وعبقريتي؛ حيث نعمل معا لوضع كتاب تعاليم جزيرة محمد، وهو كتاب بمثابة مخطط لاسترجاع الأرض المقدسة والعمل من أجل هذا في السنين القادمة" ألا تشم رائحة طلب البيعة؟ ثم بعد ذلك يجيء السؤال عن فقه الاستمناء!
فأما أنني أحلته إلى ما قد يجده فوق مستواه الفكري، فإنما قصدت ذلك ليس لأن المقال صعب؛ فأسلوب ابن عبد الله سهل الفهم خاصة في مقاله الجهاد المدني، ولكن صاحبنا إن استطاع التركيز في قراءة مقالات أحمد عبد الله فسيجد أن المسافة التي تفصلنا عن أحلامنا والمسافة التي تفصله هو عن حلمه أكبر بكثير من أن نمد حلما واحدا فوقها ببساطة؛ لأننا لن نفيق منه!
وإنما يجب أن نحلم بما هو قابل للتحقق بالعمل، ويفيدنا الحلم الكبير والبعيد فقط في أن يكون لنا توجه ننتظم في إطاره وخطة عمل نسير ضمنها. أما أن أستغرق في تخيلات كيف سأتصرف حين أكون قائد الأمة؟ فهذا ما قد يعني خللا معرفيا في مراحله البادرية.
صحيح أن الولد ذكي ومتفوق ومتميز وأن مدرسيه يشجعونه، إلا أن كل ذلك وفي هذه الخلطة التي يعرفها كل طبيب نفسي أدعى للخوف منه للطمأنينة؛ لأنها سيرة متكررة في كل عيادة نفسية، ولذلك قلنا له في بداية ردنا: "إلا أن أفكارك الجنونية -كما وصفتها أنت- تخيفني جدا يا بني!"، كما قلنا له في نهاية الرد: "أما إن كنت ترى أننا لا بد أن نقتنع بأفكارك الجنونية تلك؛ فإن الأمر يكون قد تعدى مرحلة السواء، وأنا في انتظار متابعتك كي نرى ما الذي يتوجب علينا نصحك به".
وأما صب الماء البارد أو الصفع إذا رأيته كذلك، فإنه أحد أساليب استفزاز الأعراض التي قد تكون مستترة لدى الفتى، والتي ينجح ذكاؤه وما يزال في تغطيتها ومزجها بمقدمات تلقى قبولا في عقول وقلوب المتلقين، وقصدت أنا استفزازها، وأظن كل طبيب نفسي متمرس سيفعل ذلك، فلا يمكن أن يسكت طبيب نفسي على استمرار الأعراض مستترة، وهو يعلم أن ظهور الأعراض أفضل من بقائها مختفية؛ لأن العلاج المبكر يعني مآلا مرضيا أفضل باتفاق نتائج الأبحاث؛ فهل كنت سأكتفي بأن أعتبر الأمر لا يعدو أن يكون شكا في أن الفتى ربما يعاني من خلل معرفي قد يكون إرهاصا للفصام، وأنصح الفتى بزيارة طبيب نفسي، فلا يسمع لي ولا يستجيب لنصيحتي؟ أم كنت أخيفه من بعيد؟ أم تراني أقول له ونحن نتراسل عبر الإنترنت: أريد أن أسأل أهلك عن أشياء مثلما نفعل في ممارستنا (السريرية) الإكلينيكية؟
لقد كان ما فعلته هو الأكثر قابلية في رأيي في رجِّ الولد بعنف حتى أنبهه أو أنبه أهله؛ لضرورة العرض على طبيب نفسي، وأكون بذلك قد دفعته لطلب العون ممن يستطيع تقديمه، أحسب والله أعلم أنني دفعت صاحب المشكلة في الاتجاه الأصلح مباشرة له، حتى ولو كان سيغضب مني، أو من الصفحة التي ربتني وما تزال تربيني وتهذبني إلكترونيا كمستشار نفسي مسلم، ومن أهم ما علمته خبرة "استشارات مجانين" لي أن تكون مصلحة المستشير عندي أهم؛ لأنني يجب أن أكون أمينا لا دبلوماسيا.
مرة أخرى أدعوك إلى مشاركتنا الدائمة؛ لأن في ذلك ما يثري الصفحة المباركة، وينفعنا كمستشارين حتى نتبين مواضع أقدامنا، وحتى نبين للناس ما استطعنا ما قد يكون خافيا عليهم من توجهاتنا في الردود