السلام عليكم ورحة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سأحاول أن أسرد لحضراتكم بعض النقاط من حياتي الشخصية من الصغر حتى يومنا هذا والتي بإذن الله ستساعدكم في التعرف على مشكلتي والمساعدة على حلها.
أولا: فترة الطفولة (سأذكرها لأنها أهم فترة بالنسبة لكم)
- ولدت في بلد غير موطني الأصلي وعشت هناك ما يقرب من 18 عام، تربية أبي (بالمناسبة شخصية أبي نرجسية) -هداه الله- لي كانت شديدة الصرامة ولكنه لم يقصر معي وإخوتي في الجانب المادي (الأكل، الشرب، الألعاب)، لكن في الجانب المعنوي كان يغلب عليه الشدة والقسوة، فمن صورها:
1- الضرب بالحزام مثلا في حالة إن لم أُوفق في أي امتحان مدرسي حتى وإن نقصت درجة أو نصف درجة.
2- السباب المتكرر والتقليل من شأني أنا وإخوتي على أبسط الأخطاء والمواقف ويظهر لنا دائما كم نحن ضعفاء من غيره ولا قيمة لنا.
3- كان ومازال يردد لنا الكثير من القصص التي تبين أنه شخص مظلوم، فمنها كلامه الدائم عن والدتي بسوء. فكان دائما يبشعها في نظرنا بكل الطرق الممكنة ويحكم على تصرفاتها أمامنا ويبين مدى سوء تعاملها معه وقتما يريد بشكل يجعلك تصدقه (فكم كنت أنفر من والدتي بسبب هذا وتعلقت بأبي فقط)، فإذا أراد أن يساحمها على موقف حدث بينهم يسمح لنا بالكلام معاه وتعود المياه لمجاريها وإن لم يسامحها يجعل كل منا يختار إلى أي طرف ينحاز ورغم ذلك من يختار منا أن يبقى مع والدتي تحل عليه اللعنة من أبي فسب ويهدده و يبشيع صورته لنا ويقول هذا الأبن طالع لأمه (خليك زيها ياكش تنفعك) على هذا النحو فترة طويلة من الزمن حوالي 18 سنة ونعيش في هذا الكابوس.
- في المدرسة كنت ذلك الطفل الذي لا يتكلم مع أحد في الصف أبدا مع أني لم أكن أعاني من تلعثم أو غيره ولكن كانت عندي مشاعر أن الناس سيئة فلذلك لم أرد أن أحتك بأي أحد سوى شخص واحد فقط في كنت أكلمه وكنت من المتفوقين في الصف، كان المدرسون كثيري الشكوى لأبي عن عدم مشاركتي في الصف وأني خجول وليس عندي أصدقاء، فدخلت في بعض من الأنشطة الطلابية لأذهب هذا الخجل فلم أستطع بقي كما هو، وتصرفاتي معظمها كانت أنانية (أحب آكل لوحدي ولا أشارك أغراضي مع أحد أبدا حتى إخوتي).
- كنت أذهب من البيت للمدرسة والعكس فلم لدينا حياة إجتماعية مثل بقية الناس كأننا مقطوعين من شجرة.
- كنا نسافر في الأجازة الصيفية لمصر وكنت أكره ذلك بشدة لأن أهلي هناك لهم حياة مختلفة وكثيرا ما كانوا يسخروا مننا على الحياة التي نعيشها.
- كنت في الصف من الطلاب الأوائل ومن وقتها صابني الوسواس القهري، فكنت أخشى أن يزول هذا اللقب تحت أي ظرف وزاد الوسواس فكنت أتصرف تصرفات قهرية غريبة وكنت أخاف أن أجلس مع أي أحد من الطلاب الذين يأتون بدرجات منخفضة (كنت بخاف اتعدي منهم).
ثانيا: فترة المراهقة (الإعدادية والثانوية)
- في هذه الفترة لم أكن أتحدث مع أحد في الصف سوى مع ثلاث أو أربع من الزملاء أما البقية فلا أعيرهم أيا اهتمام (لأنهم في نظري عيال فاسدة وهفسد بسببهم).
- كنت كذلك أعيش حياتي في المنزل فنادرا ما كنت أخرج منه فعندها صابني الرهاب الإجتماعي وكنت أخشى الخروج من المنزل.
- انتقلت بعد ذلك لمدرسة اخرى في الثانوية نظرا لظروف والدي المادية في هذه فترة، وكانت مدرسة وبئس الأخلاق، وبئس الطلاب، فكانوا يقوموا بأفعال شاذة (يفعلها المتزوجون) نهى عنها الشرع ولا يقبلها عقل ولا دين، فكنت أجلس في الصف دائما التوتر والقلق. كنت أحاول الاستعداد دائما لمواجهة أي أحد يحاول الأقتراب مني وكنت أدعي دائما أن ينجيني الله منهم، هنا الوسواس عندي زادت في هذه الأشياء حول نفسي مع أني سليم على الفطرة. عشت فترة عذاب والحمدلله على لطفه.
- في هذه المدرسة لم يكن عندي أصدقاء سوى واحد وكنت كثير الخصام معه مع أنه شخص جيد لكن كثيرا ما أفهمه بشكل خاطئ بسبب الوسواس القهرية، فكنت أحس أنه يحاول التحكم بي وأنه يريدني أن أفعل ما يريده هو، حتى الآن لا أعلم هل هذه وسواس أم كنت أفكر بشكل صحيح.
ثالثا: فترة الشباب (الجامعة حتى اليوم)
- انتقلت إلى بلدي الأصلي (19-21 سنة) هذه والله فترة صعبة جدا في حياتي فأنا أصبحت ناضجا وأدركت أن عليَ مسؤوليات وأنه يجب أن أتغير فبدأت أحاول في السنة الأولى أن أندمج مع زملائي في الجامعة ولكني فشلت وكان وقتها مبرري أن هذه الحياة جديدة عليَ وأن الناس هنا يعيشيون حياة مختلفة عن التي ولدت فيها (أدركت لاحقا أن هذا عيب مني).
- حاولت أن أصبح شخصا لطيفا لكي يتقبلني زملائي، ومع ذلك لم تنجح علاقاتي وأصبحت سطحية وأصبح عندي خلل في المبادئ والتصرفات (عن ما ينبغي أن أفعل وما لا ينبغي)، وأصبحت أجلد ذاتي كلما كنت لطيفا مع الناس، فأنا أتعامل معهم بشكل أحاول أن ابتعد فيه من الصدام بأي شكل من الأشكال. كنت ومازلت أتحسس من أي نقد سلبي اتجاهي وأحس أنه مسبة لي. لم أجد أحدا يأخذ بيدي ويوجهني، والدي بطبعه يتكلم عن الناس بسوء فلا يمكنني أن أستعين به لأنه سيجعلني أنظر للناس بإستعلاء وتكبر فأصبحت تائها في هذه الحياة.
- أنا حاليا عندي لامبالاة تجاه الحياة وكلما أصبحت وأنا مصاب بالإكتئاب، أتظاهر دائما أمام الناس بأني طبيعي وأخشى أتكلم عن الأكتئاب أو غيره لأني جربت ذلك والناس كانت تنفر مني، فقررت أن لا أتحدث مع أحد عن هذا. وصار عندي تساؤلات تجاه الحياة، فمثلا أقول لماذا نسعى ولماذا نفعل ونفعل على الرغم من أني مدرك للإجابة لكن لا أستطيع كبح هذه الأفكار.
- في فترة من الفترات وجدت صعوبة أن أذهب لطبيب نفسي فقررت أن أخذ بروزاك لمدة حوالي شهر ثم لم أجد نتيجة بعدها بسنة تقريبا قررت أن أخذ من السيبراليكس لفترة طويلة حوالي شهرين أو شهرين ونصف بشكل يومي عندها زادت عندي الأفكار الإنتحارية وحاولت الإنتحار كثيرا وقتها ثم قررت أنسحب ولم يفدني هذا الدواء في شئ.
-لا أعرف ماذا أفعل في حياتي، فأنا على وشك التخرج ولا أعرف ما أنا ملزم به في العلاقات الاجتماعية وما أنا غير ملزم به، لا أعرف كيف أكون صداقات تعيش بعد كل مرحلة، دائما أشعر أن الناس تستغلني، وأشعر بالقلق تجاه الناس ولا أثق بهم، حياتي شبه ميتة فأنا فاقد الشغف ولا أحب الناس وأعيش لوحدي ولا أعلم ماذا أفعل.
- أستطيع حاليا أن أتحدث مع الغرباء ولكن أحيانا أشعر بعدم ثقة في النفس ومزاجي كثير التغير.
- حاولت كثيرا أن أحتك بالناس ولكن أحيانا أشعر أني غير واعي بالتصرفات التي أقوم بها وأشعر بالتصنع ولا أعرف سبب ذلك قد يكون توتر أو عدم ثقة أو قد يكون بسبب محاولة أن أكون غير نفسي (مع العلم أنا شديد الصراحة مع نفسي ولا أحب أن أكون غيري) فلا أعلم ماذا أفعل.
- تحدثت مؤخرا مع أخصائية نفسية عن سبب ذلك فأكدت لي أني مصاب بالوسواس القهري ورهاب اجتماعي.
- عندي الكثير من وقت الفراغ لقضاء معظم الوقت في المنزل، عندما أفكر في الخروج لا أعلم إلى أين أذهب، فأنا لا أخرج إلا للحاجة ولا أخرج للترفيه، ولا أستمتع أصلا!
- اتضايق كثيرا عندما أقارن ماضيَ بحاضري وأشعر أني لم أتغير كثيرا ويصيبني الأكتئاب.
أشكركم على توفير الفرصة لي بأن أعبر عما بداخلي فلم أجد أحدا قبل أشكوا له بهذا الكلام. هل أنا محتاج لعلاج دوائي أم ماذا؟ أم أحتاج لحل آخر.
جزاكم الله كل خير.
18/5/2024
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
استشارتك تتطرق إلى طفولة غير سعيدة وتعرضك لصدمات نفسانية وعدم تعلقك الآمن بمن حولك. من الأفضل أحيانا الإشارة إلى مثل هذه السيرة الذاتية والأعراض التي تعاني منها باضطراب التعلق بدلا من الحديث عن تشخيص اضطراب نفساني مثل الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي. اضطراب التعلق الذي تعاني منه منذ الطفولة إلى الآن نقلك إلى موقع اكتئاب مزمن واستعمال دفاعات نفسانية عصابية مثل التوجه نحو الذات٫ ضعف التواصل الاجتماعي، العزلة الاجتماعية، فقدان الأمل وأخيراً التفكير بالانتحار. لا علاقة بين استعمال مضادات الاكتئاب والأفكار الانتحارية، ومصدرها في هذه الحالة واحد فقط وهو الموقع الاكتئاب الذي تعيش فيه.
ما تشير إليه من أعراض في استشارتك يشير إلى إصابتك باكتئاب جسيم ومزمن٫ ولكن رغم هذا الاكتئاب فإن أدائك الأكاديمي لا يزال جيداً وهذا يعني بأن احتمال خروجك من زنزانة الاكتئاب عالي نسبياً ويضاف إلى ذلك ارتفاع درجة البصيرة في هذه المرحلة وهذا لا يبشر إلا بالخير. أنت بحاجة إلى مضاد اكتئاب وهذا لا يتم إلا عن طريق مراجعة طبيب نفساني الذي بدوره سيقيم أعراض الاكتئاب ويصف الدواء المناسب. كذلك في حالتك لا تكفي العقاقير وإنما أنت بحاجة إلى علاج كلامي. الجمع بين العلاجين في غاية الأهمية من أجل الشفاء.
تشير في رسالتك إلى عملية النضج النفساني وهذا بالضبط ما سيحدث معك. أشرت أعلاه إلى ارتفاع درجة بصيرتك وإدراك الأسباب التي دفعتك نحو الموقع الاكتئابي هو بداية مرحلة الشفاء. عملية التغيير لا تتم بين ليلة وأخرى وإنما هي عملية تدريجية جداً وفي نهاية الأمر ستتغير. في نفس الوقت لا يحتاج الإنسان أن يكون في غاية الانفتاح على الآخرين، وهناك الكثير من البشر التي تعتزل الإنسان بين الحين والآخر وشبكتهم الاجتماعية صغيرة جداً ولكن رغم ذلك فهم سعداء ومقتنعين بشخصيتهم. هذا ما يجب أن تفعله أنت وتقبل بأنك تميل إلى العزلة ولا ضرر في ذلك ولا تحتاج إلى موافقة الآخرين. عليك بالتفكير بمستقبلك والتخطيط لمرحلة ما بعد الجامعة.
وفقك الله.
واقرأ أيضًا:
التعامل مع الاكتئاب (1-2)
خطة علاج الاكتئاب الأولية