السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
قرأت الكثير من استشارات ومقالات ومدونات هذا الموقع، لأتثقف أحيانًا! أو لأبحث عن شيء مشابه لمشاكلي. أثّر بي كثيرًا بعض ما قرأت وكدت ألتصق بالشاشة لأشكر من قلبي كل مستشاري هذا الموقع ومنهم د. وائل، ود. مصطفى السعدني، ود. خليل وغيرهم.
أتردد ما بين رغبتي في الاختصار لأوفر على حضراتكم مجهوداً أنتم أعلم به، وبين التفصيل الذي تطلبونه وإغراء ثرثرة ذي مشكلة -أسعده وجود أذن صاغية- بما يهم وما لا يهم!
أطمح لرد من طبيب نفسي لا من أخصائي اجتماعي، أشعر أن مشكلتي ضاربة جذورها في أعماقي ولم تشف غليلي أي نصائح لمشاكل مشابهة من مواقع أخرى.
لدي مشكلتان تختلفان في التصنيف إلا أنني قد أدمجهما لئلا تتكرر بعض التفاصيل.
أنا فتاة عمري 28 عاماً، لم يسبق لي الزواج أو الارتباط. حاصلة على دبلومين (أحدهما تربوي) وشهادة بكالوريوس بينهما، بين دراساتي وبعدها هناك 4 سنين على الأقل من البطالة. خبرتي العملية حتى هذا السن تنحصر في العمل لأشهر معدودة، هناك تدريب في مستشفى وفي مدرسة دام كل منهما لأسابيع قليلة.
بيئتنا متدينة، والداي يعملان في سلك التعليم الجامعي/ المدرسي لهما مركز عملي مرموق إلى حدٍّ ما، وهما متفانيان لأجل أولادهما وإن كان لكل منهما أسلوبه. أُعتبر ابنة عاقلة جديرة بتحمل المسؤولية. أفخر بوالديّ لكني أحب أن أختلف.
كنت انطوائية في طفولتي (ترتيبي الوسطى، ونحن 7 أبناء، ولدت بعيب خلقي في القلب مما جعلني أتردد على المستشفيات حتى أجريت عملية القلب المفتوح في الثامنة من عمري)، أصبحت أكثر انفتاحاً في المراهقة وبدأت أحب تجربة كل شيء ووضع نفسي في مواقف وأماكن لا أعرف فيها أحداً، وإن بقيت أحب الانفراد بنفسي من حين لآخر. في مراهقتي كان لدي وسواس في الطهارة والصلاة لأشهر انتهى بعدها تماماً، وأظن أغلب المراهقين يمرون بهذا.
مشكلتي الأولى حول العمل وتأثير سنين البطالة عليّ.
السنين المحسوبة عليّ والتي مرّت دون عمل فكرة تشعرني بالمرارة دائماً، أحب العمل جدًا ولا أتصور حياتي دونه. أجمل أيامي هي التي كان يستهلكني فيها العمل أو التدريب في المستشفى، بالرغم من ذلك ما زلت عاطلة أضع عمري نصب عيني وهذا يكفي لإصابتي بالتوتر.
أتطلع كل فترة لشيء، أرحب بكل ما يوافق هواياتي وشهاداتي مما يوقعني في حيرة الاختيار. أيضاً لم أعد أرضى بما كنت أرضاه من قبل. قد أكون ملولة لكني أحب تجربة كل شيء وأتعجب كيف يمكن لبعض الناس أن يعملوا أعمالاً روتينية طوال عمرهم!.
أؤمن أن الوقوف أمام الناس والإلقاء خبرة مهمة لا بد أن أمرّ بها لكني لا أريد أن أقضي بها حياتي، كما أني أكره في التدريس الأعمال الروتينية والكتابية والتعامل على أكثر من جبهة وامتداد ساعات العمل للبيت وتكرار الدروس والمناهج لسنوات، أكره جداً فكرة أن أبقى في مكان والكل يمر بي ويتخرج ويكبر ويعود لي ليجدني ما زلت أدرّس وأنا ثابتة في مكاني! لا ريب أن في التدريس جانباً إنسانياً جذاباً لكن يبدو ما أكرهه لا يكفي ليغطي عليه!. هناك فكرة تطاردني وهي أنني لا أريد أن أتعلم لأعلّم، أريد أن "أنتج" بما تعلمته، أريد أن أكتسب خبرات يمكنني -في هذه الحالة- الإضافة عليها وتقديمها للآخرين. أكره أن أكون مستهلكة، مستقبلة، يداً سفلى.
أتمنى أن أبتعد عن عائلتي لفترة، أحلم بالاستقلال منذ أن كنت بالابتدائية! حسب علمي هذه رغبة مرحلة المراهقة لكني مازلت أحتاجها، ما زلت أشعر بخوف أحياناً وأتساءل كيف توصل من هم بعمري ومن هم أصغر حتى إلى ما وصلوا إليه؟ هل كل هؤلاء مرّوا بفترات صحية لم أمر بها؟.
أفكر من حين لآخر أني لم أدعم بما فيه الكفاية للبحث عن عمل، أكره أن أنحى باللائمة على والديّ، لكن أظنهما لم يأخذا أمر العمل بجدية من البداية، المفروض أن أكون مسؤولة عن نفسي وأن أدافع عن رغباتي لكن لم تكن لي خبرة بالحياة ولا حرية الحركة. أظن أن معظم الأهالي لا يفكرون في مستقبل بناتهم خارج إطار الزواج، والغرض من الدراسة هو تمضية الوقت حتى يأتي ابن الحلال! ربما إن تأخر يبدأ التفكير في المستقبل المشرق! لكن في وقت متأخر كثيراً.
في نفس الوقت لم أكن أطلب المساعدة أو الدعم، كبرت وأنا أشعر بأن عليّ أن أعتمد على نفسي وألا أخبر عن مشاكلي لأزيد من أعباء والديّ العاملان وعائلتي الكبيرة، إرادتي ليست قوية لهذه الدرجة، فانشغال الجميع بأعمالهم يثبطني ويشعرني باليأس، فأبحث عن عمل لأسابيع وأتوقف شهوراً، أشعر أني أنتقم منهم في نفسي بلامبالاتي، احتجاج سلبي لن يضر أحداً إلا أنا!.
المهم، لقد انكسرت من أول"لا"، ومع عدم التشجيع الواضح أتضايق و"تطلع نفسي" من الأمر وأصبح أتجنبه بل وأصبحت أكره أيضاً أي عروض خارجية حتى ولو بأشياء أرغبها! أرفضها لأني لا أريد أن أكون مثل من عرض علي! أو لأني أخشى أن أسمع الرفض أو عدم التشجيع فأتضايق مجدداً فأرفضها باعتبار ما سيكون. أصبحت أخشى العمل سواء ما أريده أو ما يشجعني عليه أهلي.
أشعر أيضاً أن تفكيري الدائم بـ "لماذا" حصل هذا يُفسد استمتاعي بأمور الحياة، لماذا لا آخذ الأمور كما هي عندما تتحسن؟! لماذا يضايقني المبدأ حتى لو كان الموقف صغيراً؟! أنصح الآخرين بشكل ممتاز وبمثل ما يمكن أن ينصح به الكبار من عقلانية، لكن ما قد أقوله لهم لا يناسبني ولن أقتنع به لأني أعرف الحيل التي أنصح بها الآخرين حتى لو كنت في نفس ظروفهم!.
أما عن تأثير ذلك علي، فخلال السنتين الماضيتين (بعد إنهاء دراستي) ومع ترافق ظروف أخرى كمسؤوليتي عن مريض في العائلة كنت أمر بفترات كآبة تشتد وتخف، مثلاً أنام في الفترات التي يستيقظ بها أهلي وأصحو عند منامهم، لا أشارك في الاجتماعيات العائلية، أتجنب صديقاتي حتى لا يسألني أحد عما أفعله فأقول"لاشيء"، أحاول أن أطور نفسي أو أمارس هواياتي لكني لا أكمل ما أبدأه، أتنقل من الشعور بالاختناق (يفصّل في المشكلة التالية) إلى اللامبالاة الكاملة مروراً بإدمان الكمبيوتر والانترنت. أعتبر الحياة مقرفة وأتمنى لو أمرض أو يحصل لي حادث على سبيل التغيير! على الأقل هناك سبب مقنع للعجز عن العمل ومقاومة المرض إيجابية أبرع فيها!
مؤخراً أقارن نفسي كثيراً بفتيات العائلة -مع أني أحب شكلي العادي-، أصبحت أنتقده وأشعر أني باهتة أمام الجميلات والاجتماعيات منهن، لم أعد أتسامح مع الناس ولا أطيق سماع مشاكل الآخرين. أراجع شريط حياتي كثيراً فأندم على ظروف أو توجيهات اعتبرتها مسلمات، ألوم نفسي وأعتبر الخادمة أفضل مني لأنها تعمل بجد، أشعر أحياناً أني عجوز.
غير ما ذكرت هناك أعراض قرأتها هنا تنتمي للاكتئاب الخفيف أو المتوسط، و طول استمرارها للآن يجعلني أفكر بـ "عسر المزاج" كتشخيص.
أما أثناء عملي أو تدريبي أكون مستمتعة بالحياة ومتحمسة للتواصل مع أهلي والمجتمع وواثقة بنفسي وأرمي كل ما سبق وراء ظهري، هل أعطي للأمور أكبر من حجمها؟ هل أتوهم في نفسي؟ هل أنا مخطئة في رغبتي بفرصة أشعر بها بالحرية وامتلاك القرار أظن بعدها أني سأتعامل مع الأمور ومع أهلي بيسر؟ هل هذه حاجة نفسية أم أنني أحشر نفسي في زاوية؟.
مشكلتي الثانية حول الارتباط:
منذ أن أنهيت دراستي الجامعية قبل سنتين وعلى قلتهم، كلما تقدم إلي خاطب (عن طريق ما تسمونه زواج الصالونات) وتبدو مواصفاته أو الموضوع منطقياً وجاداً و قابلاً للموافقة، حتى أنقلب لمستر هايد. أشعر بكراهية لكل من يحدثني في الموضوع وامتعاض وقرف وعناد وأكاد أكره حتى والديّ اللذين يحاولان المضي في الموضوع وهما -والحق يُقال- لا يجبراني على شيء أو يضغطان علي إلا لأعطي فرصة للخاطب عندما يراني على الأقل! أو حتى فترة خطوبة يتم بها التعارف لكني لا أريد أن أرتبط ولو بكلمة!.
أشعر بالاختناق طوال أيام "التفكير" (أشعر بالاختناق بدرجة أقل أيام بطالتي) لدرجة فقدان الشهية للطعام والنوم كلما اقترب موعد "اللقاء"، وآخر مرة شعرت أن أذنيّ كادتا تصفران تلاها صداع ليومين.
أختنق لدرجة أشعر أني لكي أتخلص من هذا الاختناق أود قطع جانب رقبتي ومعه شريان أو وريد وتخيل تدفق الدم سيخفف من الضغط الذي أشعر به في رقبتي. أفكر بهذا دائماً وأتحسس رقبتي إلا أنها فكرة مجردة لا أقصد بها الانتحار أو إيذاء النفس أو رؤية الدم أو إحداث الألم، فأنا أجبن من أن أؤذي نفسي -ولا أريد ذلك- وليس لدي تاريخ بتشويه نفسي نتفاً للشعر أو جرحاً للبدن.
قد تكون هناك أسباب منطقية لرفضي كشرط يطلبه الخاطب أو ظروف تحيط به، إلا أنها يمكن لا تؤثر في مجمل مواصفاته العامة والمستقبل (المشرق!) الذي يعد به لزواج طيب وناجح -منطقياً- خاصة أني لست صغيرة وعادية شكلاً والمفروض -منطقياً- ألا أدقق كثيراً، كما أني قابلت في حياتي من يحمل نفس الظروف وفكرت وقتها بيني وبين نفسي -مزحاً- أني مستعدة للزواج من هكذا شخص لو كانت زوجته متوفاة!
أفكر: هل خوفي شيء طبيعي من أكبر قرار يتخذه الإنسان؟ هل خوفي مشابه لرهبة القرار الذي يمر به حتى من تزوج عن حب ونجح زواجه؟ هل أخاف من التغيير؟ أضع سلبيات الشخص جانباً، لكن هل هي جانباً بالفعل؟ ألا تؤثر بي؟ وقتها قفزت لذهني فكرة: أريد أن أعيش حياتي، لا أشعر أني عشت حياتي للآن. لا أعني اللهو وعدم المسؤولية بل العمل والإنتاج، وإن لم أكن مسؤولة حتى عن عمل حتى كيف سأكون مسؤولة عن شيء أكبر؟ الانكسار الذي في نفسي من بطالتي وحتى من دراساتي التي لم أكن مقتنعة بها (اقتنعت بها لاحقاً) أود محوه بالعمل الذي أعرف أنه سيعيدني لأقصى درجات الثقة بالنفس والقدرة على قبول خطوة كهذه عن قوة، وليس لأني لا أملك شيئاً أفضل أفعله في حياتي!.
ولأني منطقية ولا أريد أن أتسرع بقرار أندم عليه أو يلومني الآخرون عليه فيما بعد، لا أرفض من البداية رغم اختناقي، أمشي في الموضوع كارهة حتى يكرمني الله بإنهائه بإيجاد أسباب أو باستنكاف الطرف الآخر، وقتها أشعر براحة غامرة وحرية وحب للكون ولوالديّ مرة أخرى!.
حتى في مراهقتي لم تكن تجذبني حكايات الخطبة ولم أكن أعتبر الخطبة والزفاف والزواج شيئاً مفرحاً بقدر ما هو مسؤولية، للآن الزواج في حد ذاته لا يجذبني، بل شخص معين يمكن أن يحببني في الزواج ولست أتكلم هنا عن الحب، وإن كنت لا أمانع!.
لا أحب طريقة زواج الصالونات، يمكنني أن أقنع أي إنسان بأنه قد يكون الوسيلة الوحيدة في مجتمع أو بيئة أسرية محافظة إلا أنني أكرهه لنفسي، أيضاً أنا أكره لفت الأنظار وأن يُقام لي أي شيء.
والحق يُقال قبل دراستي الجامعية تقدم لي آخرون إلا أن ردة فعلي لم تكن بهذه الدرجة، كنت أكره الأسلوب لكن أمشي في الموضوع كدور يجب علي تأديته.
والحق يُقال! أن خلال دراستي الجامعية شهدت من خلال إخوتي 3 نماذج للفشل في الخطوبة والزواج- مقابل نموذجين نجحا- مصحوبة بسنين من معاناة الأسرة، ومع أني أؤمن أن لكل شخص تجربته الخاصة إلا أن تغير سلوكي يشهد بأني تأثرت، وأني لم أعد أملك حس البراءة تجاه تلك الأمور، إلا أنني كلما تقدمت في السن زاد وعيي بإمكانياتي وتمسكي بإثبات نفسي أولاً وأني قادرة على تغيير حياتي بنفسي وليس بانتظاري لطرف خارجي.
ليس لدي في سنواتي الماضية شيء آخر أعتقد أنه يؤثر بي.
هل خوفي طبيعي؟ هل أتناول حبة ضغط عندما أشعر بالاختناق! هل لدي حق في أفكاري؟
لو أريد أن أختصر المبدأ الذي أسير عليه فهو يُختصر في هذا الحديث: حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عندما تحضر إليه امرأة وتقول له: يا رسول الله ، أبي يريد أن يزوجني، وأنا لا أريد هذا الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ُتنكح إلاّ بإذنها، فتقول يا رسول الله قد رضيت ما اختار أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء في الأمر شيء (الحديث في النسائي وأبو داوود ، وابن ماجه)
"فين أذنك يا جحا؟" إنها ليست طريقة سيئة ما دامت ستحقق لي الشعور بحرية الاختيار!.
23/11/2008
رد المستشار
الأخت السائلة،
تعاطفت جداً مع مشكلتك؛ حيث مررتُ بمشكلة خاصة بالعمل وتوافر الفرصة المناسبة لي، والمشكلة لها حل إلا أن الناس لا تتقبل العمل في غير مجالها وذلك بسبب النقد المجتمعي، كما تعرضت أنت له.
وبالنسبة للارتباط، فأنت مترددة وهذا متوقع من شخصيتك لأنك تتصفين بشخصية وسواسية، وليس وسواساً قهرياً كما وصفته أنت، والتردد وصعوبة اتخاذ القرار خوفاً من أن يلوم الشخص نفسه بشدة على نتيجة القرار هو سبب ترددك وليس خوفك من الارتباط.
حل المشكلتين يتلخص في بجملة واحدة "أقدمي على خطواتك بشجاعة لأننا لو استسلمنا للخوف لن نبرح مكاننا"، ولا تفعلي شيئاً لستِ مقتنعة به.
أعانك الله على التعامل مع أهلك فأنا أقدّر كم هم متشددون معك، فارفقي بنفسك يا عزيزتي ولن يصيبك غير نصيبك، وهولا بد آتٍ.
ستحصلين على رزقك حتى لو قاومت ذلك، والله معك.
وتضيف المدققة اللغوية لموقع مجانين: هذه واحدة من أفضل الاستشارات تعبيراً ولغةً وبناءً، تقصح عن أفكار منظمة واضحة، وفهم للذات، وذكاء لا يخطئ القارئ ملاحظته. أكاد أقول أني ما وجدت خطأً يذكر في الإملاء أو النحو، مما جعل مراجعة استشارة بهذا الطول مسألة سهلة أشكر كاتبتها عليها من صميم قلبي وأدعو لها بهناءة البال وهدوء السريرة.
* ويضيف د.وائل أبو هندي الأخت الفاضلة نانو أهلا وسهلا بك على مجانين ليست لدي إضافة بعد ما تفضلت به مجيبتك د.دعاء إلا أن أقول لك أن من الممكن أن تجدي بعض الفائدة من العلاج المعرفي السلوكي إذا وجدت من يستطيع تقديمه لك... وأعتذر لأنني لم أستطع حذف كل ما طلبت حذفه لأن ذلك سيخل بتشخيص وتوصيف المشكلة لكننا جهلنا بياناتك وهذا يكفي فسامحينا....
واقرئي على مجانين:
هل أنت شخصيةٌ قسرية؟
بين يقظة الضمير والشخصية القسرية شعرة
فرط الشعور بالذنب: شخصية قسرية
شخصية قسرية (وسواسية قهرية) كالنموذج!